المتلوي ...تلاميذ مركز التربية المختصة للقاصرين ذهنيا يحتفل باختتام السنة الدراسية    جلسة عامة    المندوب الجهوي للتنمية الفلاحية ل«الشروق» صابة الحبوب هامّة والتغيرات المناخية أثرت على نوعيتها    صمود المقاومة يعمّق أزمة الاحتلال...حل مجلس الحرب الصهيوني    جندوبة: اندلاع حريق في ضيعة فلاحية    أنس جابر لن تشارك في دورة الالعاب الاولمبية بباريس    فوز صعب لفرنسا في افتتاح مشوارها ب يورو 2024    الفيفا يوقف حمدي النقاز عن اللعب لمدة 6 أشهر    كيف سيكون طقس الثّلاثاء 18 جوان 2024؟    تفقّد وضعية الحجيج    تقودها عصابات ومهرّبون ...الكشف عن جرائم تهريب بنادق صيد    قرقنة .. وفاة حاج من منطقة العطايا بالبقاع المقدّسة    خصائص المدرسة الناجحة ...أثر تربية المرأة في تحقيق التنمية الشاملة    إحباط 59 محاولة اجتياز للحدود البحرية وانتشال جثتين    عدنان الشواشي : المنوّعات صنعت في وقت قياسيّ وغفلة ذوقيّة فيالق من أشباه "النّجوم" و"النّجيمات"    بمناسبة انتهاء عطلة العيد: وزارة الداخلية تصدر هذا البلاغ المروري    فظيع/ هلاك طفل داخل خزان مائي بهذه المنطقة..    ألمانيا: ضبط أضخم كمية كوكايين في تاريخ البلاد تصل قيمتها إلى 2.6 مليار يورو    لا يعرف موعده: انفجار ضخم في الفضاء يمكن رؤيته بالعين المجردة    المرصد الوطني للفلاحة: نسبة امتلاء السدود لم تتجاوز 31،5 بالمائة    قابس: وفاة زوجين في غنُوش بسبب انفجار قارورة غاز منزلي    الفيلم التونسي "المابين" يفوز بالجائزة الكبرى لمهرجان جنيف الدولي للأفلام الشرقية    وفاة الأنستغراموز فرح القاضي    بعد افتتاح سفارات اوكرانية في افريقيا: الرئيس الايفواري يحضر قمة السلام في سويسرا    مرام بن عزيزة تكشف أسباب وفاة فرح بالقاضي    يورو 2024.. رومانيا تكتسح اكرانيا بثلاثية    أرينا سبالينكا تَغِيبُ في أولمبياد باريس    بعد 24 عاما من زيارته الأولى.. بوتين يصل كوريا الشمالية غدا    نصائح وتوصيات وزارة الصحة لمجابهة موجة الحرارة    إستخدام الأواني المصنوعة من مادة البلاستيك يؤدي إلى مضاعفات صحية خطيرة    تونسي يتميز في جامعة دايفس بكاليفورنيا الأمريكية    الهيئة الوطنية للمحامين تنعى المحامي الدواس الذي وافته المنية في البقاع المقدسة    سليانة.. تقدم موسم الحصاد بنسبة 45 بالمائة    القيروان : زوج يقتل زوجته بطريقة وحشية بعد ملاحقتها في الطريق العام    كأس أمم أوروبا: برنامج مواجهات اليوم والنقل التلفزي    عاجل/ الاحتلال الصهيوني يحرق قاعة المسافرين في معبر رفح البري..    تنس – انس جابر تحافظ على مركزها العاشر عالميا وتواجه الصينية وانغ في مستهل مشوارها ببطولة برلين    الحرارة تتجاوز المعدلات العادية بداية من الثلاثاء    حجاج بيت الله الحرام يستقبلون أول أيام التشريق    الرابطة المحترفة الاولى (مرحلة التتويج): برنامج مباريات الجولة الختامية..    مصرع 6 أشخاص وفقدان 30 آخرين في انهيار أرضي في الإكوادور    الإنتاج الوطني للنفط الخام يتراجع في شهر افريل بنسبة 13 بالمائة (المرصد الوطني للطاقة والمناجم)    في ظل انتشار التسممات الغذائية في فصل الصيف، مختصة في التغذية تدعو الى اعتماد سلوك غذائي سليم    بن عروس/ 18 اتصالا حول وضعيات صحية للأضاحي في أوّل أيّام عيد الأضحى..    في أول أيام عيد الأضحى.. الحجاج يؤدون آخر مناسك الحج    47 درجة مئوية في الظل.. الأرصاد السعودية تسجل أعلى درجة حرارة بالمشاعر المقدسة    صفاقس : "البازين بالقلاية".. عادة غذائية مقدسة غير أنها مهددة بالإندثار والعلم ينصح بتفاديها لما تسببه من أضرار صحية.    العلاقات الاندونيسية التونسية جسر تواصل من اجل ثقافة هادفة، محور ندوة بتونس العاصمة    إخصائية في التغذية: لا ضرر من استهلاك ماء الحنفية..    وزارة الصحة السعودية تصدر بيانا تحذيريا لضيوف الرحمان    تخصيص برنامج متكامل لرفع الفضلات خلال أيام العيد    الصوناد: رقم أخضر لتلقي التشكيات عن الاضطراب في الماء الصالح للشرب    أطباء يحذرون من حقن خسارة الوزن    المهدية: مؤشرات إيجابية للقطاع السياحي    «لارتيستو»: الفنان محمد السياري ل«الشروق»: الممثل في تونس يعاني ماديا... !    الدورة الخامسة من مهرجان عمان السينمائي الدولي : مشاركة أربعة أفلام تونسية منها ثلاثة في المسابقة الرسمية    "عالم العجائب" للفنان التشكيلي حمدة السعيدي : غوص في عالم يمزج بين الواقع والخيال    تعيين ربيعة بالفقيرة مكلّفة بتسيير وكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المساعدات التي تغدقها الأحزاب على المواطنين شراء غير مباشر لذممهم
الدكتور علي المحجوبي يتحدث عن الثورة التونسية كيف نعطي الثقة في برلمان منتخب بعد سنة ولا نعطي الثقة في المجلس التأسيسي؟رغم العراقيل علينا أن نكون متفائلين بأن حركة التاريخ في خدمة التقدم
نشر في الشعب يوم 01 - 10 - 2011

❊ تعتبر قضية المال السياسي من أخطر القضايا التي تشغل الرأي العام الوطني، خاصة ونحن نمر بتجربة سياسية وليدة فما رأيكم في هذه الخروقات وما مدى تأثيرها على مسار الانتقال الديمقراطي؟
كل الشعارات التي طرحتها الثورة من حرية وكرامة وعدالة اجتماعية مرهون تحققها بانتخابات ديمقراطية ونزيهة متعددة وشفافة، وهذا المال السياسي المتدفق لا يسمح بذلك، لأن الاحزاب التي تحصل على أموال تكون حملتها الانتخابية اكثر كثافة على حساب الاحزاب الاخرى ذات الامكانيات المحدودة أو المعدومة وبامكان هذه الاحزاب القيام بدعاية وهو ما نلاحظه في الصحف، حيث تصدر عديد الاحزاب وبشكل يومي الاعلانات وصور رؤسائها، والاخطر من كل ذلك اشتراء ضمائر الناخبين مهما كانت الاساليب، فالنهضة مثلا تقوم بعديد الحملات الخيرية كتنظيم حفلات الزفاف والختان وتوزيع الاعانات في الاحياء الشعبية، لكن السؤال الذي يطرح هل ان من شملتهم الاعانات والمساعدات سيصوّتون للنهضة قناعة ببرنامجها السياسي ومشروعها المجتمعي او اعترافا بالجميل، وهو ما نسميه اشتراء غير مباشر لضمائر الناخبين وهذا الامر بطبيعة الحال يصبح على عدة احزاب مثل الاتحاد الوطني الحر والحزب الديمقراطي التقدمي، وهو ما يؤدي في المحصلة النهائية الى تزييف ارادة الناخبين مما يجعل الانتخابات غير شفافة وغير نزيهة.
لأن الانتخابات من المفروض ان تكون على اساس اختيار المواطن الحزب على اساس برنامجه ومشروعه المجتمعي وليس نتيجة العطايا والاعانات واعترافا بالجميل.
وهو برأيي الخطر الكبير الذي يتهدد العملية الانتخابية، بل ان هذا الخطر يتهدد الاحزاب ذاتها فنحن لاحظنا انسحاب عديد العناصر من الاحزاب لأنها تعتبر ان هذه الاحزاب حادت عن المبادئ التي قامت عليها وآمنت بها، حيث تحول بعضها من احزاب يسارية الى أحزاب يمينية وانتقلت من احزاب »الوسط اليساري« الى احزاب »الوسط اليميني« بعد الثورة، في حين انه كان من المفروض على هذه الاحزاب بعد الثورة ان تجذر مشاريعها وتسعى الى تحقيقها في أرض الواقع.
ومن المؤسف ان للأحزاب مشاغل اخرى فهي في غالبها تخدم لمصلحة حزبها ثم لمصلحة وطنها وهو ما يبعدها احيانا عن المصلحة الوطنية حين يصبح الهدف الوصول الى الحكم وأتذكر انه في مذكرات الجنرال ديغول يعد الحرب العالمية الثانية انه »طلب من ليون بلوم« بعد تحرير فرنسا واثناء تأسيس حكومة ان يدخل معه الى الحكومة فاعتذر »بلوم« لانه منشغل بأمور حزبه واعادة تنظيمه، فقال الجنرال ديغول في هذا الشأن »وكأن الحزب الاشتراكي وهو حزب »ليون بلوم« أهم من فرنسا«.
وعند نقاشنا في الهيئة العليا لاحظنا ان بعض الاحزاب تتحاور دون حسابات واخرى تتعامل بحسابات حزبية ضيقة تربط بين المصالح الوطنية والحزبية. مما يجعل بالنسبة اليها غاية في حد ذاتها.
❊ بالموازات مع خطر المال السياسي هناك خطر ثانٍ يتمثل في التدخل الأجنبي سواء من البوابة الغربية أو الشرقية خاصة أن الهيئة العليا قد تركت هذا الباب مُواربًا في علاقة بتمويل الجمعيات؟
فيما يخص قانون الجمعيات اتصور ان التمويل مادام مراقبا لا يمثل اشكالا، ولعل التعاون بين الجمعيات الوطنية والدولية مشروع ومن الممكن ان ينعكس ايجابيا على مستوى النسيج الجمعياتي الوطني، فهناك جمعيات ومنظمات دولية كبرى بامكانها المساهمة في دعم جمعياتنا الوطنية، خاصة ان الجمعيات تختلف على الاحزاب لانها ليست في مستوى القرار السياسي، لذلك لم نعامل الجمعيات مثل الاحزاب التي يتوقف عليها تسطير مستقبل البلاد وهو الدافع الذي جعلنا نسمح للجمعيات بما لم نسمح به للأحزاب. وستصدر هذه القوانين بعد المصادقة عليها بخلاف ما يروّج من عدم صدورها تحت ضغط الاحزاب التي توافق عليها.
أما في علاقة بالتدخل من قبل الدول الكبرى، فهو يعكس سيطرتها على العالم، فالولايات المتحدة مثلا يعد نفوذها في العالم أكثر من نفوذها في الولايات المتحدة الامريكية.
ويمكننا اختزالها في مؤسستين مركزيتين وزارة الدفاع (البنتاغون) ووزارة الخارجية وهي عبارة عن حكومة دولية تتدخل في جميع انحاء العالم انتصارا لمصالح أمريكا.
بالنسبة الى الثورة في تونس فإننا نؤكد انها حدثت دون تدخل أجنبي والنظام المنحل لا يمثل تهديدا لمصالح امريكا والعلاقات الدولية مبنية على المصالح وكما يقوم الجنرال ديغول : »لا توجد صداقات دائمة وانما توجد مصالح دائمة« وبن علي كان يحوز على تأييد الدول الكبرى نظرا الى دوره في قضيتين، الاولى تخص التصدي للتطرف الاسلامي والثانية قضية الهجرة السرية.
وباعتباره تلميذا نجيبا فان فشله في قضية حقوق الانسان والحريات والديمقراطية وهي قضية ثانوية بالنسبة للمصالح واذا ما شئنا تشبيهها فهي شهادة تكميلية فان ضاربها الضعيف لا يؤثر في النتيجة النهائية باعتبار تفوقه في الشهادات الرئيسية المتمثلة في قضيتي الأمن والتصدي »للارهاب« والتقليص من الهجرة السرية ذات الضوارب المرتفعة. وفقدانه السلطة والحكم يدفع الدول الكبرى الى محاولة تعويضه برئيس اخر يضمن مصالحهم والوزير الاول السيد الباجي قائد السبسي قد يكون مناسبا لهذه المهمة بحكم خلفيته الفكرية القريبة من العرب، وهو ذات التمشي الذي انتهجه بورقيبة الذي حاول امام ضعف البلاد الواقعة بين بلدين قويين وهما ليبيا والجزائر ان يجد ضمانات تتمثل في حصانة تتمثل في عقد صداقات مع الغرب، وهو ما تجلى فعلا اثناء احداث قفصة 1980 عندما هبت فرنسا لنجدته بإرسالها باخرة حربية الى تونس لضمان بقاء النظام البورقيبي اثناء تلك الازمة.
ولكن مع الثورة علينا ان نعيد الامر الى الشعب صاحب السيادة من خلال المجلس التأسيسي الذي سينتج حكومة تختار اين تتجه ولها الحق في المصادقة على الاتفاقيات وابرام العلاقات الخارجية بما لا يتناقض مع مصالح الشعب.
وللحقيقة فان الديمقراطية لا تخدم مصالح الغرب والدول الرأسمالية الكبرى لأن من مصلحتها التعامل مع طرف فقط في حين ان الديمقراطية تعني التعامل مع متعدد.
وكمثال على ذلك الدور الذي كان يلعبه مبارك في ظل الاستبداد دفاعا عن اسرائيل وبمجرد ان تحرر الشعب وتوفرت الديمقراطية هب الشعب المصري للتظاهر والمطالبة بإغلاق السفارة الاسرائيلية، فالديمقراطية توفر حصانة للسلطة وهي الحصانة الشعبية. في حين ان ما كان سائدا بين الانظمة والقوى الغربية هو اتفاق ضمني بأن تضمن الانظمة مصالح القوى الكبرى مقابل حماية هذه القوى لها وضمان بقائها في السلطة.
وفي الأخير نتمنى ان تكون من جملة مزايا الثورة ان تكون تونس مستقلة في قرارها.
❊ من ضمن القضايا والمواضيع التي شغلت الرأي العام الوطني قضية الاستفتاء الذي طرحته بعض القوى السياسية، فهل ترى من مبررات لطرحه قُبَيْلَ شهر من الانتخابات؟
قامت الهيئة العليا لتحقيق اهداف الثورة بسن مرسوم حول انتخابات المجلس التأسيسي ولم يتضمن موضوع الاستفتاء.
وفي رأيي فان تونس اليوم في حاجة الى الاستقرار ووضع حدّ للفترة الانتقالية. وبما ان المجلس التأسيسي سيتم انتخابه من لَدُنِ الشعب فلا حاجة الى هذه الريبة من المجلس التأسيسي بطرح الاستفتاء وعوض ان تقع انتخابات بعد سنة، يتم التنصيص في مشروع الدستور على ان يبقى المجلس التأسيسي بخمس سنوات ويكلف حكومة منتخبة ببداية العمل لحل المشكلات المطروحة مباشرة دون ان نخسر سنة اخرى، والسؤال الذي يطرح لماذا نعطي الثقة في برلمان منتخب بعد سنة ولا نعطي الثقة في مجلس تأسيسي منتخب من طرف الشعب؟
فطرح مثل هذا الموضوع وحصر عمل المجلس التأسيسي لمدة سنة سيجعل الاحزاب تتردد في دخول هذه الانتخابات لأنها ستجد نفسها امام انتخابات اخرى بعد سنة، وهو ما سيتسبب في مشاكل كثيرة للأحزاب ويجعلها تتساءل ما الذي تستطيع فعله في عدة شهور؟ هذا دون اعتبار التكلفة المادية الثقيلة للانتخابات.
والملاحظ ان الاحزاب التي طالبت بالاستفتاء في عمومها احزاب جديدة وليست لها الى حد الآن قاعدة شعبية فهي ليست جاهزة للانتخابات وتريد ان تربح الوقت لتهيء نفسها لانتخابات ثانية بعد سنة، وهو مرقف ضد المصلحة الوطنية التي تستوجب تعيين حكومة من قِبل المجلس التأسيسي تبدأ عملها لحل المشاكل دون إطالة أمد المرحلة الانتقالية لسنة اخرى.
أما بالنسبة الى الاعتراض المقدم فيما يتعلق بجمع المجلس التأسيسي بين كل السلطات، فاننا نرد عليه بالقول اذا كان الشعب قد كلف المجلس التأسيسي بصياغة الدستور وهو القانون الأسمى، فكيف لا يثق فيه لصياغة قوانين.
أما عن صياغة الدستور فلا أظنها مهمة عسيرة وتتطلب وقتا طويلا، ويمكن دعم الدستور من خلال انتخاب مجلس دستوري ينظر في دستورية القوانين ويبقى المجلس التأسيسي لخمس سنوات مثله مثل مجلس النواب.
❊ بوصفكم مؤرخا، بماذا تفسرون تزامن الثورات في أكثر من قطر عربي؟
في القرن التاسع عشر وقعت حركة نهضة في تونس وفي مصر ولكن فشلت هذه الحركات برأيي لانها لم تأخذ بعين الاعتبار البعد السياسي، فقد اخذ الزعماء سواء محمد علي بمصر او أحمد باي بتونس الحداثة في ابعادها الاقتصادية والعسكرية والاجتماعية ولكنهم لم يأخذوها في بعدها السياسي. وما نشهده اليوم من ثورات عربية هو عودة الوعي بالبعد السياسي. وتحقيقا لرؤى خير الدين الذي يرى على خلاف ماركس ان البنية الفوقية هي تفسر البنية التحتية ويترجمها في مقولة ان الديمقراطية هي اساس التنمية. ولهذا الرأي ما يبرره في احداث التاريخ الكبرى حيث حدثت ثورة في بريطانيا العظمى في 1888 في حين حدثت الثورة الصناعية الحقيقية بعد ذلك بسنوات في القرن التاسع عشر، وهو نفس الشأن بالنسبة الى الثورة الفرنسية التي وقعت سنة 1789 ولحقتها الثورة الصناعية في القرن التاسع عشر.
وأذكر انه في ندوة نظمها عزمي بشارة في شهر افريل الماضي حول »الثورة التونسية وانعكاساتها على العالم العربي« تمت دعوة شباب تونسي وشباب مصري ليتحدثوا عن مشاركتهم في الثورة، وكنت قد توجهت بسؤال الى الشباب هل كانوا على دراية بما وقع في تونس خاصة ان الواقع الموضوعي يكاد يكون نفسه في تونس ومصر من استبداد وفساد وتردٍ للوضع الاقتصادي والاجتماعي، وهل كانت تونس قدوة بالنسبة إليكم؟ فأجابتني ابنة فؤاد نجم وقد كانت من ضمن الشباب المصري الناشطين خلال الثورة المصرية »لقد تابعنا عن كثب الثورة التونسية التي كانت قدوة لنا«.
وبالفعل ستدخل تونس التاريخ بحكم ان الشرارة الاولى للثورات العربية قد خرجت منها، وقد كان السؤال: مادامت الثورة قد نجحت في تونس، فلماذا لا تنجح في مصر؟
ولعل المشترك بين تونس ومصر هو تقاليد النضال الديمقراطي في البلدين على خلاف ليبيا بحكم طبيعة النظام الاكثر دكتاتورية واستبداد وغياب تقاليد النضال الديمقراطي وهو ما يبرر حجم الضحايا والعنف لغياب المؤسسات المدنية، وحتى مؤسسة الجيش في البلدان الثلاثة ليبيا وسوريا واليمن تكاد تكون عائلية، كتائب ابناء القذافي، في ليبيا وفرق تحت امرة شفيق بشار الأسد او بيد ابناء علي عبد الله صالح، في حين ان مؤسستي الجيش في كل من تونس ومصر عريقة وذات عقيدة وطنية وهو ما يبرر الدور الذي لعبه الجيش في تونس ومصر لنجاح الثورة بالتزام الحياد وعدم التدخل ضد الثورة.
❊ ونحن نتحدث عن دور المؤسسات الوطنية لابد ان نشير الى مؤسستين عريقتين في تونس وهما الاتحاد العام التونسي للشغل والجامعة التونسية، فأي دور كان للمؤسسين في ثورة 14 جانفي؟
دور الاتحاد العام التونسي للشغل بطبيعة الحال كبير وقديم فقد كان له كلمته وفعله في الحركة الوطنية، ونحن نتذكر انه عندما وقع اعتقال الحبيب بورقيبة وقادة الحزب الدستوري الجديد تبوأ فرحات حشاد قيادة الحركة الوطنية وكذلك المقاومة لذلك وقع اغتياله من قِبل »اليد الحمراء« بموافقة السلط الفرنسية ويقول »شارل اندري جوليان« إن المقيم العام كان على علم بذلك ولم يَحْمِ فرحات حشاد لأن حشاد كان له وزن كبير حيث كان في قيادة »السيزل« وله علاقات وطيدة مع النقابات الامريكية والحكومة الفرنسية لا تريد ان تكون لها مشاكل مع »السيزل« وخاصة مع النقابات الامريكية لذلك لم تشأ كما تقول القاء القبض عليه وتركت لليد الحمراء مهمة تصفته بالاتفاق مع السلطات الاستعمارية في تونس.
وبعد الاستقلال كان له دوره في بناء الدولة الحديثة بمساندة الشق البورقيبي ضد الشق اليوسفي في مؤتمر صفاقس في اكتوبر 1955 الذي مرر فيه المشروع الاقتصادي والاجتماعي للاتحاد. وكذلك عند اجراء الانتخابات من خلال التحالف مع الحزب في قائمة »الجبهة الوطنية« ومعهم اتحاد الصناعة والتجارة لكن كان للاتحاد الوزن الاكبر والحاسم، وقد بلغ عدد نواب الاتحاد 20 نائبا من جملة 90 نائبا، وكان له أربعة اعضاء في حكومة 1956.
ولا تنس ان البرنامج الذي نفذ في الستينات بالبلاد هو برنامج الاتحاد الاقتصادي والاجتماعي الذي طبقه بن صالح وكذلك برنامج التعليم كان باقتراح الاتحاد ونفذه محمود المسعدي الذي كان نقابيا فالاتحاد كان طرفا في الحركة الوطنية وبناء الدولة الحديثة، وليس جديدا على الاتحاد المشاركة في الشأن السياسي بالبلاد، وهو يفسر الدور الكبير الذي لعبه في ثورة 14 جانفي 2011 من خلال تأطيره للثورة فأغلب التجمعات والمسيرات والاضرابات التي وقعت بالبلاد كانت تنطلق من دور الاتحادات الجهوية في سيدي بوزيد او القصرين او مدنين او صفاقس او تونس، ولعل الاضرابين العامين في صفاقس يوم 13 جانفي الذي بلغ 50 ألف مشارك او الاضراب العام الاخير الذي وقع بتونس يوم 14 جانفي وانطلقت على اثره مسيرة من ساحة محمد علي لتجتاح العاصمة وتصل امام وزارة الداخلية كان لهما الدور الحاسم لانجاح الثورة، وهو اليوم مدعو الى مواصلة دوره في استكمال الثورة وان لم يكن بالمشاركة في الحكم فبوصفه قوة حامية وحارسة للثورة.
أما فيما يخص مسألة التعددية النقابية فأذكر موقف الصديق جورج عدّة الذي كان يرفضها ويقول لي بأن »التعددية النقابية تضعف صف العمال« وهي فكرة وجيهة وأتصور انها لا تخدم العمال بقدر ما تساعد الاعراف واتصور أنه من الممكن ان تحل الصراعات داخل اي منظمة ديمقراطيا، فكلا المؤسسين للنقابات الجديدة سواء السحباني او قيزة من ابناء الاتحاد وكان الاجدر بهما ان لم يكونا متفقين مع المكتب التنفيذي ان يمارسا المعارضة من داخل المنظمة والدفاع عن وجهة نظرهم وحسم هذا الاختلاف في المؤتمر على أرضية الانتخاب والاحتكام للأغلبية. وكان مقبولا هذا التعدد لو كان في نطاق التسامح والتعامل الحضاري بين المنظمات ولكن ان تقع حساسيات فإنها ستمثل خطرا على مصالح الطبقات الشغيلة، حيث ستكون مصلحة المنظمة فوق مصلحة الطبقة العاملة، ولكن رغم ذلك أتصور ان لا خوف على الاتحاد فالعمال لا يزالون فخورين بمنظمتهم.
❊ وماذا عن مؤسسة الجامعة ومشاركتها في الثورة خاصة أننا نعلم أن الجامعة التونسية قد قدمت احد أبنائها شهيدا لهذه الثورة وهو الاستاذ حاتم الطاهر؟
التعليم التونسي لعب دورا كبيرا بحكم كونه كان تحديثيا وفي احيان كثيرة وجدت تناقضات بين الخطاب الرسمي والخطاب المدرسي، فعندما تدرس مثلا مادة التربية المدنية تدرس على قواعد صحيحة، وهو ما خلق ثقافة حقوقية ديمقراطية على المستوى التلمذي. أما على مستوى الجامعة وأغلب الجامعيين كانوا مستقلين وأكثرهم تقدميين يؤمنون بالمبادئ الليبرالية وهذا لا ينفي وجود قلة من الانتهازيين وقد ساهم الجامعيون في نشر قيم ومبادئ وأفكار في اطار الموضوعية، بما هي حسب اعتقادي اثبات للحقيقة التي هي في نهاية التحليل اساس الثورة والتغيير. ولا ننسى ان قسما كبيرا من الشباب المشارك في الثورة هم من خريجي الجامعات اضافة الى خريجي التعليم الثانوي وهو ما يجعلهم على قدر من التكوين الثقافي والوعي السياسي الذي سرعان ما تطور بعد الثورة لتراجع الحديث عن كرة القدم ويلتفت للحديث في الشأن السياسي مثل المجلس التأسيسي والدستور، وهذه الثقافة تمثل احدى ضمانات نجاح الثورة.
وفي الاخير أؤكد انه مازال للمثقفين دور يتمثل في دور الحارس باعتبار ان أغلبهم لن يترشحوا للمجلس التأسيسي وهم لا يملكون سوى اقلامهم يشهرونها عندما تقع تجاوزات للتنديد بها، وهو الدور الذي يجب ان يقوم به المثقف دون حسابات لان المثقف عندما يدخل في الحسابات يبتعد عن القيم ويصبح شغله الشاغل مصلحته الذاتية على حساب مصلحة البلاد، وهو ما يتطلب ان يأتمر المثقف بضميره، على حد قول »انشتاين« : »لا تفعل أي شيء يعاكس ضميرك ولو طلبت منك الدولة ذلك«.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.