المطالبة بكلية للطب بقابس ليس نزوة ولدتها الثورة في نفوس الاهالي بل حاجة ملحة فرضتها عديد المسائل منها الموضوعي ومنها الخاص بالجهة ولم تندرج هذه الفكرة في باب المقارنات بين ما تحقق في الجهات المجاورة لقابس او تلك البعيدة عنها انما هو امر واقع انطلق منذ مطلع السبعينات من القرن الماضي زمن احداث النواة الاولی للمنطقة الصناعية عندها ارتفعت عديد الاصوات المنبهة من خطورة ما تلفظه المداخن على المحيط بصفة عامة وعلی الكائنات الحية بصفة خاصة وكان في مقدمة القوی الحيّة بالجهة الاتحاد الجهوي للشغل الذي لم تخل لوائحه من ثلاثة مطالب ملحة اضافة إلى المطالبة بالمعالجة الجذرية لهذه المعضلة احداث مصحة تابعة للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي ومستشفى الحروق ثم كلية الطب ولم تأت هذه المطالب من فراغ بل هي مدعومة بما لا يدع مجالا للتشكيك فيها امام الاوضاع الصحية والبيئية التي تزداد كارثية علی متساكني الجهة وخاصة منهم المحاذين للمنطقة الصناعية ومعمل الاسمنت الذي يستعمل الفحم الحجري الذين تفشت بينهم الامراض الزمنة والخطيرة مثل الحساسية والتقرحات الجلدية وامراض العيون وهشاشة العظام والامراض الصدرية كضيق التنفس والربو والامراض السرطانية بجميع اشكالها التي اصبحت ظاهرة للعيان وفرضت سلط الاشراف ايضا التكتم علی الامراض المهنية وعدم الاعلان عنها على امتداد ما يقارب الخمسين سنة عايش خلالها الاهالي هذه الامراض التي تصنف جميعها في خانة الامراض القاتلة التي يتلقاها المواطن في كل لحظة من حياته عن طريق الهواء او من خلال الغذاء نتيجة تلوث المنتوج الفلاحي بشقيه النباتي والبحري هذه الاسباب الصحية والبيئية التي جعلت الاهالي ومنظمات المجتمع المدني تتمسك بهذا المطلب الملح والذي يعود كما اسلفنا الذكر إلى أوائل السبعينات بما توفر من معطيات صحية وبيئڈية تجعل الجهة ذات اولوية عندما يطرح موضوع اختيار الموقع الجغرافي لتدعيم المؤسسات التعليمية العليا في ميدان تكوين الاطباء باعتبار ان كلية الطب بتونس هي النواة الاولى في هذا الميدان والتي تم احداثها سنة 1965 على قلة الإمكانات المتوفرة وقتها ثم جاءت كليتا صفاقس وسوسة سنة 1974 اي بعد بضع سنوات من احداث المنطقة الصناعية بقابس التي انطلقت معها المطالبة باحداث كلية طب بالجهة ولا بد ان نكون موضوعيين في هذا الجانب باعتبار وجود معامل ملوثة مثل (N.P.K) بصفاقس وماذا نقول عن عروس الساحل المحاطة بسوار من النزل الفاخرة في حين ان المشروع السياحي بقابس توقف عند تلك الفترة من الزمن ثم جاء دور كلية الطب بالمنستير التي تأسست سنة 1980 اي بعد احداث المنطقة الصناعية بقابس بعقد من الزمن تقريبا اما في خصوص ماهو متوفر بقابس من منشآت صحية فيمكننا القول بان الوضع يصب في صالحها ويدعم مطلبها لاحداث كلية طب بها اولا المستشفی الجامعي محمد ساسي وهو محدث في بداياته لتلبية حاجيات كولايات الجنوب والذي شهد في السنوات الاخيرة عديد الاصلاحات الهيكلية وتجهيزه بالكثير من الآليات الطبية المتطوّرة هذا اضافة إلى وجود مصلحة للخدمات الطبية المستعجلة (SAMU) ان الهيكل الصحي من ناحية البنية التحتية يضم المستشفی الجامعي بقابس اربعة مستشفيات محلية قابلة للتطوير بكل من الحامة ومطماطة ومارث ووذرف اضافة إلى ما يقارب المائة مركز صحي والمندوبية الجهوية للاسرة والعمران البشري ومخبر جهوي ومركز جهوي لنقل الدم دون الحديث عن مدرسة الصحة والمعهد العالي للممرضين المحدث مؤخرا لتختم هذه الدورة الطبية المتكاملة والمتجانسة بالمستشفى العسكري الذي يتوفر على كفاءات واختصاصات تلعب دورات مهمّا في الجانب الصحي بالجهة هذا اضافة إلى عديد المصحات الخاصة العاملة واخرى طور البناء. الا يحق لابناء الجهة بعد كل هذه المعاناة وهذا التاريخ المخيف في الصراع مع هذه الوضعية المرعبة ان يحققوا حلمهم بالتمتع بخدمات طبية على أيادٍ مقتدرة زمن الثورة؟ بعد ان كانت الحسابات السياسية والنزعة الجهوية هي المحدد الاساسي لبعث المؤسسات الصحيّة والاقتصادية وغيرها اعتقد ان المتحمسين من ابناء الجهة لهذا الموضوع سلكوا الاساليب الحضارية في اعادة طرحه من جديد باقامة الندوات العلمية والفكرية فهل يقابل السلوك الحضاري بمثله من الطرف المقابل؟ أم يجد الجميع انفسهم مجبرين على سلوك طرق اخری للدفاع عن مطلبهم المزمن من اجل حياة افضل؟