ايداع 9 من عناصرها السجن.. تفكيك شبكة معقدة وخطيرة مختصة في تنظيم عمليات "الحرقة"    الرابطة الثانية (ج 7 ايابا)    قبل نهائي رابطة الأبطال..«كولر» يُحذّر من الترجي والأهلي يحشد الجمهور    أسير الفلسطيني يفوز بالجائزة العالمية للرواية العربية    حادث مرور مروع ينهي حياة شاب وفتاة..    حالة الطقس لهذه الليلة..    أولا وأخيرا: لا تقرأ لا تكتب    افتتاح الدورة السابعة للأيام الرومانية بالجم تيسدروس    إيران تحظر بث مسلسل 'الحشاشين' المصري.. السبب    إنتخابات جامعة كرة القدم: إعادة النظر في قائمتي التلمساني وتقيّة    بسبب القمصان.. اتحاد الجزائر يرفض مواجهة نهضة بركان    البنك التونسي للتضامن يحدث خط تمويل بقيمة 10 مليون دينار لفائدة مربي الماشية [فيديو]    بين قصر هلال وبنّان: براكاج ورشق سيارات بالحجارة والحرس يُحدّد هوية المنحرفين    نابل: إقبال هام على خدمات قافلة صحية متعددة الاختصاصات بمركز الصحة الأساسية بالشريفات[فيديو]    الكشف عن مقترح إسرائيلي جديد لصفقة مع "حماس"    بطولة المانيا : ليفركوزن يتعادل مع شتوتغارت ويحافظ على سجله خاليا من الهزائم    تونس تترأس الجمعية الأفريقية للأمراض الجلدية والتناسلية    المعهد التونسي للقدرة التنافسية: تخصيص الدين لتمويل النمو هو وحده القادر على ضمان استدامة الدين العمومي    2024 اريانة: الدورة الرابعة لمهرجان المناهل التراثية بالمنيهلة من 1 إلى 4 ماي    مشروع المسلخ البلدي العصري بسليانة معطّل ...التفاصيل    عميد المحامين يدعو وزارة العدل إلى تفعيل إجراءات التقاضي الإلكتروني    انطلاق فعاليات الدورة السادسة لمهرجان قابس سينما فن    بودربالة يجدد التأكيد على موقف تونس الثابث من القضية الفلسطينية    الكاف: قاعة الكوفيد ملقاة على الطريق    استغلال منظومة المواعيد عن بعد بين مستشفى قبلي ومستشفى الهادي شاكر بصفاقس    الدورة الثانية من "معرض بنزرت للفلاحة" تستقطب اكثر من 5 الاف زائر    تسجيل طلب كبير على الوجهة التونسية من السائح الأوروبي    بطولة مدريد للتنس : الكشف عن موعد مباراة أنس جابر و أوستابينكو    جمعية "ياسين" تنظم برنامجا ترفيهيا خلال العطلة الصيفية لفائدة 20 شابا من المصابين بطيف التوحد    جدل حول شراء أضحية العيد..منظمة إرشاد المستهلك توضح    تونس تحتل المرتبة الثانية عالميا في إنتاج زيت الزيتون    الأهلي يتقدم بطلب إلى السلطات المصرية بخصوص مباراة الترجي    كلاسيكو النجم والإفريقي: التشكيلتان المحتملتان    عاجل/ الرصد الجوي يحذر في نشرة خاصة..    اليوم.. انقطاع الكهرباء بهذه المناطق من البلاد    فضيحة/ تحقيق يهز صناعة المياه.. قوارير شركة شهيرة ملوثة "بالبراز"..!!    وزير السياحة: 80 رحلة بحرية نحو الوجهة التونسية ووفود 220 ألف سائح..    عاجل/ مذكرات توقيف دولية تطال نتنياهو وقيادات إسرائيلية..نقاش وقلق كبير..    ليبيا ضمن أخطر دول العالم لسنة 2024    بمشاركة ليبية.. افتتاح مهرجان الشعر والفروسية بتطاوين    بن عروس: انتفاع قرابة 200 شخص بالمحمدية بخدمات قافلة طبيّة متعددة الاختصاصات    برنامج الدورة 28 لأيام الابداع الادبي بزغوان    في اليوم العالمي للفلسفة..مدينة الثقافة تحتضن ندوة بعنوان "نحو تفكرٍ فلسفي عربي جديد"    الإتحاد العام لطلبة تونس يدعو مناضليه إلى تنظيم تظاهرات تضامنا مع الشعب الفلسطيني    8 شهداء وعشرات الجرحى في قصف لقوات الاحتلال على النصيرات    مدنين: وزير الصحة يؤكد دعم الوزارة لبرامج التّكوين والعلاج والوقاية من الاعتلالات القلبية    الكاف: إصابة شخصيْن جرّاء انقلاب سيارة    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    وزير الخارجية يعلن عن فتح خط جوي مباشر بين تونس و دوالا الكاميرونية    السيناتورة الإيطالية ستيفانيا كراكسي تزور تونس الأسبوع القادم    بنسبة خيالية.. السودان تتصدر الدول العربية من حيث ارتفاع نسبة التصخم !    تألق تونسي جديد في مجال البحث العلمي في اختصاص أمراض وجراحة الأذن والحنجرة والرّقبة    منوبة: تفكيك شبكة دعارة والإحتفاظ ب5 فتيات    مقتل 13 شخصا وإصابة 354 آخرين في حوادث مختلفة خلال ال 24 ساعة الأخيرة    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صناعة الأمراض الوهمية
الصيدلة والإشهار:
نشر في الشعب يوم 02 - 10 - 2010

يسعى تجار الصحّة للحصول على مرض لكل مادة صيدليّة ينتجونها تنفق المؤسسات الصيدلية في أمريكا على الاشهار ضعف ما تنفقه على البحوث والدراسات العلمية في بعض الاحيان تخفي المؤسسة الصيدليّة مخاطر الأدوية أو تقلّل منها كلّ مواطن سليم هو مريض يجهل مرضه أدوية واعلانات وفضائح سمير أبو زينبمنذ سنين نبّه العديد من المختصّين في مجال الصحّة من مخاطر الأدوية الجديدة وقد لاحظوا أنّ السماح بترويجها قد رافقته حملات إشهار غير مسبوقة تعد بالقضاء على هذا المرض أو ذاك.
فقد لاحظ باحثون مختصّون أنّ ما يقارب 85 بالمائة من الأدوية الجديدة لا تحمل معها في غالبيّة الأحيان أي تميّز عن سابقاتها وبالمقابل فهي تعرّض المرضى إلى آثار جانبيّة جدّ خطيرة. نذكّر بأنّ المنظّمة العالميّة للصحّة قد وضعت جدولا خاصّا بأسباب الوفيات في العالم بحيث احتلّت أمراض القلب والشّرايين المرتبة الأولى تليها أمراض السرطان. أمّا السبب الثالث للوفاة في العالم فهو تناول الأدوية. لقائل أن يقول كيف يمكن أن يؤدّي استعمال الأدوية إلى ذلك والحال أنّه من المفروض أن تسمح بعلاج الأمراض. ما من شكّ أنّ تناول الأدوية لا يخلو من مخاطر وهذا لا يعني أن نجرّم هذه المواد وندعو إلى التخلّي عنها علما بأنّها قد ساهمت في القضاء على العديد من الأمراض كالمضادات الحيويّة على سبيل المثال. لكن أن تحتلّ هذه الأدوية المرتبة الثالثة في التسبب في الوفاة وأن تتعدّد الفضائح الخاصّة ببعض الأدوية خصوصا في العشريّتين الأخيرتين فهذا مدعاة للتساؤل والحيرة.يموت سنويّا 700 ألف مواطنا أمريكيّا من جرّاء الأعراض الجانبيّة للأدوية. ثلث حالات الإقامة بالمستشفيات مرتبطة بهذه الأعراض. في فرنسا تبلغ حالات الإقامة بالمستشفيات المرتبطة بالأعراض الجانبيّة للأدوية 130 ألف حالة سنويّا.في 17 أوت 2010 قدم الدكتور Donald Light أستاذ الصحّة في كليّة الطب والصيدلة بNew Jersey خلاصة ملاحظاته بأطلنطا وذلك بمناسبة انعقاد الدورة 105 للجمعيّة الأمريكيّة لعلوم الاجتماع وصرّح للصحافة ما يلي : »في بعض الأحيان تخفي المؤسّسات الصيدليّة مخاطر الأدوية أو تقلّل منها وهذا جليّ بالنسبة للأدوية الجديدة بينما تطنب في الحديث عن مزاياها ثمّ تخصّص ضعف الوقت الذي تخصّصه للبحوث للقيام بالإشهار وذلك لإقناع الأطباء بضرورة وصف هذه الأدوية الجديدة وقد يحصل الأطباء على معلومات خاطئة...«.لقد اعتمد الدكتور Light في استنتاجاته على تحليل عميق للمؤسّسة الصيدليّة ومعطيات عديدة استقاها من دراسات علميّة بما في ذلك التي نشرتها مؤسّسات مسؤولة عن الصحّة مثل مؤسّسة مراقبة الدّواء والغذاء في الولايات المتحدة الأمريكيّة FDA ومؤسّسات صحيّة عموميّة كنديّة ومجلاّت طبيّة مختصّة مثل مجلّة Prescrire International وقد جمع هذه المعطيات في كتاب بعنوان مخاطر الوصفات الطبيّة والذي نشرته مؤسّسة Columbia University Press.تنفق مؤسسات الصيدلة العالميّة ملايين الدولارات وتدفع بعديد الخبراء لإقناع الأطباء والمواطنين بفوائد بعض الأدوية إضافة لما كانت مخصّصة له. كما تخصّص المؤسّسات الصّيدلة ملايين الدّولارات لإرساء جهاز إداري يحميها من التتبّعات القضائيّة وإخفاء المعلومات الخاصّة بمخاطر بعض الأدوية. بعض المؤسّسات الصيدليّة تقدّم للسّلط الصحيّة عددا كبيرا من الاختبارات المنقوصة حول الأدوية التي تبتغي تسويقها. "فمن بين 111 دراسة لطلب السماح بترويج الأدوية 40 بالمائة منها تشمل على قياسات مغلوطة و39 بالمائة لا تبرز أي نجاعة تذكر بينما تثير 49 بالمائة منها مخاوف خطيرة. نفس المصدرمن بين هذه الأدوية نذكر بعض الأدوية المخفّضة للكولسترول والتي سحب منها عدد كبير بعد أن تسبّبت في عديد الوفيات والأعراض الجانبيّة الخطيرة من ذلك تفتّت العضلات وقصور كلوي نهائي وقصور في وظيفة الكبد...كلّ دولار يوظّف في إنتاج دواء جديد وذي قيمة علاجيّة يوفّر للمصنّعين ما يقارب ألف دولار. من المظاهر الجديدة الخاصّة بمؤسّسات الصيدلة العالميّة أنّها أصبحت تتعاون بصفة وثيقة مع مؤسّسات عالميّة مختصّة في ميادين أخرى مثل إنتاج المبيدات والبذور المحوّرة جينيّا مثل مؤسّسات DuPont وMonsanto وSyngenta.تحتكر السبع مؤسّسات صيدلة العالميّة الأولى 50 بالمائة من السوق الدّوليّة للأدوية والتي قدّرت قيمتها ب700 مليار يورو بالنسبة لسنة 2009. فلقد تجاوزت أرباح هذه المؤسّسات ما جنته مؤسّسة الصّناعة العسكريّة الأمريكيّة. كلّ ذلك لا ينفي أنّ هناك أدوية ناجعة. فلا نقصد بهذه الملاحظات التشكيك في الإنجازات العلميّة التي عرفها قطاع الصحّة خلال القرن الماضي ولكنّنا بصدد معاينة أوضاع خطيرة طالت هذا القطاع وقد ساهم الإشهار في إخفاء المخاطر المنجرّة عنها.يرىJörg Bech وهو صحافي مختصّ في الشؤون العلميّة ومتعاون مع مجلّتي Die Zeit و Der Spiegl الألمانيّتين أنّه إذا كنّا في السابق نأمل في الحصول على علاج لكلّ مرض فإنّ تجّار الصحّة أو المرض يسعون جاهدين للحصول على مرض لكلّ مادّة صيدليّة ينتجونها ويعني هذا أنّ بعض المؤسّسات الصيدليّة قد سعت لخلق أمراض وهميّة تخصّص لها أدويتها وسنذكر البعض منها.قامت مؤسّسة مراقبة الأدوية والغذاء بالولايات المتّحدة الأمريكيّة FDA بعمليّة سبر للآراء في أوساط رجال العلم المتعاونين معها وقد شمل ذلك 997 عالما وجاءت النتائج كما يلي :40 بالمائة من بين هؤلاء العلماء يتوجّسون من ردود فعل مؤسّسات الصيدلة إذا ما عبّروا للجمهور عن تخوّفاتهم من الآثار الجانبيّة لبعض الأدوية التي وقع الترخيص بترويجها.47 بالمائة فقط من هؤلاء العلماء يعتقدون أنّ مؤسّسة مراقبة الدّواء والغذاء تقدّم معلومات صحيحة للمواطنين.81 بالمائة من العلماء المستجوبين يرون أنّه يمكن للمواطنين أن يساهموا في مراقبة الصناعة الصيدليّة إذا ما تدعّم استقلال مؤسّسات مراقبة الإنتاج الصيدلي مثل مؤسسّة FDA علما بأنّ عديد الخبراء العاملين بهذه المؤسّسات يرتبطون بمخابر ومؤسّسات صيدلة. فعلى سبيل المثال تحصّل الدّواء Vioxx المضاد للالتهاب والذي تناوله ملايين المواطنين في كلّ أرجاء العالم بما في ذلك في البلدان العربية على موافقة هذه المؤسّسة رغم توفّر دراسة تربط استعمال هذا الدّواء بارتفاع حالات النوبة القلبية ولم يقع سحبه من الأسواق الدوليّة سوى بعد أن تسبّب في كوارث وحالات وفاة.عشر خبراء من مؤسّسة مراقبة الدّواء كانت لهم علاقات وارتباطات بالمؤسّسة المنتجة لدواء Vioxxلقد أشارت مؤسّسة Public Citizen Health Group وهي مؤسّسة تمثّل مصالح المستهلكين في الكنغرس الأمريكي أنّه في 73 بالمائة من 221 دراسة للأدوية بين سنة 2001 و2004 لوحظ تضارب مصالح إذ ارتبط العديد من المختصين والخبراء العاملين بوكالات المراقبة الصيدلية بالمؤسسات المنتجة فكانوا في نفس الوقت الخصم والحكم.من بين أعضاء الجمعيّة الإستراتيجية الاستشارية لخبراء المنظّمة العالميّة للصحّة هناك أعداد هامّة ترتبط بصفة مباشرة بمؤسّسات الصيدلة مستشارون ومديرون منفّّذون.أثار البرلمان الهولندي فضيحة دوّت في كامل البلاد إذ بيّن ارتباط عديد الشخصيّات العلميّة المؤثّرة في الاختيارات الصحيّة بمؤسّسات الصيدلة خصوصا منها المنتجة لللّقاحات. فهذا Klaus Stöhr الذي شغل خطّة مدير قسم الأمراض الوبائيّة بالمنظّمة العالميّة للصحّة أثناء بروز أنفلوانزا الطّيور والذي أعدّ مخطّط مقاومة هذا الوباء إطار هامّ في مؤسّسة Novartis وهذا القضاء الأمريكي يلاحق السيّد Perason وهو إطار في المعهد الأمريكي للصحّة NIH بتهمة خرق القانون الأمريكي الخاصّ بتضارب المصالح بإخفائه لعلاقاته الماليّة بمؤسّسات صيدليّة كبرى حيث تلقّى 285 ألف دولارا من إحدى المؤسّسات وذلك لترويج علاج لمرض ألزهايمر والتّأثير على المعهد للسماح بتسويق هذا الدّواء الجديد.باسم الحفاظ على سريّة المعلومات تعجز المؤسّسات الصحيّة العموميّة عن الحصول على كلّ الوثائق الخاصّة بالأدوية وذلك في 25 إلى 37 بالمائة من الحالات. كمثال ذلك التقرير الخاصّ بدواء Acomplia الذي وقع سحبه من الأسواق حيث تبيّن لمجلّة Prescrire أنّه وقع إخفاء 66 صفحة من بين 68 صفحة .تعتبر الولايات المتّحدة الأمريكيّة مقياسا لأهميّة الإشهار في ميدان المواد الصيدليّة لأنّ مؤسّسات الصيدلة هي عبارة عن مجامع دوليّة تستعمل تقريبا نفس أساليب الدّعاية وذلك كلّما وجد مواطنون قادرون على دفع معلوم الدّواء بما في ذلك المعافون من الأمراض. كذلك فإنّ اعتماد الولايات المتّحدة الأمريكيّة كمقياس يجد مبرّرا له في توفّر المعلومات الخاصّة بتضارب المصالح وهذا مقارنة بالبلدان المصنّعة الأخرى. تشير الجمعيّة الدوليّة للأدوية في منشوراتها International Society of Drog Bulletins إلى أنّه من جملة 500 دواء جديد عشرة فقط تحمل معها تجديدا وابتكارا.قدّرت مؤسّسة Cegedim Strategic Data (CSD) وهي مؤسّسة رائدة في مجال الدّراسات الخاصّة بالصّناعة الصيدليّة نفقات الدّعاية والإشهار لمخابر الصيدلة المترتّبة عن الزيارات ووسائل الإشهار الأخرى 93,2 مليار دولار وهذا بالنسبة لسنة 2009 أي بزيادة 1,6 بالمائة. وقد توزّعت كما يلي : 55,7 مليار دولار للزيارات الطبيّة التي مثّلت 60 بالمائة من نفقات الإشهار و13,4 مليار دولار للملتقيات والمآدب أي بزيارة 10 بالمائة مقارنة مع سنة 2008.في دراسة لMarc-André Gagnon من جامعة كيبك بالكندا بتاريخ 03 جانفي 2008 جاء ما يلي :» تنفق المؤسّسات الصيدليّة في الولايات المتحدة الأمريكيّة للإشهار والدّعاية ضعف ما تنفقه للبحوث والدّراسات العلميّة«. بالتعاون مع مختصّين من جامعة نيويورك وضع هذا الأخير تقريرا نشرته مجلّة Plos Medicine قام من خلاله بتقدير علمي ومدقّق لمختلف النفقات الخاصّة بالإشهار والدّعاية للمواد الصيدليّة.رغم خطورة الاستنتاجات السابقة الذكر لم يأخذ الدّارسون بعين الاعتبار الدراسات الإكلينيكية في المرحلة الرابعة والملتقيات والمآدب بغايات إشهاريّة حيث ارتفع عددها من 120 ألف سنة 1998 إلى 371 ألف سنة 2004. خلص التقرير أيضا إلى تحديد نفقات الإشهار بحيث قدّرت في سنة 2004 ب57,5 مليار دولار بينما قدّرت نفقات البحوث العلميّة ب29,6 مليار دولار. لقد أنفقت الصناعة الصيدليّة 61 ألف دولارا سنويا عن كلّ طبيب للقيام بإشهار المواد الصيدليّة وهذا الرقم يستثني عديد الطرق الإشهاريّة الأخرى التي لم يتمكّن الدّارسون من ضبطها كالبحوث المغلوطة في مجلاّت علميّة مزعومة والدّعاية عن طريق البريد والانترنت وغيرها.إذا قارننا هذه النفقات بقيمة المبيعات في تلك السنة والتي بلغت 235 مليار دولار مثّل الإشهار 24,4 بالمائة من رقم المعاملات بينما مثّل البحث العلمي 13,4 بالمائة فقط من قيمة المبيعات. يخلص الدّارسون إلى: » أنّ المحرّك الأساسي للصّناعة الصيدليّة لم يعد البحث العلمي وإنّما القدرة على الدّعاية والإشهار للتأثير على أكبر عدد ممكن من الأطبّاء والمواطنين على حدّ سواء«.تتطابق هذه الاستنتاجات مع ما توصّلت إليه الهيئة العامّة للمراقبة الخاصّة بالقضايا الاجتماعيّة الفرنسيّة IGAS والتي أقرّت بأنّ الصّناعة الصيدليّة قد أحكمت سيطرتها على المعلومات الطبيّة... بل أنّها دعت إلى نزع أسلحة الدّعاية والإشهار تشبيها بنزع أسلحة الدّمار الشامل.رغم كلّ ذلك فهذه المؤسّسات الصيدليّة العالميّة تسعى جاهدة للتمكّن من الإشهار المباشر عن طريق وسائل الإعلام المرئيّة والمكتوبة رغم معارضة أهمّ المؤسّسات الصحيّة العموميّة في أغلب البلدان الصناعيّة بل هي تسعى اليوم لأخذ نصيبها من تدريس طلبة كليّات الطبّ وإعداد جيل جديد من الأطبّاء المهيئين لقبول ما تقرّه هذه المؤسّسات وتفرضه على العموم.فباستثناء الولايات المتحدة الأمريكيّة وزيلاندا الجديدة فإنّ معظم البلدان المصنّعة لم تقبل بالإشهار المباشر للأدوية بل لقد خلص المجلس الكندي للصحّة إلى أنّ : "هذا الإشهار ليس سوى أداة تجاريّة بحتة خالية من كلّ فائدة تثقيفيّة". فلقد أشار التقرير الصادر عن هذا المجلس إلى معطيات أهمّها : أنّ تسعة من عشر ومضات إشهاريّة لا تشير إلى القدرة العلاجيّة للأدوية. ثمانية من عشرة لا تشير إلى النصائح الصحيّة مثل تلك الخاصّة بالغذاء المتوازن. سبعة من عشرة لا تشير إلى أسباب المرض وعوامل الخطر المرتبطة بها وتتجنّب الحديث عن العلاجات الأخرى الممكنة. ستّة من عشرة تتغافل عن الإشارة إلى طريقة تأثير الدّواء على المرض.يعتقد 80 بالمائة من أطباء الولايات المتحدة الأمريكيّة أنّ الإشهار المباشر للأدوية لا يقدّم أي فائدة للمواطن. فبتأثير من الإشهار المباشر يطالب المواطنون الأطباء المباشرين لهم بوصف الدّواء الذي شاهدوه في التلفزيون أو ذاك الذي تحدّثت عنه وسائل الإعلام وقد عبّر 26 من 27
طبيب بالولايات المتحدة الأمريكيّة عن شعور بالامتعاض.من مظاهر الإشهار الأخرى للصناعات الصيدليّة نذكر العيّنات المجانيّة التي تقدّم للأطباء. فلقد أوردت مجلّة Public Library Science (PLOS) بتاريخ 12 ماي 2010 تقريرا جاء فيه »أنّه من خلال دراسات علميّة تبيّن أنّ هذه العيّنات تؤثّر على الوصفات الطبيّة وحتّى على طلبة كليّات الطبّ«.تدّعي مؤسّسات الصيدلة أنّ لهذه العيّنات المجانيّة دورا تثقيفيّا كما أنّها تسمح بتوفير الدواء للمواطنين الفقراء الذين يعجزون عن شرائه بحيث يتلقونه مجانا من طبيبهم المباشر. لكنّ مجلّة PLOS قد بيّنت من خلال دراسات ميدانيّة واستجوابات أنّ غالبيّة الأطباء يقدّمون هذه العيّنات المجانيّة للمرضى ميسوري الحال والذين يتمتّعون بتغطية اجتماعيّة وصحيّة أو أنّهم يتناولونها أو يقدّمونها لأفراد عائلاتهم. أمّا في حالة تقديم العيّنات إلى المرضى الفقراء فسيضطرّ هؤلاء إلى مواصلة هذا العلاج باهظ الثمن وقد يعجزون عن شرائه ممّا يعرّضهم إلى خطر التوقّف عن العلاج. ما إن يحصل المريض على عيّنة مجانيّة حتّى يصبح ذلك الدّواء من تحصيل الحاصل ويضطرّ الطبيب إلى وصفه بصفة مستمرّة وهذا جليّ بالنسبة للأمراض المزمنة.أخيرا تمثّل العيّنات المجانيّة وسيلة لتجربة بعض الأدوية على المرضى وهذا ما حصل فعلا بالنسبة لالدواء Vioxx الذي احتلّ الصدارة في مجال توزيع العيّنات المجانيّة والحال أنّ المؤسّسة المنتجة قد أخفت عن العموم عديد المخاطر المتأتيّة من تناوله ممّا أدّى إلى وفيات بالنوبة القلبيّة بما في ذلك المرضى الذين حصلوا على عيّنات مجانيّة.في سنة 2004 ومن بين 15 دواء الأكثر انتشارا واستعمالا رفعت مؤسّسة مراقبة الدواء والغذاء FDA ورقة سوداء مقارنة بالأوراق الصفراء التي يوزّعها الحكّام على الرياضيين ل 9 أدوية منبّهة من مخاطرها.تعلم مؤسّسات الصيدلة أنّ العيّنات المجانيّة هي وسيلة للإشهار إذ عادة ما يترقّب الأطباء من الزّائرين أن يقدّموا لهم هذه العيّنات إمّا لاستعمالهم الخاصّ أو لتقديمها مجانا للمرضى. كلّ ذلك يؤثّر على عادات وسلوك الأطباء وعلى وصفاتهم.في الولايات المتحدة الأمريكيّة ومن خلال تقرير مجلّة PLOS يعود ارتفاع أسعار الأدوية في جانب هامّ منه لاستعمال أدوية تقدّم على أنّها جديدة ومتميّزة (Médicament de marque) والتي ليست في غالبها سوى صورة لدواء قديم أضيفت له بعض المكوّنات وانتهت مدّة براءته أي أصبح ملكا للعموم. تدمج مؤسّسات الصيدلة في أسعار أدويتها كلفة العيّنات المجانيّة. كلّما زادت كميّات العيّنات المجانيّة ارتفع سعر الدّواء. أشارت المجلّة العلميّة الدّوليّة New England Journal of Medicine في عدد لها صادر في سنة 2002 أنّه بين سنوات 1996 و2000 مثّلت العيّنات المجانيّة أكثر من نصف ميزانيّة الإشهار للمخابر الصيدليّة إذ قدّرت كلفة هذه العيّنات لسنة 2004 ب16 مليار دولار وهذه الكلفة في تصاعد مستمرّ بحيث تضاعفت بين سنة 1999 وسنة 2003 كما لوحظ ارتفاع في توزيع العيّنات المجانيّة كلّما تعلّق الأمر بدواء جديد.في دراسة أقرّها المعهد القومي للصحّة بالولايات المتّحدة الأمريكيّة NIH صادر في سنة 2001 تبيّن أنّ إشهار ال50 دواء الأكثر توزيعا قد تسبّب في نصف الكلفة الإضافيّة للدّواء. في تقرير لمعهد الصحّة بالولايات المتّحدة الأمريكيّة IM صادر في سنة 2006 وهو فرع من الأكاديميّة الوطنيّة للعلوم ندّد هذا الأخير بالدور المشبوه للعيّنات الطبيّة المجانيّة وأشار إلى مسؤوليّته في الأعراض الجانبيّة الخطيرة بما أنّ التوزيع المجاني للعيّنات يطمس إلى حدّ كبير المعلومات حول الأعراض الجانبيّة الخطيرة وتداخل مفعول الأدوية. في نفس الاتّجاه عبّرت جمعيّة American Society of Health System Pharmacists عن نفس المخاوف.أمّا الهدايا والعطايا التي تقدّمها المخابر الصيدليّة للأطباء والعاملين بقطاع الصحّة فهي الأخرى تمثّل أداة مقنّعة للإشهار ودفع الأطباء إلى وصف بعض الأدوية. من بين هذه العطايا الأقلام الإشهاريّة Senator Pen واللّعب الإشهاريّة بحيث تلتصق أسماء الأدوية بأنامل الأطباء كلّما شرعوا في كتابة الوصفة الطبيّة. رفعت بعض المؤسّسات الصيدليّة شعارا شديد العبارة أشارت له مجلّة Pharmaceutical Executiveفي عددها الصادرة في فيفري 2008 ضعوا علاماتكم بين أيديهم. كلّ دولار ينفق في هذه العطايا الصغيرة يدرّ على أصحابه 17 دولارا.ندّدت المراقبة العامّة للقضايا الاجتماعيّة الفرنسيّة IGAS في تقرير صادر في أكتوبر 2007 بما سمّته سباق التسلّح الإشهاري ودعت مؤسّسات الصيدلة إلى التخفيض بالنصف من نفقات الإشهار والدّعاية التي بلغت 3 مليار يورو في السنة. ففي فرنسا تبلغ نفقات الإشهار الخاصّة بالأدوية 25 ألف يورو في السنة عن كلّ طبيب أي ما يقارب 40 ألف دينار عن كلّ طبيب في السنة ويشمل ذلك الزيارات والهدايا والتكوين الطبّي المستمرّ واللّقاءات والمآدب. قسّمت مؤسّسة IGAS نفقات الإشهار للمخابر الصيدليّة لسنة 2004 كما يلي : 75,8 بالمائة للزيارات الطبيّة، 13,4 بالمائة للإشهار والدّعاية، 8,6 بالمائة للمؤتمرات و2,2 بالمائة للعيّنات المجانيّة.في دراسة لجامعة كيبك بالكندا حول تأثير الإشهار في ميدان الصيدلة صادر في سنة 2002 وشمل المؤسّسات الصيدليّة التسع الأهمّ في العالم بيّنت أنّه وبعد أن وقع إقرار تمديد فترة الحصول على البراءة من 10 سنين إلى 20 سنة قد أصبح من الخطإ الحديث عن سوق للصيدلة بل عن احتكار جليّ بحيث تضاعفت أرباح هذه المؤسّسات بين سنة 1991 وسنة 2000 وزادت كلفة العلاج الطبّي بالتوازي مع ارتفاع أسعار الأدوية فخلال هذه الفترة أنفقت هذه المؤسّسات 316 مليار دولارا للإشهار مقابل 113 مليار دولار للبحث أي 2,8 مرّة بحيث تحوّلت مؤسّسات الصيدلة إلى شبه بنوك. فخلال هذه المدّة تضاعفت نفقات الإشهار 14 مرّة بينما تضاعفت أرباح المساهمين في رأسمال المؤسّسات 6 مرّات.لكن بعد انقضاء فترة الحصول على البراءة وظهور الأدوية الجنيسة واجهت مؤسّسات الصيدلة الكبرى خطر مزاحمة هذه الأدوية وقرّر بعضها التخلّي ولو جزئيّا عن بعض الممارسات القديمة الخاصّة بالإشهار والتأقلم مع الأوضاع الجديدة. فهذه على سبيل المثال مؤسّسة Sanofi Aventis تقرّر التخلّي عن خدمات 800 زائر طبّي مستبقة حصول أزمة بحلول سنة 2012 حيث ستسقط براءة 50 بالمائة من أدويتها وبالتالي ستظهر أدوية جنيسة لها. رفعت مؤسّسات الصيدلة شعارا جديدا : نفقات أقلّ وأرباح أعلى . إذن سيقع التركيز على الأطباء الذين لهم أقدميّة وعدد أكبر من المرضى الذين يعودونهم.أشار الطبيب الأسترالي Peter R. Mansfield الذي أسّس منظّمة تحارب الفساد في القطاع الصحّي في ملتقى عالمي نظّم في سنة 2008 للاحتفال بمرور 40 سنة على مجلّة الألمانيّة المستقلّة رسالة الدّواء Der Arzneimittelbrief إلى تأثير الإشهار على العاملين بقطاع الصحّة وذكّر بما جاء في كتاب Smith MC حول مبادئ الإشهار في قطاع الصيدلة Principles of Pharmaceutical Marketing: Philadelphia, Lea@Febiger 1968حيث تقرأ ما يلي:» يتعرّض العاملون بقطاع الصحّة كغيرهم من المواطنين إلى كلّ أنواع الإرهاق والتأثيرات العاطفيّة. من بين الصّور المثاليّة التي يحملها الأطباء عن أنفسهم تلك التي تجعل منهم عقلانيين ومحتكمين للمنطق الصارم خصوصا إذا تعلّق الأمر باختيار الدّواء. لابدّ أن يكون الإشهار عبارة عن دعوة واستحضار لصورة العقل والعقلانيّة تماما كما عليه أن يستحضر كلّ العوامل النفسيّة والعاطفيّة التي يمكن أن تؤثّر فعليّا على المبيعات «.ينتقد Mansfield هذه الدعوة وهذا الاستحضار للرّغبات والمخاوف فيبيّن أنّ استراتيجيّة الإشهار تمثّل دعوة لرغباتنا في السلطة والاحترام والارتقاء الاجتماعي والحصول على المال والأمن كما الرغبات الجنسيّة... أو دعوة للتخوّف من الفشل. فالإشهار ليس دعوة للعقل والتعقّل بقدر ما هو دعوة لصورة مفروضة للعقل والعقلانيّة وهذه الأخيرة تخضع لمعايير سائدة .مظهر آخر من مظاهر الإشهار لدفع المواطنين إلى استهلاك المزيد من الأدوية هو بثّ الرعب في صفوفهم. فلقد أشار الكاتب Jörg Blech في كتابه:» صانعو الأمراض « الصادر عن دار النشر Actes Sud في سنة 2005 إلى نجاح الصناعة الصيدليّة في فرض مستوى منخفض نسبيّا من الكولسترول في الدمّ وجعله معيارا بحيث تحوّل مواطنون سليمون إلى مرضى بالقوّة. كذلك هي الحال بالنسبة لأمراض مثل ترقّق العظام لدفع النساء بالأخصّ لتناول أدوية باهظة الثمن للوقاية من نسبة الكسور خصوصا بعد انقطاع العادة الشهريّة علما بأنّ تناول هذه الأدوية لم يكن له إلى حدّ الآن أيّ تأثير ملموس على نسبة حدوث هذه الكسور.كما تلجأ بعض المؤسّسات الصيدليّة إلى بثّ الرّعب والتخوّف من العجز الجنسي لدفع المواطنين لاستهلاك أدوية تقاوم هذا العجز ولكنّها لا تخلو من مخاطر جمّة أو التّهويل من مخاطر الإصابة بسرطان عنق الرّحم لفرض تلقيح على الفتيات لا يخلو من مخاطر تهدّد حياتهنّ.لقائل أن يقول : هذه منظّمة الصحّة العالميّة تقرّ بأنّ هناك 325 دواء أساسيّا فلماذا هذه التخمة من الأدوية التي أصبحت تعدّ بعشرات الآلاف؟ هل نقرّ بمقولة الدكتور كنوك : كلّ مواطن سليم هو مريض يجهل مرضه؟بثّت إحدى القنوات الحكوميّة الأستراليّة برنامجا وثائقيّا استدعت فيه Ray-Moynihan صاحب كتاب بيع الأمراض، مرض لكلّ دواء صادر في سنة 2005 Selling sickness, an for every pill وتطرّقت إلى قضيّة صنع الأمراض أو توسيع تعريفاتها وهي طرق تلجأ لها مؤسّسات الصيدلة للرفع من مبيعاتها وقد بدا ذلك جليّا بالنسبة للأدوية الخاصّة بالجهاز العصبي وبالخصوص الأدوية المضادة للانهيار العصبي والأدوية المخصّصة للأطفال المصابين بكثرة النشاط الذين اعتبروا مصابين باضطرابات نفسيّة علما بأنّ العديد من المشروبات الغازيّة تحتوي على مواد مثيرة للأعصاب وقد اتّهمها البعض بمسؤوليّتها عن ارتفاع نسبة الأطفال الذين يعانون من فرط النشاط.في الحقيقة تخفي هذه الممارسات الجديدة حقيقة أخرى لعلّ أهمّها أنّ القدرة على الابتكار والخلق والتجديد قد تراجعت بصفة مهولة مقارنة مع الإشهار والدّعاية. ترفع إحدى مؤسّسات الصيدلة شعارا برّاقا يقول :أدوية اليوم تموّل معجزات الغد . فلنترقّب! ولكن متى يحلّ هذا الغد المأمول والذي يتأجّل موعده كلّ سنة إلى أمد غير معروف ؟ في الحقيقة ترتكز أهمّ البحوث الحاليّة للمؤسّسات الصيدليّة على تحسين أدوية معروفة ومستعملة منذ عقود من أجل التمديد في فترة البراءة بما أنّها تقدّم هذه الأدوية على أنّها حديثة ومتميّزة عن سابقاتها.قامت مجلّة Prescrire بدراسة للأدوية الجديدة التي روّجت في فرنسا في سنة 2006 وبيّنت أنّه من بين 535 دواء جديدا ظهر في السوق 10 أدوية فقط تمثّل فائدة علاجية إضافيّة جديّة و469 لا تتميّز بشيء عن سابقاتها من الأدوية بينما رفض الأطبّاء المستقلّون وصف 17 دواء جديدا يمثّل خطرا على صحّة المواطنين. بعض الأدوية المضادة لارتفاع ضغط الدمّ أو المخصّصة لعلاج انفصام الشخصيّة أقلّ نجاعة من الأدوية الكلاسيكيّة رغم أنّ سعرها يفوق الأولى عشر مرّات حتّى بعد انقضاء مدّة الحصول على البراءة وظهور أدوية جنيسة.لقد اتّسعت دائرة الإشهار للمواد الصيدليّة لتشمل التمويل التجاري للجامعات والتجارب الإكلينيكية التي لا تخلو من مغالطات وتمويل نشريّات علميّة مزعومة. أشار Marc-André Gagnon المصدر المذكور إلى أنّه خلال عمليّة تتبّع للوثائق الداخليّة لمؤسّسة Pfizer تبيّن أنّ 85 مقالا علميّا حول دواء Sertraline قد صدرت مباشرة من مكتب العلاقات العامّة لهذه المؤسّسة والحال أنّ عدد المقالات العلميّة التي تشير لهذا الدّواء بلغت 211 وثيقة وقد تبيّن أنّ هذه المؤسّسة ذاتها سعت إلى منع ترويج وكتابة دراسات تنقد هذا الدّواء.تعرّض برنامج وثائقي بثّته إحدى القنوات الأمريكيّة بعنوان كارثة على الوصفة الطبيّة إلى شهادة الدكتور David Graham أمام الكنغرس الأمريكي وهو طبيب مختصّ في علم الأوبئة وعضو في مؤسّسة مراقبة الدّواء والغذاء وهو أوّل من حذّر من مخاطر تناول الدّواء Vioxx وقد أشار إلى أنّ مؤسّسة مراقبة الدّواء والغذاء قد تخلّت عن دورها الأصلي وخضعت
لتأثيرات مؤسّسات الصيدلة.لكن كيف يمكن للدكتور David Graham أن يصرّح بذلك ويحافظ في نفس الوقت على موقعه في مؤسّسة مراقبة الدّواء والغذاء وهو الذّي تعرّض إلى تهديدات شتّى؟ في الحقيقة لقد تمكّن السيّد David Graham من الحصول على حماية السيناتور Charles Grassley الذّي اعتبر أنّ كلّ اعتداء على السيّد David Graham بمثابة الاعتداء عليه. لقد أشار هذا الأخير إلى السرعة والسهولة التي حصلت بها مؤسّسات الصيدلة على ترخيص توزيع أدوية خطيرة مثلVioxx هذا الدّواء القاتل الذي سحب من الأسواق بعد أن تناوله الملايين. أشار البرنامج الوثائقي إلى الطرق المتعدّدة للإشهار وإلى الضّغوطات وعدّدها في تخويف بعض المسؤولين في مؤسّسات مراقبة الدّواء وتأثير الزّيارات الطبيّة والإشهار المباشر والمقالات التي تصدر عن أسماء وهميّة والعطايا والتدخّلات لدى الشخصيّات السياسيّة والعلميّة المؤثّرة لتيسير الحصول على التّرخيص والإعلام الطبّي المرتبط بالصّناعة الصيدليّة من خلال حملات الإشهار ودور الخبراء الذين يتقاضون مقابلا ماليّا عاليا لقاء توجيههم لنصائح بتناول هذا الدّواء أو ذاك وعدم انتباه بعض الأطباء إلى تشكّيات المرضى وعدم ربط ظهور بعض الأعراض المرضيّة بتناول الدّواء... يتساءل البعض : لماذا يخفي المختصّون والخبراء مخاطر بعض الأدوية الجديدة المضادة للإنهيار العصبي وقد تبيّن أنّها تتسبّب في حالات انتحار؟ لماذا لازال الملايين يتناولونها؟في 08 ديسمبر 2008 بثّت القناة الثانية الألمانيّة برنامجا وثائقيّا بعنوان : كارتال الصيدلة أو كيف يقع التغرير بالمرضى وتعرّضت فيه لهيمنة هذا الكارتال على المعلومات الطبيّة وإلى قضايا الفساد والرشوة التي طالت هذا القطاع وإلى صراع المصالح بين الأطراف الفاعلة في القطاع الصحّي وإلى دور جمعيّات المرضى في التّأثير على اختيارات الدّواء ودفع المواطنين إلى تناولها. يعتقد غالبيّة المواطنين أنّه مادام قد وقع الترخيص ببيع دواء معيّن فذلك يعني أنّه ناجع وخالي من الأعراض خصوصا منها الخطيرة. لقد أشار السيّد John Virapen وهو إطار سابق في إحدى أهمّ المؤسّسات الصيدليّة العالميّة إلى أنّه في بعض الأحيان تبيع لكم المؤسّسات الصيدليّة أدوية خطيرة بغاية الحصول على أكثر من المال .اشار Shönhôfer الصيدلي الخبير في قضايا الفساد أنّه في ألمانيا توظّف 40 في المائة من الأرباح للإشهار بينما تخصّص 10 بالمائة للبحث. كما لاحظ أنّ بعض جمعيّات المرضى تخضع لتأثير الحملات الإشهاريّة. ففي منتصف الثمانينات من القرن الماضي اكتشفت مؤسّسات الصيدلة أهميّة جمعيّات المرضى في الترويج للأدوية مستغلّة ظروفهم وكما يقول المثل الشعبي فإنّ الغريق يتمسّك بخيط للنجاة. فهي تقدّم لهذه الجمعيّات عطايا وتموّل نشاطاتها. في نفس الاتّجاه نذكّر بأنّ مؤسّسة Treatment Action Compaign (TAC) وهي مؤسّسة إشهاريّة تقدّم نفسها على أنّها تبلّغ أصوات مرضى الأيدز بأفريقيا الجنوبيّة قد نظّمت مسيرة ضخمة باتّجاه البرلمان للمطالبة بتوفير العلاج الثلاثي ل200 ألف مصاب بالمرض. قدّر المختصّون أنّ هذه الحملة من شأنها أن تدرّ على مؤسّسات الصيدلة بمليارات الدولارات.لردّ الجميل لهذه المؤسّسة قدّمت مؤسّسات الصيدلة لمؤسّسة TAC ملايين الدّولارات ونذكر من بين هذه الأخيرة مؤسّسة روكفيلر وهي أهمّ مساهم في الصناعة الصيدليّة وتمتلك أسهما في 200 مؤسّسة صيدليّة عالميّة. للحصول على أكبر عدد من المساهمين في هذه الحملة الدّعائيّة تتّصل مؤسّسة TAC بالمواطنين الفقراء القاطنين بالأحياء القصديريّة وتقدّم لهم Tee-Shirt وطعاما في آخر اليوم. بعد اكتشافها لهذه الفضيحة أطردت المنظّمة الوطنيّة لمرضى الأيدز بأفريقيا الجنوبيّة من صفوفها كلّ أعضاء منظّمة TAC وقد أعلنت عن ذلك في تصريح موجّه للعموم.تلخّص الكاتبة Mona Chollet في مقال لها بالعالم الدبلوماسي في ديسمبر 2007 حقيقية هذا الإشهار فتكتب : لا نستجدي الحريف لشراء المنتوج ولكن ندفعه ليستجدينا كي نبيعه المنتوج، تلك خلاصة الثورة التي أحدثها Edward Bernays في تقنيات الإشهار: تحريك النوازع والرّغبات، خلق الحدث الخارق، فرض موضات، خلق صراعات ونقاشات وهميّة وخالية من كلّ محتوى... .لكلّ فترة تقنياتها واستراتجياتها وأدوات العمل الخاصّة بها ولهذا بالذات شرعت الصّناعة الصيدليّة في تغيير استراتيجيّتها الإشهاريّة من نموذج يعتمد الإشهار الجماعي الذي يتوجّه إلى الجمهور الواسع إلى نموذج جديد يعتمد الإشهار الموجّه والذي يخلق معايير جديدة للمرضى.فالنموذج الحالي يعتمد الإشهار الجماعي عن طريق الزائرين الصحيّين والدعاية لأدوية مضادة لارتفاع ضغط الدمّ والسكّري وارتفاع الدّهون في الدمّ وذلك بالخصوص باتّجاه الأطبّاء العموميّين واليوم أكثر من 65 بالمائة من هذه الأدوية متوفّرة في الأسواق في شكل أدوية جنيسة تنتجها مخابر أدوية صغيرة. في العشر سنوات المقبلة ستركّز المخابر الصيدليّة الكبرى فقط على الأدوية التي تعتبرها ابتكارا والتي تتميّز بارتفاع أسعارها وبالخصوص الأدوية شديدة التخصّص وهذه الأدوية عادة ما يصفها الأطباء المختصّون دون أطباء الصحّة العامّة وهي أدوية تستدعي عناية وطرق خزن مميّزة. يمكن أن يبلغ سعر الجرعة الواحدة ألف دولار. يقدّر سوق الأدوية شديدة الاختصاص ب44% وتأمل مؤسّسات الصيدلة مضاعفة هذه النسبة في العقد القادم.لكن هذه الإستراتيجيا غير مضمونة العواقب خصوصا إذا علمنا أنّ العالم يمرّ بأزمة اقتصادية وأنّ صناديق التغطية الصحيّة في العالم تعاني في معظمها عجزا يتفاقم كلّ يوم.لمواجهة هذه المخاطر تعتمد بعض المؤسّسات الصيدليّة الدوليّة لشراء المخابر المنتجة للأدوية الجنيسة أو بإضافة خاصيّة للأدوية القديمة والقيام بحملة إشهار مصاحبة لذلك فيتوسّع تأثير هذه الأدوية ليشمل أمراضا جديدة.لقد تفطّنت قطاعات صناعيّة أخرى مثل الصناعة الغذائيّة أو تلك الخاصّة بمواد الغسيل لأهميّة الإشهار الطبّي فالتحقت بموكب الصناعة الصيدليّة فهذا غذاء مخفّض للكولسترول وهذه مواد غسيل مضادة للحساسيّة وهذا ياغرط يساعد على النحافة أو التخلّص من الغازات وكلّنا يعلم أنّ ما بين 60 إلى 70 بالمائة من المواطنين يعانون من حساسيّة تجاه مادّة اللّكتوز التي يعتبرها البعض مسؤولة عن غازات الأمعاء.تقرّ منظّمة التعاون والتنمية الاقتصاديّةOCDE التي تظمّ أهمّ البلدان الصناعيّة بارتفاع النفقات الصحيّة وتربط ذلك بالخصوص بالأدوية الجديدة باهظة الثمن. فمنذ سنة 1975 ما فتئت أسعار الأدوية تعرف تصاعدا مستمرّا إذ تضاعفت بين 1987 وسنة 1999. فأسعار الأدوية الجديدة تفوق سابقاتها عشرات المرّات رغم أنّها لم تقدّم في غالبيّة الأحيان إضافة تذكر. فالمواد المضادة للالتهاب الجديدة والتي توصف بأنّها لا تتسبّب في التهابات للجهاز الهضمي تلتقي مع الأدوية المضادة للالتهاب الكلاسيكيّة في هذه الأعراض على المدى الطّويل ومادّة Copaxone التي توصف كعلاج للتصفّح المتعدّد Sclérose en plaque تبلغ كلفته 1000 يورو للعلبة الواحدة والحاوية ل28 جرعة وقد شكّكت مجلّة Prescrire في نجاعة هذا الدّواء. هناك عبارة شائعة في أوساط الصناعة الصيدليّة : الدّواء ذي القيمة العالية أي ذاك الذي يدرّ على أصحابه أكثر من مليار دولار سنويا!!II- إشهار وفضائح : لماذا تلتجئ مؤسّسات الصيدلة إلى الإشهار؟ بطبيعة الحال لبيع منتجاتها. لكن إلى أيّ حدّ يعبّر هذا الإشهار عن حقيقة الدّواء ومنافعه؟ بماذا نفسّر سحب أدوية من الأسواق الدّوليّة لخطورتها وذلك بعد أن عرفت حملات دعاية غير مسبوقة وبعثت في النفوس الأمل؟ هل يخدم الإشهار فعلا شفافية المعلومة الطبيّة ويساهم في تثقيف المواطن؟ إليكم بعض الفضائح والكوارث الصحيّة التي تعلّقت ببعض الأدوية التي حطّمت كلّ الأرقام القياسيّة في الدّعاية :1) دواء Vioxx : قليلون هم الّذين لا يعرفون دواء Vioxx إذ تناوله الملايين في كلّ أرجاء العالم خصوصا منهم المصابون بالتهاب المفاصل.في سبتمبر 2004 سحبت مؤسّسة Merck دواءها المعروف Vioxx من الأسواق بعد أن تبيّن أنّ هذا الدّواء قد تسبّب في رفع حالات النوبات القلبيّة. في الحقيقة وخلافا للحملات الإشهاريّة الضخمة التي رافقت تسويق هذا الدّواء فلقد تبيّن أنّ هذه المؤسّسة قد أخفت اختبارات داخليّة أجريت على 2000 شخصا تؤكّد تضاعف إمكانيّة الإصابة بالنوبة القلبيّة ثلاث مرّات ولم تحصل مؤسّسة مراقبة الدّواء والغذاء على هذه المعلومات إلاّ بعد ظهور الفضيحة إذ قدّرت منظّمة مراقبة الدّواء والغذاء FDA أنّهخلال الخمس سنوات من ترويج دواء Vioxx في كلّ أرجاء العالم تسبّب هذا الدّواء المزعوم في ما بين 88 ألف إلى 139 ألف نوبة قلبيّة منها 30 إلى 40 بالمائة قد تكون قاتلة. وقع تتبّع مؤسّسة Merck ومقاضاتها واضطرّت إلى دفع 4,85 مليار دولار في سنة 2007 لكنّ القضاء الأمريكي كان نسبيا متسامحا إذ فرض مهلة محدودة لتقديم الشكاوي وبالتالي رفض 500 ملفّا. صرّح David Graham خبير منظّمة مراقبة الدّواء والغذاء أنّ دواء Vioxx قد تسبّب في 138 ألف نوبة قلبيّة منها 55 ألف في الولايات المتحدة الأمريكيّة. من بين المعلومات المضحكة والمبكية في آن واحد أنّ دواء Vioxx قد تحصّل على جائزة Galien وهي علامة رائدة للجودة. ماذا تساوي ال4,8 مليار دولار خطايا وتعويضات أمام أرباح المؤسّسة التي بلغت 2,5 مليار دولار سنويّا ولمدّة خمسة سنوات وأكثر.في 30 أفريل 2009 كتبت المجلّة العلميّة الشهيرة The Scientist مقالا بعنوان Merck Published Fake Journal بيّنت فيه أنّ هذه المؤسّسة قد دفعت لمؤسّسة Elsevier مقدارا ماليّا غير محدّد وسرّي وهي دار للنشر ذي صيت واسع لكي تشير إلى إحدى مجلاّتها (Expectra Medica) بنشر صحيفة طبيّة مزعومة وهي The Australian Journal of Bone and Joint Medicineوفي الحقيقة لم تكن هذه المجلّة العلميّة سوى مجلّة إشهاريّة ركّزت دعايتها على دوائي Vioxxو Fosamax وقد أشارت المجلّة الطبيّة العلميّة British Medical Journal لذلك في عددها الصادر في 28 أفريل 2009. من خلال تصفّح العددين الأوّلين للمجلّة والصّادرين في سنة 2003 تبيّن أنّ المقالين الإفتتاحيين غير موقّعين أي مجهولي المصدر أمّا بقيّة المقالات فهي عبارة عن نصوص إشهاريّة لا غير وكتابها أشباح حيث لم تتعرّض المقالات للأعراض الجانبيّة لهذين الدّواءين. في إطار التتبّعات القضائيّة للمؤسّسة المنتجة لدواء Vioxx نشرت اليوميّة الأستراليّة The Australianمقالا بتاريخ 09 أفريل 2009 اعتمدت فيه على الدكتور George Jelinek المختصّ في الأمراض الاستعجاليّة وعضو مؤسّسة World Association of Medical Editors حيث تبيّن أنّه بعد فحص الأربع أعداد من المجلّة الوهميّة الصادرة بين 2003 و2004 أنّ المقالات لا تتعدّى كونها حملة إشهاريّة هدفها تهدئة الخواطر التي تحوم حول الأعراض الجانبيّة لدواء Vioxx لإقناع الأطباء بنجاعته وعدم خطورته.2) فضيحة دواء Lipobay:قبل أن تظهر الأدوية المخفّضة للكولسترول وقع الترويج لنظريّة الكولسترول لتجرّمه بصفته المتسبّب في ارتفاع ضغط الدمّ والجلطة القلبيّة والحال أنّ الكبد يزيد من إنتاج الكولسترول الخفيف ليقوم بعمليّة إصلاح ورتق الشقوق الصّغيرة على جدران الشرايين والناتجة عن خلل في الخلايا المكوّنة لها وهو الآخر ناتج عن نقص في المغذيات والأملاح والفيتامينات وهذا بارتباط بالحياة العصريّة المتميّزة بالأكلة الغنيّة بالدّهون الحيوانيّة والسكّريّات والتي تكاد تكون خالية من الفيتامينات والأملاح.هكذا تفشّت حمّى الكولسترول وبدأت تظهر تباعا أدوية مخفّضة له. من بين هذه الأخيرة نذكر دواء السرفاستاتين الذي تنتجه مؤسّسة Bayer تحت الاسم التجاري Lipobay أو Baycol أو Staltor أو Cholstatبدأت عمليّة تسويق هذا الدّواء منذ سنة 1997 وقد طبّلت له وسائل الدّعاية وأقيمت لأجله الملتقيات والمآدب العلميّة إذ مثّل ظهوره حدثا تاريخيّا بما أنّه حمل معه وعودا لا تحصى. في 8 أوت 2001 سحبت Bayer دواءها المعجزة من الأسواق بعد أن تسبّب في عشرات الوفيات وفي أعراض لعلّ أهمّها تفتّت العضلات Rhabdomyolyse في الولايات المتحدة الأمريكيّة يتناول أكثر من 700 ألف مواطنا دواء مضادا
للكولسترول وبلغت التشكيّات المسجّلة من هذه الأدوية يوميّا ما بين 50 و70 ألف. عولج أكثر من 6 ملايين شخص في العالم بدواء Lipobay بينما تناوله 500 ألف مواطنا في فرنسا. اضطرّت المؤسّسة المنتجة إلى دفع 1,1 مليار دولار كتعويض ل3000 مواطنا تضرّروا من تناول هذا الدّواء الذي تسبّب في النوبة القلبيّة وفي اضطرابات في النّظر. في سنة 1998 تعرّضت شركة Bayerإلى انتقادات لاذعة من المجلس الوطني لعمادة الأطباء الفرنسي وتلك لتقديمها هدايا للأطباء بما في ذلك برنامج خبيرLogiciel بلغت قيمته 10 آلاف فرنك بالنسبة للطبيب الواحد وذلك لحثّهم على وصف دواء Lipobayالمميت.3) دواء Cialis: الجنس والإشهارمنذ بداية سنة 2008 أطلقت مؤسّسة Eli Lilly حملة إشهاريّة وشجّعت الأزواج على القيام بمزيد من العلاقات الجنسيّة بما أنّ ذلك يساعد على الحفاظ على الشباب. أشارت مجلّة Financial Times في جويلية 2008 إلى هذه الحملة الإشهاريّة خصوصا إلى شعار مؤسّسة الدّواء أربعين بعد الأربعين أي أنّ 40 بالمائة من الرّجال الّذين فاقت أعمارهم 40 سنة يعانون من الضعف الجنسي وقد تجنّبت المؤسّسة التعرّض لاسم الدّواء تجنّبا للمقاضاة. أجبرت نقابة الصناعيّين ABPI المؤسّسة المنتجة على دفع خطيّة في أكتوبر 2008 لاعتمادها إشهارا ضبابيّا ولا يحترم أخلاقيّات النشاط الصّناعي. أمّا الجمعيّة الأستراليّة للدفاع عن المستهلك فلقد تقدّمت بشكوى ضدّ هذه المؤسّسة التي أجبرت على دفع خطيّة ب60 ألف يورو وهو ما يعادل كلفة تناول 12 شخص لدواء Cialis لمدّة سنة!! نذكّر أيضا بأنّ ممثّل فرع مؤسّسة Lilly بالصين Jorg Ostertag قد صرّح بأنّ تناول دواء Cialis من شأنه أن يخفّض من نسبة الطلاق. أخيرا نذكر أنّ مؤسّسة Lilly قد ساهمت في تمويل الحملة الانتخابية لجورش بوش الابن.4) دواء Agréal : سمّ قاتل للنساءبعد انقطاع العادة الشهريّة يتعرّض جزء من النسوة إلى حالات من الشعور بالحرارة الباطنيّة الناتجة عن اضطرابات هرمونيّة. في السنوات السبعين والثمانين من القرن الماضي طبّلت المؤسّسات الصيدليّة للهرمونات المعوّضة وقد كانت حملات الإشهار تؤكّد على أنّ هذه الهرمونات تحمي من الإصابة بالسرطان ولكن بعد سنين تبيّن أنّها تتسبّب في ارتفاع ضغط الدمّ وتكلّس الشرايين والإصابات بأنواع عديدة من السرطان ووقع التراجع عن هذه الحملة لتعوّضها حملات إشهاريّة جديدة لأدوية خاصّة بالجهاز العصبي تعد النسوة بالتخلّص من الأعراض المذكورة. لكنّ هذه الحملات تجاهلت أنّ هذه الأدوية هي من فصيلة Neuroleptiquesدواء Agréal الشهير تناولته ملايين النسوة. ففي فرنسا لوحدها قدّر عدد النسوة اللاّتي تناولنه ما بين 4 و5 مليون امرأة. من المعلوم أنّ هذا الدّواء يستعمل أيضا في علاج الأمراض النفسيّة كازدواجيّة الشخصيّة. ابتداء من سنة 2002 ظهرت دراسات تشكّك في هذا الدّواء وتشير إلى مخاطره العديدة كحركات غير عادية للسان وارتعاش وتيبّس للعضلات وانهيار عصبي ونزوع إلى الانتحار وأعراض خاصّة بالجهاز الهضمي كالتقيؤ وفقدان التوازن وإحساس بالبرودة والوهن وبجفاف الحلق وارتفاع ضغط العين... تقدّمت 400 إمرأة أمريكية بشكوى ضدّ المؤسّسة المنتجة لدواء Agréal وكذلك الحال في كولومبيا وفينزولا. سحب الدّواء من الأسواق في سنة 2005 من إسبانيا وفي جويلية 2007 سحب من كامل بلدان أوروبا. من المعلوم أنّه يمكن معالجة أعراض انقطاع العادة الشهريّة بتناول الأستروجين النباتي وبعض المكمّلات الغذائيّة غير المضرّة بصحّة النساء. أخيرا نذكّر أنّه رغم أنّ أغلب البلدان المصنّعة قد سحبت هذا الدّواء من الأسواق فإنّ العديد من بلدان العالم الثالث بما في ذلك بعض البلدان العربيّة لازالت تبيعه كعلاج لانقطاع العادة الشهريّة.5) أدوية أخرى زيّنها الإشهار وكشفت حقيقتها الوقائع :قائمة الأدوية التي قدّمها الإشهار على أنّ في تناولها الحلّ تطول ولا يسع لنا التعرّض لها نذكر منها دواء Avandia المتسبّب للنوبة القلبيّة ودواء Raptiva والمضادات الحيويّة ذات المجموعات الوحيدة Anticorps monoclonaux المتحصّل عليها من خلال البيوتكنولوجيا التي وقع سحبها والأدوية المعاصرة المضادة للانهيار العصبي والكآبة والتي تدفع نسبة هامّة من متعاطيها للانتحار ودواء Ritaline المخصّص للأطفال الذين يعانون من النشاط المفرط ودواء Srattera المخصّص لنفس الغرض والذي تناوله ملايين الأطفال في البلدان المصنّعة وقد تسبّب في قصور لوظيفة القلب وفقدان حاسّة السمع كما تسبّب في حالات انتحار. كذلك نذكر اللقاحات الجديدة ضدّ سرطان عنق الرّحم والتي سحبت في عديد البلدان الصناعيّة. خلاصة :لقد عرف الإشهار في ميدان الصّناعة الصيدليّة قفزة هائلة خصوصا في العقود الأخيرة حيث خصّصت له المؤسّسات المنتجة أكثر من ضعف ما خصّصته للبحوث والدّراسات وقد اقترن ذلك بتراجع الابتكار والتجديد بحيث تعرف الصناعة الصيدليّة تراجعا في إنتاج أدوية جديدة مختلفة عن سابقاتها. فكلّما تدعّم الإشهار إلاّ وتراجع الابتكار بحيث يطغى الأوّل. لقد سلك الإشهار معابر عديدة ويقدّر المختصّون أنّه من أحد الأسباب الهامّة لظهور كوارث ناتجة عن تناول أدوية ما فتئت أن برزت مخاطرها ممّا اضطرّ المؤسّسات المسؤولة إلى سحبها من الأسواق.بالمقابل ظهرت بالبلدان الصناعيّة مجموعات نقديّة وجمعيّات لضحايا هذه الأدوية المزعومة نذكر منها مؤسّسات No Gracias وPharmacritiqueوPrescrire وهي تقوم بمراقبة آثار الأدوية خصوصا منها الجديدة وتنتقد أساليب الإشهار والدّعاية وتقوم برصد كلّ المعلومات الخاصّة بالأعراض الجانبيّة وهي لا تكتفي بلفت أنظار السلطات الصحيّة بل هي تنشرها للعموم حتّى يساهم المواطن في هذه المراقبة ولا يتقبّل بطواعية كلّ ما يروّج حول هذه المنتجات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.