وزارة الداخلية تنفي الاعتداء على المحامي مهدي زقروبة    106 أيام توريد..مخزون تونس من العملة الصعبة    كأس تونس: الكشف عن ملعب مواجهة الأولمبي الباجي وأمل جربة    فيفا يدرس السماح بإقامة مباريات البطولات المحلية في الخارج    السبت القادم: الدخول مجاني للمتاحف والمواقع والمعالم الأثرية    في عرض "المتوسط" مع الحرس .. الموج هادر .. المهاجرون بالمئات .. و"الوضع تحت السيطرة"    عجز الميزان التجاري للطاقة يرتفع    السعودية تطلق خدمة جديدة للقادمين إلى المملكة ب''تأشيرة حج''    عاجل- صفاقس : الكشف عن ضلوع شركات وأشخاص في بيع محركات بحرية لمنظمي'' الحرقة''    اليوم : انطلاق الاختبارات التطبيقية للدورة الرئيسية لتلاميذ الباكالوريا    شكاية حول شُبهات الفساد بين المَجمع الكيميائيّ وشَركة ''الكيميا ''...و هذه التفاصيل    المعهد الوطني للإحصاء: انخفاض نسبة البطالة إلى حدود 16,2 بالمائة    سوسة: الإطاحة بوفاق إجرامي تعمّد التهجّم على مقهى بغاية السلب باستعمال أسلحة بيضاء    ناجي الجويني يكشف عن التركيبة الجديدة للإدارة الوطنية للتحكيم    عرب يتعاملون بالعملات المشفرة.. و هذه الدولة في الصدارة    رئيس الجمهورية ووزيرة المالية يتباحثان ملف التمويلات الأجنبية للجمعيات    التمويلات الأجنبية المتدفقة على عدد من الجمعيات التونسية ناهزت 316ر2 مليار دينار ما بين 2011 و 2023    وزارة التربية تعلن قبولها ل100 اعتراض مقدّم من الأستاذة النواب    ماذا في اجتماع هيكل دخيل بأعضاء "السوسيوس" ؟    الترجي الرياضي التونسي في تحضيرات لمواجهة الأهلي    عاجل : جماهيرالترجي تعطل حركة المرور    صفاقس : هدوء يسود معتمدية العامرة البارحة بعد إشتباكات بين مهاجرين غير نظاميين من دول جنوب الصحراء    رئيس الجمهورية يبحث مع رئيس الحكومة سير العمل الحكومي    الاقتصاد التونسي يسجل نموا ب2ر0 بالمائة خلال الثلاثي الأول من 2024    قيس سعيد يُؤكّد القبض على محام بتهمة المشاركة في وفاق إرهابي وتبييض أموال    ضبط معدات لاسلكية لاستغلالها في امتحان الباكالوريا..وهذه التفاصيل..    مفزع/حوادث: 15 حالة وفاة خلال يوم فقط..    محمد عمرة شُهر ''الذبابة'' يصدم فرنسا    سيدي بوزيد: انطلاق الدورة 19 من مهرجان السياحة الثقافية والفنون التراثية ببئر الحفي    بوكثير يتابع مدى تقدم مشروع البرمجة الفنية للدورة 58 من مهرجان قرطاج الدولي    عاجل: متحوّر كورونا جديد يهدّد العالم وهؤلاء المستهدفون    ظهورالمتحور الجديد لكورونا ''فيلرت '' ما القصة ؟    الأيام الرومانية بالجم . .ورشات وفنون تشكيلة وندوات فكرية    محمد بوحوش يكتب...أدب الاعتراف؟    حزب الله يستهدف فرقة الجولان بأكثر من 60 صاروخ كاتيوشا    ناجي الغندري يدفع المجلس البنكي والمالي نحو دعم الاقتصاد الوطني    الخُطوط التُونسية في ليبيا تتكبد خسائر وتوقف رحلاتها.    سيدي بوزيد: يوم جهوي للحجيج    طقس اليوم ...الحرارة في ارتفاع ؟    بطولة اسبانيا : أتليتيكو يهزم خيتافي ويحسم التأهل لرابطة الأبطال الاوروبية    ديوان السياحة: نسعى لاستقطاب سيّاح ذوي قدرة إنفاقية عالية    أخبار المال والأعمال    زلزال بقوة 5.2 درجات يضرب هذه المنطقة..    محكمة العدل الدولية تنظر "وقف العمليات العسكرية في رفح"    إصدارات.. الإلحاد في الفكر العربي الإسلامي: نبش في تاريخية التكفير    ينشط في عديد المجالات منها السياحة .. وفد عن المجمع الكويتي «المعوشرجي» يزور تونس    المقاعد في رادس محدودة والسوق السوداء تنتعش .. أحباء الترجي في قمة الاستياء    استشهاد 3 فلسطينيين بنيران جيش الاحتلال في الضفة الغربية    أمراض القلب والجلطات الدماغية من ابرز أسباب الوفاة في تونس سنة 2021    عاجل : أحارب المرض الخبيث...كلمات توجهها نجمة'' أراب أيدول'' لمحبيها    أغنية صابر الرباعي الجديدة تحصد الملايين    حاحب العيون: انطلاق فعاليات المهرجان الدولي للمشمش    أكثر من 3 آلاف رخصة لترويج الأدوية الجنيسة في تونس    ما حقيقة سرقة سيارة من مستشفى القصرين داخلها جثة..؟    مفتي الجمهورية... «الأضحية هي شعيرة يجب احترامها، لكنّها مرتبطة بشرط الاستطاعة»    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من المسؤول عن إطلاق الرصاص(الجزء الثاني)
نشر في الشعب يوم 21 - 01 - 2012

نواصل في ما يلي فتح ملف المسؤولية عن إطلاق الرصاص ضدّ المتظاهرين وغيرهم أثناء الأحداث التي عرفتها البلاد منذ 17 ديسمبر 2010. ويبدو أنّ الإجابة عن سؤال «من المسؤول؟» ليست بالبساطة البادية فقلّة الأدلة وغياب التشريح وبطء التحقيق وحنكة المتهمين عوامل ساهمت في تشتهت الحقيقة ان لم نقل ضياعها. ولمعرفة التفاصيل عن القضيّة وما يدور داخل قاعة المحكمة وخارجها كان لنا لقاء في غاية الافادة مع الأستاذ شرف الدين القليل محامي عائلات الشهداء والجرحى ومع النقيب المتقاعد المختص في الرماية الطاهر بن يوسف.
شرف الدين القليل محامي عائلات الشهداء والجرحى غياب الحجج قد يمكن المتهمينمن الإفلات وهيكلة وزارة الداخلية لغز عميق
الأستاذ شرف الدين القليل هو أكثر المحامين اطلاعا على ملف قضايا شهداء وجرحى الأحداث التي عرفتها البلاد ذلك انه محامٍ ضمن مجموعة من المحامين تترافع على جميع ضحايا إطلاق الرصاص كما انه أكثرهم متابعة وحضورا للجلسات مما جعله ملمّا بكافة تفاصيل القضية وأسرارها وخفاياها.
كيف يكمن تحديد المسؤولية عن إطلاق الرصاص على المتظاهرين في قضايا الشهداء والحرجى؟
مرجع النظر القانوني الذي ترتكز عليه المحكمة في تحديد المسؤوليات هو مبدئيا المنشور عدد 04 المنظم لطريقة التصدي للمظاهرات وكذلك الفصلين 21 و22 من منشور 1969 اللّذيْن يحددان بصفة صريحة وجازمة المسؤوليات. ووفقًا لهرم المسؤوليات نجد المسؤول الأول هو رئيس الجمهورية ثم الوزير الأول ثم وزير الداخلية ومن بعده القيادات الأمنية.
إلا انه وفي قضية الحال يوجد إشكال في تحديد المسؤولية المتعلقة بالقيادات الأمنية فلا وزارة الداخلية متعاونة ولا المحكمة بذلت ما يكفي من الجهد لمعرفة الهيكلية. فاهم عنصر لتحديد المسؤوليات هو الهيكلية التي تبقى الى حد الآن لغزًا لا نعرف حله. والحقيقة أن المحكمة قد تفطنت مؤخرا إلى هذا المشكل وأصبحت تبحث عن إجابة تمكنها من معرفة الهيكلية.
ومن وجهة نظر قانونية هناك ثلاث مستويات للمسؤولية، مسؤولية مسدي التعليمات ومسؤولية منفذ التعليمات والقيادات الوسطى التي لم تسدي تعليمات ولكنها تبنت تعليمات وصمتت على تعليمات مخالفة للقانون. فقانون 1969 يحدد شكل التعامل مع المتظاهرين من التنبيه بمكبرات الصوت وصولا إلى إطلاق الرصاص هذا التدرج يحيلنا على هيكلية الوزارة. فبعد وزير الداخلية نجد المدير العام للأمن الوطني الذي يمثل عمليا العضد الأيمن للوزير ثم نجد المديرين العامين كل في اختصاصه منهم مدير الشرطة الفنية ومدير وحدات التدخل وآمر الحرس الوطني وهي كلها قيادات متهمة في قضية الحال.
ما هو عدد المتهمين وعلى أي أساس وقع اتهامهم؟
توجيه الاتهام يكون اثر التحقيقات الواضحة والتي لم تكن في البداية تحقيقات مدروسة نظرا إلى أنّ قاضي التحقيق كان يجهل طريقة التعاطي مع الهيكلية الأمنية للوزارة يبقى أن عدد الموقوفين في قضية شهداء وجرحى تونس الكبرى المتكونة من 08 ولايات هو عشرة منهم آمر الحرس الوطني والمتفقد العام للحرس الوطني والقيادات الأمنية الكبرى مثل المدير العام للأمن الوطني والمدير العام للأمن العمومي والمدير العام لوحدات التدخل مع بعض القيادات الميدانية. تكيف التهمة كان فيه شيء من الخلل حيث وجهت التهم لبعض القيادات الكبرى دون أن يشمل هذا الإجراء جميع القيادات. فمنطق القيادات الأمنية من المفترض أن يضم كل من انتمى إلى خلية الأزمات التي تشكلت داخل وزارة الداخلية على افتراض أن التعليمات صدرت عنها غير انه وجد نوع من الانتقائية وهي مفهومة ومبررة حتى قانونا فالحماية المدنية مثلا لا دور لها في الأحداث ومن ثبت ضلوعهم في الأحداث وفقا للملف والوثائق هم وأعوان الأمن العمومي أعوان وحدات التدخل الذين أطلقوا الرصاص وجانب منهم متهمون وموقوفون.
هناك حديث مفاده أن مدير الأمن الوطني وأمر الحرس الوطني قد اصدرا مناشير تمنع إطلاق الرصاص فما مدى صحة هذه الأحاديث؟
ما تأكد في معرض استنطاق احد المتهمين وهو المدير السابق لقاعة العمليات المركزية هو أن المدير العام للأمن الوطني لم يصدر أمرا بعدم إطلاق الرصاص وإنما اصدر أمرا عبر قاعة العمليات المركزية بتفادي إطلاق الرصاص والفرق شاسع بين الأمرين.فتفادي إطلاق الرصاص يعني أن هناك تعليمات أولى باستعمال الرصاص أو على الأقل سلوك أصلي مفاده استعمال الرصاص ثم جاء التفادي بعد أن أصبح الوضع كارثي خاصة ان الأمر صدر يوم 08 جانفي 2011 أي بعد الارتفاع الكبير في عدد الشهداء والجرحى. وبالنسبة إلى آمر الحرس الوطني فانه أكد في معرض الدفاع عن نفسه انه أعطى تعليمات كتابية بعدم إطلاق الرصاص غير انه لا وجود لهذه التعليمات حتى من خلال تحقيقات النيابة العسكرية وفي صورة ثبوت هذه التعليمات فسيصبح بريئا.
يبقى أن الإشكال الرئيسي في القضية هو انه في ملخص التحقيقات لا احد أسدى التعليمات بعدم استعمال الرصاص بصورة صريحة مثل عبارة بن على «يزي من الكرطوش» وللإشارة فان هذه العبارة لا تفيد سوى وجود آمر سابق بإطلاق الرصاص. وبناء على الأبحاث فان جميع المتهمين يدعون أنهم أعطوا تعليماتٍ بعدم إطلاق الرصاص وجميعهم تنفوا تلقي تعليمات بإطلاق الرصاص. أي أن الإشكال يكمن الان في ان عقيدة كل المتهمين هي الانكار وهو ما يطرح فرضيتين اما اننا بصدد دولة فاسدة تحكمها الفوضى على جميع المستويات او كنا نعيش في إطار دولة فاسدة في عديد المستويات ولكنها شديدة التنظيم في المستوى الامني وهو ما يفسر ان المقر المركزي لاجتماع وزاراء الداخلية العرب كان في تونس التي قد تكون بلغت مستوى عَاليًا يجعلها مصدرا لتقنيات امنية تتعلق بتزييف الحقائق وتلميع الصورة. وهو ما يجعلني اشك (والشك لفائدة المتهم) بان تنسيقا عالي بين المتهمين والموقوفين بحيث يحمي بعضهم البعض ويوزعون الأدوار ويقدمون كبش فداء أن اقتضى الأمر وهذا التنسيق أعاق عمل المحكمة وادخلها في متاهات أصبح معها الفرز صعبا. وبصفتي محامي ضحايا إطلاق الرصاص فاني أميل إلى وجود تعليمات بإطلاق الرصاص من خلال عديد المؤشرت منها تزامن العمليات وأحداث إطلاق الرصاص على مشيعي جنازة التي لا يمكن أن تكون إلا بتعليمات وكذلك التوزيع الجغرافي لسلاح «الشطاير» في إطار خطط أمنية على أعلى مستوى. وكلمة خطة أمنية يرجح فرضية وجود تعليمات بإطلاق الرصاص في مرحلة منها وهي مرحلة لا تتعلق بالمراحل القانونية بل بالواقع السياسي مثل ما حصل في احداث الحوض المنجمي وان كانت قد نجحت في إخماد أحداث الحوض المنجمي فإنها فشلت في إخماد الثورة وللافادة فان نفس العميد الذي اشرف على تطبيق الخطة الأمنية في الحوض المنجمي تكفل بالاشراف على اخماد الاحداث في تالة و هو مؤشر اضافي على وجود النية على استعمال الرصاص.
هناك حديث عن استعمال أعيرة غير مسجلة في وزارة الدفاع ولا في وزارة الداخلية وهو ما عقد عملية تحديد المسؤولية فكيف تعاملت المحكمة مع هذا الموضوع؟
لا. هذا الكلام غير صحيح بل العكس هو الأصح. وما يعاب على قاضي التحقيق أن الاختبارات البالستية التي أجراها الخبير اكتفت بالوصف ولم تكن تحليلية أي أنها لا تحمل معلومات تفصيلية فالاطلاع على التحقيقات يحيلنا إلى نتيجة مفادها أن الأعيرة انطلقت من نفس الأسلحة وان هذه الأسلحة تحملها عديد الفرق الأمنية يعني أنها أنواع من الأسلحة مشتركة بين الأمن الوطني والأمن العمومي والدفاع أي أنها أسلحة مسجلة لدى الوزارتين. وهو ما زاد في تعقيد الأوضاع فمثلا في قضية شهداء سليمان اعترف المتهم باستعمال كافة الذخيرة (25 رصاصة) في سلاح «الشطاير الذي كان يحمله ولولا هذا الاعتراف لاستحال تحديد مصدر الرصاص. وفي هذا الإطار فان عسكرية الكاف ذهبت معنا في ضرورة استكمال البحث لمعرفة نوع الرصاص والسلاح المستعمل والرتبة الأمنية المخولة لاستعماله.
ونحن نخشى انه في حال التحصن بالإنكار فإننا سنضطر إلى اعتماد الفرضيات ولذلك قلت في بداية الحديث انه قد تكون هناك نية لدى المتهمين لتعويم القضية وإضاعة الحقيقة لان الحقيقة ستدينهم كما قد تدين عددا ممن يعملون الآن في وزارة الداخلية. ويبدو أن القضية لا تدار كلها في المحكمة بل إنّ نصفها يدار في أروقة الداخلية وبين المسؤوليين الأمنيين فالتنسيق وتقاسم الأدوار موجود وواضح وثمة تفاهمات واتفاقيات وربما وهو ما لا أتمناه قد يذهب البعض ضحية لهذه التفاهمات.
إذا يمكن القول أنّه من الصعب حقا تحديد المسؤوليات في عملية اطلاق الرصاص؟
بالمنطق القانوني يمكن اعتبار ان الهرم المتكون من رئيس الجمهورية وصولا الى الضابط الميداني متهما عير ان هذا يطرح عديد الإشكالات ولكن الثابت أن هناك تعليمات بإطلاق الرصاص. اما تفاصيل التنفيذ فتبقى أمرا مازال فيه العديد من الجوانب الغامضة والعناصر المتداخلة منها حالة الإرهاق التي كان عليها أعوان الأمن والضغط الكبير المسلط عليهم من قلة نوم وجوع وبرد فبكون رد الفعل الطبيعي استعمال الرصاص وقد تكون عملية الارهاق مقصودة لحملهم على ردة الفعل تلك. وهذا الافتراض يجد مؤيداته في حديث المتهمين من المسؤوليين الكبار الذي يفسرون عمليات إطلاق الرصاص «بتهور الأعوان».
وماذا عن شهود العيان الم يساهموا في كشف الحقائق؟
بالنسبة إلى شهود العيان كانت شهاداتهم مفيدة وللاسف لا استطيع الحديث عن تفاصيل اكثر لكن هناك تطابق في الروايات وفي الاسماء وفي وصف الحالات. وثمة نوع آخر من الشهود وهم أمنيون استدعتهم المحكمة فزادوا من ضبابية المشهد وهو ما يعزز القناعة بان شهادة رجال الأمن لن تحمل الكثير في الوقت الراهن ولا يمكن المراهنة عليها لسبب بسيط وهو أن عون الأمن مازال محكوما بالتعليمات ان لم نقل تهديدات و هو أمر واقع للأسف الشديد يجب أن نقره بل هو مصدر تعاطف مع رجال الأمن.
هناك نوع آخر من الشهادات سمعها قاضي التحقيق العدلي على عجل ولم تحمل لنا إضافة منها شهادات متضاربة كما توجد ايضا بعض الشهادات الرسمية من بعض أعوان الجيش حول مواقع وحداتهم خلال بعض الأحداث.
هل يمكن الحكم بان الجيش لا علاقة له بعمليات إطلاق الرصاص؟
بطبيعة الحال لا علاقة للجيش بالموضوع بل اذهب للقول انه بإمكاني تأكيد هذا الحكم في ما يتعلق بملف تالة والقصرين ولدينا جميع المعطيات مفادها ان الجيش لم يتورط وأنقذ نفسه بفضل حكمة الجنرال رشيد عمار الذي رفض تورط الجيش في عمليات القمع.
هل هناك أدلة على صحة هذا الكلام أم أنها فقط أقوال الجنرال رشيد عمار؟
لا هناك أدلة على هذا الكلام منها شهادات المسؤوليين الأمنيين المتهمين في القضايا. كما أن الجميع يعرف أن الجيش رفض قمع المتظاهرين وان كنت لا اعلم مصدر الأمر الذي تلقاه أكان من عند وزير الدفاع أم من عند الجنرال رشيد عمار. وحتى في إطار الخلية المشتركة فقد عُهدت إلى الجيش التونسي مهمة وحيدة وهي حماية المؤسسات ولم يحدث أن هاجم المتظاهرون هذه المؤسسات.
ما هو العدد الرسمي المتهمين للضحايا والقضايا المرفوعة؟
للتوضيح فان عدد قضايا الشهداء في الجمهورية التونسية تختص بهم وفق مرجع النظر ثلاث محاكم وهي المحاكم العسكرية الدائمة بتونس و صفاقس والكاف إلى حد الآن رسميا انطلقت أعمال عسكرية الكاف في طار ما يعرف بقضية تالة والقصرين والقيروان وفي هذه القضية نجد 23 متهمًا 12 في حالة إيقاف وواحد في حالة فرار والبقية بعضهم في حالة سراح والبعض الآخر منذ جلسة 26 ديسمبر 2011 صدر حكم تحضيري بتصدير بطاقات جلب في شانهم وهم تحديدا أربعة متهمين برتب لواء ومقدم ونقيب في وحدات التدخل بالنسبة إلى قضية شهداء تونس الكبرى فهي قضية كبيرة فيها عدد مهمّ من المتهمين ينقسمون كذلك إلى ثلاث أقسام واحد في حالة فرار وهو زين العابدين بن حمدة بن علي و10 موقوفين منهم 06 متهمين في قضية تالة والقصرين والبقية أي 32 متهم في حالة سراح وربما يرتفع هذا العدد.
أما في خصوص الشهداء فالمعروف أن الضحية لا يحمل صفة الشهيد رسميا إلا بعد استكمال الملف أي أن يصبح إجرائيا في وضعية المتضرر وهو ما يستوجب ملفا ولذلك فان عدد المتضررين بصفة مبدئية يبلغ 96 في هذه القضية كما بلغ عدد عائلات الشهداء 82 .
ولكن تقرير لجنة تقصي الحقائق يضم عددًا أكبر...
طبعا فانا أتحدث عن العدد السمي وفق قضية الحال ومرجع النظر عسكرية تونس أما العدد الجملي للضحايا الجرحى فهو على ما يبدو 960 جريح و317 شهيد علما انه وقع فتح 03 ملفات تحقيقية أخرى ضد متهمين جدد وفي صالح متضررين آخرين تعذر سماعهم في البحث التحقيقي الأول إضافة إلى ملف شهداء السجون والشهداء العسكريين وملف الشهداء الأمنيين.
المختص في الرماية، الطاهر بن يوسف:توفيق بودربالة أضاع الوقت وبداية الأبحاث لم تكن علمية
السيد الطاهر بن يوسف هو نقيب متقاعد من الحرس الوطني التونسي قام منذ 14 جانفي 2011 بنشر عدد من الكتب المتعلقة بحقبة حكم بن على كضابط امن وعن وزارة الداخلية خصوصا من أهمها كتاب «الممارسات الشيطانية لبن علي» و»هل كان الراجحي مخطئا» و»القناصة في الثورة التونسية وإصلاح المنظومة الأمنية» الذي سيشارك في مهرجان القاهرة الدولي للكتاب. التقيناه لنعرف رأيه الفني حول كيفية تحديد المسؤولية في إطلاق الرصاص وكان معه الحوار التالي:
السيد الطاهر باعتبارك مختص في الرماية هل يمكن الجزم بوجود قناصة أثناء الأحداث الممتدة من 17 ديسمبر إلى 14 جانفي 2011؟
أنا مختص في الرماية لأني تدربت في بلجيكا في المدرسة الملكية وفي اسبانيا وهو ما سمح لي بتكوين فكرة حول القنص حيث تدربت كضابط في كلية الحرس المدني الاسباني أين تدربنا على كل الأسلحة الخفيفة. وبالنسبة للثورة التونسية فقد كان هناك قناصة وان كنت لا استطيع تحديد الهوية فان القناصة وفعل القنص كان موجودا. فمن خلال عديد المعطيات يكمن أن نتبين وجود عمليات قنص من ذلك مثلا شهادات الناس حول بعض عمليات القنص وإلقاء القبض على بعض القناصة من طرف الجيش وهذا شي موثق ومثبت بالصورة كما أن الأطباء في القصرين على سبيل المثال اثبتوا أن الرصاص الذي أصاب المتظاهرين من النوعية التي تنفجر في الجسم وهذا الرصاص بالذات ليس في حوزة أعوان الأمن بل هو في رصاص خاص بالقناصة المحترفين علما وان القناصة محترفون وعلى درجة عالية من التدريب وليسوا كباقي الأعوان العاديين. ومن زاوية نظر فنية فان إصابة العنق والصدر والرأس ليست ممكنة إلا للمحترفين وتطلب مهارات خاصة ومن ناحية أخرى فان عون الأمن العادي يرمي المتظاهر من قريب عكس عمليات القنص التي وقعت عن بعد.
من وجهة نظر إدارية من يتحمل مسؤولية الرصاصة التي يطلقها عون الأمن وكيف يمكن تحديد مصدرها؟
بالنسبة لنوعية الرصاص يكن لخبراء «البالستيك» ان يحددوها بدقة لكن ما حصل هو أن لجنة تقصي الحقائق التي يرأسها السيد توفيق بو دربالة لم تتخذ خيار البحث العلمي منذ البداية حيث لم يتجهوا نحو التشريح باعتباره الحل الوحيد لمعرفة نوع الرصاصة ومسافة وكيفية الإطلاق وهو ما يسمح بتحديد ما إذا كان الرماة أعوان امن أم قناصة من خلال الأعيرة. فأعيرة أعوان الأمن معروفة ومختلفة عن أعيرة القناصة التي تكون عادة اكبر ومن أسلحة مختلفة تماما. أما بالنسبة لتحديد المسؤولية الإدارية فانه من المستبعد جدا إن يتلقى عون الأمن تعليمات من شخص آخر يأمره بالقتل وان جل عمليات إطلاق الرصاص تكون عادة تحت ضغط الظروف وإذا ما ثبت أن عون الأمن قد أطلق الرصاص فانه يتقاسم المسؤولية مع إدارته وفي انتظار أن تسفر الأبحاث عن نتائج ملموسة فاني لا ارحج وجود ضابط يأمر الأعوان بإطلاق الرصاص بقدر ما أميل إلى فرضية أنها تصرفات فردية أملتها ظروف معينة. واذكر هنا بواقعة جدت يوم 15 جانفي 2011 أي يوم بعد هروب بن علي قام خلالها أعوان امن بإطلاق الرصاص على أعوان من الحرس الوطني كانوا في سيارة في زي مدني نتيجة خطئ بشري. وعلى العموم فان موضوع تحديد المسؤولية موضوع عويص ومتشعب زاد في تعقيده عياب البحث العلمي منذ البداية فلو ان لجنة تقصي الحقائق اعتمدت منذ البداية طرقا علمية لكنا الآن قادرين على تحقيق نتائج ملموسة. أما مجرد سماع الشهود فلا يمكن الجزم من خلاله بأي نتيجة. وللإشارة فان تحديد المظروف من خلال التشريح واستخراج الرصاص لا يحدد فقط الجهة بل يحدد بكل دقة الإدارة التي ينتمي لها الأعوان الذين أطلقوا الرصاص لان الخراطيش مرقمة ومعروفة المصدر والوجهة. فكل الرصاص يصنع لدى الجيش التونسي الذي يعرف حسب الأرقام أي جهة أمنية اشترت منه الرصاص ويحدد من استعمله بكل دقة ولا أريد هنا أن ادخل في تفاصيل قد تمثل أسرار مهنية لاحق لي بالخوض فيها.
أقوال المتهمين في قضايا إطلاق الرصاص زادت من غموض القضية فهل تعتقد أن المسؤوليين الأمنيين مدربين على مثل هذه الوضعيات أم أنهم ببساطة يقولون الحقيقة؟
من المفترض أن يكون الاتهام على قاعدة أدلة وبراهين فإذا ما فقدت يصبح التحقيق مع الشخص لا طائل منه رغم حق المحكمة في التحقيق مع كل من تريد سواء كان مسؤولا امنيا أم لا. وأنا لا استطيع أن أتحدث عن تفاصيل اجهلها ولكن من منطلق خبرتي اعتقد أن التحقيق دون أدلة ملموسة ونتائج علمية واضحة لن يقدم الكثير.
تحدثت في احد كتبك عن ضرورة الإصلاحات داخل وزارة الداخلية فهل من توضيحات؟
ان الفساد في عهد بن علي طال كل شيء بما في ذلك المؤسسة الأمنية التي سخرها لخدمته ولخدمة أزلامه. ولتحقيق ذلك خلق مشكل بين المواطن ورجل الأمن من جهة وبين مختلف الإدارات الأمنية من جهة أخرى وامسك هو بخيوط اللعبة. وقد نتج عن ذلك معاداة كبيرة بين رجل الأمن والمواطن رغم ان عون الأمن من أكثر الفئات المظلومة واقلها حظا. وليس صحيحا أن كل رجل امن فاسد فالأغلبية تخدم مصلحة البلد وتعاني عديد المظالم واعتقد انه من الضروري رد الاعتبار له ولعائلاتهم التي عانت كثيرا من جراء طبيعة المهنة. وبالنسبة للإصلاحات فإنها تنقسم إلى جزأين الأول خاص بالهيكلة إذ أن الهيكلة الحالية لا تخدم مصلحة البلاد وتعرقل عمل الأمن كما يجب تطهير الداخلية من العناصر الفاسدة إذ لا تزال هناك بعض رموز الفساد منها مدير عام تجاوز سن التقاعد شارك في انقلاب 7 نوفمبر ولا يزال يتحمل مسؤولياته إلى الآن كما يتحمل مسؤوليات في إحدى المنظمات العالمية.
أما الجزء الثاني فيتعلق بعون الأمن وتهم خاصة التكوين و الزّي الذي ارتبط بنظام بن علي والذي يجب تغييره وفتح باب الترقيات أمامه.
وبالنسبة للأمن الخارجي فلابد من تكوين وكالة استعلامات تضم خبراء من مختلف الوزارات ولا تكون مهمتها ملاحقة التونسيين بالخارج كما كان في السابق بل ليجمع المعلومات الخاصة بتونس وخاصة المعلومات الاقتصادية ولمعرفة كل ما يحاك في الخارج حتى تكون تونس على اطلاع بما يدور حولها وهذا النوع من الوكالات معروف وموجود لدى الدول الغربية ولها دور اقتصادي هام.
أنت الآن بصدد إعداد كتاب حول بورقيبة فما هي الإضافة التي سيحملها؟
أولا لاحظت أن اغلب ما كتب عن بورقيبة لم يكن بالفعل عنه فالعديد منها تمثل سيرة ذاتية لأصحابها لا يكون فيها بورقيبة الشخصية المركزية بل شخصية كباقي الشخصيات. ورغم أهمية أصحاب هذه الكتابات في تاريخ تونس إلا أن سيرتهم الذاتية طغت على الكتب التي تناولت حياة الزعيم بورقيبة.
وسأكشف في هذا الكتاب حقائق موثقة تذاع لأول مرة عن الفترة التي سبقت انقلاب سبعة نوفمبر وارتباط المخابرات الأمريكية بالعملية التي حصلت. وسأتحدث عن محاولة تكوين مليشيات مسلحة من قبل محجوب بن علي الذي كان مديرا للحزب الحاكم وموقف بورقيبة الرافض حيث عزله بعد أن سمع بالموضوع. وسأحاول أن أكون موضوعيا لأبعد الحدود لأنه وبصراحة وقع طمس جزء كبير من تاريخ تونس وتم إخراج عدد من الشخصيات بوجه غير مشرف منهم بعض البايات الذين لم يكونوا عملاء وفاسدين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.