انتخب السيد عيسى البكوش في المؤتمر 17 رئيسا للاتحاد الا ان خلافه مع مدير الحزب اضطره للاستقالة سنة 1971. عايش مؤتمر قربة 1971 ورغم انتمائه للحزب الحاكم الا انه فضل عدم الانخراط في »الانقلاب« وانضم الى صفوف المنادين بإنهاء أشغال المؤتمر وقد لعب دورا مركزيا في تلك الأحداث. ❊ السيد عيسى البكوش عشتم أحداث مؤتمر قربة 1971 وكنتم تنتمون الى الحزب الحاكم ومع ذلك فقد رفضتم نتائج المؤتمر وعبرتم عن خط مغاير لخط حزبكم، فما هي دوافعكم في ذلك، وكيف تقيمون تلك المرحلة؟ أريد أن أوضح في البداية مسألة هامة، فنحن لم نرفض نتائج المؤتمر وإنما اعتبرنا أنه لم ينه أشغاله وكان هذا هو الوصف المعتمد انذاك لما حصل في مؤتمر قربة 71. فهو مؤتمر لم ينه أشغاله بسبب مداهمته بالقوة، ولذلك فقد سمّي المؤتمر الذي أنجز سنة 1988 بالمؤتمر 18 خارق للعادة تصديقا لمقولة ان المؤتمر لم ينه أشغاله، وهي المرة الاولى في تاريخ الحركة الطلابية في العالم (حسب علمي) التي تعلق فيها أشغال مؤتمر منظمة طلابية طيلة 17 سنة. وقبل مؤتمر قربة 71 يجب العودة الى مؤتمر المهدية 69 لأنه مثل محطة تاريخية هامة في تاريخ الحركة الطلابية عاد خلالها الاتحاد العام لطلبة تونس الى معينه الاصلي ليس فقط من حيث التمثيلية انما ايضا من حيث الاستقلالية والتسيير الديمقراطي لهياكله، والحقيقة ان هذا التمشي أو هذا الخيار قد انطلق منذ كنا ندرس في بارس (63 68) وكانت ممارستنا للعمل النقابي داخل الاتحاد العام لطلبة تونس أو حتى داخل تنظيم الطلبة الدستوريين متسمة بحرية التعبير وابداء الرأي وتمكين الآخر من التعبير عن رأيه باعتبار ان الوطن يمثل قاسما مشتركا وان العمل النقابي يجمع ولا يفرق وان هذه المنظمة العتيدة التي نشأت في رحم الحركة الوطنية سنة 1952 يمكن ان تستوعب الجميع. وهنا أشير الى ان المؤتمر التأسيسي أنجز سنة 1953 بباريس الا ان شرارة تأسيس الاتحاد، انطلقت في فيفري 1952 إبان »الثورة« (جانفي 52) واجتمع حول تأسيس الاتحاد الطلبة الزيتونيون وكان يمثلهم أحمد الخبثاني والطلبة المدرسيّون وكان يمثلهم عبد المجيد شاكر وقد بارك بورقيبة انجاز المؤتمر التأسيسي من منفاه وبعث برسالة خالدة قال فيها »ان النضال وحده هو الذي يعطي معنى للحياة«. قلت اذن ان الاتحاد عاد في مؤتمر المهدية الى معينه الاصلي حيث كرسنا الاستقلالية والتعدد كما كرسنا استقلالية المكاتب الفيدرالية وأعطيت هامشا كبيرا من حرية الحركة لمعالجة مشاكل الكليات وتدبير أمور الطلبة وكان الأصدقاء والرفاق في المكاتب الفيدرالية ينضمون الينا في المكتب التنفيذي للتعاون والتشاور ولتحمل مسؤولية تسيير المنظمة. هذا التمشي لم يكن يعجب الجميع انذاك، لذلك حصلت بعض الاحتدامات بيننا وبين بعض المسؤولين الذين أعتبروا أن سلوكنا نوع من الخروج عن الصف أو الخطر. وطبعا أقصد المسؤولين في الحزب وأنا أنتمي الى هذا الحزب منذ بواكير شبابي سنة 1958 منذ أن كنت تلميذا في الصادقية ثم انخرطت في تنظيمه الطلابي وتحملت مسؤولية متقدمة عندما درست في فرنسا، ولكن انتمائي للحزب لم يمنعني من الفصل بين المجالات فقد كنت صحبة عدد من الاصدقاء والزملاء نفرق بين الانتساب السياسي والعمل النقابي. وقد كان أصدقاؤنا في الألوان السياسية الأخرى يشاطروننا نفس الرؤية وهو أمر عشته عندما كنت على رأس المنظمة وقد كرّس مؤتمر قربة 1971 هذه العقلية وكان يريد الذهاب بالعمل النقابي الى أبعد حدوده من التفاهم والوحدة، وتوجهنا نحو المؤتمر وهياكل الاتحاد منسجمة مع القاعدة ومتبنية لكل مطالبها وهي تقريبا أول مرة تكون فيها اللحمة متينة بين الاتحاد والطلبة بعد ان شهدت العلاقة في فترات سابقة قطيعة. وأنا شخصيا أعلنت في أول خطاب لي في كلية 9 افريل أني أمين عام كل الطلبة التونسيين وهو ما جلب لي المساءلة من قبل بعض المسؤولين في الحزب الذين اعتبروا أن كلامي خارج عن المألوف (مع كامل احترامي لكل من ناضل في الاتحاد العام لطلبة تونس وتحمل مسؤولية داخله). اضافة الى هذه التغيرات الخاصة بالحركة الطلابية لابد من الاشارة الى الواقع السياسي العام، حيث جئنا في فترة تبنت فيها البلاد التوجه الاشتراكي وتجربة التعاضد وهو ما أثر على لوائح مؤتمر المهدية الذي ساند هذا التوجه لكن بعد ذلك وقع العدول عن هذا التوجه وعدل مجلس الجمهورية (الوزراء واعضاء الديوان السياسي برئاسة بورقيبة) هذا المسار وطلب منّي كأمين عام أن أساند التوجه الجديد، ولكني لم أفعل باعتبار ان هذا القرار من مشمولات الهيئة الادارية التي رفضت بدورها مساندة التوجه الجديد نظرا لأن مؤتمر المهدية تبنى في لوائحه مساندة التوجه الاشتراكي ولم يكن من الممكن العمل ضد هذه اللوائح وبذلك تمسك الاتحاد بموقفه وخرج عن »الصفّ العام«. وحاول البعض ان ينسبنا الى شخص »أحمد بن صالح« الا أننا فسرنا في عديد المناسبات أننا متمسكون بالتوجه وليس بشخصه رغم انه رائد الحركة الاشتراكية في الدولة وكل ما في الامر هو اننا متمسكون بإستقلالية الاتحاد. وأذكر أني بعثت رسالة الى مدير الحزب حسيب بن عمار »قلت له فيها ان قوة الحزب في دعمه للمنظمات والجمعيات وليس في تذييلها« وكانت رسالة مفتوحة نشرتها في كل الجرائد. ومن الاسباب الاخرى لعدم انسجامنا مع ادارة الحزب هو اننا كنا نعتبر أنفسنا أصحاب الميدان والأدرى بشؤون الطلبة ولذلك نحن لا ننتظر إملاءات من خارج الحركة الطلابية لتوجيهنا، اضافة الى كل هذه الحيثيات فقد شهدت البلاد توجها نحو الديمقراطية بعد خطاب بورقيبة الشهري في 1970، وأندفعنا كطلبة نحو تكريس الديمقراطية حتى أن السيد أحمد المستيري دعا الى الحذر في الانفتاح الديمقراطي وضرورة التقيد ببعض الحدود. غير أنه لم يكن من الممكن فرض هذه الحدود على الطلبة، ففي سن العشرين لا يمكن ان تفرض على شاب ما يمكن ان يفرض على المسؤول في الدولة، وقد أصدرنا عديد الكتابات والأدبيات في وقتها تعبر عن نهجنا وتمسكنا بالاشتراكية كبرنامج اقتصادي وبالديمقرطية كنهج سياسي وأمام معرفة الجميع وقناعتهم بأننا سنمارس قناعاتنا في مؤتمر قربة 71 تمت مداهمة المؤتمر وايقاف أشغاله ليمنعوا الأغلبية من ممارسة قناعاتها. ❊ كيف تصرفتم إزاء هذه المداهمة؟ وماذا فعلتم كأغلبية لإعادة الأمور الى نصابها؟ تصرفنا بكل هدوء وثبات ولم نفعل ذلك وحدنا فقد أعلمنا الرأي العام الوطني والعالمي بما حصل وتكونت لجنة تضم 5 أشخاص تحملوا مسؤولية اعلام الرأي العام، وبعد العودة الجامعية أخذت الحركة الطلابية على عاتقها مسؤولية مواجهة ما حصل وظلت تناضل من أجل ذلك وأنا نفسي كنت أعبر عن هذا الرأي في كل كتاباتي وكلامي. ولابد من التذكير أن الدولة حاولت في بعض الأوقات حل المشكل لأنها رأت أن الوضع غير صحيح، حتى أن المحاولات لتجاوز ما حصل في قربة لم تنجح وأنجزت بعض المؤتمرات تحمل أرقاما ولكن الرقم الهام بقي 18 والدليل أنه عند انجاز المؤتمر 18 خارق للعادة محيت كل تلك الأرقام وأنصف التاريخ الاغلبية في المؤتمر 18 بقربة 1971 وأنا هنا فخور بهذا الاعتراف وفخور ايضا بأن تونس تمكنت من تجاوز أزمة الاتحاد سنة 1988 بعد التحول وكنت قد بعثت لائحة شكر للرئيس زين العابدين بن علي لأنه مكّن المنظمة من استرجاع أنفاسها، لأنها في الحقيقة مكسب وطني هام ومدرسة للديمقراطية ولتعلم الفعل السياسي والأكيد أنكم حاورتم عددا من المنتمين لها في تلك الفترة ولاحظتم مستوى التكوين الممتاز بقطع النظر عن التوجهات، المهم اذن أنه وفي تلك الفترة وفي مؤتمر قربة 71 كنا متجهين نحو تكريس التعددية داخل المنظمة لأننا نؤمن بضرورة ان تكون متنوعة من أجل استمراريتها وديمومتها ولأننا لمسنا خلال الفترة الممتدة من 69 الى 1971 نضج الاطراف الأخرى، فكنا نرفض الهيمنة لأي طرف مع احترام الحق في الأغلبية لأنها نتاج للديمقراطية ولتحكيم الصندوق، وامام هذه الارادة تدخلت السلطة وعطلت أشغال المؤتمر. ❊ كيف نجحتم في تلك الفترة في تجميع الطلاب حولكم وتمثيلهم؟ هناك سببان للتمثيلية الكبيرة التي عرفتها المنظمة، السبب الاول هو الانسجام الحاصل بين مختلف التيارات والآراء في الجامعة مع المكتب التنفيذي إذ لم نقص أحدا وفي المقابل كان أصدقاؤنا ورفاقنا في التيارات السياسية الاخرى يبادلوننا نفس الرؤية والمنطق وكان هناك احترام شديد بيننا، كما كنا منسجمين مع الحركة الطلابية ونهتم بمشاكل الطلاب ونعبر عن رأيهم لدى المسؤولين آنذاك، وكنا نقول لوزير التربية في لقاءاتنا معه ان مصلحته تكمن في ان يحاور منظمة تمثل كافة الطلبة وتعبر عن رأيهم وليس من مصلحة أحد أن يكون المسؤولون النقابيون أداة للتعبير عن رأى الوزارة لدى الطلبة، كما كنا نريد بناء شراكة حقيقية لأن ادارة الجامعة لا تخص الوزارة بل هي شأن كل الاطرف. وهو ما جسدناه فعلا، ففي تلك الفترة مثلا كان الاتحاد هو الذي يدرس ملفات المنح الجامعية وهو من يسندها الى الطلبة، والسبب الثاني ان الجانب النقابي لا يمثل في الحقيقة سوى جزء من عمل الاتحاد حيث أخذ الجانب الثقافي والرياضي حيزا كبيرا من اهتمامنا وكنا ننشط بكثافة في هذا المجال، ففي المجال المسرحي شاركنا في حركة المسرح الجامعي التي أسسها »جاك لون« وأنتجنا عديد المسرحيات عرضت بالفضاءات الوطنية وقد أنتجت حركتنا المسرحية العديد من الرموز في هذا المجال كوزير الثقافة الحالي السيد رؤوف الباسطي والسادة محمد ادريس ومحمد مديوني وكلها اسماء لامعة اضافة الى الحركة الثقافية التونسية، اضافة الى عديد الاسماء الاخرى. وفي السينما كان السيد خميس الخياطي ينظم عديد اللقاءات والعروض، كما كوّنا فرقة موسيقية أدارها محمد الڤرفي وجالت عديد البلدان مثل ايران وتركيا، كما كان لنا ايضا اهتمام كبير بالعمل المغاربي والدولي حيث شارك الاتحاد العام لطلبة تونس في تأسيس كنفدرالية طلبة المغرب سنة 1958 عندما كان محمد عمامو في المنظمة وكان لي شرف المشاركة في اعادة إحيائها في الرباط سنة 1968 ، وقد حضرت معنا عديد الوجوه المغاربية البارزة اليوم كالخصايصي والوازغي، وشاركنا في عديد المؤتمرات الدولية ففي المؤتمر العاشر للاتحاد العالمي للطلبة مثلت الاتحاد صحبة السيد »الحبيب الشغال« ونددنا في »براغ« بالذات بالتدخل السوفياتي سنة 1968 وهو ما يعكس أننا كنا نتخذ مواقفنا وفق قناعاتنا ووفق مصلحة الاتحاد. ❊ كيف ترون الواقع الآن داخل المنظمة؟ الآن تكتب صفحات جديدة في كتاب الاتحاد الذي تجاوز الخمسين سنة وهناك العديد من النقائص ولابد الآن من الرجوع الى ثوابت الاتحاد وهي أوّلا، التمثيلية، اذ لابد أن تمثل المنظمة أكثر عدد ممكن من الطلبة، ثانيا، الاستقلالية بأن ينبع القرار من داخل الطلبة وثالثا يجب أن يكون تسيير هياكل المنظمة بصفة ديمقراطية أي ضرورة التعايش الديمقراطي. ولابد للماسكين الآن بدواليب المنظمة ان يتحلوا بروح المسؤولية وان يعوا ضرورة حق الآخر في إبداء الرأي، ولذلك أنا أدعو الى دخول الطلبة الدستوريين الى المنظمة لأن إقصاءهم بلا معنى بل إن الاتحاد العام لطلبة تونس يفقد الكثير من المعنى اذا لم يكن يمثل كافة الطلبة مهما كانت انتماءاتهم الفكرية والسياسية، كما ان عودة الطلبة الدستوريين تأتي في اطار استرجاع مواقعهم نظرا لإرثهم التاريخي حيث ان المنظمة تكونت بالتعاون مع تنظيمات اخرى وأهمها الحزب الدستوري، ونظرا لأنه من غير المعقول تواجد الطلبة الدستوريين خارج المنظمة لأنها اطار يجمع ولا يفرق. وأرى أنه من واجب الماسكين بالأمور في المنظمة الآن العمل على تطبيق الثوابت التي عملنا من أجلها وأعتقد أن المكاسب ستكون كبيرة بعودة المنظمة لإشعاعها ولتجميعها لكافة الطلبة. وأختم بأن أعبر عن اعتزازي وفخري بانتمائي للاتحاد العام لطلبة تونس وبعملي على خدمة الطلبة ومع الطلبة وكان هذا هو اسم البرنامج الاذاعي الذي كنت أثثته لما كنت رئيسا للاتحاد، »مع الطلبة«.