ظهرت خلال السنوات الاخيرة جملة من العروض والدراسات التي تناولت شخصية فرحات حشاد ونضاله الا انها اغفلت بعض الجوانب من الحركة النقابية التي قادها المرحوم بصفة جزئية او تامة احيانا ومن بين هذه الجوانب القضايا الاقتصادية وبطبيعة الحال المسائل التي يمكن اعتبارها مشاغل اليوم او المستقبل فاغلب الدراسات عن حشاد تطرقت الى الماضي بمعزل عن الدروس التي يمكن ان نستفي منها في مجابهة تحديات اليوم لذلك اخترنا تقديم بعض المعطيات حول ما قام به حشاد من ربط بين مسألتين تعتبران اليوم من المسائل البارزة على المستويين الوطني والعالمي وهما الديمقراطية وما نسميه الآن بالتنمية وهي مفهوم لم يكن مستعملا زمن حشاد الا ان حشاد كان ستعمل مفاهيم مطابق له وهي: النهوض والنهضة والرقي وازدهار البلاد والتشييد الخ... انّ من الثابت أنّ تصوّر حشاد للتغيير يشمل ميادين مختلفة بصفتها ميادين متداخلة ومتكاملة فقد كان يركّز على ضررة تشييد الديمراطية بصفتها اساس كل عمل تنموي وفي نفس الوقت يعتبرها رهينة النمو النقابي الاقتصادي والعدالة الاجتماعية لقد كانت نظرته لهذه المسائل نظرة شمولية وتتضمّن نظرة حشاد المحاور التالية: 1 الديمقراطية اساس كل عمل تنموي. 2 لا ديمقراطية دون نمو اقتصادي يضمن العدالة الاجتماعية. 3 لا يمكن الاستفادة من ادوات التنمية من تجهيز صناعي الخ... إلاّ اذا تم توظيفها وادراجها ضمن هذه الغايات التي يجب ان تشكّل عناصر« نظام اجتماعي يرفع من مستوى عيش العمال المادي والأدبي (و) غير مستوحى ضرورة مما وقع انجازه إلى حدّ الآن في بعض البلاد«. 1 العدل أساس كل عمل تنموي اريد قبل كل شيء التذكير بكيفية ظهور هذه الفكرة المرتبطة بتسييس العمل النقابي فقد اعتبرت عديد الدراسات انّ من خاصيات الحركة النقابية في البلدان المولّى عليها الربط بين المطالب الحرفية والسياسية وبالنسبة الى تونس سرعان ما قام الاتحاد العام التونسي للشغل بالربط الوثيق بين مشاغل الاجراء الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وانجرّ عن هذا تسييس سريع للحرة النقابية التي اصبح قادتها منذ 1951 يرددون على رؤوس الملإ »إنّ الواجب الاول هو تحرير البلاد«. وتعدّدت تصريحات حول استحالة تلبية رغبات العمال دون القضاء على الاستعمار والتمتّع بالحرية لان الديمقراطية أساس كل بناء وقد كتب في هذا المجال متحدثا عن العامل: »انّه من المستحيل عمليا ان يحقّق مطامحه في الحقل الاقتصادي وهو رازح تحت نظام سياسي يسيطر على البلاد ولا يعترف لشعبه بالحقوق الاولية التي تتوفر بها شروط الانسانية«. وقد اضاف: »انه شعب يعمل عندما يجيء يوم الاستقلال لايجاد حياة ديمقراطية في بلاد شمال افريقيا الحرة التي اختفى منها النظام الاجنبي السياسي وتحقّقت داخلها الحياة الديمقراطية الحقّة التي تحتضن الحرية الانسانية وتتلاءم مع العدل والديمقراطية الحيّة على نحو ماهو سائد في انحاء العالم المتمدّن من مثل مطابقة لمطامح الانسان الذي سئم أنظمة الديمقراطية العتيقة البالية التي اصبحت فيها مبادئ الحرية والعدالة والمساواة والاخوة مجرد ألفاظ عارية من كل مدلول«. 2 لا ديمقراطية دون تنمية من ناحية اخرى يعتبر فرحات حشاد انّ الحريات وحتى الاستقلال مرهون بالنمو اذ يقول: »انّ الاستقلال السياسي بغير الرقي الاجتماعي وبغير سيادة العدالة الاجتماعية وتغيير الاقتصادية والاجتماعية للنظام القائم ليس الا اغراء خادعا خطيرا«. فهو يؤكد على ضرورة »تقويض القواعد الرأسمالية والاقطاعية المحلية التي يرتكز عليها النظام القائم ويعرف الحركة النقابية بأنّها »حركة ثورية ترمي الى قلب النظام الاجتماعي والاقتصادي لتحقيق ازدهار الشعب والبلاد كما يعرّف الاستقلال الاقتصادي بأنه »الشرط الاساسي لكل استقلال حقيقي«. نلاحظ اذن التداخل في فكر حشاد بين البناء الاقتصادي والتغيير الاجتماعي والحريات ولابد من التذكير هنا بأنّ حشاد كان يُولي اهمية قصوى للرأسمال البشري وكثيرا ما اكد حتى قبل تأسيس الاتحاد العام التونسي للشغل بأنّ العامل هو مصدر كل انتاج ودون العمل لا يقدر المال على اي شيء ويشير التقرير الاقتصادي والاجتماعي للاتحاد العام التونسي للشغل الذي قدّم خلال المؤمر الوطني الرابع (1951) الى ان الرأسمال البشري »هو أثمن من العملة« (وأنّ قدمه عبد الله فرحات فانّه يعكس الفكر السائد آنذاك في الحركة النيابية التونسية). ومن ناحية اخرى أشار حشاد إلى انّ »النمو الاقتصادي رهين قدرة الجماهير على الاستهلاك والاستفادة مما كان ينتج من بضائع معمليّة«. وهذه القدرة الشرائية تحدد مستوى حياة الشعوب ومن هذه الزاوية يطرح حشاد الربط بين العامل الاجتماعي والعامل الاقتصادي. ان حشاد الذي يعتبر ان الرأسمال البشري هو اهم ثروة قد تناول في عديد المقالات مسائلَ اجتماعيةً مثل البطالة والتعليم والطفولة المشردة الخ. وهو لم يفتأ يذكّر بضرورة المحافظة على الطاقات البشرية للبلاد وتوفير الشغل وتحسين التعليم الصناعي كي يقع تكوين اطارات مختصة قادرة على تمكين البلاد من التصنيع والاستغناء عن الاجانب. 3 العدل أساس كل عمل تنموي الى جانب تحرير العامل وشعبه وايجاد »نظام اقتصادي اساسه توزيع عادل للثروة« وهو التوزيع الذي يكون بمقدوره لاستفادة من كافة الطاقات البشرية تحتاج التنمية الى جملة من الادوات منها ا لتجهيز الصناعي الذي خصص له حشاد مقالا في جريدة »الحرية« ليوم 21 نوفمبر 1948، وقد جاء في أحد التقارير المقدمة امام المؤتمر الوطني الرابع للاتحاد (1951) عنوان هو »تجهيز البلاد التونسية وتسيير دواليبها الفنية« (قدّم هذا التقرير الطاهر عميرة) وقد جاء في مقال حشاد ما يلي: »التجهيز الصناعي باب من ابواب الازدهار لكل بلاد من بلدان العالم ووسيلة من الوسائل الرئيسية للتقدّم الاجتماعي. والتجهيز الصناعي هو الذي يمكن الاقطار التي لها موادها الاولية من الاستغناء عن الالتجاء الى الاقطار الاخرى لتوريد البضائع والآلات اللاّزمة لحياتها. والتجهيز الصناعي هو الذي يجعل اليد العاملة تتمتع بالتفنّن الصناعي حسب حاجيات البلاد وما تتطلبه من نشاط في جميع الميادين والتجهيز الصناعي هو الذي يمكّن البلدان من استقلالها الاقتصادي الذي هو الشرط الاساسي لكل استقلال حقيقي«. وهكذا عدنا إلى نقطة الانطلاق وهي الاستقلال والحرية. وقد وضّح حشاد ان المشروع الاقتصادي الذي لا يندرج ضمن هذه الاختيارات لا يضمن التنمية.