أخبار المال والأعمال    بسبب فشل سياسة الدولة وارتفاع الأسعار مئات آلاف العائلات محرومة من حلم امتلاك مسكن !    في تظاهرة الأسبوع الأخضر المتوسطي ..150 مسؤولا وخبيرا يستعرضون حلولا ل«مستقبل مستدام» بمنطقة المتوسط    اللجنة القارة لأمن الطاقة والثروات الطبيعية المحدثة لدى المجلس الأمن القومي تدرس سبل دفع قطاع الفسفاط    بورصة تونس .. مؤشر «توننداكس» يبدأ الأسبوع على انخفاض طفيف    البنوك تستوعب 2.7 مليار دينار من الكاش المتداول    أبرز اهتمامات الصحف التونسية ليوم الاربعاء 15 ماي 2024    البريد التونسي يصدر طابعا جديدا غدا الخميس احتفاء بعيد الأمهات    وزارة المالية تكشف عن قائمة الحلويات الشعبية المستثناة من دفع اتاوة الدعم    الأكثر سخونة منذ 2000 عام.. صيف 2023 سجل رقماً قياسياً    صورة/ أثار ضجة كبيرة: "زوكربيرغ" يرتدي قميصًا كُتب عليه "يجب تدمير قرطاج"..    من بينهم طفلان: قوات الاحتلال الصهيوني تعتقل 20 فلسطينيا من الضفة الغربية..#خبر_عاجل    أخبار النجم الساحلي .. ضغط على الجويني وتبرعات بربع مليار    أخبار النادي الصفاقسي .. المخلوفي يخطط للبقاء إلى 2030    مكتب مدنين : غدا استكمال الحصص التوعوية للحجيج    مفزع/ حوادث: 20 حالة وفاة خلال 24 ساعة..    ما حقيقة سرقة سيارة من مستشفى القصرين داخلها جثة..؟    عاجل : الفيفا تعلن عن الدولة التي ستستضيف كأس العرب    عقوبة ب20 مليار لشركة المشروبات ''SFBT''    تونس تهدف للتقليص ب60 % من النفايات    عاجل - مطار قرطاج : العثور على سلاح ناري لدى مسافر    تصفيات مونديال 2026: حكم جنوب افريقي لمبارة تونس وغينيا الاستوائية    غوارديولا يحذر من أن المهمة لم تنته بعد مع اقتراب فريقه من حصد لقب البطولة    اخر مستجدات قضية سنية الدهماني    زلزال بقوة 5.1 درجات يضرب هذه المنطقة..    في مسابقة طريفة بصفاقس.. صناع الخبز يتنافسون على نيل شرف أفضل صانع خبز !    أنشيلوتي يتوقع أن يقدم ريال مدريد أفضل مستوياته في نهائي رابطة أبطال أوروبا    عاجل/ مع انتهاء آجال الاحتفاظ: هذا ما كشفه محامي مراد الزغيدي..    الرائد الرسمي: صدور تنقيح القانون المتعلق بمراكز الاصطياف وترفيه الأطفال    ارتفاع عدد قتلى جنود الإحتلال إلى 621    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    صفاقس: ينهي حياة ابن أخيه بطعنات غائرة    ضجة في الجزائر: العثور على شاب في مستودع جاره بعد اختفائه عام 1996    كيف سيكون طقس اليوم الأربعاء ؟    الأهلي يصل اليوم الى تونس .. «ويكلو» في التدريبات.. حظر اعلامي وكولر يحفّز اللاعبين    أول أميركية تقاضي أسترازينيكا: لقاحها جعلني معاقة    الرئيس الايراني.. دماء أطفال غزة ستغير النظام العالمي الراهن    "حماس" ترد على تصريحات نتنياهو حول "الاستسلام وإلقاء السلاح"    ماذا في لقاء وزير السياحة بوفد من المستثمرين من الكويت؟    البرمجة الفنية للدورة 58 من مهرجان قرطاج الدولي محور جلسة عمل    للسنة الثانية على التوالي..إدراج جامعة قابس ضمن تصنيف "تايمز" للجامعات الشابة في العالم    هل الوزن الزائد لدى الأطفال مرتبط بالهاتف و التلفزيون ؟    تونس تصنع أكثر من 3 آلاف دواء جنيس و46 دواء من البدائل الحيوية    قابس : اختتام الدورة الثانية لمهرجان ريم الحمروني    بن عروس: جلسة عمل بالولاية لمعالجة التداعيات الناتجة عن توقف أشغال إحداث المركب الثقافي برادس    الكاف: حريق اندلع بمعمل الطماطم ماالقصة ؟    سوسة: تفكيك شبكة مختصّة في ترويج المخدّرات والاحتفاظ ب 03 أشخاص    وادا تدعو إلى ''الإفراج الفوري'' عن مدير الوكالة التونسية لمكافحة المنشطات    أول امرأة تقاضي ''أسترازينيكا''...لقاحها جعلني معاقة    في إطار تظاهرة ثقافية كبيرة ..«عاد الفينيقيون» فعادت الحياة للموقع الأثري بأوتيك    بادرة فريدة من نوعها في الإعدادية النموذجية علي طراد ... 15 تلميذا يكتبون رواية جماعية تصدرها دار خريّف    نابل..تردي الوضعية البيئية بالبرج الأثري بقليبية ودعوات إلى تدخل السلط لتنظيفه وحمايته من الاعتداءات المتكرّرة    نور شيبة يهاجم برنامج عبد الرزاق الشابي: ''برنامج فاشل لن أحضر كضيف''    مفتي الجمهورية... «الأضحية هي شعيرة يجب احترامها، لكنّها مرتبطة بشرط الاستطاعة»    أولا وأخيرا: نطق بلسان الحذاء    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



موضوعية التشخيص وطموح التطلعات
الوضع التنموي بولاية سليانة وشروط التجاوز

تعالت أصوات بعض المسؤولين هذه الأيّام عندما انفجرت احتجاجات ولاية سليانة، بأنّ النقابيين يفتقدون إلى البرامج والمقترحات وليس لهم بدائل وأنّهم لا يفعلون غير الاحتجاج،، وللردّ على هذا الجهل بما أعدّه الاتحاد من دراساتمنذ فترة طويلة قبل الثورة، نقدّم تلخيصا للدراسة التي أعدها الاستاذان سامي العوّادي وفتحي السلاّوتي، في انتظار نشرها وتمكين رئاسة الحكومة منها، بعد أن تمّ تمكينها من دراسات أخرى حول بعض الجهات.
تشخيص سريع للتنمية البشرية بولاية سليانة
يبلغ عدد سكان ولاية سليانة، 233986 نسمة في سنة 2010 يمثلون 19% من سكان الشمال الغربي و2.2% من مجموع السكان التونسيين ويعيش بها 55355 أسرة يعتبر مستوى عيشها من ضمن المستويات الأكثر تدنيا في البلاد حيث لا يمتلك سيارة إلا 9.6% من الأسر(22.5% وطنيا) و11.8% فقط يمتلكون هاتف قار (26% وطنيا) و8.5% فقط يمتلكون حاسوب (16.3% وطنيا) ولا يرتبط إلا 10.1% بشبكة الانترنات (17.5% وطنيا). حوالي 30% من السكان ما فوق 10 سنوات ليس لهم اي مستوى تعليمي ينقسمون إلى 70% إناث و30% ذكور، فإذا أضفنا إليهم 35% لا تتجاوز دراستهم المستوى الابتدائي، فإن إمكانيات الاندماج الاجتماعي لا سيما في سوق الشغل تطرح إشكاليات جادة.ونتيجة لذلك بلغت نسبة الأمية بولاية سليانة 29.2% من نفس الفئة العمرية مقابل 19% وطنيا و10.4%في بن عروس مثلا. كما أن نسبة التزود بالماء الصالح للشراب لا تتجاوز 61% من الأسر مقابل 85% على مستوى وطني وتنخفض هذه النسبة إلى 33% في الوسط غير البلدي. وتشكو سليانة من نقص فادح في شبكة الطرقات إزاء متطلبات تنقل السكان وخاصة السلع. أقل من 200 كلم من الطريق الوطنية المعبدة ولا شيء في بوعرادة، وقعفور والعروسة التي تكتفي بالطريق الجهوية المعبدة، وتطغى على الشبكة المسالك الفلاحية خاصة غير المعبدة، وهو ما يحيلنا مرّة أخرى إلى أحد أهمّ عوائق التنمية في الجهة وهو عزلتها فيما بينها وإزاء أجوارها. ولا يتوفر بسليانة الا طبيب واحد لكل 1800 ساكن مع فوارق كبرى بين المعتمديات (759 ساكن للطبيب الواحد في مدينة سليانة مقابل 4440 في كسرى) كما هنالك 1.5 سرير لكل ساكن مع وجود فوارق بين المعتمديات (3.7 في مدينة سليانة مقابل 0.2 في بورويس ولاشيء في العروسة).ولا توجد بسليانة أية قاعة سينما.
تشخيص سريع للوضع الاقتصادي والاجتماعي بالجهة
تفيد آخر معطيات المعهد الوطني للإحصاء بأن :
- النسيج الإقتصادي بولاية سليانة يتكوّن سنة 2009 من 8007 منشأة خاصة إضافة إلى بعض فروع المنشآت العمومية، وتحتل سليانة الرتبة 18 من ضمن 23 ولاية مرتبة حسب كثافة نسيجها الاقتصادي قبل ولايات زغوان وتوزر وقفصة وتطاوين.
- الصناعات المعملية التي تعتبر المحرّك الرئيسي للنمو وأكبر مصدر لخلق مواطن الشغل ضعيفة المكانة وهشة الهيكلة، إذ ينحصر التشغيل فيها في حدود 8% مقابل 18.2% كمعدل وطني و27.7% في سوسة مثلا وحيث لا تمثل هذه الأنشطة إلا 7.2% من مجمل المنشآت الخاصة مقابل 20% في صفاقس؛ حوالي 95% من هذه المنشآت لا تشغل أجراء، يعني أنها منشآت فردية (حلاق، نجار، خبير)، 9 منشآت فقط من جملة 8007 منشأة تشغل أكثر من 50 أجير مقابل 308 منشأة في صفاقس و 43 منشأة تشغل ما بين 10 و50 أجير مقابل 1165 منشأة في صفاقس.
- المهن الصغرى والمنشآت الفردية تهيمن على أنشطة التجارة خاصة تجارة التفصيل والخدمات الأخرى مثل الصيانة، وتمثل هذه الأنشطة 52.5% من المنشآت الخاصة مقابل 39.6% في صفاقس؛
- الخدمات العمومية مثل التعليم والصحة ضعيفة لاتتجاوز 1.6% مقابل 4% في صفاقس.
- السياحة غائبة تماما رغم وجود معطيات موضوعية تؤكد إمكانية تطوير هذا القطاع، حيث يوجد نزل واحد في مدينة سليانة ومطعم سياحي واحد في الكريب.
- تمثل الفلاحة أهمّ نشاط اقتصادي في الجهة وأكبر مصدر للتشغيل حيث يشتغل في هذا القطاع 44.5% من سكان الجهة مقابل 17.5% كمعدل وطني، وهذه مسألة طبيعية بالنظر إلى طبيعة اقتصاد الجهة، لكنها تطرح السؤال حول مدى إتاحة التشغيل الفلاحي لدخل قار يمكن الأسر من مستوى معيشي محترم، ويبرر هذا السؤال بالطبيعة الموسمية للعمل الفلاحي ولهشاشة العلاقات الشغلية بقطاع الفلاحة.
- وإذ يلاحظ أن قطاع الخدمات أصبح في الحقبة الأخيرة من أكبر القطاعات المشغلة بفضل ظهور خدمات جديدة مرتبطة بالتكنولوجيات الجديدة للاتصال والمعلومات، فإن الأمر يختلف عن ذلك في ولاية سليانة، إذ تمثل الوظيفة العمومية 63% من التشغيل في قطاع الخدمات (تعليم، صحة،...)
- ونتيجة لذلك تتجاوز نسبة بطالة ب18.6% مقابل 11% في نابل مثلا. إلا أن هذه النسبة ترتفع إلى حوالي 33% بالنسبة للفئة العمرية 15-29 سنة و28% من 30 إلى 34 سنة، وهي فئات الشباب. ويعتبر ضعف المستوى التعليمي للعاطلين عن العمل خاصية مزعجة للبطالة في جهة سليانة إذ يمثل الذين لا مستوى تعليمي لهم 8.2% من مجموع العاطلين من مقابل 5.7% على مستوى وطني و2.2% في صفاقس مثلا، وهو ما يمثل عائقا للاندماج في سوق الشغل أو للتأهيل المهني. وتبدو نسبة بطالة حاملي شهائد التعليم العالي مرتفعة جدّا شأنها في ذلك شأن جلّ الجهات الداخلية ويتوزع أغلب العاطلين على الاختصاصات صعبة الإدماج مثل الحقوق، والاقتصاد، الآداب...ونلاحظ أخيرا أن 25% من العاطلين متزوجين وأن 33.3% منهم طالبي لشغل لأول مرة أي لم يشتغلوا أبدًا وليس لهم تجربة مهنية تيسّر إعادة إدماجهم، وأن مدة البطالة تفوق بالنسبة ل57% منهم سنتان. إن هذا التشخيص يحيلنا من جانب آخر إلى ضعف المبادرة الخاصة في ولاية سليانة وهذا يعود إلى أسباب عديدة في مقدمتها عزلة الجهة بفعل عدم تطور شبكة المواصلات البرية والحديدية وعدم وجود البنية التحتية الضرورية التي تكاد تنعدم في بعض المعتمديات مثل الروحية وكسرى والعروسة وبرقو إضافة إلى الكريب وبورويس. كما يحيلنا التشخيص الى ضعف السوق الداخلية المحفزة على الاستثمار والإنتاج، وقد لا يغيب عن هذه الأسباب ضعف الإحاطة بالباعثين من طرف الإدارة وعدم تطور عقلية المبادرة لدى أبناء الجهة. والإشكال التي يطرح هنا أنه لا مجال إلى الاعتقاد في إمكانية تنشيط سوق الشغل اعتمادا على تنشيط المنشآت المنتصبة حاليا، بل يجب التفكير جدّيا في الإمكانيات المتاحة لإعادة تصنيع الجهة.
إمكانيات التجاوز والانتعاش الاقتصادي
يبدو واضحا من تشخيص الوضع الاقتصادي أن ولاية سليانة مازالت عذراء صناعيا أو تكاد وما زالت في الولاية فرص الاستثمار متوفرة في كل معتمدياتها وفي كافة المجالات سواء ما تعلق منها بالخدمات أو بالفلاحة أو بالصناعة بمختلف قطاعاتها. و مازالت الجهة بعيدة جدا عما يسمى بالإشباع الاقتصادي la saturation économique الذي تتكرر فيها المشاريع المتشابهة و المتنافسة بما يهدد مردوديتها. وبالتالي فالاقتصار على الممكن إنجازه حاليا دون تطوير للشروط الموضوعية لدفع الاستثمار الخاص المحلي والأجنبي لن يفضي إلى تنمية حقيقية ومستمرة للجهة بل إلى تحسينات ظرفية و جزئية وهو ما لا يشكل طموحا يرتقي إلى انتظارات أبناء الجهة. فاذا اعتمدنا على فرضيات تحسين البنية التحتية الصناعية والفلاحية وتكثيف الاحاطة المؤسسية النشيطة والناجعة بالباعثين في مختلف المجالات وفك العزلة بين الجهة والجهات المجاورة وفيما بين مختلف معتمدياتها بتحسين شبكة الطرقات، واذا افترضنا توفير مصادر تمويل محفزة وبشروط ميسرة، فإنه يمكن، انطلاقا من الواقع المعاش ضبط تصورات عامة لإمكانيات دفع الاستثمار الخاص سواء المحلي والوطني أو الأجنبي في مختلف مجالات انتاج السلع والخدمات. وبناء عليه فلقد تركز الجزء الثاني من هذه الدراسة على صياغة تصورات عملية وقطاعية للنهوض بالجهة في مختلف المجالات. ولقد ضبطت الدراسة أولويات تنطلق من مجالات تدخل الادارة المركزية والسلط المحلية وتتعلق بحل معوقات تطوير وتنويع الأنشطة الفلاحية بدءا بمعالجة مديونية الفلاحين الى حل الاشكالات العقارية المكبلة مرورا بتهيئة صلبة للمناطق السقوية والمسالك الفلاحية وتوفير الري والمراعي. كما ضبطت الدراسة أولويات تقع على عاتق القطاع العام مثل تدعيم الاحاطة المؤسسية بالولاية ببعث الادارات التي تفتقدها الجهة وتطعيمها باطارات ذات كفاءة وخبرة وتدعيم بقية الخدمات الفنية والصحية والتربوية. وهذه التدخلات العمومية إذا اقدمت عليها الدولة بجد وحزم فانها تضمن تشغيل مئات الخريجين من ناحية وهي كفيلة من ناحية أخرى بتشجيع القطاع الخاص على اهتمام بالجهة اذا ما لاحظ انطلاق الأشغال العامة من نوع ربط سليانة بالسكك الحديدية وبالطريق السيارة وتهيئة المناطق الصناعية حسب المعايير العصرية وتجهيزها بالمحلات الصناعية لمزيد إغراء القطاع الخاص على الانتصاب وبالسكن الاجتماعي لضمان استقرار اليد العاملة. ولقد رصدت الدراسة عدة مشاريع يمكن للقطاع الخاص انجازها في مجال الصناعات المعملية اذا توفرت الشروط الموضوعية وهي مشاريع يمكن ان تكون متعددة الأحجام من صغرى الى كبرى مهيكلة وذات تنافسية صلبة وقدرة كبيرة على التشغيل ويمكن بعثها عن طريق الشركات الصناعية الكبرى المزدهرة متى تم تحفيزها على ذلك واقناعها بضرورة تحمل مسؤولياتها ازاء الجهات الداخلية ولقد أعلن بعضها عن استعدادها لذلك كما يمكن تمويلها في اطار رأس مال عمومي مفتوح للخواص في مرحلة أولى واكتتابات للشركات والأفراد وذلك في اطار تحمل الدولة المركزية لمسؤولياتها في انجاز اهداف الثورة لا سيما في المناطق الداخلية. وتوجد بالجهة فرص جدية للاستثمار الخاص أو المشترك لاسيما في مجال الصناعات الغذائية لإحراز الجهة على امتيازات تفاضلية حقيقية اذ يحتوي القطاع الفلاحي بولاية سليانة على 467 ألف هكتار وتنتج الجهة حوالي 340 ألف طنا من الحبوب و58 ألف طنا من الخضروات و8500 طنا من البقول و341 ألف طنا من الأعلاف وبها حوالي 45 ألف شجرة مثمرة منها حوالي 45% زياتين. وتبدو تربية الماشية مزدهرة ومتنوعة ومتوزعة بين مختلف المعتمديات ويتعاطى سكان الولاية تربية النحل (7000 جبح عصري). وتنتج الولاية حوالي 14 ألف طن من اللحوم الحمراء و26 ألف طن من الحليب وبالولاية إنتاج غابي متنوع يتمثل خاصة في الخشب والمشاتل الغابية والإنتاج العلفي. ورغم ذلك تكاد تنعدم في الجهة معامل تصنيع المواد الفلاحية وبالتالاي فان فرص الاستثمار بها وافرة وجدية.
كما توفر المواد الانشائية فرصا لقيام شركات خاصة ذات ربحية ومردودية لاشك فيهما حيث تعتبر عديد المناطق في ولاية سليانة الأكثر ثراءا بمدخرات المواد الإنشائية القابلة للاستغلال والتحويل كما أن الطلبات على هذه المواد في تزايد مستمرّ باعتبار أنّها تخصّ مجالات واعدة مثل الخزف والآجرّ العادي والعازل وتحويل الرخام وصنع المرّبعات الفسيفسائية إضافة إلى المواد الأوليّة لصنع الإسمنت. وقد وقع إحصاء حوالي 70 موقعا لهذه المواد (الحجارة الرخامية والطينيّة والرمال الصناعية والجبس والمواد الأولية لصناعة الإسمنت والحجارة الكلسية). وتمثل هذه المواد الإنشائية المتوفرة بكميات هامة امتيازا تفاضليا على الجهات المجاورة مباشرة وفرصا هامة لبعث مشاريع استغلال وتحويل في مختلف مناطق الجهة عوض الاكتفاء باستخراجها في شكل خام وتحويلها في جهات أخرى.
ويمكن تمويل المشاريع عن طريق المستثمرين الأجانب في عديد الأنشطة والخدمات لاسيما في السياحة حيث يمثل القطاع السياحي مجالا واعدا للاستثمار وخلق آلاف مواطن الشغل المباشرة وغير المباشرة. ويكمن الامتياز التفاضلي في قطاع السياحة لولاية سليانة في وجود 45 هكتار من الآثار المهملة والمعرضة للنهب والاندثار حيث توجد مدينة مكتريس الرومانية. لقد أحصى المختصون ما يناهز 1800 موقعا تاريخيّا في ولاية سليانة تعود الى الحضارات البونيقيّة والرومانيّة والبيزنطيّة والعربيّة أغلبها موجود حول ما يسمّي مسلك حنبعل: زامة (سليانة)، مستي (الكريب)، مكتريس (مكثر) وأخرى في كسرى وبوعرادة وبرقو، علاوة على أحتواء الجهة على حوالي 80% من المغارات الطبيعية الموجودة في تونس وأغلبها من جبل السّرج وجبل كسرى ويعتبر أغلب المختصين مغارة عين الذهب الأجمل في العالم وقد تدعمت هذه الثروات الطبيعية والبيئية بإحداث المحمية الوطنية بجبل السّرج. كما يمكن تركيز سياحة استشفائية مرتبطة بمنبع المياه السّخنة بحمام بياضة الذي يتميز بخصائص فريدة تتمثل في تركيبته الفيزيوكميائيّة المتنوعة التي تساعد على مداواة عديد الأمراض مع العلم أن هذا المنبع مستغل حاليّا بطريقة تقليديّة كما توجد في ولاية سليانة عديد الأماكن المناسبة لإقامة منتزه سياحي (عين بوسعدية، جبل السّرج وبرقو وكسرى ومكثر). كما أن تطوير السياحة في الجهة يمكن أن يمّر عبر التركيز على إدماج ولاية سليانة في إطار استراتيجية وطنية لتطوير السياحة الأثريّة فتدرج مناطق زامة ومستي ومكتريس ضمن مسالك يمكن أن تنطلق من تبربو ماجوس أو من بلاّريجيا (تبرسق) وتنتهي في سبيطلة مرورا بمختلف المناطق الأثرية بولاية سليانة.
وهكذا توصلت الدراسة الى ضبط عشرات المشاريع الكفيلة بتنشيط الوضع الاقتصادي والاجتماعي غير أنها مرتهنة الى ضروررة انطلاق الدولة في تغيير ملموس لوضع البنية التحتية للجهة وقدرات الاحاطة بالمستثمرين.
والآن أين سياسة الحكومة من تطلعات أبناء سليانة؟
لقد جاء برنامج الدولة جاء مخيبا للآمال ومحبطا للعزائم حيث تظل الخطة التنموية التي ضبطتها وزارة التنمية لولاية سليانة بعنوان سنة 2012 دون طموحات ابناء الجهة بكثير. فلقد رصدت الحكومة 211 مشروع لسنة 2012 بكلفة تفوق 334 مليون دينار بقليل إلا أن الدفع بعنوان سنة 2012 يقتصر على حوالي الثلث أي 123.3 مليون دينار علما أن جل الأشغال لم تنطلق بعد وأن نسبة الانجاز في الجهة ضعيفة، وبالتالي فنصيب سليانة من الاستثمارات العمومية عموما ضعيف اضافة الى أن جله لن ينجز الا على امتداد معدل 3 سنوات، مما يحيل إلى إمكانية استنساخ نفس البرامج بالنسبة إلى سنة 2013 وهكذا دواليك من سنة الى أخرى.
والمتعن في خطة حكومة الثورة يلاحظ انها تكاد لا تختلف في شيء عما كانت تعده مختلف حكومات النظام البائد والمتمثل في تجزئة المشاريع للتبجح بكثرة عددها وفي تفتيت الموارد المالية في برنامج صغيرة وضئيلة لا تخرج عن منطق «البرامج الرئاسية» المتمحورة كالمعتاد حول: إصلاح وصيانة التجهيزات الجماعية والصحية والتربوية، صيانة بعض الطرقات وتعبيد بعض الكيلومترات، بعض المسالك فلاحية وبعض البحيرات الجبلية اضافة الى شيء من التجهيزات مثل بعث معهد عال وتوسيع مستشفى وتهيئة مناطق سقوية وصناعية. وهذه المشاريع لا تخلق مواطن شغل قارة ويمكن إسناد إنجازها إلى بعض المقاولات الصغرى التي تستعمل اليد العاملة الموجودة حاليا، فلا مواطن شغل إضافية ولا تشغيل شباب ولا إطارات ولا خريجين بل يتوجب التحلي بالصبر وانتظار أن تخلق هذه المشاريع المبرمجة دينامكية وتحسن قدرة الجهة على جلب الاستثمارات وهي فرضية شبه واهية بالنظر الى هزالة هذه المشاريع. ونلاحظ غياب المشاريع الصناعية المهيكلة وغياب مشاريع فكّ عزلة الجهة وتحسين حقيقي لشبكة الطرقات في ما بينها ومع جيرانها وكذلك عدم برمجة إيصال شبكة السكك الحديدية إلى مدينة سليانة والسكوت عن ربطها بالطريق السيارة في اتجاه تونس. ونعيب على استراتيجة التنمية بولاية سليانة التي وضعتها وزارة التنمية الجهوية انها مجرد خطة انقاذ وتفتقد الى أي بعد استراتيجي من شأنه ادخال تغييرات ملموسة على الواقع اليومي المعاش وأنه وإن كانت بعض التصورات لمجالات الاستثمار الخاص صائبة ومقبولة الا أن الوزارة لم تحمّل نفسها عبْء ايجاد آليات تضمن تحفيز المبادرة الخاصة الى التوجه نحو سليانة والاستثمار في المشاريع المقترحة مثل خط تمويلي تفاضلي وتهيئة نوعية للبنية التحتية الصناعية والفلاحية ومثل طرقات ووسائل نقل واحاطة مؤسسية ذات كفاءة والتزام.
وخلاصة القول، فالدولة ما بعد الثورة مازالت موغلة في نفس السياسات الليبرالية القديمة التي تحدد دور الدولة في البنية التحتية لا غير والتي تصبح في الجهات الداخلية عمليات ترقيعية وتعول على المبادرة الخاصة في بعث الأنشطة الاقتصادية المشغلة، متناسية أن في هذه الجهات ولا سيما في ولاية سليانة لا يكاد يوجه قطاع صناعي خاص.
ويظل الأمل معلقا على أبناء الجهة من نقابيين ونشطاء المجتمع المدني والسياسي في الدفاع عن حق سليانة في التنمية وحق ابناءها في الشغل والكرامة وذلك بتطوير قدرات الاقتراح الدقيق وتجاوز منطق الشعارات العامة لاسيما من خلال المشاركة الفعالة في التشاور حول ميزانية التنمية لسنة 2013 التي انطلقت وزارة التنمية في انجازها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.