تماما على غرار غرة ماي كانت انطلاقة اليوم العالمي للمرأة لما خرجت آلاف العاملات بقطاع النسيج في مدينة نيويورك سنة 1909 للمطالبة بحقوقهن المشروعة والحد من تشغيل الأطفال وانتهاك حقوق النساء المادية والمعنوية ومما زاد في حراكها هو مشاركة عديد نساء الطبقة الوسطى من المجتمع مساندة للمحتجّات اللائي تصدت لهن قوات الأمن كالعادة بكل بطش وضراوة ورغم مساندة عديد التنظيمات حول العالم لهذه التحركات ولم تعترف المنظمة الدولية الأممية بمشروعية هذا اليوم العالمي الذي فرضته المرأة بكفاحها و نضاليتها إلا في سنة 1977 ولم تشذ المرأة التونسية عن هذه القاعدة لأنها جزء من الحركة النسوية العالمية فدخلت معترك الحياة في نضالية حددت فيها أولوياتها وخصوصياتها داخل مجتمع يختلف في ثقافته وتقاليده عن وضعية نضيراتها في العالم الغربي لكنها حازت أشواطا كبيرة مقارنة بالمرأة العربية والمسلمة ساعدها في ذلك رجال آمنوا بها كائنا بشريّا له من الحقوق و الواجبات ما يجعلها مساوية لشقيقها الرجل بالاعتماد أيضا على الإرث الثقافي والاجتماعي والعقائدي التي لها علاقة وثيقة بكل ما يهم الحياة اليومية للمرأة في سلوكياتها وجزئيات حياتها اليومية وعلاقاتها بمحيطها العائلي والمجتمعي وهو ما تفطن إلىه المفكر الثوري الطاهر الحداد الذي كان سابقا لعصره في فكره التنويري ورفضه لإخضاع المرأة ورهنها لتقاليد بالية كان الاستعمار أول مغذّ لها ولم يشذ الحداد عن القواعد الإسلامية وهو ما سبب له من التعاسة الشيء الكثير والضغوطات الاجتماعية والإدارية وحتى السياسية ما لا يطاق لكنه لم يتراجع أمامها بل تمسك بفكره و ما كان يرمي إليه حتى لا يكون المجتمع التونسي منقوصا من شطره الثاني ولم يكتسِ ما طرحه الحداد أي عداء أو تمرد على الدين الحنيف إنما هو مطلب مجتمعي ثقافي يصب في خانة العدالة الاجتماعية هذا الفكر النير استغله سياسيا الرئيس الحبيب بورقيبة تحت عنوان مجلة الأحوال الشخصية التونسية عقدين كاملين بعد وفاة الطاهر الحداد رغم أن التوظيف السياسي خدم الحركة النسوية التونسية التي توالت نتائجها الإيجابية والمكاسب السياسية والاجتماعية لتبوِّءها لعب الأدوار الأولى في عديد المجالات إلى غاية المهن اليدوية على دقة بعضها وصعوبة الآخر حيث كانت لوقت قريب مقصورة على الرجال لكن رغم كل هذه المكاسب التي نهنئ بها المرأة بصفة عامة لكن لا يجب أن تكون الشجرة التي تغطي الغابة لتحجب عنا عديد النقائص التي لا بد من تلافيها لأن طريق النضال النسوي مازالت طويلة ووعرة وشائكة أمام ما تنتظره الآلاف من النساء اللائي - في واقع الأمر - من قامت لأجلهن الثورة النسوية في نيويورك وغيرها من عواصم العالم هن المستضعفات من النساء واللائي مازالت المنظمات الدولية تضعهن في صدارة أولوياتها و منها منظمة العمل الدولية التي أصدرت الاتفاقية الدولية رقم 189 الخاصة بعاملات المنازل وحقوقهن المادية والاجتماعية وغيرها هذه الشريحة الواسعة من المناضلات من أجل لقمة العيش مازالت تقابل بكثير من الظلم والتهميش والابتزاز الرخيص إلاّ ما رحم ربك ونحن في سنتنا الثانية بعد ثورة الكرامة والعزة وبعد ما يفوق قرنا من الزمن وما حققته المرأة التونسية أعتقد أنه من أبسط واجباتنا جميعا نساءً محتفلات ورجالا مساندين و مؤيدين أن نولي هذه الشريحة ما تستحق من عناية لأن الموضوع ليس هيّنا ولا يتوقف عند عاملات المنازل بل يتعداه لعاملات التنظيف اللائي يتبنى الاتحاد العام التونسي للشغل قضيتهن في خضم مفاوضاته المتواصلة مع الحكومة حول إلغاء المناولة لأنهن مازلن يعشن تحت الحد الأدنى لكرامة العاملة الميدانية اللائي نسرف في التشديد عليهن في عملهن لكننا نتناساهن عند حقوقهن المشروعة التي ثارت لأجلها زميلاتهن منذ عشرات العقود و إن نساند اليوم فإننا نساند تلك الكادحة المهمشة داخل أسوار المنازل أو بين الأروقة الإدارية أو في الريف الجميل القاسي الطبيعة والظالم أهله للمرأة بصفة خاصة الرجاء أن تكافح كل التنظيمات النسائية لأجل دفع الحكومة التونسية للتوقيع على الاتفاقية 189 على غرار 12 دولة التي أمضت هذه الاتفاقية لمَ لا تونس عدد 13 ؟ عندها نكون حققنا مكاسب متميزة للمرأة التونسية لا أن تهدى إليها بعض الحقوق لشريحة معيينة ليقع تعدادها في المحافل الدولية كمنّة عليها وليس حقا مكتسبا عسى أن تكون المرأة في أحسن حال.