عبّرت النقابة العامة للتعليم الثانوي في بيان أصدرته يوم 18 سبتمبر الجاري، عن احتجاجها لتراجع الوزارة عن تطبيق اتفاق 14 سبتمبر 2011 في بنده السابع المتعلّق بتمكين كافة المنتمين إلى سلك التدريس والمكلّفين بعمل اداري والراجعين بالنظر إلى وزارة التربية من منحة مستلزمات العودة المدرسية بداية من سبتمبر 2012، ويتمثّل هذا التراجع فيما نصّ عليه المنشور الصادر سابقا عن مصالح الوزارة والموجّه إلى المندوبيات الجهوية. النقابة العامة استهجنت سلوك الوزارة الذي ينضاف إلى سلسلة تراجعات أخرى مثل عدم تطبيق الاتفاق الخاص بتطبيق ساعات العمل للأساتذة المبرزين والمبرزين الأول، كما اعتبرت النقابة العامة أنّ الوزارة بتراجعاتها هذه تسعى إلى التّصعيد وتأزيم الأمور. نستقبل معا عودتنا المدرسية الثانية بعد الثورة وبعد مرحلة انتقالية أولى كانت مليئة بالأحداث المتسارعة من أجل حماية الثورة والانتصار لأهدافها، وقد تعاملنا معها بروح نضالية عالية وأنجحنا فيها سنة دراسية كانت مهدّدة بالفشل وحققت فيها هياكلكم النقابية الكثير من المكاسب التي ناضلنا من أجلها لعقود وكانت ثمرة مفاوضات مضنية وطويلة مع الحكومة الانتقالية الأولى، فعادت الخطط الوظيفية للتناظر حقا لكافة المدرسين، وأمضيت اتفاقيات عديدة أبرزها تلك التي تهمّ الترقيات المهنية ومشقة مهنة التدريس والتخفيض في ساعات العمل ومنحة العمل الدوري وبلغ الحوار حول مشروع مجلس المؤسسة مرحلة متقدّمة وحقّق المعلمون الأول للتربية البدنية اتفاقيات استعادوا من خلالها حقّهم في الترقية المهنية بعد مظلمة تواصلت أكثر من عقدين وليثبّت فيها المعلمون الأول للتربية البدنية المنتدبون بعد جوان 2005 أيضا حقهم في الترقية. كما كانت هذه المرحلة الانتقالية الأولى مليئة بمظاهر التسيّب والاعتداء على المدرسين وكافة العاملين بالمؤسسة التربوية وتفشّي ظاهرة العنف وتعاطي المخدرات في صفوف أبنائنا، ومنذ بداية السنة الدراسية تحملتم وتحمل المديرون الناجحون في مناظرة جرت لأوّل مرّة في تاريخ المدرسة العمومية التونسية العبء الأكبر في انجاحها، لتأتي مرحلة انتقالية ثانية محملة بشرعية انتخابية عطّل غيابها في المرحلة الأولى الشروع في مشروع اصلاح تربوي حقيقي، وكان المؤمل من هذه المرحلة أن تُثبّت مكاسب المدرسين وتُدعّم باستكمال المفاوضات في كافة المطالب التي بقيت عالقة والتي تهمّ التقاعد ومنحة العودة المدرسية ومنحة مشقة المهنة وكافة حقوق المدرسين المضمنة في مشروعهم لقانون أساسي ناضلوا من أجله لأكثر من ثلاثة عقود، كما كان المؤمل أن يرى المدرسون اجراءات حقيقية في اتجاه تطهير وزارة التربية من الفساد وذلك بفتح كافة الملفات الفاسدة في المجال القانوني والاداري والمالي والتجهيز والمشتريات والنقل والانتدابات... وكان الحلم الأكبر للمدرسين والأولياء والرأي العام على حدّ السواء أن يشهدوا حوارًا وطنيا حقيقيا لاصلاح منظومة تربوية نخرها الفساد وأصبحت فيها المدرسة العمومية وهي أكبر مكسب وطني مهدّدة بالانهيار وينتهي الحوار بإرساء مبادئ وأسس اصلاح تربوي محل توافق بين كافة شركاء الوطن يتمّ دسترها وتبنى عليها مؤسسة تربوية عمومية مجانية ديمقراطية متطورة وموحدة بعيدا عن التجاذبات السياسية والايديولوجية، الاّ أنّ المرحلة الانتقالية الثانية وعمرها الافتراضي يشرف على الانتهاء لم تكن في مستوى الانتظارات فكانت السمة البارزة لهذه المرحلة: 1 تراجع في تطبيق الاتفاقيات وغياب أي نصّ قانوني يقنّنها، فوزارة التربية لم تقم بأي اجراء في اتجاه اصدار الأوامر الخاصة بكافة الاتفاقيات وحتى النص المتعلّق بالاتفاقية الخاصة بالترقيات المهنية والتي تمّ إجراؤها بما جاء في نص الاتفاق لم يصدر الى حدّ الآن، كما تجلّى هذا التراجع في عدم تنفيذ الوزارة الاتفاق القاضي بتخفيض ساعات التدريس للأساتذة المبرزين والذي كان من المفترض أن يدخل حيز التنفيذ في بداية السنة الدراسية الحالية، كما أنّ الوزارة لم تتخذ أي اجراء لتطبيق الاتفاق الخاص بساعات التدريس للمدرّسين والذي يدخل حيز التنفيذ في مفتتح السنة الدراسية القادمة التي تحتاج إلى إعداد مادي واداري يشمل الفضاءات والانتدابات وهو عمل يحتاج أيضا إلى الوقت والجهد ممّا يحتّم الشروع فيه حتى لا يصبح تعلّة تعيق التنفيذ في الآجال. كما أنّ ردود الوزارة في الجلسة الأخيرة استكثرت على المدرسين ما حققوه في اتفاق تخفيض ساعات العمل ومنحة العمل الدوري لتصبح موافقتها على تطبيق هذه الاتفاقيات مرهونة بمقارنة ما تمّ الاتفاق حوله بما هو موجود في الدول المجاورة وهو ما صدر عن وزير التربية في الجلسة الأخيرة التي جمعته مع النقابة العامة للتعليم الثانوي. 2 رفض الوزارة التفاوض في تطوير منحة العودة المدرسية بما يمكّن المدرّس من مجابهة تكاليف العودة ومنحة مشقة المهنة التي هي انعكاس طبيعي لإقرار الوزارة بهذه الصفة. وفي ما عدا القيمة المالية للترقية الثالثة التي تمتّع بها المدرسون والتي قدّمت فيها الوزارة مقترحا لا يرتقي إلى مستوى النقاش ولا يتماشى والصبغة التصاعدية للقيمة المالية للترقيات، فإنّ الوزارة ظلّت ترفض المفاوضات في مراجعة القيمة المالية للترقيات المهنية والتي لم تتغيّر منذ عقود. 3 رفض وزارة الشباب والرياضة الشروع في تطبيق الاتفاق الخاص بالمعلّمين الأول المنتدبين بعد 30 جوان 2005. 4 إصرار الوزارة والحكومة على الانفراد بالشأن التربوي والهيمنة على عملية الاصلاح، فقد أصدرت الوزارة أوامر خاصة بتركيز مجلس المؤسسة جاءت مخالفة في كثير من جوانبها (صبغة وتركيبة ومهام) لما تمّ الاتفاق عليه سابقا كما أقدمت الوزارة على إطلاق مشروع أمر خاص بالمجلس الأعلى للتربية تنوي عرضه على المجلس الوطني التأسيسي جاء أشبه بمجلس وزاري مضيّق ألغي فيه أي دور لبقيّة مكوّنات المجتمع المدني ويجسّد بوضوح الرّغبة في هيمنة الحكومة على الشأن التربوي. 5 حالة من التسيّب والاعتداءات على المدرّسين بلغت أرقامًا مرعبة اضافة إلى تفشّي ظاهرة تعاطي المخدرات التي تديرها شبكات الاجرام في صفوف أبنائنا تقف إزاءها الوزارة موقف المتفرّج ولم تسع الى مجرّد البحث في أسباب هذه المظاهر وسبل معالجتها لتختم السنة الدراسية بفضائح تسريب الباكالوريا والخرق غير المسبوق للقانون بالسماح لتلميذين من أصحاب النفوذ الجدد بإعادة امتحان الباكالوريا الذي لم ينجزاه في الدورة الرئيسية. كما تؤكد النقابة العامة: 1) تمسكها بكل المكاسب التي تحقّقت للمدرسين وإصرارها على استكمال المفاوضات في كل ما تبقّى عالقًا من جوانب القانون الأساسي وحقوق المدرسين المادية والمعنوية، وتؤكد أيضا استعدادها الكامل للالتزام بما يقرّره المدرّسون في اطار الحوار الديمقراطي بإشراف هياكله الأساسية والجهوية، لذلك فهي تدعو إلى المشاركة المكثّفة في هذا الحوار من خلال اجتماعات عامة وندوات اطارات دعت النقابة العامة هياكلها الأساسية والجهوية إلى عقدها لدراسة ما سيقدّم من اعلام مفصّل حول مجريات المفاوضات ومواقف الوزارة من المطالب. 2) تمسّكها المبدئي بحوار شامل مع كافة مكوّنات المجتمع المدني من أجل اصلاح تربوي حقيقي «من أجل مدرسة عموميّة مجانية ديمقراطية متطورة وموحدة»، كما ترفض النقابة العامة أي شكل من أشكال الهيمنة على عمليّة الاصلاح التربوي لما يشكله من خطورة على استقرار عمليّة الاصلاح واستمراريتها ويدخل المدرسة تحت طائلة التجاذبات السياسية والايديولوجية لذلك ومن أجل مشاركة واسعة حول أسس الاصلاح ومفاصله تطلق نقابتكم العامة بالشراكة مع النقابة العامة لمتفقدي التعليم الثانوي استشارة وطنية تهمّ كافة مفاصل اصلاح المنظومة التربوية وتدعو الى المشاركة المكثّفة فيها وإثرائها حتى تكون قاعدة لنا في الدفاع عن الاصلاح الذي ننشده. كما ترفض النقابة العامة اي محاولة لتفتيت وحدة منظومتنا التربوية عبر إرساء تعليم مواز لا يخضع للبرامج والمناهج وآليات التسيير المعتمدة في مدارسنا العموميّة. إنّ ما تحقّق زمن الاستبداد وما بعده كان ثمرة نضال المدرسين ووحدتهم رغم اختلافاتهم الفكرية والسياسية، فقد كان القطاع عبر تاريخه النضالي الطويل عنوانا للوحدة والصراع الديمقراطي داخله، لذلك وانطلاقا من ثوابتنا وقواسمنا المشتركة فإنّنا ندعو المدرسين إلى الحوار الديمقراطي الذي يجعلنا نلتقي على الحدّ الأدنى المشترك بيننا وهو النضال: من أجل تثبيت كافة الاتفاقيات الممضاة وتطبيقها في آجالها. من أجل استكمال المفاوضات في ما تبقى من القانون الأساسي وعلى رأسها حقّنا في 55 سنة سنّا اختياريّة للتقاعد. من أجل اصلاح تربوي حقيقي يقطع مع مسارات الاصلاح القديمة ويبني مدرسة عموميّة مجانية ديمقراطية متطوّرة وموحدة تكون محل توافق بين كافة مكوّنات شعبنا. من أجل الدفاع عن ثورتنا والنضال من أجل تحقيق أهدافها. عن النقابة العامة الكاتب العام الأخ لسعد اليعقوبي