3سنة تمرّ اليوم على احداث 26 جانفي 1978، هذا التاريخ الذي سجلته ذاكرة اجيال النقابيين المتعاقبين، ورغم السنوات التي مرّت لا يزال يثير عديد التساؤلات، خاصة مع حجم الرعب الذي تكشفت عليه حقائق المجزرة الكبري التي ارتكبت في حقّ مئات النقابيين. من هنا جاءت الدعوة الملحّة للنقابيين في عديد المحطات النضالية والمناسبات الاحتجاجية الى ضرورة كتابة تاريخ انتفاضة 26 جانفي 1978. كتاب «معركة 26 جانفي 1978: الأسباب والواقع المخلفات والنتائج» للاستاذ محمد الكحلاوي الصادر في طبعته الأولى بتاريخ جانفي 2011، يأتي في هذا السياق استجابة لواجب وطني ومسؤولية نقابية استدعت منه بذل جهد يحسب له لإنارة الرأي العام الوطني والعالمي بالملابسات والاسباب التي حفّت باحداث 26 جانفي يقول في مقدمة كتابه «ان كتابة وقائع 26 جانفي 1978 لا تعتبر حفظا لتاريخ الاتحاد فحسب، بل هو انصاف للمناضلين والمناضلات وللجماهير المنتفضة وكل النقابيين وعلى رأسهم الشهداء والمعتقلون والمساجين والمعذبون كذلك». الكتاب الذي جاء في 271 صفحة تضمّن في صفحة غلافه لوحة لأفق أحمد وقد انتصبت فيه 7 قبضات سوداء على امتداد الافق لا تخفى دلالاتها وما تحمله معاني القوّة والاصرار والبطولة، وهي ذات القيم التي أكد الكاتب العام انها كانت زاد النقابيين في معركتهم اللامتكافئة ضدّ نظام استبدادي اراد المنظمة الشغيلة وكسر عزيمة النقابيين واذلالهم عبر القتل والتنكيل والاعتقال والطرد من العمل ولكنه لم ينجح. الأسباب والتمظهرات والمخلفات اختار الاستاذ محمد الكحلاوي في كتابه ان يتبع خطًّا زمنيا تصاعديا في قراءة الاحداث التي سبقت وتخللت ولحقت بيوم 26 جانفي، غير انه لم يتبع اسلوبا سرديا ووصفيا جافا وانّما اعتمد اسلوبا جدليا جمع في العناصر الى بعضها من خلال اعتماد ما يشبه المحاورة للاحداث والبناء التدرجي بما يحمله من طابع ملحمي يدفع بالاحداث الى لحظة الذروة ممّا يجعل القارئ للكتاب وكأنه بصدد متابعة الاحداث ميدانيا. تعمق الكاتب في البداية في الاسباب واجملها في 7 أكواب رئيسية وهي: تردّي الوضع الاجتماعي، انعدام العدالة الاجتماعية والارتهان الخارجي المسألة الديمقراطية تأثير الازمة الاقتصادية الرأسمالية العالمية في الوضع التونسي التراجع عن الاتفاقات المشتركة والمماطلة وقطع التفاوض سوء التصرّف في الاملاك العموميّة وقد ظهر من خلال هذه الاسباب التي اكدها الكاتب ان الواقع الاجتماعي والسياسي في تونس كان مهيأ موضوعيا لأزمة عاصفة. اما الباب الثاني فخصصه الاستاذ الكحلاوي لتتبع «ردود فعل الاتحاد والعمال ازاء سياسة السلطة» التي تلخصت في التنديد والاستنكار، الاعتصامات والمظاهرات، الاضرابات وعنوان اخر عباة عن جملة تقريرية «اننا لا نعدم اشكالا نضاليّة ارقى« تلخّص حالة الالتحام بين النقابيين والموطنين في معارك تجاوزت الطابع النقابي. الباب الثالث جاء بعنوان «محاور الخلاف ودواعي الأزمة» أكد على محاور ودواعي ما قبل الاضراب العام وما بعد تنفيذ الاقراب تم على جملة العلاقات: بين اجهزة السلطة واطرافها، وبين الامين العام للاتحاد والقيادة النقابية بالسلطة، وبين القاعدة القيادة داخل الاتحاد وقبل ان ينتقل الى باب الاضراب العام تطرق الكاتب إلى استعداد السلطة لقمع الاضراب العام. باب الاضراب العام: تضمن مفصلين مهمّين وهما الجانب التنظيمي، وسيْره العامّ والنضالات العمالية ابّان 26 جانفي حيث اكد الكاتب في الجزء الاول التنظيمي على ملابسات اتخاذ قرار الاضراب وتراتيبه ومواقف القيادة النقابية المركزية والجهوية اما في الجزء الثاني فركّز على الاشكال النضالية الميدانية لحماية دور الاتحاد والمظاهرات والمصادمات في الشوارع والساحات العمومية ليخلص في الاخير إلى نجاح الاضراب العام. يتدرج الكاتب في الباب الخامس إلى المخلفات او النتائج التي ترتبت عن الاضراب العام، ولاهميتها نحرص على تعديدها: الهجوم الاعلامي المعادي للاتحاد والشهداء والجرحى والمعتقلين والمحاكمين والمطرودون، المحامون، تنصيب قيادة نقابيّة، تدهور الوضع الاجتماعي للعمّال واجراءات النظام الزجرية والتجاوزات الباب السادس: تطرّق إلى النضالات المحليّة والتضامن الداخلي والخارجي، حيث قدّم الكتاب شهادات عن النضالات المحلية وعن نضالات المعتقلين النقابيين وعائلاتهم وعن تضامن النقابات والمنظمات العربية والعالميّة مع الهياكل الشرعيّة للاتحاد وخلص في آخر الباب إلى جملة المواقف التي صدرت من 26 جانفي 1978. الصحافة النقابية والمحلية والأجنبية كانت موضوع الباب السابع وقد خصّص فيه الكاتب الجزء الأكبر للدور الذي لعبته جريدة الشعب وجاء في تعليقه «في هذا الوضع الاعلامي والصحافي الرديء حاولت جيدة الشعب آنذاك ان تشذّ عن هذا المنهج وان تعكس الى حدّ كبير هموم العمّال والشغالين وقضاياهم». كما لم يغفل الكاتب عن الحديث في الباب الثامن عن التفاعل الادبي مع اضراب 26 جانفي حيث أكّد «وقد صدر هذا الأدب المتعلق ب 26 جانفي عن العامل والطالب وعن المعلم والاستاذ والمحامي والمهاجر والنازح على مدى سنوات المحنة والصمود: وقد خصّص الكاتب البابين الأخيريْن في الكتاب للوضع التنظيمي للاتحاد بين سنتي 1980 1981 وباستخلاص العبرة من 26 جانفي 1978. وكانت خاتمة الكتاب مخصصة لعديد الشهادات التي قدمها عديد النقابيين الذين عاشوا الحدث وساهموا من مواقعهم النقابية: مسؤولين نقابيين أو موظفين داخل الاتحاد، وقد جاءت هذه الشهادات محاولة من الكاتب لتدارك ندرة الوثائق وعدم توفرهاحول هذا الحدث.