لئن انحصر الغموض والجدل حول عزل السيد مصطفي كمال النابلي محافظ البنك المركزي التونسي في «النعرة الشخصية» بين رئيس الجمهورية المؤقت محمد المنصف المرزوقي ورئيس الحكومة المؤقتة حمادي الجبالي، ورغم أن وكالة التصنيف الائتماني «موديز» حذرت من أن إقالة مصطفى كمال النابلي من شأنها أن تفقد البنك المركزي التونسي مصداقيته عالميا وضربا لاستقلالية هذه المؤسسة وإخضاعها لهيمنة الحكومة المؤقتة، رغم كل هذا فإن تنصيب الشاذلي العياري محافظا جديدا للبنك المركزي التونسي كشف عن استهتار الترويكا الحاكمة بالمجلس الوطني التأسيسي وبنواب الشعب التونسي من خلال نتائج التصويت يوم الثلاثاء 24 جويلية 2012 فرغم أن عدد الحاضرين في الجلسة كان 165 نائبا فقط جاءت نتائج التصويت على النحو التالي: 97 صوتا مع تعيين الشاذلي عياري، مقابل 89 صوتا ضد التعيين و4 امتنعوا عن التصويت ليكون العدد الجملي 190 ناخبا، لنجد فارقا ب 25 ناخبا، مع العلم أنّ الناخب ليس لديه الحق في التصويت إلا مرّة واحدة! السيد الشاذلي العياري (79 سنة) الذي عبر في تدخله أمام نواب المجلس التأسيسي عن «عزمه وحرصه على توثيق أواصر التعاون بين البنك المركزي والحكومة!» كشف بما لا يدع للشك أن استقلالية المؤسسة البنكية ستكون في مهب الرغبات السياسية «للحزب الحاكم» الذي دافع بشراسة واستماتة في تعيينه خلفا لمصطفى كمال النابلي، وتجلى حرص حركة النهضة «الحزب الحاكم» على شخصية العياري من خلال إيجاد كل المبررات لقبول العياري رغم انه ينتمي إلى التجمع الدستوري الديمقراطي ومناشد لبن علي ولم يستقل من مجلس المستشارين إلا في شهر فيفري 2011!، وقد سبق لزعيم حركة النهضة راشد الغنوشي أن كتب نصا على موقعه بالفايس بوك يشيد فيه بكفاءة العياري وحرفيته رغم عمله مع النظام السابق! وكانت كلمة السر بين كل نواب حركة النهضة هي «نعم للشاذلي العياري محافظا للبنك رغم انه تجمعي» مما جعل من نائبة المؤتمر سامية عبو تطلب من نواب النهضة تحكيم ضمائرهم في التصويت على هذا القرار الجمهوري المصيري، ولكن هيهات. تنصيب الشاذلي العياري على رأس أكبر مؤسسة بنكية في تونس يأتي يوما قبل الاحتفال بعيد الجمهورية التونسية (25 جويلية) وقد برهن الائتلاف الحاكم وخاصة حركة النهضة على ضرب مبدأ المشاركة في أخذ القرارات الجمهورية والانفراد بأخذ القرار خاصة عندما لم يرد مصطفى بن جعفر رئيس المجلس الوطني التأسيسي على تصريح احد النواب بأن بن جعفر هو الذي اقترح «صديقه» الشاذلي العياري لهذا المنصب ووافقه رئيس الحكومة المؤقت بعد «تزكية» رئيس الجمهورية المؤقت! هذا فضلا عن قائمة «التجمعيين» الذين فتحت لهم حركة النهضة والترويكا الحاكمة الباب على مصراعيه ليتقلدوا المناصب الأولى في الدولة التونسية، ومن الأسماء التجمعية التي قدمها النائب آزاد أبادي، الذي وصف سياسة الترويكا بما نراه ولا نفهمه، عمر النصايري مدير ديوان الحكومة (عضو اللجنة المركزية للتجمع ووالي سوسة سابقا ومدير شركة الاسمنت بسوسة) والحبيب الصيد وزير مستشار لدى رئيس الحكومة (قيادي في التجمع ومدير ديوان عبد الله القلال وزير الداخلية سابقا) وطارق البحري مكلف بمهمة لدى رئيس الحكومة (عينته ليلى بن علي مديرا لشركة الاقامات) والمنجي عايد مدير الموارد البشرية بوزارة التخطيط (مدير سابق لصندوق 26/26). بغض النظر عن انتماء مصطفى كمال النابلي أوالشاذلي العياري من عدمه، إلى النظام السابق والى منظومة الفساد والاستبداد التي مازالت تهدد الانتقال الديمقراطي المنشود، فإن طلب إبقاء النابلي في منصبه من طرف المعارضة رأي فيه نظر تماما مثل تنصيب العياري من طرف الرئاسات الثلاثة قرار فيه الكثير من النظر ولكن الخطير هو عدم الشفافية وانتهاج سياسة الأمر الواقع باسم الأغلبية حتى لو تطلب ذلك خرق القانون!