يسهر أعوان التنظيف ليلاً نهارًا على رفع النفايات، وتضاعفت جهودهم مرارًا للقضاء على القمامة. ولا يمرّ وقت قصير بعد عملية التنظيف إلاّ وعادت الشوارع والأزقة كما كانت ملوثة بالنفايات تتقاذفها الرياح هنا وهناك. حتى أنّ عون التنظيف يصبح عرضة للسب والشتم... ومتّهمًا بالتقصير والتخاذل في أداء الواجب، بل ويتعرّض عون التنظيف يوميّا إلى اللّوم والمعاتبة من طرف المواطن أو من طرف المسؤول المباشر المشرف عليه. ولم يسلَمْ من اللّوم حتى من تحت قبة المجلس التأسيسي عندما اتهمته إحدى نائبات حركة النهضة بالتكاسل في وظيفته. ورغم ما يبذله أعوان التنظيف عمومًا من مجهوداتٍ إضافية على مدار اليوم لرفع فضلات المواطن والمحلات والمطاعم، وبأجور زهيدة لا تفي بالحاجة مقارنة بلهيب أسعار المواد الاستهلاكية، فإن أغلبية المواطنين وهذه حقيقة يردّدها العموم تتهم عون التنظيف بالتقاعس متناسين الدور الذي يلعبه ليلاً نهارًا في تنظيف الشوارع ورفع فضلاتهم اليومية. ففي ساحة برشلونة التي تشهد حركية تجارية مكثفة التقينا أحد أعوان التنظيف وتحدّث إلينا بعد أن عاهدناه بعدم ذكر هويته: هو كهل تجاوز عقده الخامس، يجر عربة فاق وزنها 500 كيلوغرام، بيدين نحيلتين تفتقر لقفازات. أوقف عربته الثقيلة ليستردّ أنفاسه ويحدّثنا عن مشقة مهنته وافتقارها إلى أبسط الحقوق الشغليّة. وقال محدّثنا إن أسباب تراكم النفايات تعود أساسًا إلى أن المعدّات المخصصة لرفع الفضلات موغِلة في القِدم، وافتقار البلديات إلى معدّات تقنية حديثة وقلّة الانتدابات في هذا القطاع. كما أن تعرّض أعوان التنظيف إلى العنف ليلا من قبل بعض المنحرفين في ظل غياب الأمن حالَ دون الوصول إلى بعض الأماكن. توجّهنا إلى مجمع النفايات بالوردية للوقوف عند العوامل الأخرى لتكدّس النفايات. وفي هذا المكان غابت جميع المرافق الحيوية للعمّال: فالمجمع يفتقد لدورات مياه وحمّامات... والمعدّات تفتقد للصيانة. وفي غرفة تغيير ملابس أعوان التنظيف خصّص مجمع النفايات «ثلاجات» معطبة يستخدمها الأعوان في حفظ ملابسهم بدل الخزانات. انتقلنا إلى مصب النفايات المراقب ببرج شاكير. وهو مصب يمسح عشرات الهكتارات مخصص لردم النفايات حيث يتستقطب حوالي ألفين وخمسمائة طن من النفايات يوميا. ويفتقر المصبّ إلى أبسط المرافق المهنية كانعدام المياه الصالحة للشراب والحمّامات... واقتصارها على مركز الإدارة فحسب. ورغم المخاطر المهنية التي ترافق العملة لحظة بلحظة، إلا أن المكان يفتقد لعيادة طبية ولأبسط مقوّمات السلامة. السيد مراد المثليني سائق آلات ثقيلة بمصب الفضلات المراقب ببرج شاكير (تونس العاصمة) والذي يخضع إلى إشراف وزارة البيئة، يطمح كغيره من العمال إلى الاندماج مباشرة تحت إشراف الوزارة وإلغاء المناولة المبنية على عقد عمل غابت فيه جميع حقوقهم المهنية والاجتماعية المشروعة. ويشتكي عملة مصب الفضلات ببرج شاكير من تدني الأجور وتأخر دفع الرواتب ومن ظروف اجتماعية ومهنية أقل ما يقال عنها إنها مزرية للغاية لا تتوفر فيها أدنى شروط حفظ الصحة والسلامة المهنية. عملة يفتقرون إلى أبسط أدوات السلامة المهنية والصيانة رغم المخاطر المهنية التي يتعرّضون إليها يوميّا من استنشاق لروائح النفايات التي أصبحت جزءًا لا يتجزّأ من حياتهم اليومية. ويعدّ مصبّ برج شاكير قبلة مدن ومناطق تونس الكبرى ومصبّا لجميع النفايات بمختلف أنواعها بما في ذلك النفايات الاستشفائية التي يحظر صبها هناك. ويضيف محدثنا إنه كثيرًا ما يتعرّض العملة إلى إصاباتٍ بليغةٍ بالحقنات والآلات الحادّة فتلحقهم أضرار جسيمة. وينتظر عملة مصب النفايات ببرج شاكير تفعيل محاضر الجلسات مع سلطات الإشراف. ودفع رواتبهم في الإبان. عادل شوشان عامل بمصب النفايات برج شاكير يتمثل دوره في احتساب وزن كمية النفايات في الشاحنة فور دخولها المنشأة والوجهة القادمة منها. وعن ظروف العمل يقول محدّثنا إنها عسيرة: فبالإضافة إلى الروائح الكريهة المنبعثة من القمامة، نعاني في هذا المصب من الضجيج المنبعث من الشاحنات والآلات المحيطة بنا من كل صوب وحدب والذي ولّد لنا مشاكل في السّمع والشّم وما ينجرّ عنه من انعكاسات سلبية على بقية أعضاء الجسم مقابل غياب تعويضات مالية أو معاينات طبية. وطالب عادل شوشان بتوفير معاينة طبية للعمال وبانتظام، وتوفير ملابس شغل تتلاءم مع ظروف العمل. وبدوره خرج فتحي بن فرحات (ميكانيكي) عن صمته ليبث شكواه من تدهور الوضع المهني بالمصبّ، ترجمتها في ذلك تنهيدة من أعماق فؤاده. ويقول فتحي إن المصبّ يعاني الإهمال ويشكو غياب التنظيم. فخزانات تصفية مياه النفايات تحتوي على بكتيريا وعقاقير خطيرة تسبب أمراض مزمنها من بينها مرض السرطان. ويضيف محدّثنا إن هناك من العملة من بترت ساقه وهناك من أصيب بمرض السّرطان جرّاء غياب معدّات السلامة، وتمّ كتمان الأمر وتهديد من يتجرّأ على إبلاغ وسائل الإعلام بالطرد. وفي ظل ارتفاع درجات الحرارة، وما تفرزه بعض الحاويات المنزلية من روائح «مميتة»، لكم أن تتخيّلوا مئات الآلاف من أطنان النفايات بمختلف أنواعها المنبعثة من المكان وما تفرزه من حشرات (ذباب وناموس...) ناقلة لأمراض مسرطنة، وسط انعدام المعاينة الطبية وغياب شروط الصحة والسلامة المهنية، لا يسعنا إلا أن نثنيَ على المجهود الذي يقوم به أعوان التنظيف وأعوان مصبّات النفايات ليلا نهارًا من أجل حماية البيئة والمحافظة على المحيط. ويتعين أيضًا على من اتهم عملة التنظيف بالتكاسل والتقاعس في آدء مهامهم، أن يعودوا إلى رشدهم ويطّلعوا عن كثب عمّا يقوم به هؤلاء من أجل توفير محيط نظيف. وليتذكّرْ الجميع أيام أضرب أعوان التنظيف عن العمل للمطالبة بحقوقهم المهنية والاجتماعية المشروعة وما عرفته شوارعنا من حالة مزرية.