لم تأت مبادرة الإتحاد العام التونسي للشغل من فراغ ولم تكن خدمة لأجندة معينة إنما هي إنحياز تام للوطن وتكريسا للوجود النقابي في المشهد العام بصفة أخص لأن الإتحاد ما كان مطالبا بمثل هذه المبادرة لو لا الفراغ المخيف الحاصل بالبلاد أمام عجز كل الأطراف أن تلعب أدوارها التي فوضها لها الشعب سواء لتلك التي تحكم البلاد مؤقتا أو من هم في صف المعارضة لقد تعامل النقابيون مع الجميع بنفس المنطق كل حسب موقعه و بقوا منهم على نفس المسافة فاسحين المجال لهؤلاء و أؤلائك أن يتحملوا مسؤولياتهم الوطنية منذ بداية الثورة و مباشرة بعد إنتخابات 23 أكتوبر 2011 حيث سارعت المنظمة العمالية الأكبر بالبلاد في المساهمة لفض المسائل العالقة و إيجاد الحلول الملائمة لجل الإشكاليات التي حدثت بعد هذه المرحلة لقد واصل الإتحاد مراقبته للأوضاع من زاوية نقابية إجتماعية وطنية فيها الكثير من الحيادية و عدم الإنسياق في التجاذبات السياسية التي تسارعت وتيرتها بين فرقاء اليوم حلفاء الأمس زمن بن علي و بورقيبة هذه الصراعات حاول بعضهم نقلها لساحة محمد علي في محاولة لإرباك المنظمة أمام تصاعد المطالب العمالية في عديد القطاعات و خاصة بالوظيفة العمومية التي يعود بعضها لإتفاقيات قديمة و بعضها الآخر جاء نتيجة إستحقاقات الثورة حيث تجاهلت هذه الأطراف بأنه في عداء الإتحاد و الإستهانة بثقله الإجتماعي مخاطرة فيها هدر للطاقات و تعطيل لعجلة النمو خاصة أمام الظروف الحرجة التي تمر بها البلاد بعد ما خلفته الثورة و ما تتطلبه المرحلة من إعادة بناء و تظافر الجهود لإنقاذ الوطن مما هو فيه و كادت هذه الصراعات المفتعلة أن تضع الإتحاد العام التونسي للشغل على عتبة أزمة لا تقل خطورة عن أزمتي 65 و 85 لو لا معالجة الأمر بشيء من الحكمة و روح الوطنية من المجموعة النقابية لإضاعة الفرصة عن المتربصين بالمنظمة لمحو بصماتها من سجل نجاحات الثورة التونسية فلم يجد القائمون على الشأن النقابي سوى طرح مبادرة للوفاق الوطني يجتمع فيها كل الفرقاء بالوطن على طاولة الإتحاد لتدارس الوضع الراهن و إيجاد الحلول المناسبة له كل من موقعه إستعدادا للإستحقاقات المقبلة و ما يتبعها جاءت هذه المبادرة بين معارضة المعارضين و تشكيك المشككين لكن صدق نوايا المخلصون من رجال الإتحاد العام التونسي للشغل و إصرارهم على إنجاح هذه المبادرة التي وضعت الجميع أمام مسؤولياتهم و التي تجاوب معها كل مكونات المشهد السياسي و المجتمع المدني دون إستثناء و هو في حد ذاته نجاح لها بقطع النظر على محاولات الإحراج التي إنتهجتها ( الترويكا ) في محاولة يائسة لإفشالها و مع ذلك يبقى الإتحاد هو المنتصر في مسعاه الوطني الذي أكد به موقعه المتقدم و أحقيته في معالجة كل القضايا الوطنية و قدرته في لعب الأدوار الأولى لمّا يحتاج الوطن لمن يقود قواه الحية نحو نزع فتيل الأزمة و قد أثبت الإتحاد العام التونسي للشغل أنه الأقدر على مثل هذا الحراك الجماعي الوطني الذي هو من ثوابته منذ فجر الإستقلال حيث مثل قارب النجاة للوطن لأنه الوحيد الذي قدم الكفاءات البشرية لتحمل المسؤولية عند تكوين أول حكومة بعد الإستقلال ثم المشروع إقتصادي و إجتماعي كخريطة طريق لحكومة بورقيبة الفتية التي تعوزها التجربة في الحكم و وضع المشاريع التنموية ذاك هو الإتحاد العام التونسي للشغل يُلبي نداء الوطن كلما حتمت الظروف ذلك يأخذ بزمام المبادرة و يضع الجميع أمام مسؤولياتهم ليس له من هدف سوى ضمان الإستقرار الإجتماعي و المصالح العُمّالية معلنا بأنه الرقم الأصعب في المعادلة و أنه يمثل السقيفة التي يأوي إليها من تختلط عليه السبل ذاك هو الإتحاد العام التونسي للشغل و سيضل ركنا أساسيا لا يستقيم بناء الوطن إلا به و هو مضمون الرسالة منذ بدايتها لمن هم اليوم في سدة الحكم و من سوف يأت من بعدهم .