إيران تحظر بث مسلسل 'الحشاشين' المصري.. السبب    بعد اصابة الكبير.. النادي الافريقي يقدم احترازا ضد قرار عدم ايقاف المباراة    بعد انفصال لعامين.. معتصم النهار يكشف سبب عودته لزوجته    إنتخابات جامعة كرة القدم: إعادة النظر في قائمتي التلمساني وتقيّة    بسبب القمصان.. اتحاد الجزائر يرفض مواجهة نهضة بركان    بطولة المانيا: ليفركوزن يحافظ على سجله خاليا من الهزائم    بين قصر هلال وبنّان: براكاج ورشق سيارات بالحجارة والحرس يُحدّد هوية المنحرفين    البنك التونسي للتضامن يحدث خط تمويل بقيمة 10 مليون دينار لفائدة مربي الماشية [فيديو]    نابل: إقبال هام على خدمات قافلة صحية متعددة الاختصاصات بمركز الصحة الأساسية بالشريفات[فيديو]    المعهد التونسي للقدرة التنافسية: تخصيص الدين لتمويل النمو هو وحده القادر على ضمان استدامة الدين العمومي    مشروع المسلخ البلدي العصري بسليانة معطّل ...التفاصيل    الكشف عن مقترح إسرائيلي جديد لصفقة مع "حماس"    تونس تترأس الجمعية الأفريقية للأمراض الجلدية والتناسلية    2024 اريانة: الدورة الرابعة لمهرجان المناهل التراثية بالمنيهلة من 1 إلى 4 ماي    وزير السياحة: 80 رحلة بحرية أي قرابة 220 ألف سائح اختاروا الوجهة التونسية في انتعاشة لهذه السياحة ذات القيمة المضافة العالية    عميد المحامين يدعو وزارة العدل إلى تفعيل إجراءات التقاضي الإلكتروني    القلعة الكبرى: اختتام "ملتقى أحباء الكاريكاتور"    انطلاق فعاليات الدورة السادسة لمهرجان قابس سينما فن    بودربالة يجدد التأكيد على موقف تونس الثابث من القضية الفلسطينية    الكاف: قاعة الكوفيد ملقاة على الطريق    استغلال منظومة المواعيد عن بعد بين مستشفى قبلي ومستشفى الهادي شاكر بصفاقس    جمعية "ياسين" تنظم برنامجا ترفيهيا خلال العطلة الصيفية لفائدة 20 شابا من المصابين بطيف التوحد    الدورة الثانية من "معرض بنزرت للفلاحة" تستقطب اكثر من 5 الاف زائر    بطولة مدريد للتنس : الكشف عن موعد مباراة أنس جابر و أوستابينكو    تسجيل طلب كبير على الوجهة التونسية من السائح الأوروبي    سوسة: وفاة طالبتين اختناقا بالغاز    جدل حول شراء أضحية العيد..منظمة إرشاد المستهلك توضح    تونس تحتل المرتبة الثانية عالميا في إنتاج زيت الزيتون    الأهلي يتقدم بطلب إلى السلطات المصرية بخصوص مباراة الترجي    اليوم.. انقطاع الكهرباء بهذه المناطق من البلاد    كلاسيكو النجم والإفريقي: التشكيلتان المحتملتان    عاجل/ الرصد الجوي يحذر في نشرة خاصة..    عاجل/ مذكرات توقيف دولية تطال نتنياهو وقيادات إسرائيلية..نقاش وقلق كبير..    فضيحة/ تحقيق يهز صناعة المياه.. قوارير شركة شهيرة ملوثة "بالبراز"..!!    ليبيا ضمن أخطر دول العالم لسنة 2024    بمشاركة ليبية.. افتتاح مهرجان الشعر والفروسية بتطاوين    إمضاء اتفاقية توأمة في مجال التراث بين تونس وإيطاليا    بن عروس: انتفاع قرابة 200 شخص بالمحمدية بخدمات قافلة طبيّة متعددة الاختصاصات    سوسة: القبض على 5 أشخاص يشتبه في ارتكابهم جريمة قتل    برنامج الدورة 28 لأيام الابداع الادبي بزغوان    في اليوم العالمي للفلسفة..مدينة الثقافة تحتضن ندوة بعنوان "نحو تفكرٍ فلسفي عربي جديد"    الإتحاد العام لطلبة تونس يدعو مناضليه إلى تنظيم تظاهرات تضامنا مع الشعب الفلسطيني    8 شهداء وعشرات الجرحى في قصف لقوات الاحتلال على النصيرات    مدنين: وزير الصحة يؤكد دعم الوزارة لبرامج التّكوين والعلاج والوقاية من الاعتلالات القلبية    طقس السبت: ضباب محلي ودواوير رملية بهذه المناطق    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    وزير الخارجية يعلن عن فتح خط جوي مباشر بين تونس و دوالا الكاميرونية    طقس اللّيلة: الحرارة تصل 20 درجة مع ظهور ضباب محلي بهذه المناطق    السيناتورة الإيطالية ستيفانيا كراكسي تزور تونس الأسبوع القادم    بنسبة خيالية.. السودان تتصدر الدول العربية من حيث ارتفاع نسبة التصخم !    تألق تونسي جديد في مجال البحث العلمي في اختصاص أمراض وجراحة الأذن والحنجرة والرّقبة    منوبة: تفكيك شبكة دعارة والإحتفاظ ب5 فتيات    مقتل 13 شخصا وإصابة 354 آخرين في حوادث مختلفة خلال ال 24 ساعة الأخيرة    كاردوزو يكشف عن حظوظ الترجي أمام ماميلودي صانداونز    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القضية الفلسطينية هي مهمة شعرية بالدرجة الأولى
حديث لم ينشر للشاعر الفلسطيني محمود درويش:
نشر في الشعب يوم 23 - 08 - 2008

كان الحدث الثقافي في تونس خلال مهرجان قرطاج الدولي لصائفة (2005)، حضور الشاعر محمود درويش لاقامة أمسية شعرية بفضاء الاكروبوليوم الذي تخيرته ادارة المهرجان للشعر، هذه الامسية الشعرية حضرها جمهور الشعر في تونس يتقدمه الفنان مرسال خليفة ورؤوف بن عمر مدير المهرجان انذاك ووزير الثقافة والمحافظة على التراث محمد العزيز بن عاشور، ازدادت اهميتها بصدور كتاب دراسي حول تجربة درويش اراده التونسيون هدية الى ضيفهم الذي فرح بها بعد هذه الامسية الحاشدة أخذنا شاعرنا في رحلة من الاسئلة ضمن هذا الحوار الذي ننفرد بنشره على اعمدة الشعب.
مرة اخر تعود لتونس لتقرأ شعرك.. كيف تقبلت هذا الحضور الاستثنائي من قبل جمهور الشعر؟
أهم شيء احدثته الزيارة هو تعميق احساسي بأن الشعر بالفعل لم يصبح هامشيا، قراء الشعر في تونس يمثلون قاعدة عريضة وهذا شيء مفاجئ حقيقة، فالاقبال على الشعر والتفاعل مع الحساسية الفردية والجمعية (معا) يدلان على انه غير صحيح، هذا الزعم بأن الشعر العربي يعيش في عزلة كما يدعي بعضهم او كما يخشى الكثير من النقاد والشعراء، فهو موجود في نسيج التكوين الاجتماعي للمجتمع التونسي وهذا فعلا شجعني على ان اجدد ايماني بجدوى العملية الشعرية وبامكانية تطويرها لقد اعادوا هنا تشكيل الوعي بمسؤولية الشاعر تجاه شعره وقراءة شعره ايضا فأستطيع أن أقول انني فوجئت بأن الشعر والشاعر مازالا حيين على مستوى المجموع، طبعا هناك افراد ونخبة محبة للشعر ولكن القاعدة كانت عريضة والنخبة واسعة وليست ضيقة انا مدين للشعب التونسي بتجديد ثقتي بشعري وبنفسي وبالشعر بشكل عام.
الرحلة الطويلة.. ومحمود درويش.. كيف تنظر الى ذلك من خلال نصف استدارة الى الخلف؟
انظر بكثير من القلق، فأنا لست مطمئنا الى صواب هذه المسيرة بالمعنى الجمالي وواثق من صوابها بمعنى التزامها بقضية الحرية والانسان بالمعنى الواسع لكلمة الالتزام واستجابتها لمتطلبات لحظات تاريخية شديدة التأثير، بهذا المعنى ربطت شعري منذ البداية بالتعبير عن ذاتي الخاصة وعن ذات جماعية ولكن المراجعة تتم على المستوى الجمالي اكثر من المستوى الفكري.
المستوى الجمالي يستحق التطوير والنقد والانقلاب على اسلوبية كانت تبدو لي ملائمة ولكن هذه الاسلوبية محتاجة الى تغيير لان الحساسية الشعرية في تغيير دائم وسرعة ايقاع العصر لا تترك الشاعر ينجو منها بسهولة ويجب الانتباه الى تغير الاذواق وتغير الشاعر نفسه فانا لم اجلس واقرر الاستجابة للتغيرات، انا بنفسي تغيرت، وعيي الشعري تغير وليس بمعنى الارتداد على النفس بل اني اتطور ولي حرص قوي على تخليص شعري مما هو ليس بالشعر اي عدم ربطه بما هو احداث الراهن على الشاعر ان يكون ماكرا اكثر في رؤيته للتطورات التاريخية وللزمن وان يعرف كيف يسكن القصيدة امكانية حياة في ظرف تاريخي اخر كما ان للقراءة تاريخيتها وامكانية ان تؤول بطريقة مختلفة في لحظة تاريخية مختلفة كذلك النص الشعري يجب ان يكون حريصا كل الحرص على ان يحمل في ذاته تجاوزا لزمن الكتابة الى زمن قراءة مختلف اي ان يحمل حياة اخرى للنص الشعري بمعنى ان يكون يملك ذكاء الاستقلال النسبي عن شرط كتابته انا شديد الانتباه لهذه المسألة والى الالتفات الى صوت الذات صوت الانا وليس بمعنى الانا الضيقة فالانا تحتوي في داخلها اكثر من انا فهي تتشظى وتصبح كاتبة للتاريخ، بهذا المعنى على الشعر ان ينطلق في اصغاء دقيق للانا في تفاعلها مع الانوات الاخرى وهنا يكمن حرصي على الانتباه الى الجوانب الانسانية في الحياة الفلسطينية وليس فقط لجانب القضية، علينا ان نعلن ان الفلسطيني ليس مهنة، اولا هو كائن بشري وهوية وطنية وقومية وهو صاحب مشروع في التحرر والحرية ولكن اولا واخيرا هو انسان واهداف اي حركة او ثورة هي مساعدة الانسان في ان يتغلب على ظروف قاسية تحرمه من التعبير عن انسانيته لما فيها من انتباه لما يحمل الانسان من هموم صغيرة وجودية واحيانا ميتافيزيقية وعاطفية.
القضية الفلسطينية هي مهمة شعرية بالدرجة الاولى ويجب ان تخفف من النظرة الى الفلسطيني كحالة نمطية مطالبة بكتابة شيء محدد سلفا مطارد بالموت وبالاستشهاد الدائم يجب الانتباه الى ان له حياة اخرى فهو يفرح بتفتح الزهور الاولى في الربيع المبكر يفرح بالحب وبجماليات الحياة وهذا يعني ان الاحتلال لم ينجح في كسر روحه الانسانية المتفتحة على روح الحياة هذا شاغلي الكبير وهذا الذي يجعل الشعر منطقة تقاطع بين كل الهويات ويتجاوز اطاره الوطني الى اطار انساني اوسع والشعر ليس وطنيا الا عند التعبير عن جغرافيا معينة او قضية محددة لكن الشعر اوسع في مجمله فهو صوت وايقاع الاسئلة الاولى في الحياة وللانسان حول وجوده وكيانه وهو رحلة متشابكة من الثقافات والحضارات ومن هنا يتحول الى ما نسميه بالشعر الانساني هذا الشعر هو مجموع تجارب لشعوب مختلفة ويجب أن نكون شركاء في التعبير عن الجانب الانساني من ادبنا وليس فقط ان نكون محاصرين بنمطية كتابية واحدة.
ادوارد سعيد.. الفكرة.. القضية والعلاقة؟
تعرفت على ادوارد سعيد في تشرين الثاني (نوفمبر) 1974 عندما ذهبت مع المرحوم ياسر عرفات ليلقي خطابه الشهير في الامم المتحدة، هناك قيل لي بوجود نابغة فلسطيني وتعرفت عليه لنصبح منذ ذلك الوقت اصدقاء.
لم تنقطع علاقتنا منذ 1974 حتى وفاة ادوارد سعيد ودون تردد فهو من مفاخر الامتياز الفلسطيني على المستوى العالمي، هو ليس كما صوره بعض العرب بانه نتاج ثقافة عربية استطاعت ان تجد ندية في حوارها مع الثقافة العالمية، لا ادوارد سعيد هو نتاج الثقافة الغربية واحد كبار نقادها في نفس الوقت وارتباطه بالقضية العربية والفلسطينية هو ارتباط حر بحكم موقعه كمثقف يشعر بالمسؤولية تجاه الضحية لقد كان صوت الضحية الفلسطينية بهذا المعنى، ليس لانه من اصل فلسطيني فلو لم يكن فلسطينيا لاتخذ نفس الموقف بحكم وعيه بدور المثقف النقدي والمثقف الذي لا يرضى بالمركزية الثقافية والهيمنة السياسية الدولية.
ادوارد سعيد ليس معروفا لدى الكثيرين من العرب بماهيته الحقيقية وهو مفكر ادبي كبير وليس معروفا فقط بمقالاته السياسية ودوره في النقد الثقافي وفي تطوير النظرية الادبية الغربية، اساسي ولا يمكن ان تنجو اية كتابة دون ان يكون فيها ا دوارد سعيد احد المراجع في النقد الثقافي بدرجة كبيرة نفخر به لانه يدافع بشكل انتمائي حر ولاختياراته الثقافية الحرة المعبرة عن توتر وانتباه الضمير المثقف لديه وليس لانه من اصل فلسطيني فحسب.
وبهذا كان ادوارد سعيد محاربا على جبهة صعبة جدا، خصومه كثيرون ولكنه انتصر بسلاح الفكر لثقافته الموسوعية والتزامه بقضايا العالم الثالث في التحرر وعلى رأسها القضية الفلسطينية.
يبدو ان العرب قد تموقعوا بين حالتين.. حالة شعرية واخرى تنبئ بالهامش.. رأيك؟
الحاضر العربي لا يسمح لنا برؤية امكانية امل قريب على المستوى المرئي واذا نظرنا الى المستوى القريب والمستقبل من منظور الحاضر والملموس فالصورة سوداء وبخاصة اننا منذ وعي جيلنا بالحياة وبالعالم نعتقد بهذه الاحوال السيئة ولكن هذا السوء يتطور باستمرار ونجد حالنا فيه ومن المؤكد في تاريخ جيلنا ا ن كل امس كان افضل من اليوم، فمنذ نكبة 1948 وغيرها الى تدمير واحتلال العراق واعادة احتلال فلسطين عدة مرات وتشتت الوعي العربي وعدم وجود مصطلح واحد يجمع العرب في مفهوم واحد، نجد هذا الوضع الصعب فنحن ننقسم بين عبادة الماضي وتيار آخر وهو عبادة امريكا اي ان من لا يعبد الامريكان لا مكان له على المنصة، طبعا التاريخ لا يتجمد ولا يصل الى اية نهاية، لا نهاية للتاريخ، بل الأمر يتوقف على مدى وعي العرب بمشكلاتهم ومتى حصل وعي العرب بهزيمتهم وانتبهوا الى قدراتهم الكامنة والتي لم يستعملوها واهم شيء كيف يقاربون الحداثة اي كيف نخرج من النظر الى الحلول في الاجابة عن الاسئلة الحالية والقادمة على انها موجودة في النصوص القديمة، ونذهب للبحث عن نصوص جديدة وكيف ننظر الى المستقبل من خلال ان نكون منتجين في الحضارة والثقافة الانسانيتين وليس فقط ان نكون مستهلكين، اي ان نأخذ المنتج الغربي ونتخلى عن منظومة الفكر التي انتجت هذا المنتج يعني ان الحضارة الغربية لم تتطور الا من خلال منظومة افكار وقيم محددة انتجت هذا التفوق الحضاري نحن نستهلك التلفزيون والكمبيوتر ولكننا لا نساهم في الانتاج، اي انسان لا يساهم في الانتاج سيبقى مستهلكا لذلك على العرب ان يفكروا بشكل اعمق في ازمتهم دون ان يكون الماضي هو المرجع فنسبة المتعلمين والنخبة بدأت تتوسع في العالم العربي والعولمة كشفت عوراتنا فلم يعد النظام العربي يستطيع ان يمارس ما كان يمارسه في الخفاء فنحن نستفيد ولن ينجو احد من العولمة وشتمها لا يحل المشكلة فيجب ان نشارك في الانتاج الى حد ما نستطيع واعتقد اننا لن ننجو من اثر ما يحدث في العالم فنحن لسنا مشاركين فيه ولكننا معاصرون له، الهوة صعبة ولا يمكن للارادة ان تبقى الى هذا الحد مهانة، العرب محتاجون الى وعي وارادة جديدين ولكن في اللحظة الحالية لا نجد وصفا لهذا الوضع فكل واحد يعمل على تعميق اقليميته والحل الوحيد عنده هو ارضاء امريكا ولا طريق لارضائها الا بالعبور عبر بلاده، فهذا اصبح المقدس السياسي العربي الرسمي الحالي.
الشاعر لن يبقى متفرجا مهما كانت اداة القمع القوية لدى السلطة هناك تغييرات ستحدث رغم الادعاء الامريكي بالديمقراطية وغيرها حتى وان كانت كذبة، هناك اشياء سوف تحدث لانهم سيتورطون في امتحان صدقية لعبتهم.
كيف احسست لحظة سقوط بغداد؟
سقوط بغداد كان مشهدا جميلا في عيون الذين فقدوا ضمائرهم، هناك العديد من المثقفين الذين صفقوا لذلك ليس هناك اي وصف لهذا الامر اخلاقيا كما لا يمكن ان ننسى ان بغداد لم تسقط فقط بالعدوان الامريكي الذي لا مبرر له اصلا والذي فيه بعد اسرائيلي حيث ان القضاء على القوة الكامنة في العراق قد تهدد في شيء في نظر الامريكان والاسرائيليين الاسترخاء والهيمنة الاسرائيليين في المنطقة ومن هذا المنظور كان هناك بعد اسرائيلي في الحرب على العراق.
ولكن النظام السياسي في بغداد ايضا ساهم في اسقاط القلعة من الدخل، فالديكتاتورية لا يمكن ان تكون جوابا على تحدي العدوان الامريكي بهذه القوة، لا نريد ان نحاكم الاشياء اي تلمس صادق قد يوقعنا في تهمة مع بوش ام مع صدام.. مع اني لا مع بوش ولا مع صدام.. ولكن محصلة سقوط بغداد طرحت اشكالا من قدرة الهزيمة العربية على التناسل، وهذا حدث مؤلم تاريخيا وان كان بعض المثقفين قد صفقوا لهذا وصدقوا ان الامريكيين قادمون لكي ينشروا الحرية والديمقراطية على الدبابات، هناك تصديق لهذه المسألة.. لكن لا الامريكان انتصروا حتى الآن ولا العراق، القوة الكامنة هزمت.. هناك الكثير من الضحايا والمقاومة بعضها حقيقي ولكن تدخل فيها اختراقات، فتعريف المقاومة في الدفاع عن نفسها، مسألة تخص المقاومة العراقية، فهنا تختلط، وفي هذه المسألة الجريمة المنظمة والمافيات والمقاومة الصادقة ولكن المقاومة حق مشروع للعراقيين ضد الاحتلال للعراق
كتّاب تونسيون اشتغلوا على تجربتك منهم اليوسفي وبكار وصمود والمزعني والمنصف الوهايبي ورؤوف الخنيس وآمال موسى.. وكان الكتاب هدية تونس اليك كيف تقبلت؟
بصراحة حين دعوني الى تونس قالوا ان هناك مفاجأة (يضحك) ولم اكن اتصور ان المفاجأة كانت جميلة الى هذا الحد، يعني احسن تحية وهدية تقدم الى الشاعر هي ان يدرس شعره، ان ينقد فرحت كثيرا خاصة ان هذا العمل شارك فيه تقريبا معظم الشعراء والكتاب في تونس وكانوا كرماء واعطوني اكثر مما استحق من تشجيع ولا شيء يفرح الشاعر اكثر من ان يجد اهتماما ما سواء كان ايجابيا ام سلبيا ويحس ان كلامه ليس صرخة في واد بل يجد استقبالا له واهتماما به.
اعتبر هذا الكتاب تكريما يفيض عن حاجتي وهو تكريم من اخوة الى شخص اصبحوا يعتبرونه واحدا منهم.
المتنبي.. هذا الزمن.. وسر الفتنة والافتتان الدرويشي معه وبه؟
اعتقد ان اي قارئ للشعر العربي يصاب بالافتتان الذي اصبت به لقوته الشعرية وقدرته على ان يكون عابرا للزمن فنحن نريد ان نجد وصفا لحالتنا في كل لحظة، ولا نجد اصدق من المتنبي في وصف حالتنا الراهنة، قدرته في انه يحمل تعبيرا عن المستقبل وان تسبق وتخترق اللغة عنده حاضرها وتأتي هذا الحاضر من المستقبل هذه عظمة لا يتمتع بها كثير من الشعراء.
المتنبي اسس بالشعر سلطة ادبية معادلة او متجاوزة للسلطة السياسية في الزمن الذي عاشه، نحن لا تعنينا كثيرا اخبار بني حمدان ولكن الشيء الذي يثير دهشتنا هو لماذا لم يكتف المتنبي بهذه السلطة الادبية ولماذا كان مسكونا بهاجس الحصول على اي سلطة خارج هذه السلطة وهي سلطة سياسية ومدح الكثيرين بشكل مذل لماء الوجه طبعا نحن ننسى الان الجانب المذل وننظر الى الجانب المضيء والمشرق في هذا الشعر. اذن يبدو ان الشعراء تغفر لهم خطاياهم اذا كان شعرهم جميلا فأحيانا نجد تناقضا بين الاخلاق والجمال فكيف تكون جمالية هذا الشعر سببا في مغفرة تجاه سلوك المتنبي ومدحه.
اذن ربما كان الممدوحون كلهم عبارة عن ذريعة لدى المتنبي الذي كان مسكونا بارادة الحصول على سلطتين السلطة السياسية والسلطة الشعرية وقبل هذا وذاك فانك تقرأ في شعر المتنبي تلخيصا لتاريخ الشعر العربي.
فأنا مفتون به.. مثلي مثل كل القراء.. اي قارئ حقيقي للشعر العربي لا يستطيع القفز على ذلك.. على فكرة فكلما كثرت قدرات ومكانات المتنبي الشعرية، كلما ازداد اعداؤه، يقال ان الفا من الشعراء قد هجوه ولكن لا نعرف اين هم.. كان حوتا مثل سمك القرش يبتلع كل الحيتان.
النقد العربي والشعر هل حظيت الحالة الشعرية الدرويشية بما يكفيها نقديا؟
للاسف، انا قرأت العشرات من الدراسات الجامعية وكنت أشعر بالحرج لان فيها شرحا لمعاني الكلمات وتبويبا للاغراض الشعرية وهي دراسات لا تقترب من جوهر الشعر ولا تشكل مقاربة له او لجماليته او للغير مرئي من الشعر هناك كيمياء للشعر ارى ان النقد مطالب بالبحث فيها ولكن النقد العربي للاسف مع بعض الاستثناءات مازال نقدا شارحا، يشرح المعني ويعرب الالفاظ والمعاني ولا يقترب من روح وسر العملية الشعرية، طبعا هناك بعض النقاد الجادين الذين يشكلون مقاربات مفيدة ليس مطلوبا من الناقد ان يشرح او يهجو او يمجد الشعر بل عليه ان يكون قادرا على ان يعلم الشاعر او ان يرى فيه جوانب لم يرها قبل ان يضيء له الناقد ذلك الجانب لكن ليس لي حق الشكوى والامر في اوروبا مختلف لان الشعر عندهم جزء من الحركة الثقافية الكبرى والفكر والفلسفة متقدمان بينما نحن لدينا وضع آخر، ليس لدينا فلسفة او فكر ادبي كبير. العمل الادبي دائما يسبق الحركة النقدية ومن رأيي فانّ الابداع الادبي متقدم على الحركة النقدية في الثقافة العربية هناك تقصير قد ننسبه للجامعات وللمثقفين انفسهم او الى غياب استخدام مجمل المناهج النقدية في النقد العربي نقدنا مدرسي وليس بمتشرب من النظريات النقدية عند قدماء العرب، هو نقد انطباعي او تجريح او مديح كما قلت. ونحن نتعرض الى عمليات تجريح كبير تصدر عن بعض الكتب وهي فظيعة وتقول انني لست شاعرا بل اكذوبة.
الوجدان الفلسطيني ودرويش وآراء الاخرين؟
انا متهم بالتخلي عن القضية الفلسطينية ومتهم الى حد ما بخيانة جلدي عند بعض الناس، اما القراء فهم ابرياء. فلسطين ليست وظيفة وهي ليست شيئا.
اين ريتا.. او بالاحرى حدثنا عن الحب عند درويش؟
لا وجود لقصة او مغامرة، اولا انا لست مجنون ليلى ولا اراغون الزا، ليست هناك امرأة تشكل لي مرجعية عاطفية او مرجعية ذكريات ليس هناك شعر الحب، انا ازور الحب (يضحك)، الحب لا يحتلني، بل تحتلني حاجتي اليه وليست هناك امرأة محددة هي ليلاي او لبناي او عزتي لا املك اسطورة حب بل اتذكر الحب بما هو حالة متنقلة ومترحلة ولا وجود لامرأة ابدية.. هي ذريعة.
وأخيرا، نذهب مع حديثك الذي نعرف بعضه عن قصيدة النثر؟
كنت اتصور او اتمنى ان ينتهي هذا البحث بخصوص قصيدة النثر وشرعيتها وصراعها مع ما ليس بقصيدة نثر. قصيدة النثر هي احد انجازات الشعر العربي في العقود الاخيرة وهي قد اصبحت الجزء العضوي من حركة الشعر العربي وفيها مبدعون كبار وعدة شعراء استمتع بالكثير منهم وارى انهم يقدمون شعرية جديدة بقصيدة النثر.
هناك التباس، كأن بيني وبينها مشكلة وخلافا، انا خلافي مع ادعاءاتها النظرية فالكثيرون يولدون وقد اكتملت نظريتهم الادبية عن الشعر بمعنى انه لا يكون موزونا وان يخلو من العواطف وان لا يأتي الايقاع الشعري على خارج النثر وان الحداثة لا يمكن ان تعرف الا عبر قصيدة النثر وبها هذه الادعاءات النظرية لا استطيع ان اقبلها، قصيدة النثر شرعيتها في مدى ما قدمت من شعرية جديدة وذائقة مختلفة وبالتالي ليس من حقها ان تنفي غيرها.
ربما كانت حاجتها للدفاع عن نفسها وعن شرعيتها قد منحت شعراءها هذا النفس العدواني باقصاء الاخرين اي بمنطق من ليس منا فهو خصمنا. عليهم ان يرتاحوا فقد انشؤوا دولتهم المستقلة ويجب ان يبحثوا عن مسألة المركز والضواحي والاطراف، عليهم ان يرتاحوا ويعملوا اكثر على تطوير تجربتهم الشعرية وعلى تقديم مبرر جمالي اكبر لاختيار هذا الشعر وان يعترفوا بنا اننا معاصرون لهم ومن حقنا ان نكتب بطريقة مختلفة. عليهم ان يكفوا عن احساسهم بالاضطهاد وان لا يتحولوا الى (مضطهدين، لنقم بمصالحة في هذا الزمن يضحك).
انا لا مشكلة لي معها بل مشكلتي الوحيدة انني لا اكتبها، اعرف شعريتها العالية.. النثر عمل راق وجنس ادبي نبيل اكتبه ولا اسميه شعرا، ولا ننسى ان القرآن نثر ويعجبني قول ابي حيان التوحيدي في تعريفه للشعر حين قال: احسن الكلام ما قامت صورته على نظم كأنه نثر وعلى نثر كأنه نظم، والوزن ايضا لا يحمي اللاشعر فهناك الكثير من الكلام الموزون وهو عبارة عن نظم ما احبه في الشعر هو ذاك الصراع مع الصعوبة ومهارة التغلب على صعوبة النظم جزء من العملية الشعرية مثل النحات الذي يتغلب على صعوبة الحجر اذن البحث عن السهولة ليس بالعمل الشعري، ولا بالفن فاذا ازلنا عقبة اسمها قافية وبقيت العقبات ماذا تقول؟ هل قلنا كلاما لا يقال الا بهذه الطريقة؟
هذا هو امتحان قصيدة النثر، هل تقول بتحررها من كل هذه الاعباء، قولا لا يقال الا هكذا؟ بعضها نعم ولكن كثير منها لا، كما ان الكثير من الشعر الموزون ليس بالشعر، يجب ان لا نعبد التغلب على قيود الكتابة هي بالعكس شكل من اشكال تجليات جدارتنا بالحرية.
صاحب الحوار صديقنا العزيز شمس الدين العوني مع المرحوم الشاعر محمود درويش
+++++++
أفكار متقاطعة : النعش الأخضر
يكتبها ناجي الخشناوي
«أيها الموت انتظر ! حتى أعدَّ / حقيبتي: فرشاة أسناني، وصابوني، وماكنة الحلاقة، والكولونيا، والثياب / ويا موتُ انتظر، يا موت، / حتى أستعيد صفاء ذهني في الربيع...»
مات محمود درويش الفلسطيني المعتقل بالذكريات داخل / خارج الوطن المتكرّر في المذابح والأغاني... الفلسطيني الذي فكّ طلاسم هويته الموزعة من مطار الى مطار ومن فندق الى فندق...
مات محمود درويش وهو متهم بالتجريد وتزوير الوثائق والصور الشمسيّة وهو يصرّ على رسم شكل فلسطين المبعثرة بين الملفات والمفاجآت... فلسطين المتطايرة على شظايا القذائف وأجنحة العصافير... المحاصرة بين الريح والخنجر...
اسم محمود درويش السري هو محمود درويش أما اسمه الأصلي فقد انتزعته سياط الشرطة وصنوبر الكرمل عن لحمه وتركت له هوية تتكئ على الريح... وقامة صقلتها المسافات وتذاكر السفر... وممرات تحتشد بالفراغ...
مات محمود درويش وهو يُحاول ان يذكر اسمه الاصلي بلا أخطاء ويفك الحروف والحركات عن اللحم الحيّ... ويكفّ عن الكلام لكي يصف نفسه.... مات ابن حوريّة وهو يحاول ان يستجدي فلسطين كي تعلن براءته منها ليكف عن الموت أو تعلن انتهاء عقْد الشغف بينهما ليصير قادرا على الرحيل...
طالت حالة احتضار محمود درويش وهو يتحفّز للموت على حافة الحلم كما يتحفّز الشهيد للموت مرّة أخرى تاركا لحمه مشاعا للجنود مثل سطوح المنازل وهاهو يموت وهو بعدُ صامدٌ في الهزيمة وعدوّه صامدٌ في نصره...
يغادر درويش وجهه نحو قلبنا ليعلن قصته والحرائق تنمو على زنبقة، يغادر ليعلن صورته والصنوبر ينمو على مشنقة... يعلنها بعد ان سرق من جرح الشهيد القطن ليلمع اوسمة الصبر والانتظار لينهمر منه الحبر خلف جداول الدم...
يغادر درويش بعد ان تعلم اللغات الشائعة... متاعب السفر الطويل... النوم في القطارات البطيئة والسريعة... والحب في الميناء والغزل المعدّ لكل النساء والشوق المعلب... غادرنا بعد أن علّمنا تربية الأمل ومراسم الوداع... وهو يسبق كل المتعاطفين الذين يعدّون له قبرا مريحا... يسبقهم ويزغرد في عطفهم الكلامي الغوغائي الخطابي... المنافق بدءا ومنتهى... يزغرد ويسألهم من مات؟... لمن تحفرون هذا القبر؟ وهذه الشاهدة على من تدلّ؟ ولمن ترفعون هذا النعش؟؟؟
بين كرنفال الشعر وشهوة النثر أبصر محمود درويش في الكمنجة هجرة الاشواق من بلد ترابي الى بلد سماويّ وأجلس الموت على بلور أيامه كأنه واحدٌ من أصدقائه الدّائمين انتظره كما طلب منه عند باب البحر في مقهى الرومانسيين وانتظرهُ كي يودّع داخله في خارجه ويوزّع القمح الذي امتلأت به روحه والأرض التي امتصته ملحا... انتظره الموت شعرا ونثرا ولما تذكّره وهلّ عليه في مرضه أخذه بابتسامة عريضة وزف في أذنية جملته الشعرية:
«هزمتك يا موتُ الفنون جميعها».
++++++
في الشعب فقط: نزار قباني ... الشاعر الديبلوماسي وحكايات الزمن الجميل
تونس / الشعب / كتب: ناجي الحاج علي
كلمة أولى:
ترك لنا نزار قباني 35 ديوانا وكتابا من اجمل ما كتب في الشعر العربي، وشجون الانسان العربي.. عرف نزار قباني في شرق الوطن العربي كما في غربه.. وقرأ له رجال ونساء وأعجب به الصغار والكبار.. وصارت دواوينه مثل روايات احسان عبد القدوس.. بما يزرع في المخدة... ويهجع في السرير... صارت دواوينه مثل علب السجائر التي تباع امام الحانات الان وقد مرت 10 سنوات على رحيله... بقي الحب متوهجا في كتاباته لم يتأثر بأنترنيت او فضائيات المشعوذين...
ولد نزار قباني سنة 1923 في منطقة «الشحم» بدمشق ليعيش طفولته مدللا بين اخوته في منزله الدمشقي الاصيل وهو من البيوت الشامية القديمة ويتكون من طابقين احدهما باحة مكشوفة مصنوعة من الرخام والاعمدة الرخامية التي يتسلقها الياسمين الابيض والورد الاحمر وفيها شجر الليمون... وفي منتصف الباحة نافورة مياه عجيبة...
نشأ نزار في هذا الجوّ الرومنسي الجميل تربطه بوالدته علاقة حميمة. فقد ظلت ترضعه من صدرها حتى بلغ السابعة من عمره وتطعمه الطعام بيدها حتى بلغ الثالثة عشرة... حتى قالوا عنه انه يعاني من عقدة «اوديب» عاشق أمه.
وعندما كان في الثالثة عشرة من عمره كان ضيوف ابيه يسألون.. ما هي اهتمامات نزار؟ فيجيبهم والده بكل بساطة «ابني يريد ان يكون شاعرا !».
فيتغير لون سائليه ويتصبب العرق البارد من جباههم ويلتفتون الى بعضهم قائلين... لا حول ولا قوة الا بالله... قل لن يصيبنا الا ما كتب الله لنا... لكن نزار لم يبدأ حياته شاعرا بل بدأ بأشياء فنية اخرى.. مثل الرسم وكان مولعا بالالوان وبصبغ الجدران بها وأدرك انه لن يكون رساما عبقريا.. فقرر ان يجرب الموسيقى والتلحين فأحضر عودا وطلب من امه ان تأتي له بأستاذ يعلمه العود والموسيقى وبدأ يتلقى دروسه الموسيقية لكن الاستاذ بدأ معه بطريقة غير موفقة تماما... فقد بدأ النوتة الموسيقية وهي علم مثل الرياضيات حسب قول نزار الذي يكره الرياضيات.
رحلة البدايات:
كان عمره 16 عاما عندما سافر سنة 1939 في رحلة بحرية الى روما مع المدرسة، واثناء وقوفه على سطح السفينة شاهد الامواج والدرافيل وهي تقفز حول الباخرة. فجاءه اول بيت شعري ثم الثاني والثالث والرابع، وهكذا... فنزل سريعا وكتب الابيات لكي لا ينساها ولا تضيع واضعا اياها في الكتمان حتى لا يسخر أصحابه ونام تلك الليلة ولأول مرة في حياته يوم 15 اوت اصبح شاعرا للمرة الاولى واستيقظ وهو شاعر ايضا...
التحق نزار بكلية الحقوق لدراسة القانون، الا انه لم يمارس القانون ولم يمارس قضية الدفاع في حياته الا عن قضية واحدة وهي قضية المرأة...
عندما كبر نزار قباني وصار شابا لم ينفصل عنه الطفل... بل كبر معه بكل سلوكياته الصاخبة وأنانيته... وعندما فشل في ان يكون رساما او موسيقيا قرر ان يكون شاعرا وهو يعرف تماما ان التفرد لن يكون الا بالاختلاف وهي موهبة لا يجيدها الكثيرون... ومنذ ديوانه الاول «قالت لي السمراء» الذي اصدره نزار قباني الطالب في كلية الحقوق على نفقته الخاصة اثار هذا الصوت المختلف جدلا عنيفا... وصفه نزار فيما بعد فقال: «لقد هاجموني بشراسة وحش مطعون وكان لحمي يومئذ طريا» ويسهل ان نتصور رد الناس على شاعر لم يبلغ العشرين من عمره يتوجه لهم بقصيدة عنوانها «خبز وحشيش وقمر» ينتقد فيها سلوكياتهم... فقد هلّل الناس للقصيدة بينما طالب اخرون برأس من قالها... ويبدو ان الضجة أثارت شهية الطفل الشاب نزار ووجدها اول سطر في كتابه الاسطوري.
صياغة غير مألوفة:
تخرج نزار قباني عام 1945 من كلية الحقوق في جامعة دمشق، ثم التحق بوزارة الخارجية السورية وانتقل في العام ذاته الى القاهرة موظفا ديبلوماسيا في السفارة السورية وكان عمره انذاك 22 سنة فقط وكانت القاهرة في ذروة نضجها الثقافي وكان نزار يحمل في جعبته ديوان شعر جديد اسمه خارج على المألوف في عالم الكتاب وهو «طفولة نهد» وكانت صياغته الشعرية غير مألوفة ايضا في ذلك الزمان... قدم نزار الديوان لثلاثة من نجوم الفكر والصحافة والنقد... وهم توفيق الحكيم، كامل الشناوي وأنور المعداوي... الذي تحمس للشاعر الشاب فكتب مقالا نقديا عن الديوان وحمله الى احمد حسن الزيات صاحب مجلة «الرسالة» المصرية ولما كانت «الرسالة» مجلة محافظة، نشر الزيات نقد المعداوي لكن بعد ان غير عنوان الديوان من «طفولة نهد» الى «طفولة نهر» فقال نزار تعليقا على هذا وبذلك ارضى حسن الزيات صديقه الناقد انوار المعداوي وارضى قراء الرسالة المحافظين... الذين تخيفهم كلمة النهد وتزلزل وقارهم ولكنه ذبح اسم كتابي الجميل من الوريد الى الوريد... وهكذا شهدت القاهرة ميلاد شاعر انطلق في بيئه تحفل بطه حسين وعباس محمود العقاد وعبد القادر المازني وعبد العزيز البشري واحمد أمين وبشر فارس ودريني خشبة... واحمد حسن الزيات... ومصطفى صادق الرافعي ومحمود حسن اسماعيل وبيرم التونسي وابراهيم ناجي ونجيب محفوظ ويحيى حقي وعزيز أباظة...
وهكذا تعود نزار على مصر وتعودت عليه وصارت تعتبره واحدا من شعراءها او من أولادها.. لكن حياة الديبلوماسيين لا تستقر بهم فانتقل نزار للعمل في عدة عواصم بعد القاهرة منها بالخصوص أنقرة، ولندن، ومدريد، وبيكين وبيروت وظل نزار يعمل في الخارجية السورية لمدة تجاوزت 20 عاما حتى استقال منها في سنة 1966 وأسس دارا للنشر في بيروت باسمه متفرغا بذلك لقراره الوحيد وهو الشعر...
(يتبع)
++++++++
اثر رحيل المخرج الياس الزرلي: كيف ما يرجع الفرططو...
بقلم: سلمى بكار
لقد جاؤوا كلهم، ما من احد تخلف عن الموعد، الجميع هنا دون استثناء حتى الذين هم خارج تونس، في فرنسا وغيرها، جاؤوا لليوم الاخير من التصوير.
لا احد يرغب في تصديق ان «الفرططو» قد احرق حقيقة جناحيه هذه المرة، كل هؤلاء المخرجين والتقنيين والممثلين والكومبارص، كلهم جاؤوا اليوم لتكريمك، وقد حافظوا على امل رؤياك هنا في مسقط رأسك بني خيار واقفا بينهم كالعادة، تسير حركاتهم وتوجهها وكأنك قائد اوكسترا تعزف ترنيمة سينمائية رقيقة.
هذه الترنيمة التي ترافقك منذ سبعة عشر عاما، عمر عملك مساعدا، جعلتك «الأفضل» بنجاعتك وعطائك بلا حدود وأخلاقك الرفيعة وضحكة الطفل فيك وعفويتك وصدقك، وحتى بحركة الغضب القصوى الصادرة عنك اذ تلقي بقبعتك ارضا متمتما بألفاظ لم يفك احد يوما شفرتها، اذ كثيرا ما تتبعها ضحكتك،. ضحكة الطفل.
الياس، نحن جميعا هنا اليوم بما يمكننا من تشكيل عدة فرق لتصوير الافلام التي تحب.
نحن جميعا هنا من أجلك، ولكنها المرة الوحيدة التي لن تلبي فيها النداء، ولن تأخذنا من ايادينا لتدلنا الى الحركة الصحيحة امام الكاميرا.
كنت الافضل في هذا الجمع، وللمرة الاولى لن تكون في قيادته.
ان الراحة التي كنت تنشدها باستحقاق بين فيلم واخر حتى تعود الى البلاتو بأكثر حب واشتياق، تماما كالفرططو الذي استعرت صورته في فيلمك الوحيد.
هذه الراحة ستكون أبدية هذه المرة، مع ان ذلك مازال مبكرا جدا عليك وعلينا، فمازال لديك الكثير من العطاء.
كنت متربصا في أفلامي، فمساعدي، فطفلي الذي رأيته يخطو خطواته الاولى ثم اصبح يقود خطاي، لأخر مرة سأقول لك مثلما كنت افعل في نهاية كل تصوير: «شكرا الياس» شكرا لأنك وجدت في قلبي وحياتي المهنية، وان كان وجودك كطيف عابر وقصير.
+++++++
الرواية ذات صيف 3.... او التحدي بالكتابة
أكودة / الشعب:
في إطار نشاطه الموسمي ومن أجل الاحتفاء بالثقافة في البيوت التونسية، والتعريف بالمبدعين في الوطن العزيز تبادر الهيئة الموسعة للصالون الثقافي العائلي والبيئي «الشجرة» بأكودة تحت اشراف الاستاذ والشاعر: محمد المنصف قادي بتنظيم الحلقة 11 بمنزل السيد: لطفي قديش، وذلك يوم الاحد 24 اوت 2008 بداية من الساعة الخامسة والنصف مساء بمدينة اكودة وذلك تحت شعار:
الرواية ذات صيف 3 ... أو.. التحدي بالكتاب
حسب البرنامج التالي:
تدشين معرض الفن التشكيلي «عذوبة المدائن» للفنان: عبد الرحمان دلدول
الاحتفاء بباكورة انتاج الشاعرة التونسية المقيمة بهولندا: لمياء المقدم بطعم الفاكهة الشتوية بحضور واسهام ثلة من الشعراء التونسيين والنقاد اصدقاء الشاعرة
التطرق لموضوع الاعلام الوطني وتحديات العصر تقديم الاستاذ: الصحراوي قمعون
الاحتفاء برواية: Une مme frustrée En Délire للكاتب العصامي الطيب دلدول
مراوحة شعرية يؤثثها الشعراء: عمر عبد الباري، لمياء المقدم، ضحى بن طاهر، ونجيب بوغدير
مداخلة حول الاحتباس الحراري والتغيرات المناخية يقدمها الاستاذ: حافظ العريف
شهادة في التعليم الفرنسي العربي في تونس / المدرسة الفرنسية العربية « الراجحية» بأكودة نموذجا، يلقيها الاستاذ الشاب باسم رزوقة
وصلات موسيقية على آلة العود مع الفنان: عبد العزيز الكوكي
تكريم الاذاعية والمنتجة: فتحية جلاّد والممثل المسرحي عمر زويتن
تكريم عائلة الاستاذ والمثقف: المنصف بن الشيخ لاحتضانها اشغال الحلقة العاشرة من صالون الشجرة هذا وينشط مختلف فقرات الصالون الشاعر جلال باباي.
+++++++
سؤال الاسبوع: كيف تتم عملية اختيار اسماء الافلام؟!
تونس / الشعب
بعد اختيار اسماء الاعمال الفنية من الامور الصعبة لأي مؤلف عمل درامي فني، سواء أكان مسرحيا او سينمائيا ام تلفزيونيا وحتى اذاعيا، حيث ان الاسم الذي يقع في كلمة او اثنتين او ثلاث كلمات على اقصى تقدير، لابد ان يعبر عن المضمون الذي يحمله العمل وتكمن الصعوبة في ضرورة اختيار اسم لم يسبق اختياره من قبل، ويمكنه ان يجتذب الجمهور وكثيرا ما حدث وتم تغيير اسم فيلم بعد الانتهاء من التصوير لا لشيء الا لان عملا اخر حمل العنوان نفسه وهناك نوعية من المؤلفين ترجئ اختيار الاسم حتى انتهاء من كتابته وجاهزيته الى التصوير الفعلي. وهناك من يضع بدائل عدة ليختار الأنسب منها بعد مشاورات مع المخرج والمنتج وغيرهما. وظهرت خلال الآونة الاخيرة اسماء غريبة لأفلام سينمائية عرضت تجاريا او انتهى تصويرها او يجري التحضير لها والمدقق فيها قد لا يرى اي ارتباط بينها وبين مضامين هذه الافلام ومواضيعها، كما ان العديد منها في حاجة الى تفسيرات من اصحابها وقد يكون مرجع هذه الاسماء الغريبة نوعية الافلام التي تقدم منذ فترة ويقبل عليها عدد كبير من الطلبة والشباب والحرفيين.
وقد تلعب الموضة دورها في اختيار الاسماء مثلما حدث مع اكثر من فيلم.
وقد ترتبط العناوين في فترة من الفترات بأسماء اغنيات شهيرة.
عندنا نحن في تونس عملية اختيار اسماء العناوين تأتي من خلال اجتهادات المخرج اساسا بما ان معظم الاعمال السينمائية التونسية لم تغادر المدينة العربي، وحتى الذي غادرها فانه لم يتمكن من شد الاهتمام اليه خاصة وان مجمل الاعمال السينمائية التونسية تكاد تلتقي في جمل واحدة اقول هذا وانا على شبه قناعة ان السينما التونسية مازالت في حاجة الى ان تثبت رؤيتها في الساحتين الوطنية والدولية انها نجحت وانها قادرة على المنافسة هذه المنافسة التي نريدها ان تنطلق من فكر يوظف ما يقدم لصالح البشرية بعيدا عن كل نمطية لم تعد قادرة على ان تبعد عن ذهن المتلقي اسقاطات عديدة عمد اليها عديد المخرجين العرب.
ان السينما التونسية والعربية بشكل او بآخر مازالت لم تتجاوز محليتها لتتمكن في خطوة اخرى من فرض أفكارها في اكبر المعاقل السينمائية العالمية.
را ج
+++++++++
مهرجان بني خلاد: عادل سلطان وحسن التنظيم
بني خلاد / الشعب
سمعت الكثير عن المطرب عادل سلطان ولكنني لم أكن أتصور اطلاقا ان هذا الفنان العربي يحمل قضايا شعبنا العربي من المحيط الى الخليج.
فقد تغنى بمعاناة الشعب الفلسطيني وما يتعرض له يوميا من تقتيل وتدمير وحصار امام مرآى ومسمع من العالم أجمع على أيدي الاحتلال الصهيوني البغيض، حيا عادل سلطان الفلسطينيين وحيا صمودهم من خلال أغان وأناشيد وأهازيج معبرة، ومحرضة ومصممة على حتمية عودة الحق الى اصحابه لم ينس الفنان معاناة شعب عربي اخر يمر بمحنة مريرة جراء الاحتلال الامبريالي الامريكي له، فالقتل والتشريد والتجويع متواصل في بلاد الرافدين والتآمر الطائفي في أبشع صوره لذلك فان عادل سلطان بشر من خلال أغانيه بانبلاج فجر العراق المحرر والفضل في ذلك لن يكون الا لمقاومته الوطنية الباسلطة...
فرصة مشاهدة المطرب عادل سلطان وغيره من العروض الاخرى أعطاها لنا الساهرون على المهرجان الصيفي ببني خلاد الذي بين السهرات الغنائية لعادل سلطان وعبد الله المناعي) والمسرحية (ما يبقى في الواد كان حجرو) والتنشيطية (تنشيط استعراضي وألعاب سحرية لفرقة كاليتشو وكالوتشو) اضافة الى تنظيم دورة في كرة القدم أقيمت خصيصا لأبناء مواطنينا بالخارج، كما كان للسينما حضورها خلال المهرجان وذلك بعرض بعض الافلام الموجهة للطفل خصوصا.
ويبقى تكريم أمهات الناجحين في امتحان الباكالوريا خلال حفل عادل سلطان احسن مما قدم وبمثابة حركة نبيلة تعترف للأم بدورها الفعال في نجاح ابنتها وابنها لما لا وهي التي تضحي بالغالي والنفيس من اجل فلذات الاكباد...
المهرجان الصيفي ببني خلاد الذي امتد من 24/7/2008 الى 17/8/2008 استطاع ان يستقطب عددا كبيرا من الجمهور المتعطش للسهرات الهادفة خلال ليالي الصيف القائضة جاؤوا في شكل عائلات تضم الكبار والصغار، النساء والشباب في لمة «خلادية» زادها حسن التنظيم جمالا على جمال.
فالمطلوب اذن الاستمرارية في تنظيم هذا المهرجان والتفكير في تطويره بمزيد برمجة العروض الهادفة دعما للثقافة والمشهد الثقافي عموما في بلادنا.
ونجاح باهر في «سليمان»
نادي سليمان للسينمائيين الهواة الذي يترأسه عبد الفتاح الدربالي ورغم حداثة المصادقة عليه (2/3/2008) الا انه دخل ميدان الانتاج السينمائي غير المحترف من الباب الكبير، لما لا وقد حقق نجاحا باهرا خلال المهرجان الوطني لفيلم الهواة الذي اقيم في الفترة الممتدة من 3 اوت الى 9 اوت 2008 في دورته 14 بقليبية.
هذا النجاح تمثل في حصوله على الجائزة الاولى في كتابة السيناريو عن سيناريو «المراودة» لابن النادي مراد العباسي، وقد تمت مناقشته في أنشطة التكوين التي برمجها النادي وتم الاتفاق على المشاركة به في المهرجان الوطني لفيلم الهواة والسعي الى تصويره كفيلم روائي يحي ويشخص بعض الآفاق الاجتماعية المراودة كمشكل اساسي يطرحه هذا السيناريو فمبروك للنادي ولصديقنا مراد على هذا الانجاز ومزيدا من التألق في قادم المناسبات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.