(إلى سليم دولة طفلاً من أطفال الثورة... وإلى كلّ الرّفاق الذين حملوا المشاعل إلى أعلى الجبل) البابُ الخشبيّ مقلوع الأظفار، والرّفاق حول طاولتهم مثل فراشَاتٍ مثل أوراق نعناعٍ قطعها أحد الفلاّحين فجرًا، في آخر ركن في دار الصّحافيّ (❊) ثلاث طاولتٍ تشربُ الأمطار، »سليم دولة« في اشتباكٍ حادٍّ مع حاسوبه المحمول. كيف دخل ذلك القطّ من ثقبِ بابٍ والمطر الأسود صيفيّ جدًّا؟ مطرٌ أسْودُ من رأسه حتّى قدميه اللّحيةُ، النظّارتان، المحفظةُ الملأى بالغيم، الميدعةُ، القبّعةُ، القميصُ، السّروال، الحذاءُ الغارق في الأسود يحضن بعناية فائقةٍ قدميْن حافيتيْن، قدميْن أدماهُما رصاص الشارع الرّئيسيّ، أدماهما المشيُ مع الأطفال بلا أملٍ في الرّجُوعِ. ❊ ❊ كيف دخل ذلك القطّ الأسود من باب مثقوب؟ كيف دخلت كلّ هذه القطط السّوداء إلى غرفتها الأخيرة تحت الرّصاصِ؟ البابُ الخشبيّ مقلوع الأظفار والرّفاقُ حول طاولتهم مثل أغنيات ضائعة على شفاه »فيروز« فجرًا، »مسعود« (❊) يشرب الرّصاص ويغنّي، » علي« يشرب الرّصاص ويغنّي، »أمين« يشرب الرّصاص ويُغنّي، »عفاف« تشربُ ضوءًا آخر لم يأتِ بعْدُ... سجائرهم غطّاها الماءُ.. الماءُ.. الماءُ.. الماءُ.. حذارِ أيها الرّفاقُ! قلبي لفحةُ هواءٍ وحذائي مبتلّ، والباب الخشبيُّ الذي عبرتهُ بصعوبةٍ إلى آخر قاعةٍ في هذا الحانِ، قطعه البرابرةُ بلا رأفةٍ... حاذروا اللّيل أيها الرّفاق، لا تخرجُوا إلى الشارع بعد أن تشربوا المياهَ، فالبرابرةُ ينتظرونكم خلف أشجار الشارع الرئيسي، خلف العمارات القديمة، في علب التبغ الفارغة، في آخر كلّ زقاق، (......) ها أنا أشرب قارورتين قبل أن يسقط اللّيل سأشربُ الثالثة مع هذا القطّ الأسود، قارورة، اثنتان، ثلاثة... رصاصةٌ، رصاصتان ثلاثُ رصاصات تثقبُ حذائي ثلاث طاولات تسْربُ الرّصاص في المطر... .................................... .................................... (❊) كتبت هذه القصيدة في صيف 2010. (❊) دار الصّحافيّ مكان يرتادُه المتعبون من عبث النّهار على مرمى حجر من وزارة الدّاخلية. (❊) مسعود وعلي وأمين وعفاف من شباب ثورة 14 جانفي.