سمعته في صمت الحياة والموت يصرخ.. (أبناء الزنا.. أنا دوما هنا وسأظلّ هنا حتى ترسم الشمس على فم العشّاق الفقراء ضحكة الأيام..وأنا هنا..لأنّي أنا الهنا..وأنا أنا..دمعة البلاد كلّها..وهي تبتسم للقتلة..وأنا الآن بعد أن صوّبت الموت إلى صدري العار..تكون قد متت أنت لأنّ الهنا هوّانا ولست أنت..حتّى وإن أجتمع طائفة من الإنس وكلّ الجنّ في جبّتك..لن تكون قادرا على الصلاة لوجه خالقك..لأنني وبعد خالقي من عدم.. أمامك دائما تصلّي عند قدميّ لأغفر لك..ولقد غفرت لكلّ الموبوءين..لأنني أصبحت ذاكرة المكان وشمعة تنير قلب العشّاق في هذا الزمان الكلب..) وسمعته في اللحظة التي أطلق النفس الأخير..يقول: (وطني خطير..وطني أنا وكلّ فقير يسير في ركب الحبّ..وموكب الزغاريد..إنه عرس الذئب يا رفاقي فلا تغادروا القلب الآن..ولا تتركوا درب الحبّ يذهب إلى قبري..وقبر رحم للقادمين)... وقال شكري بالعيد أكثر..ولأنه الشعبيّ قال: بلادي الغريبة... (ما هي غريبة بلادي..ولا رصاصها يوقّف عمر حجر الوادي ولا الموت يمحي ذكرى كبادي..شهود شهّاد أسود الشارع الي ينادي..بلادي الحبيبة بلادي الغريبة...) يعيرني قبس مفردة..ما كنت لأرسمها على جدار البلاد لولا تنفسي لرائحة الزمن..ولولا تنحّي وجوه الموت عن ظلّها في مرآة الحزن..ولم يغيّرني الصمت الطويل أكثر من صمته عن الصمت..ففي كلّ منعطف أجد صورتي على خلايا توأمي..تلكم روحي أبيّة على ما عهدت..تسعف قروح ملوك الليل بطائفة من زنبق مسكوب في كؤوس هي ترياق الحبّ.. قل عنّي إن شئت أنّي من لهب أقدّ عيون القلب..أو قل أنّي الواقف على مرمى ضلع حواء..أشرب سكري من سحر صدرها العاري قدّام الشهوات..والرغبة قاتلة بالليل..أو قل أنّي مشيت أكثر مما يجب على حدود التماس بين عقلي وعقلي..فلم أجد سوى أغنية من بلاد غريبة... (بلادي غريبة...وما طول آنت قمر ليلي وشمس قلبي الحبيبة نرخيلك جناح الرحمة وعلى كفوفي نزرع حبّك..... والطيبة وماهي غريبة..إنت الحبيبة...ولا غيرك حبيبة.. يا بلادي الغريبة....) من نشاز الرعيان، يخبرنا الأمس القريب بترتيب الحزن،حسب وروده في المعاني.أو على وجوه المانحين قلوبهم للأغاني...ما خاب من ابتلاه الحبّ بالرضا على ما مرّ من تعب الروح.ولا جثمت على أطراف الليل حكايات البلاد أكثر من معبر خرافة من تاريخ العبر والسير لشعب يصنع تفاحة جنانه من ملح الجسد..وماء العين الحافي... من ضفاف البلاد وجه لم يغيب بعد في زحمة النار.ومن ظلّ الستار رسم.كما دثار القلب أيام الشدّة..لصبيّة...وردة حبر.أو أي شيء يشي بغياب قمر النهار عن حمّى عاشق كبّله لسانه بغار النصر على مشيئة الموت..فوفّر للقوافي خيمة.ثمّ نجمة.ثمّ اسم من شرار... (بلادي غريبة...وما طول آنت قمر ليلي وشمس قلبي الحبيبة.. نلهّب نار القلب محنّة...ونسقي عطش روحك من دمع عيوني السكيبة...يا بلادي الغريبة) حين تغادر الأرض أرضها.. وتغرب الأفئدة عن رزقها.. وتغار الحور من قلقها..يكيد الشيطان لأنسها..فترحل القلوب لأنسها..وتنسى بالليل ضدّها..وتغفر للعاشق عشقها..تلك بلادي فمن ذا يقارعني حبّها.. أي أنت..يا خاتمة البدايات.. وجميلة الجميلات.. وفاتنة الكلمات.. اجمعيني من شتاتي في الشتات.. وارزقيني قلبا آخر لأحبك أكثر.. فالحزن مبثوث في قيامي وفي السبات.. حين أراك في لهوك داخل قصور، غادرها نور الحبّ منذ سكنتها الظلمات... (بلادي غريبة ...وما هي مصيبة تعشقي غيري....لكن رهيبة تقتلي في حبّك...أهل الوفاء والطيبة لقلبك......وترميهم في نار الموت والليالي السليبة وفي نهارك تبكي عليهم...دمّ...جرمك ويعيشوا في قلوب الفقارا حيارا...وفي ليل السكارى نجمة الحكايا والكتيبة...يا بلادي الغريبة...) وتغطي السفوح آثار الليل فنختزل المسافة بيننا وبين الضوء..تلك مضاجع القلب..بين التين والنخل والزيتون..هو موطئ روحي الأمين...يسقيني شراب العاشقين في كفوف اليقين بأنّ الله والشعب وحتى النمل والنحل والماء معنا يا قلب..فاصنع من جبّتك عباءة تجير كلّ الغرباء مثلي في هذا الوطن الضنين علينا في الحبّ... وأجعل من وحدك مساحة ينبت فيها سرّ الكون على هذي الأرض..بأن للفقراء أرض وبيت ورغيف..وأنّ الشمس تزورنا حين نشاء..ومتى شئنا يكون لنا وطن من طين وسماء... (وماهي غريبة...يالحبيبة دايما معاك الحيرة...ومازلتي صغيرة عالحزن وانت للقلب الطبيبة...وماهي غريبة) ملاحظة: المكتوب بين قوسين يلفظ بلهجة الجنوب التونسي.