اذا لم تتقدّم خطوة فانت تتأخر خطوات! هذا المثل يجب ان يكون ناقوس خطر ندّقه اليوم اكثر من أي وقت مضى في بلادنا ليكون فرصة لخلخلة العشر من الثوابت في علاقة المرأة بالنضال وبالدور الطلائعي الذي يجب ان تقوم به في الدّفع نحو تحقيق المزيد من المكتسبات القانونية والسياسة والاقتصادية وفي هذا ارتباط بثقافة الديمقراطية والحداثة والتطوّر التي يسعى البعض إلى سحقها رجوعا بنا إلى الوراء وفي هذا الصدد لابدّ من الاعتراف بأن حضور المرأة في سوق الشغل بكثافة لا يعني بالضرورة نسبة انتمائها إلى النقابات فالاختلاف واضح وجلي بين كلا الامرين لانّ وزنها ضمن القوى العاملة لا يعكس البتة مدى تواجدها النقابي خاصة في ظلّ غياب كلّي لحضورها في مراكز سلطة القرار وحضور متواضع جدّا ومتدنٍّ لها في المراكز الوسطى والسّفلى واذا كنّا بصدد تشكيل ملامح لمشروع المجتمع المدني الذي نطمح ان يكون حداثيا ديمقراطيا فانه لابد ان نبادر بوضع اليد على الدّاء اي العراقيل والصعوبات التي لا توفر مناخا سليما لحضور حقيقي ومكثف للمرأة داخل النقابات والبحث عن الحلول المجدية والملائمة لنمط المرحلة ومن ثمّ ايجاد آليات لتفعيل هذه الحلول على أرض الواقع لتكون أكثر نجاعة. لذلك لابدّ من وضع الموضوع في إطاره بطرح الاشكاليات المتعاقبة التالية: أوّلا: ماهي العراقيل لتمثيلية اوسع للمرأة داخل هياكل الاتحاد؟ ثانيا: ماهي الحلول الناجعة لتخطي هذه العراقيل؟ ثالثا: ماهي الآليات التي يمكن تفعيلها لتخطي هذه العراقيل؟ الحديث عن العراقيل يجرّنا الى تصنيفها وجدولتها في اطارها العام الى معيقات خارجية وأخرى داخلية.. بما أنّ الشرط الأوّل لكل انتساب نقابي هو العمل اللاّئق فانه يبدو ان هذا الشرط هو العائق الاكبر الذي يحول دون انتساب المرأة للعمل النقابي خاصة مع نظام العولمة والسياسات المنجرة عنه كخصخصة الانشطة الاقتصادية وهشاشة التشغيل فانسحاب الدّولة من الحياة الاقتصادية والتنازل عن عديد المؤسسات لفائدة الخوّاص اديا الى فصل مكثف للعمّال ولجوءٍ أكبر الى اشكال العمل والوقتي وقد كانت الانعكاسات السلبية لهذه السياسة اشدّ وطأة على النساء لأنهنّ الاكثر عرضة للعمل الهش وانعدام الامن الوظيفي وحتى البطالة مما يدفعهن بالضرورة الى تفادي الانتساب النقابي خوفا من فقدان العمل في ظلّ تدني كامل للوعي واذا أضفنا الى كل هذا انعدام التكافؤ في تقاسم المسؤوليات داخل البي والعمل المضاعف الذي يكبّل المرأة والذي انثبتت الاحصائيات الاخيرة بانّ النساء التونسيات يخصصن 5 ساعات ونصف يوميا لمهام والمسؤوليات المنزلية مقابل 30 دقيقة للرّجل اضافة الى انعدام التجهيزات الجماعية المناسبة داخل العمل كالحضانات والمطاعم والمغاسل فانّ كل هذه الاسباب تكاد تعجل من انتساب المرأة للعمل النقابي امرا مستحيلا وفي المقابل تبدو المعوّقات الداخلية اكثر خطورة لاننا هنا بصدد مواجهة نموذج لعمل نقابي تقليدي بطرقه وأساليبه وايقاعاته الزمنية فهو عمل ذكوري بامتياز تغذية علاقات لا متكافئة تكرّس اللامساواة والتهميش والوصاية ويقلل من قيمة نشاط المرأة داخل الاتحاد ويتمثل خاصة في: انعدام الثقة في كفاءة المرأة. نوعية سير العمل والديمقراطية الداخلية التي لا تراعي ظروف المرأة في توقيت حضور الاجتماعات والهيئات الادارية. التقليل من قيمة عمل المرأة ومساهمتها، داخل الاتّحاد فلئن حضرت النقابيات ضمن عديد تشكيلات النقابات الاساسية فانّ عددهنّ يبقى اقل داخل كلّ هيئة نقابية أساسية مهما بلغ وزنهنّ داخل القطاع وعددهنّ بين المنخرطين ولا تتحملن الا نادرا مسؤولية الكتابة العامّة وان تحملنها فإنّ ذلك يكون محفوفا بعديد المشاكل المفتعلة للتقليص من حجمها وكفاءتها وشخصيا ارشح ذلك إلى البعد المغري والسياسي داخل المنظمة الذي بقدر ماهو مصدر ثراء بقدر ما هو موّلد لتناقضات مشلّة للسير العادي للعمل ومعرقل لحضور المرأة بصفة مستقلة بعيدا من كل تجاذبات حزبية وفكريّة. كلّ هذه الاسباب تدعونا للتفكير بجديّة في حلّ مناسب لتجاوز خطورة هذا الوضع حتى وان كان ذلك باعتماد جدولة زمنية تدريجية يقصد بها نوع من التمييز الايجابي الذي يمنح للمرأة فرصة أكثر للتواجد باعتماد نظام الكوبا والمقاعد المخصّصة لتمثيلية المرأة وذلك بتخصيص مقاعد للنساء بهياكل اتخاذ القرار بتحديد عدد معيّن على مستوى كل هيكل يسند بصورة آلية ويقع ادراجه في فصول ضمن النظام الدّاخلي للإتحاد يقع التوافق عليها خاصة ان مؤتمر طبرقة أسسّ للشرعية القانونية لهذا المبدأ من خلال لوائحه وهذا ما يفتح المجال لصلوحية اخلاقية سياسية وقانونية لفتح هذا الملف بشكل رسمي وجدّي لانه ملف قديم جديد طالما بطرح على الساحة النقابية ولكنه سيتسم اليوم باكثر جدية من خلال تطبيقه وتفعيله على أرض الواقع بتنقيح بعض فصول النظام الداخلي صلب المجلس الوطني المزمع عقده في ديسمبر من هذا العام هذه البادرة وهذا المشروع يجب ان يحظى بتشجيع ومساندة من قبل كل النقابيين الذين تكلموا كثيرا وناقشوا أكثر مسألة تواجد فعلي للمرأة داخل هياكل الاتحاد اعتبارا أن المرأة تعدّى الآن مرحلة الرغبة والتمنّي والأمل الى مرحلة التفعيل الحقيقي الذي يجب ان يكون مشفوعا بعديد الآليات لمزيد من النجاعة والإفادة وذلك بتفعيل المقترحات التالية استئناسا بتجارب الدول التي سبقتنا في هذا المضمار والتي نجحت نجاحا كليا في تطبيق وتفعيل وانجاح مبدأ الكوتا وذلك من خلال القيام بحملات تشجيع للنساء على تقديم ترشحاتهن. تكوين مدرسة نقابية تعنى بتكوين المرأة النقابية من مجال التفاوض والتصرّف في الموارد البشريّة. انشاء مدرسة خاصة بالمسيّرات النقابيات في هيئات التسيير. العمل على تحسين ظروف عمل المرأة النقابية بتوفير المرافق الاجتماعية اللازمة في مقرات عملها والضامنة لتحسين مردوديتها. كلّ هذه الآليات من شأنها ان تجعل الحلم الذي روادنا طويلا يصبح واقعا حقيقيا يمكن المرأة في مرحلة متقدّمة من اقتلاع مكانتها الحقيقية عن جدارة وكفاءة متجاوزة بذلك مرحلة الكوتا الى مرحلة التواجد الحقيقي والفاعل.