لم تكن سياسة النظام السابق داخل تونس مختلفة عن السياسة الخارجية، فمثلما قام بن علي باغراق الحياة المدنية في تونس بمئات الجمعيات والمنظمات الوهميّة التي لا نرى لها نشاطا إلاّ في اصدار بيانات المناشدة أو المساهمة في احتفالات انقلاب السابع من نوفمبر، تمامًا كان الأمر بالنسبة إلى المجتمع المدني التونسي بالخارج إذ انّ الجمعيات تناسلت وتكاثرت المنظمات خارج الحدود غير أن دورها كالعادة اقتصر على المناشدة والاحتفالات وأيضا كتابة التقارير البوليسية عن المناضلين الحقيقيين الذين ساندوا الثورة باصرارهم ودعمهم للأفق التحرّري لدى المهاجرين خارج حدود تونس ومن هؤلاء المناضلين السيد طارق بن هيبة رئيس الفيدرالية التونسية من أجل مواطنة للضفتين والسيد فتحي التليلي رئيس اتحاد العمال المهاجرين بفرنسا اذ لا يخفى على أحد دورهما صلب الفيدرالية والاتحاد في الاحاطة بمشاغل المهاجيرن وفتح الأبواب بينهم وبين الدول التي يعيشون فيها. وهاهما اليوم يدخلان في تنسيقية مؤقتة للهجرة التونسية والتي كان موقفها واضحًا من تجاهل الحكومة المؤقتة للتنسيقية التي تضم 46 جمعية، في مجال الهجرة موضحة أنّه من غير الطبيعي ان تُبعث هيئة عليا للهجرة دون الرجوع للجمعيات المعنية بذلك. عن هذا الاشكال وبعض المسائل المتعلقة بواقع الهجرة كان لنا لقاء مع المناضليْن طارق بن هيبة وفتحي التليلي: سبق أن قدّمتم كراس مطالب لكل من حكومة الباجي قائد السبسي وكذلك الحكومة الحاليّة ولكن يبدو أن التجاوب كان مختلفا. أنجزت قرابة 50 جمعية تونسية في المهجر (أوروبا وكندا) ملتقى المهاجرين 7 ماي 2011 بفرنسا وتم اصدار كراس مطالب وتمت بلورته في الصائفة الفارطة في تونس مع الاتحاد العام التونسي للشغل والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان ثم كان لممثلي الجمعيات لقاء مع وزير الشؤون الاجتماعية ثم وزير النقل لنتوّج ذلك بلقاء مع السيد الباجي قائد السبسي رئيس الحكومة آنذاك الذي وافق على كل ما تضمنته كراس المطالب وخاصة مطلب خلق لجنة مستقلة لتقصي الحقائق. في جانفي 2012 كان لنا لقاء ثانٍ مع وزير الشؤون الاجتماعية السيد خليل الزاوية وحسين الجزيري كاتب الدولة للهجرة غير أننا فوجئنا بتراخي الحكومة في تفعيل مطالب المهاجرين وانقطاع التواصل وخير دليل على ذلك انفراد الحكومة بتنظيم ملتقى الجمعيات ومحاولة التشبيك بينها دون استشارتنا، ولكن ما يُحسبُ للحكومة هو اعطاء الحق للمهاجرين في الترفيع في مبلغ الاعفاء الجبائي (من 1000 إلى 2000 دينار) والسماح للمهاجرين باستيراد سيارات عمرها 5 سنوات، وللتذكير، هذان المطلبان مضمنان بكراس المطالب التي انجزناها نحن، غير ان تذاكر السفر مازالت مرتفعة (أكثر من 500 أورو). رئيس الحكومة الحالي رفض لقاءكم في باريس؟ بالفعل إننا نأسف لرفض السيد حمادي الجبالي رئيس الحكومة المؤقتة طلب لقائنا يوم الخميس 28 جوان 2012 خاصة اننا كنا سنطرح مسألة ترحيل البغدادي المحمودي ولنعبّر عن رفضنا المطلق لطريقة التسليم وليكن في علم الحكومة الحالية ان جمعيات الهجرة جزء لا يتجزّأ من المجتمع المدني التونسي المناضل ومن واجب الحكومة ان تتعامل معها بشكل حضاري ديمقراطي، ولا يفوتنا هنا ان نعبّر عن قلقنا ازاء تدهور واقع الحريات في تونس وخاصة منها حرية الصحافة والاعلام وحرية الابداع والحريات الاكاديمية كما اننا نعبّر عن تخوّفنا من امكانية تغوّل التهديد السلفي، ومثلما كنا نناضل ضدّ ديكتاتورية بورقيبة وبن علي فاننا لن ندّخر جهدًا في مواصلة النضال ضدّ أية ديكتاتورية جديدة ولن نتأخر عن مواصلة النضال من اجل تحقيق العدالة الاجتماعية والرّقي بالمنظومة السياسية بتونس. ويبدو أيضا المجلس التأسيسي يتجاهل دوركم؟ بالفعل نحن نعبّر عن عميق استغرابنا من تغييب المجلس الوطني التأسيسي الذي ساهمنا في انتخاب اعضائه، لممثلي الجمعيات الديمقراطية والمستقلة للهجرة خاصة ان رئيس المجلس ورؤساء اللجان يستقبلون بصفة دورية وفودًا من بلدان اجنبية وبعيدة وبالمقابل يتجاهلون الجمعيات التونسية بالمهجر. لنعد إلى كراس المطالب، هل لنا أن نعرف اهم المقترحات الواردة ضمنها؟ إلى جانب خلق لجنة مستقلة لتقصي الحقائق في شأن الشبان الذين ماتوا أو فُقدوا أثناء عمليات الهجرة السريّة، فإن كراس المطالب قدّم جملة مطالب نذكر منها أساسًا: ايجاد هيئة عليا للهجرة تمثّل فيها الجمعيات المستقلة وتكون مُدسترة وتُبدي رأيها في كل ما يتعلق بالمهاجرين. وتطهير ديوان التونسيين بالخارج من بقايا النظام السابق. وارجاع مباني الدولة التونسية والفضاءات بالخارج وتحويلها إلى مراكز ثقافية وجمعياتية. واعادة وضع منظومة تعليم اللغة العربية بالتعاون مع الدول الاوروبية. ومراجعة كل القوانين الثنائية المتعلقة بالهجرة والمهاجرين. واقرار مبدأ المشاركة في الانتخاب والترشح في كل المحطات الانتخابية بما فيها الرئاسية بقطع النظر عن ازدواجية الجنسيّة. وتخفيض أسعار التنقل البري والبحري والجوي بصفة دائمة. وخلق وكالة أسفار بشكل تعاضدي أو جمعياتي. وتسوية ادارية عاجلة لشباب لمبادوزا (الحرّاقة). كيف ترون المبادرة التي طرحها الاتحاد العام التونسي للشغل؟ الاتحاد العام التونسي للشغل مثلما لعب دوره الوطني والتاريخي في أحلك فترات تونس ولم يكن محايدًا عن هموم ومشاغل الطبقة الشغيلة وعموم الشعب التونسي فإنه من الطبيعي ان يتقدّم يمثل تلك المبادرة الوطنية لانقاذ البلاد من ازمة أقرّت بها جميع الاطراف، ونحن باعتبارنا ممثلي جمعيات الهجرة متفقون علىابقاء لجنة مستقلة للاشراف على كل عمليات الانتخابات ونفس الشيء نحن مع وجود هيئة مستقلة لاصلاح الاعلام قادرة على حماية اهل القطاع من الانحراف بالمسار الحرّ للاعلام التونسي، كما اننا نتفق مع مبادرة الاتحاد في ضرورة تحديد موعد للانتخابات القادمة في اقرب الآجال وطبعا نحن نطالب وندفع من أجل مدينة الدستور الجديد ونطالب بدسترة الحقوق الاجتماعية واللجنة العليا للهجرة. وكيف ترون مستقبل الانتخابات القادمة في تونس؟ لا نخفي تخوّفنا من عدم نجاح القوى الديمقراطية الحقيقية التي تؤمن بالمساواة في حقوق الانسان وحق الاختلاف وسنّ سياسة اقتصادية تقطع عنق البطالة ولن ندّخر جهدا كجمعيات مستقلة وديمقراطية غير منضوية تحت اي حزب مهما كان لونه الايديولوجي في دعم ودفع المهاجرين الى المشاركة في الانتخابات والدفاع عن مبادئ حقوق الانسان وكل الحريات الفردية والعامة. كيف ترون مستقبل المهاجرين في فرنسا بعد فوز فرنسوا هولاند؟ لقد ساهمنا بدور ايجابي في انتخابات فرنسا ونعتبر اننا نجحنا في ازالة ساركوزي وسياسته العنصرية المعادية للمهاجرين العرب والمسلمين وكان لنا دور في صعود فرنسوا هولاند الذي وعد بتمكين المهاجرين من حق التصويت في الانتخابات البلدية وهذا مكسب ثمين ناضلنا من أجله سنوات عديدة. اما فيما يخص تسوية وضعية العمال المهاجرين دون وثائق فلا نخفي تساؤلاتنا للحكومة الفرنسية الجديدة على مدى جدّيتها في القطع مع السياسات الرافضة للتسوية القانونية وخصوصًا شبان لمبادوزا وان لم يحدث ذلك فنضالنا متواصل، ونفس الامر متعلق بعدم مساندة الحكومة الفرنسية للقضية الفلسطينية، كما ننتظر موافقة الحكومة على منع توريد البضائع والخدمات الاسرائيلية وندعو إلى مقاطعتها حتى تتحقق اهداف الشعب الفلسطيني.