قرأت ولاية سيدي بوزيد أيّام الثّورة كتابًا من الدّم والدّمع، ولكنّها اليوم تقرأ كتابًا آخر اسمه كتاب الحياة حيث الينابيع. هكذا سيهتفُ حاملو الضّوء فنّانين وشعراء ومسرحيين وكتّابًا وسينمائيّين وهم يدخلون »مهرجان الثورة بالرّڤاب« الذي تقام دورته الأولى من 25 و26 و27 مارس الجاري. »على هذه الأرض ما يستحقّ الحياة« وأكثر من ذلك أيضًا، حيث تتعانقُ الموسيقى والمسرحيات والأفلام والقصائد مثلما تعانق الرّصاصُ بالأمس في سماء الرّڤاب من أجل حريّة أنشدها الآلاف. مهرجان الثّورة بالرّڤاب ارتأى هذا العام أن يدخل زمنه الخاصّ زمن الحرية ببرنامجٍ ثريّ يلبّي جميع الأذواق ويرسمُ مسارًا جديدًا يقوم على إرساء ثقافة بديلةٍ تقطعُ مع الماضي وتقطع مع ثقافة الخنوع والتّصفيق والمآدب الرّخيصة زمن الدكتاتوريّة النوفمبريّة التي جثمت على صدورنا قرابة ربع قرن. بدأت صباحات المهرجان أمس الجمعة بورشات فنّية باعتبارها أساسًا لكلّ عمل جدّي. وكان أهالي الرڤاب وسيدي بوزيد والجماهير الزّائرة على موعد مع مسرحيّة صانع الحكايا (وهي للأطفال) ومعرض لصور الثورة بمشاركة ثلّة من النخبة التونسيّة في عدّة مجالات مثل الفاهم بوكدّوس ومحمود الجمني ومحمّد بن طبيب وناصر الصّردي وسامي النّصري ومعز زيود، في حين كانت الفقرات الأخرى طوال اليوم الأوّل متوزّعة على الشعر الشعبي وأعمال فنّية لمجموعة »جدل« وفرقة »توأم« ومجموعة »الحمائم البيض« ومجموعة »الرّاب الثّوري« ببنزرت ومسامرة شعريّة أكّدت مسار الشعرية التونسيّة الحديثة ممثّلة في الصغير أولاد أحمد وكمال بوعجيلة وفريد سعيداني وأنور اليزيدي وجميل عمامي وخالد الهدّاجي ونزار الحميدي وسمير طعم اللّه وابراهيم نصراوي وغيرهم من الأصوات الواعدة. أمّا برنامج اليوم السبت فيبدأ صباحًا بمنتدى فكريّ حقيقيّ يلامس مشاغل التنمية الاقتصادية بالرّڤاب لتحديد الحاجيّات الأساسية التي بنيت عليها الثّورة في حين يتواصل معرض صور الثّورة بإشراف الفاضل الجعايبي وإقبال زليلة وسنية الشامخي ونخبة من الفنّانين والنحّاتين والسينمائيين على غرار نصرالدين السهيلي وعبد اللّه الشامخ. وفي المساء تفتح نقاشات ومحاورات نقديّة حول عملين أدبيّين متميّزين هما المجموعة القصصية »غربال الضوء« لرضا البركاتي ورواية »الوغد« لخيرالدين الصوابني ثمّ يكون الجمهور على موعد مع حفل لمجموعة الزين الصافي بمرافقة شعريّة للصغير أولاد أحمد. اضافة إلى معرض صور شخصيّة للفنّان حمّادي سكيك الذي فقدته الأوساط الفنية مؤخّرًا. والسهرة ستكون مع عروض فنية مختلفة لفرقة زهرة الجنوب وعرض فرجوي بعنوان »نسر من قرطاج« ومجموعة »العودة« ومجموعة »ينا« لزهير ڤوجة ولبنى نعمان ومهدي شقرون ونوّال بن صالح ومجموعة »ديما ديما«. ثمّ المسامرة الشعريّة لشعراء اختاروا الانتصار للحداثة والحريّة. وسيختتم »مهرجان الثّورة بالرّڤاب« دورته غدًا الأحد ببرنامج متنوّع يبدأ صباحًا بمداخلة للأستاذ عبد الناصر العويني بعنوان »آفاق التّغيير السياسي للثّورة« ثمّ مداخلة بعنوان »الموسيقى الملتزمة تجاوز لسلطة الخطاب« للأستاذ عادل بوعلاّق، ثمّ مداخلة للأستاذ بلڤاسم بن عبد اللّّه رئيس اتحاد المعطّلين عن العمل. ومساءً يتواصل معرض صور الثّورة بمشاركة كتّاب واعلاميّين وبحّاث. واثر ذلك تتوالى عروض فنية لأولاد تالة ومحاورات أدبيّة حول عملين أدبيّين »رغم أنفك« لعبد الجبّار المدّوري و»الحبس كذّاب والحيّ يروّح« لفتحي بالحاج يحيى. ثمّ عروض فنية لمجموعتي »مهدي« و»حاتم القروي« ومجموعة »أجراس«. وأثناء المسامرة اللّيليّة يكون الجمهور مع مسرحيّة رسالة إلى أمّي من اخراج »صالح الفالح«. ويكون الاختتام ليلاً في ساحة الشهداء بعرض الأفلام المنجزة بعنوان »الرّڤاب بعيون السينمائيين«. مهرجان الثّورة بالرّڤاب بدأ كبيرًا لأنّه آمن بالتنوّع والاختلاف من أجل ثقافة جادّة تقطع مع جميع الأساليب البائدة. مهرجان ينهض بأخطر الأدوار الثقافيّة في تونس الحديثة التي خرجت من الرّماد مثل طائر الفينيق.