إذا كان الاتحاد العام التونسي للشغل أول مؤسسة داخل نسيج المجتمع المدني وأكثره قوة وفاعلية، فكيف يتعاطى هذا المكون مع بقية المكونات وعلى أية أرضية وخلفية ووفق أي أسلوب ومنهج ولأي اهداف يعمل ؟ للإجابة عن هذه الاسئلة لا بد من توضيح أولا مفهوم المجتمع المدني من وجهة نظر القيادة النقابية ثم الوقوف عند الاطار القانوني أو التشريعي المنظم للجمعيات في تونس ومن ثمة السعي الى ملامسة مجالات التقاطع والتكامل بين الاتحاد العام التونسي للشغل ومنظمات المجتمع المدني. يرى الأخ محمد الطرابلسي الامين العام المساعد المسؤول عن العلاقات الدولية والهجرة «أن المجتمع المدني هو مجتمع مدن أساسا، يرتبط نشوؤه بظهور التجمعات الحضرية الكبرى أو المدن التي تجمع الوافدين عليها من مختلف الانتماءات القبلية والاثنية والعرقية والدينية فينشئ الناس بها مؤسسات ادارية لا نفعية وتطوعية لتنظيم علاقاتهم الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والدفاع عن حقوق ومصالح مشتركة، وتكون هذه المؤسسات بديلا من الأطر الانتمائية التقليدية القديمة التي ينحدر منها الناس، لذلك فهي مؤسسات ينخرط فيها هؤلاء الناس وينسحبون منها ويُنشئونها ويحلونها متى ارادوا وذلك على نقيض الاطر والمؤسسات الانتمائية الاخرى في المجتمع البدوي أوالقروي والتي يولد الفرد فيها منتميا لها بالطبيعة ومندمجا فيها بالولادة ولا يستطيع الانسحاب منها متى أراد .. ولذلك فإنه ليس من الصدفة ان اشتقت تسمية المجتمع المدني من كلمة مدينة .. وخلاصة قول الأخ الطرابلسي ان المجتمع المدني هو هذا النسيج من الهيئات المختلفة والافراد المستقلين عن الدولة واجهزتها والعاملين في المجالات الاجتماعية والثقافية والحقوقية والتربوية والاقتصادية والصحية والبيئية والشبابية والنسوية والخيرية وغيرها.. القانوني والتشريعي يرى الاستاذ عبد الرحمان كريم ان تكوين الجمعيات هو حق دستوري نص عليه الفصل 8 من الدستور، وقد دعم الفصل الخامس منه ذلك بصفة غير مباشرة لما اعتبر ان الجمهورية تضمن الحريات الاساسية وبما ان الحريات تشمل من بينها حرية تكوين الجمعيات يكون هذا الحق محفوظا ومصونا من طرف الدولة. ويضيف الاستاذ كريم أن الميثاق الوطني قد اوضح ذلك بصراحة، حيث نص انه على الدولة ضمان الحريات الاساسية الاخرى كحرية الاجتماع وحرية تكوين الجماعات والاحزاب. كما اعتبر ان المنظمات الاجتماعية والمهنية قوام المجتمع المدني..» ويبيّن الاستاذ عبد الرحمان كريم أن الاقرار الدستوري للمواطن بهذا الحق قد كرسته المادة 22 من العهد الدولي الخاص للحقوق المدنية والسياسية الناص على انه لكل فرد حق في حرية تكوين الجمعيات مع الآخرين وتتم ممارسة هذا الحق طبقا للقانون، ولم يتأخر القانون المنظم لتأسيس الجمعيات كثيرا فلقد صدر في 7 / 11 / 1959القانون عدد 154 لسنة 1959 تعلق عنوانه بالتكوين والادارة وعنوانه الثاني بالتتبعات والعقوبات . عناصر الالتقاء والتقاطع يذهب الأخ المنجي العمامي منسق قسم الدراسات والتوثيق بالاتحاد العام التونسي للشغل ان مبدأ «التقاطع والتكامل لا يعني النقابات فقط، ولكن مختلف مكونات المجتمع المدني، فكل مكون من مكوناته يتكامل مع غيره في الرغبة في تعديل الاوضاع والقواعد أوتغييرها كل حسب موقعه. وكل مكون له خصائصه المميزة، والمهم بالنسبة الينا كنقابات ان نستند في علاقاتنا مع النسيج الجمعياتي الى الشروط المرتبطة بالشرعية الاخلاقية والديمقراطية والتكافل الاجتماعي، وهي لعمري شروط تلتقي في جوهرها مع القيم والمبادئ التي تأسس عليها الاتحاد العام التونسي للشغل والنقابات عموما..». ويضيف الأخ العمامي «ان المهم ان يعي كل كيان من هذه الكيانات خصوصياته لا من منطق التنافس أوالمكابرة بالعدد والعدة، بل من منطلق الحرص على الالتزام بمبدإ تكامل الادوار فيما بين مكونات المجتمع المدني ومن منطلق البناء في احكام تقاسم المسؤولية والأدوار والمهام ..». ويبين الأخ العمامي «انه استنادا الى هذه الاعتبارات فان النقابات بحكم خبرتها وتجربتها في مجال التعديل الاجتماعي ومن منطلق الشرعية التاريخية التي اكتسبتها بكثير من التضحيات والمعاناة ، تراها شديدة الحذر في تعاملها مع فسيفساء المجتمع المدني الذي لا يخلو من متطفلين ومن مرتزقة ومن متواطئين سواء مع اوساط المال والاعمال أو مع الحكومات لتلميع الصورة بعد ان نالها التشهير والإدانة. الاهداف والاستراتيجيات تبرز أهداف الاتحاد العام التونسي للشغل في علاقاته بمكونات المجتمع المدني انطلاقا من مختلف المحطات السابقة: اجتماع 7 جوان 2003 الذي نادى به قسم المرأة والشباب العامل والجمعيات والذي حضرته مجموعة من الجمعيات المستقلة ومكونات المجتمع المدني. موقف المكتب التنفيذي الوطني المتبني للمشاركة مع بقية فعاليات المجتمع المدني في بعث منتدى اجتماعي تونسي. اليوم التشاوري الذي نظمه الاتحاد الجهوي للشغل بالمهدية يوم 20 فيفري 2004. الندوة النقابية الوطنية التي نظمتها اقسام التكوين النقابي والتثقيف العمالي والمرأة والشباب العامل والجمعيات والعلاقات الخارجية والهجرة بالحمامات من 28 الى 30 نوفمبر 2005. الندوة النقابية الجهوية التي نظمها الاتحاد الجهوي للشغل بالقيروان يوم 18 ديسمبر 2005. اللقاء الجهوي الذي نظمه الاتحاد الجهوي للشغل بجندوبة يوم 28 ديسمبر 2005. ويشمل تمشي الاتحاد العام التونسي للشغل ثلاث مراحل أساسية: صياغة المقترح النقابي التشاور مع الجمعيات المستقلة ومكونات المجتمع المدني والشخصيات المهمة بمسار بعث منتدى اجتماعي تونسي. الدخول في المرحلة الاخيرة من الاعداد المادي والعملي لانجاز المنتدى. ووفق هذه الارضية المعتمدة على العمل الجهوي والاهلي وضمن رؤية الاتحاد العام التونسي للشغل لطبيعة العلاقة التي يمكن ان تحكم مع بقية مكونات المجتمع، أدرج المجلس العلمي بقسم الدراسات والتوثيق التابع للاتحاد العام التونسي للشغل محور علاقة الاتحاد العام التونسي للشغل مع المجتمع المدني ضمن برنامجه العلمي والأكاديمي والنضالي حيث ينكب تحت اشراف الأخ محمد السحيمي الأمين العام المساعد المسؤول عن الدراسات والتوثيق على تعميق الرؤى النظرية والعلمية حول هذا الموضوع حتى يأخذ طابعا استراتيجيا متكامل العناصر واضح الأهداف والمرامي صلب خيارات الاتحاد العام التونسي للشغل، ولعلّ اجتماع المجلس العلمي الذي يضم خبراء وباحثين واساتذة جامعيين من مختلف الاختصاصات والمنعقد يوم الجمعة الماضي يتنزل ضمن الوعي العلمي المكثف لهذه المسألة التي لنا فيها عودة في اعدادنا القادمة من «الشعب».