برغم الريح والبرد الشديدين اللذين ميّزا نهاية الاسبوع الفارط فان قاعة الاجتماعات الكبرى بالاتحاد الجهوي ببن عروس قد غصت بالرواد اللذين جاؤوا للاحتفال بذكرى اليوم العالمي للمرأة... ازدانت الجدران بمعرض صور ومعلقات ترمز لنضالات المرأة العاملة في كل مكان... صور رصدت صمود النساء في وجه آلة الاستغلال والحرب... صور للنساء ضحايا المجازر في فلسطين وفي جنوب لبنان... صور للنساء ضحايا العنف صور للنساء الشامخات الصامدات... اللواتي نحي ذكرى نضالاتهن للاعتبار ولتجديد العهد على مواصلة السير في طريق تشرّب دمائهن المناضلة. الاجتماع الذي ميز هذا الاحتفال افتتحته الاخت «شيراز الخياري» المنسقة الجهوية لمكتب المرأة العاملة مرحبة بكل الحاضرين والحاضرات موكدة ان يوم 8 مارس هو ذكرى عزيزة في قلب كل امرأة وكل رجل يؤمن ان الخيار النضالي لمواجهة الاستغلال والقمع هو خيار مشترك وان المرأة والرجل هما فرعان لشجرة واحدة صامدة تواجه ريح العولمة العاتية... اما الاخت وسيلة العياشي المكلفة بالمرأة والشباب العامل والاعلام والحريات في الاتحاد الجهوي ببن عروس فقد رحبت ايضا بالجميع وأشارت الى ان تجربتها داخل المنظمة قد رسخت لديها القناعة بأن نساء تونس العاملات هن «نساء ونصف» كما قال الشاعر أولاد أحمد. فالمرأة العاملة هي امرأة مناضلة، امرأة ترفض الظيم وتأبى الركوع... تأبى الاستجابة لقوانين رأس المال المجحفة التي تهدد كرامة العمال... لذلك فلا خير من هذه المناسبة لتحية النساء العاملات الصامدات وتثمين صمودهن في كل موقع عمل وفي كل جهة من هذه الارض المعطاء... وأكدت ان احتفالاتنا هذه لا تنسينا ما تتعرض له النساء العربيات في العراق وفلسطين... الاخت منجية الزبيدي منسقة اللجنة الوطنية للمرأة العاملة التي حلت ضيفة على هذه الاحتفالية أضافت ان هذه الذكرى العزيزة يجب ان تكون فرصة لتجدد خلالها العزم على العمل من اجل ان تتبوأ المرأة مواقع قيادية داخل هياكل المنظمة وهكذا لن نكون في حاجة للجان للمرأة العاملة... شهادات وابداع بعد هذه الكلمات الترحيبية والتأطيرية تم عرض شريط سينمائي قصير من اخراج المبدع المخرج «رضا بن حليمة» مدته 23 دقيقة بعنوان المرأة والعمل النقابي وهو من انتاج الاتحاد الجهوي للشغل ببن عروس... وقد انطلق الشريط بأداء الفنان جمال قلة لأغنية «نساء بلادي» للشاعر محمد الصغير أولاد أحمد، ثم تضمن شهادات لنقابيات من مختلف القطاعات والمستويات من النقابات الاساسية الى الجامعات واللجان... وقد فسح المجال خلال هذا الشريط للنساء للتعبير بكل حرية عما يخالج أنفسهن وعن قراءتهن لواقع المرأة داخل المنظمة ومعيقات عملهن النقابي... الشريط كان عملا فنيا توثيقيا متميزا بذل فيه المخرج رضا بن حليمة جهدا واضحا وهذا ليس غريبا عنه فقد سبق له وان أنجز أعمالا توثيقية ترصد نضالات العاملات. المرأة والعمل النقابي الاخ عبيد البريكي الامين العام المساعد المكلف بالتكوين والتثقيف النقابي قدم محاضرة عن واقع المرأة داخل النقابات مستعرضا ما هو موجود اليوم راصدا معيقات بلوغ المرأة مواقع قيادية مشيرا الى حالة الجزر والتراجع التي يعيشها العمل النقابي في كل مناطق العالم، وقد قدم مداخلته بشكل منهجي ومبسط أجاب خلالها عن أربع أسئلة هي: هل تحتاج المرأة الى هيكل نقابي يدافع عنها. هل تحتاج النقابات الى المرأة. ما هي العراقيل التي تحول دون انتساب المرأة للنقابات وما هي آليات ادماجها في العمل النقابي. وقد قدم أرقاما تعكس واقع حركة العمل اليوم منها ان أغلب المشتغلين في القطاع غير المنظم من النساء وان أجورهن اقل من الرجال بما يتراوح بين 20 و 30 وأن 80 من الرجال في سن العمل يشغلون وان 54 من النساء فقط في سن العمل يشتغلن، كما بيّن تزايد ظاهرة الهجرة غير الشرعية في صفوف النساء وتقلص فرص التعليم لديهن كما أكد ان احتياطي العمل قد بات اليوم يتكون من الشباب خريج الجامعات ومن النساء... وهذه كلها أوضاع تؤكد حاجة النساء للانخراط في النقابات وحاجة النقابات الى النساء لأن مصداقية النقابات هي في تبني قضايا العمال والعاملات والعمل على حلها. أما عن معيقات ادماج النساء في النقابات فهي كثيرة ومنها الخوف من الطرد في ظل علاقات شغلية هشة وهيمنة الثقافة الذكورية وعدم توفر الوقت الكافي وسيطرة العادات والتقاليد والانغلاق الفكري الذي يميز بعض القيادات وارتفاع معاليم الانخراط وهيمنة الطابع البيرقراطي على بعض النقابات... وقد انتهى الاخ عبيد البريكي مداخلته بالاشارة الى المحطات النيّرة التي عرفتها بلادنا في علاقة بوضعية المرأة ولعل اهمها فكر الطاهر الحداد خلال الثلاثينات ومجلة الاحوال الشخصية في الخمسينات وهي علامات تحتم علينا التساؤل عن واقع التراجع الذي تعرفه المرأة داخل النقابة الذي يعتبر سيرا الى الخلف ضمن سيرورة الاشياء. وأكد ان التمييز الايجابي للمرأة باقرار «الكوتا» قد يبدو حلاّ ملائما في ظل مثل هذا الواقع اليوم. وبعد مداخلة الاخ البريكي استمع الجمهور الى بعض الاغاني الملتزمة من أداء منخرطي نادي الموسيقى بالاتحاد الجهوي ثم دار نقاش بين الحضور قبل ان يتم تكريم ثلاث نساء من الحزام النقابي القاعدي من الاخوات: حبيبة الوسلاتي من قطاع النسيج جميلة الجديدي من قطاع الشباب والطفولة راضية الجدّي من قطاع التعليم الثانوي