تعتبر المنظمة الدولية للشغل سنة 2012 سنة للدفاع عن حقوق عمّال المنازل الذين في أغلبهم من العنصر النسائي حيث يمثّل هذا النّوع من العمّال ما يفوق 100 مليون عامل وعاملة في كامل أنحاء العالم وجاء ذلك في برنامج المنظمة الذي أقرّته في جلستها العامة عدد 100 بتاريخ 16 جوان 2011 الذي يرمي لأن توقع هذه الاتفاقية 12 دولة خلال سنة 2012 وهو هدف رسمته لنفسها والذي تعتبر بلوغه نتيجة مشجعة أمام ما يشوب هذه العلاقة الشغلية من سوء معاملة وانتهاك للحرمة الجسديّة والكرامة الانسانيّة وكذلك أمام ما يدور وراء الأبواب المغلقة والجدران الصماء في حق هؤلاء العمّال وخاصة العنصر النسائي منهم والذي يمارس في كل أنحاء العامل بنفس الكيفية وعلى نفس الصورة من البشاعة عند الشعوب المتحضّرة والأخرى من العالم الثالث يحصل هذا في شبه الغياب الكلّي للمنظمات الحقوقيّة وغير الحكومية والمناصرة لحقوق الانسان في العيش الكريم والعمل اللائق وفي هذا السياق يمكننا الحديث عن وجود 100 مليون انسان داخل سجون ونظائر «قوانتنامو مدني» لأنّ الأبحاث والدراسات تؤكد أنّ بعض الممارسات داخل البيوت وغالبا ما تكون بيوت الأثرياء والمرفهين ماديا الذين يسمحون لأنفسهم باستعباد من وضعتهم الظروف المادية القاسية والفقر والحرمان في خدمتهم لإسعادهم وتوفير أسباب الرائحة لهم ولأبنائهم سواء في الحضانة أو عند الإعاقة وكذا بالنسبة للعناية بكبار السن ممّن ينفر أفراد عائلاتهم من وضعياتهم التي يعتبرونها مكبلة لحرياتهم ومقيّدة لتحركاتهم فيستعيذون عن ذلك بعمّال وعاملات المنازل وهو نفس السبب الذي تلجأ إليه السيدات الموظفات الساميات والناشطات سياسيا واجتماعيا التي تحيل آليا كلّ شؤون منزلها للعاملة التي لا تعرف توقيتا للخروج من المطبخ حتى للنوم لأنّه موضع رقادها في عديد الحالات وقد وردت عديد الشهادات الحيّة في العالم حول هذه الوضعيات المسكوت عنها رُغم الخدمات القيمة التي يقدمونها نساءً ورجالا للعائلات المستفيدة ولما نتحدث عن عمّال وعاملات المنازل لا يقتصر الأمر على ماهو موجود ببلادنا رغم أنّّه جزء لا يتجزأ من هذه الشريحة الواسعة جدّا في كلّ أنحاء حيث تتحدّث الأرقام عن وجود 5 .1 مليون عامل وعاملة بالمنازل بالعربية السعودية وحدها أغلبهم من «الفيليبين» و«سريلنكا» وفي الأردن أكثر من 70 ألف عاملة وفي فرنسا يمثّل عمّال وعاملات المنازل ما يقارب 50 بالمائة من مجموع العمّال المهاجرين إليها حيث تضمّ ايطاليا ما يفوق 600 ألف منهم وفي دول أمريكا اللاتينية يمثّل هذا النوع من اليد العاملة ما يفوق 60 بالمائة من العمّال النازحين من الداخل والخارج حتى القارة الافريقية لم تسلم من ممارسة هذه الظاهرة اللاأخلاقية من الانسان نحو أخيه الانسان حيث تمثّل نسبة عمّال المنازل 10 بالمائة من عموم العمّال بجنوب افريقيا أمّا في الدول العربية فحدّث ولا حرج على ما يمارس على عمّال المنازل الذين ينحدرون من عديد البلاد الآسيوية الذين تقام لهم سوق خاصة بهم حيث يباعون في ما شابه المزاد لأنّ العمّال يستقدمون حسب مواصفات يتقدّم بها طالب الخدمة للمكاتب الخاصة والمؤسسات المعترف بها لممارسة النخاسة الحديثة في القرن الحادي والعشرين هذه المكاتب المختصة تستقدم لوحدها ما يقارب 30 بالمائة من عمّال المنازل المستخدمة بالكويت هذا اذا ما علمنا بأنّ الوضعية في الهند أكبر بكثير حيث يمثّل عمّآل المنازل ما يقارب 20 بالمائة من العمّال بهذا البلد الضخم من الناحية الديمغرافية وهي أرقام مفزعة وممارسات مرعبة في حق بني البشر الذين اضطرتهم الحياة للبحث عن عمل شريف يحفظ كرامتهم ولو داخل البيوت وان كانت خارج الوطن من أجل كلّ هؤلاء وأمام عديد النداءات الصادرة عن المنظمات غير المصرّح والمنظمات المهتمة بالشأن الحقوقي التي تجمع في تقاريرهار ان كلّ الأرقام المصرح بها بعيدة كلّ البعد عن الأعداد الحقيقة الغير مصرّح بها لعمّال المنازل بالعالم التي كثيرا ما تكون بطلب من العمّال حفاظا على خصوصياتهم الذاتية وأمام القيمة المادية لهذا العمل الاجتماعي النبيل الذي لا يقلّ أهمية عن كل الأعمال ذات الطابع الانساني والاجتماعي التي أحدثت لأجلها هياكل حكومية ومنظمات مستقلة لماذا يغيب الاطار التشريعي عن هذا العمل؟ الذي كان من المفروض أن توضع لها قوانينها وترتيباتها الخاصة بها تحترم فيها كل الحقوق المكتسبة تماما مثل بقيّة أنواع التشغيل الأخرى لكن للأسف أنّ عمّال المنازل تركوا وشأنهم مع مستغليهم في ممارسات تنتهك فيها كل مقومات الانسان، لقد جاءت الاتفاقية 189 لتضمن لعاملات وعمّال المنازل الحد الأدنى من الحقوق العمّالية مثل تحديد عدد ساعات العمل اليومية وضمان التغطية الاجتماعية والحق في الراحة الأسبوعية والعطل السنوية والأجر المحدّد والاقامة اللائقة والمعاملة الحسنة واحترام الذات البشرية والتقاليد الدينية والعادات العرفية حيث تؤكد بعض الدراسات انّ 56بالمائة من عمّال وعاملات المنازل ليس لهم وقت محدّد للعمل و45 بالمائة منهم لا يعرفون الراحة الأسبوعية ان مثل هذه الوضعيات تمارس ببلادنا أيضا لكنّها في غالب الأحيان تكون مُحاطة بالسرية التامة من الناحيتين العامل والعائلة المستفيدة في حين أنّ الدراسات تشير إلى وجود ما يقارب 80 ألف عاملة أو معينة منزلية رُغم عن بعض القوانين التي تتحدّث عن هذا النوع من التشغيل الهش والمهمش لكنّها بقيت حبرا على الورق فمن المسؤول عن هذه اللامبالاة تجاه عاملات المنازل بتونس؟ هل هم أصحاب الشأن بقبولهم لوضعياتهم المهينة دون أي ردة فعل لدرء الظلم عن أنفسهم؟ هل هو دور الاتحاد العام التونسي للشغل كما يتبادر للذهن من الوهلة الأولى؟ بصفته المدافع عن الحقوق العمّالية بالبلاد مهما كان تصنيفهم أو انتمائهم هل هي مسؤولية مكونات المجتمع المدني؟ لماذا تمّت تسوية وضعية أعوان المناولة بالقطاع العام والوظيفة العمومية ويجري التفكير في تسوية وضعية أعوان القطاع الخاص في حين يبقى عمّال المنازل طي النسيان؟ أليس من حق هؤلاء أن يتمتعوا بما جاءت به الثورة من ضمان للكرامة والحق في العيش الكريم؟ مع العلم أنّه ليس في أجندة هؤلاء المطالبة بالترسيم ولا محاسبة صاحب الشغل على مدى أرباحه جرّاء مجهوداتهم ولا يطالبون بسلم وظيفي ولا ترتيب مهني بل بالعكس فتنظيمهم في اطار المذكورة يسهم في تنمية موارد الصناديق الاجتماعية والارتقاء بالمستوى الاجتماعي بصفة عامة ويبقى الاتحاد العام التونسي للشغل المنتمي إلى المنظمة الدولية للشغل والراعي الحقيقي لكل المصالح العمّالية بالبلاد المخول الوحيد للدفاع عن حقوق هذه الشريحة المسكوت عنها ومن الأكيد أنّنا سوف نشهد ميلاد هياكل نقابيّة تعتني بعمّال وعاملات المنازل وسوف ينالون حقوقهم كاملة ولسوف يدفع الجميع كل القوى الحية بالبلاد دعمًا للاتحاد العام التونسي للشغل من أجل حمل الحكومة التونسية على التوقيع على الاتفاقية 189 الضامنة لحقوق عمّال وعاملات المنازل الذين هم أصلا مواطنون تونسيون لهم علينا حقوق أن نسويهم ببقيّة العمّال لما نالوه من ثمار ثورة الكرامة ثمّ علينا أيضا مواصلة دعم هذا النّوع من العمّال في العالم انطلاقا من مبادئ حشاد الذي لم يفرق بين أفراد الشعب.