لما حضر اليوم قرود بين يدي أبي مهل بادره هذا بسؤاله المؤجل منذ أيام . فدار بينهما الحوار التالي: قل يا قرود لماذا بلد العجائب هو بلد العجائب؟ لأنه بلد المفارقات. وكيف؟ لقد ثار الشعب فيه ثورته دون سابق علم من قبل مراكز التجسس الدولي ومراكز البحث والتنصت والاستشعار عن بعد. وقد كان يعتبر شعبا خانعا غير أنه كَذّبَ كل زعم. ألأنه غامض. فهم لا يفهمونه؟ كلا. ولكن لأنهم لم يفهموه فحسب. ثم هل من مفارقة أخرى؟ بل مفارقات. ولكن اسمع هذه: لقد ثار. ولكنه تركهم يفعلون فيه ما يريدون. ولِمَ؟ ليثور مرة أخرى. ولِمَ؟ ليؤسس مرة أخرى. ألم يؤسس من قبل؟ ألا ترانا نحن معشر القرود قد أسسنا تأسيسنا منذ عصور سحيقة مثلنا مثل النحل والإبل والغنم والبقر والأسود والثعالب والذئاب وما لف لفها. لكنهم مدلهون بالتأسيس من طور إلى طور. وهم حريصون أي حرص على التأسيس المنقوص. ولِمَ النقص؟ لأنهم يرون أنهم أفضل من القرود. أفضل من القرود أولاد من لا تذكر أسماؤهم ! وكيف كان نقصهم؟ أولا حكومة تصريف أعمال أصدرت بشكل غير شرعي قانون الانتخابات. ثانيا: نظام الاقتراع شاذ ومشروط ومحاصصي يوجه الترشح ويزكي المراتب الأولى. أَوَسَكَتَ أصحاب المراتب التالية؟ لم يعرفوا حقيقة النظام الانتخابي. فأبصارهم كليلة بطول ما عاشوا في ظلمات الاستبداد. وكيف كانوا يبررون ذلك؟ بالتوافق. أهم متفقون مثلنا؟ بل هم متفقون كالمختلفين ومختلفون كالمتفقين. ولمَ يذهبون إلى التوافق؟ لأنه صنو الانتخابات المزورة. وكيف يا ولدي؟ ذلك أنه يوهم بالإجماع كالانتخابات المزورة تماما. أوهذا هو الشعب الثائر الهادر؟ لا . بل الأحزاب. الأحزاب! أَوَسَكَتَ عليهم الشعب؟ سَكَتَ. ولِمَ؟ لحكمة أجهلها. لكنه ينظر ويضحك. ولِمَ لا يفعل شيئا؟ لحكمة أخرى. لكنه قد يبيت شيئا. لمن؟ لا أدري فأنا قرد لا أفهم في السياسة. فربما للأحزاب وربما لقريقوار وربما للعالم بأسره . فأنا لا أستغرب منه شيئا. لكنه يهب بقانون لا يدركه الساسة ولا بلاد اليانكي. ولكن كيف سكتوا عن قريقوار؟ بحكمة ثالثة أجهلها وبجهل الجاهلين وغفلة الغافلين. وبِمَ كذلك يا ولدي؟ بقعود القاعدين. ولكن قل لي: متى تجري انتخابات مجلسهم يا ولدي؟ بعد أيام. وقد فكرت في العودة إلى بلد العجائب لتغطية الانتخابات. ألا تخاف من العودة إليه والحال أن الأمريكان يحذرون رعاياهم من مغبة السفر إليه؟ ولكني قرد في نهاية الأمر. غير أني سأجد مَصاعِب جَمّةً في الوصول مع الموعد؟ لا تَخْشَ شيئا يا ولدي . فأنا لي صديق مسؤول عن حديقة الحيوان في بلد الحب وسيصحبك إليها . فيأخذك إلى داكار ومن داكار إلى مراكش ومن مراكش إلى الدارالبيضاء ومن الدارالبيضاء إلى تونس ومن تونس إلى بلد العجائب. فشكره قرود بدموع الفرح. ذلك أنه بطول ما عاشر سكان بلد العجائب تعلم البكاء. فقال أبو مهل : ترى هذه دموع التماسيح يا قرود؟ بل دموع بني آدم. أعوذ بالله يا قرود . لا تقل بعد الساعة كلاما بذيئا . أَلمْ تَرَ أني أقول من لا تذكر أسماؤهم. أَوَكُنْتَ تعنيهم؟ أجل يا ولدي. فنحن نعرف فِعَالهُمْ وغدرهم بنا ونفاقهم في ما بينهم وغشهم لسكان مملكة الحيوان . واعلم أن ذكر اسمهم وحده يعتبر كلاما بذيئا جدا في مدينتنا الباأوباب الفاضلة. فلا تعد الى ذكره أبدا. فاعتذر قرود عمّا بدر منه . وذهب في الحال لِيُعدّ حقيبة السفر وزادَ الطريقِ وينطلقَ من الغد في رحلته الجديدة إلى بلد العجائب.