انعقد يوم الخميس13 سبتمبر الجاري المجلس الأعلى للقضاء برئاسة وزير العدل وأعضاء من المجلس القديم ما قبل الثورة بعد أن وقع ترميمه، وقد أثار انعقاده بهذه الصيغة جدلا قانونيا إذ تساءل البعض عمن ترأس المجلس الأعلى للقضاء إن كان وزير العدل فهل بالنيابة عن رئيس الجمهورية بموجب قانون 67 المتعلق بالمجلس الأعلى للقضاء أو بالنيابة عن رئيس الحكومة طبق ما يقتضيه التنظيم المؤقت للسلط الذي منح لهذا الأخير حق إصدار الأوامر ومنها الأمر المتعلق بالحركة القضائية؟ فمن كلفه بهذه النيابة وهل ينوب شخصا غير محدد؟ وبعيدا عن هذا الجدل الشكلي الذي يبدو انه لا يهم وزارة العدل كثيرا في سعيها لإتمام الحركة بأية صيغة كانت فقد أثار مضمون الحركة ردود فعلية متباينة. ففي حين اعتبرته نقابة القضاة في تصريحات صحافية ايجابيا بعد أن أمضت مع الوزارة اتفاقا حول المقاييس التي يجب أعتماها في نقلة القضاة وترقيتهم وان لم يصدر عنها أي بيان رسمي في الموضوع فقد نشرت الجمعية بيانا على موقعها اعتبرت فيه انه وقع توظيف المجلس الأعلى للقضاء بصفة صورية رغم انحلاله لإضفاء الشرعية على النقل والترقيات في شكل حركة قضائية كما لاحظ البيان أنّ التوجه في تلك القرارات كان نحو إسناد الخطط الوظيفية طبق معايير الانسجام والارتباط بالنظام السابق وتأبيد المظالم مع استثناء القضاة المستقلين من تلك الخطط واستبعادهم منها، وخاصة بدوائر محاكم تونس تحضيرا للتحكم في إدارة قضايا الفساد والمحاسبة والتجاوزات المرتكبة في العهد السابق والقضايا المتصلة بالحريات وملف العدالة الانتقالية. كما أكد البيان على أنّ تلك القرارات المتخذة خارج أطر الشفافية والشرعية داخل لجان سرية قد اتسمت في العديد من حالات النقل بالحيف والميز غير المبررين مع إحداثها لشغورات كبيرة مخلة بتوازن العمل داخل المحاكم فضلا على استهدافها ناشطي جمعية القضاة التونسيين والمرصد التونسي لاستقلال القضاء ومسؤوليهما ترهيبا للقضاة باستعمال النقل التعسفية التي اتخذت في بعض الحالات غطاء الترقيات وذلك على خلفية ممارستهم لحق الاجتماع والتعبير للدفاع على استقلال القضاء وسبل اصلاحه ولخوضهم تحركات مشهودة داخل وخارج المحاكم من أجل تركيز الهيئة المستقلة للقضاء العدلي. وفي نفس الإطار أصدر المرصد التونسي لاستقلال القضاء بيانا عنيفا ابدي فيه استنكاره لتلك القرارات المعلن عنها في شكل حركة قضائية على حد قوله ورفضه لها وتمسكه بإقرار نقل وترقيات القضاة المشروعة وتسمياتهم بواسطة الهيئة الوقتية المستقلة تحييدا لمساراتهم المهنية من هيمنة وتأثيرات السلطة السياسية بتركيز مؤسسات القضاء كما اعلن عزمه الطعن في تلك القرارات قضائيا ودعا المجلس الوطني التأسيسي إلى تحمل مسؤولياته في هذه الظروف بإدراج قانون الهيئة الوقتية وجاء في البيان أيضا أن مصالح وزارة العدل قد انفردت بتهيئة الترتيبات السابقة لاجتماع المجلس الأعلى للقضاء المُنحلّ تمهيدا لإحيائه. وقد قامت في هذا الخصوص أولا بإفراد وكيل الدولة العام مدير المصالح العدلية بصفته مُقررا لأعماله بالتمديد في سن تقاعده في سابقة لا مثيل لها بعد الثورة بالنسبة للقضاة المباشرين، وثانيا بتسديد الشغورات المزعومة بالمجلس المذكور بطريقة سرية وإشراف مباشر وشخصي من وزير العدل، وثالثا بتولي الوزير صبيحة يوم 13 سبتمبر 2012 ترؤس اجتماع القضاة بصفته نائب رئيس المجلس الأعلى للقضاء المنحلّ قبل إطلاعه رئيس الجمهورية عشية نفس اليوم على نتائج القرارات المتعلقة بنقلة وترقية القضاة الصادرة عنه. وقد تم في خاتمة ذلك وبعد إصدار ما يُسمَّى بالحركة القضائية تنظيم اجتماع باهت برئيس الجمهورية بقصر قرطاج تحت عنوان «تكريم القضاة» حضره أساسا الأعضاء المعيَّنون بالمجلس المنحلّ وعدد من موظفي وزارة العدل إضافة إلى الملحقين القضائيين الواقع تسميتهم، كما نبه المرصد إلى أن تولّي السلطة القائمة إجراء حركة قضائية بمؤسسة مزيّفة وسيئة السمعة بدل إرساء مؤسسات ذات مصداقية يُعَدُّ استفزازا لمشاعر التونسيين عموما ومكوّنات العائلة القضائية خصوصا وتعدّيا سافرا على حق المواطن في قضاء مستقلّ. كما اتهم البيان ان ما يسمى بالحركة على حد تعبيره جاء نتيجة تواطؤ مفضوح بين وزارة العدل ونقابة القضاة وعدد من قضاة المجلس المنحلّ وبتغطية سياسية من رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة سعيا لمداومة الهيمنة على القضاء وخدمة لامتيازات قوى مُتنفذة في المؤسسة القضائية وخارجها. فاقدة لكل شرعية... وفي تطور لافت علمنا أن عددا من القضاة المشمولين بالحركة سيعلنون قريبا وفي تحرك جماعي عدم استعدادهم للإذعان لمقتضياتها وقد برر هؤلاء موقفهم بأنه لا يمكن المساس بأوضاعهم الوظيفية إلا من جهة مختصة وطبق إجراءات تتسم بالمشروعية وحتى لا تكون أعمالهم القضائية معرضة للإبطال وتمسكا بما تقتضيه حقوق المتقاضين وممارسة صلاحياتهم القضائية باستقلالية تامة واعتمادا على ذلك ينتظر أن يحافظ القضاة على وظائفهم الحالية وأن يتم إعلام المشرفين على إدارة المحاكم المعنية بضرورة تمكينهم من ذلك لعدم إمكانية الاحتجاج ضدهم بقرارات غير شرعية طبق تعليلهم هذا وقد دعت الجمعية الإعلاميين إلى ندوة صحافية تعقدها بمقرها يوم الخميس 20 سبتمبر في قصر العدالة وينتظر أن تعلن عن خطتها للتصدي للحركة الأخيرة. وقد علمنا أثناء كتابة هذه الأسطر أن الجمعية قررت بعد تقديم قضيتين إداريتين الأولى في إبطال مفعول الحركة والثانية في إيقاف تنفيذها وقد يتولى الأستاذ فوزي بن مراد محامي الجمعية أيام الانقلاب عليها سنة 2005 نيابة الجمعية في القضيتين.