يعدّ العمل التعاوني عمومًا ظاهرة اجتماعية إنسانيه قديمة قدم البشرية، وشمل العديد من أنماط النشاط الجماعي بين الأفراد المتمثل في العون والتضامن والمساعدة المتبادلة وذلك لتحقيق أهداف اقتصادية واجتماعية وتنموية لا يمكن أن تتحقق بالمجهود الفردي. ومن ضمن التعاونيات في تونس نذكر التعاونية الوطنية للتعليم وهي جمعية عريقة تأسست في سنة 1950 وتضطلع بدور مهم خاصة في التكفل بالتغطية الصحية لمنخرطيها. وللحديث أكثر عن التعاونية الوطنية للتعليم كان لنا هذا الحديث..... مع رئيسها السيد خالد ذياب. تعقدون جلسة عامّة عادية وخارقة للعادة في نفس الوقت، ففي أي إطار تأتي هذه الجلسة؟ هيّ جلسة عامّة عادية تعقد سنويّا يتم فيها تقديم التقريريْن المالي والأدبي للتّعاونية للمصادقة عليهما. ولكن تمّت الدّعوة إلى عقد جلسة عامّة خارقة للعادة في نفس الإطار، للقيام بتحويرات في بعض فصول القانون الأساسي الذي يتضمن بعض التناقضات التي لا تنسجم مع بعض فصول القانون الدّاخلي وهو ما يمثل عائقًا أمام تسيير التعاونية. وبالتالي ارتأينا أن نقوم بتنقيح بعض الفصول في القانون الأساسي لتعديلها. وتطرّقنا في الجلسة العامة العادية إلى عرض التقرير الأدبي والمتمثل في النشاطات التي قامت بها التعاونيّة على مدار العام وهي في مجملها أنشطة إدارية وترفيهية واجتماعية وتضامنيّة. ماهو محتوى هذه الأنشطة الصحية والترفيهية والتضامنية التي ذكرتموها؟ تقدم التعاونية الوطنية للتعليم جملة الخدمات للموظفين الذين لهم صلة بالقطاع التعليمي من معلمينوأساتذة وأساتذة جامعيين وعملة وإداريين وقيّمين دون استثناء. وأول مهمة تضطلع بها التعاونية هي التغطية الصحية الكاملة لمنظوريها وهو الغرض الذي من أجله تأسست. ولكن منذ 2006 ومع ظهور الصندوق الوطني للتأمين على المرض، أصبحت التعاونية تضطلع بمهمة تكميلية في مجال التغطية الصحية. ولكن ما يميّز التعاونية عن الصندوق الوطني للتأمين على المرض في مجال الرعاية الصحية هو تغطية التعاونية للأمراض التي لا يعترف بها الصندوق. وللإشارة أيضًا فإن تدخلات التعاونية في مجال الخدمات الصحية ناجعة ومهمّة واستثنائية ومثال ذلك أنه عندما يتجاوز الفرد السقف العمري المسموح به لدى الكنام فإنّ التعاونية تقدّم مساعدات كبرى واستثنائية في مجال استرجاع مصاريف العلاج تصل أحيانًا ضعف ما تقدمه الكنام. كما أن أبناء منظورينا يتمتعون بالتغطية الصحية تحت رعاية التعاونية إذا فاقت أعمارهم 20 سنة وهم بصدد مزاولة تعليمهم الجامعي. وإلى جانب الرعاية الصحية، تقوم التعاونية بتنظيم رحلات ترفيهية واستكشافية وإسداء منح للحج والعمرة وتغطية تكاليف الزواج. وتوسيع المدّ التضامني نحو الجهات الفقيرة بتوزيع المساعدات المدرسية على التلاميذ من ذوي الاحتياجات... أين يتجلّى الجانب التكميلي للتعاونية مع الصندوق الوطني للتأمين على المرض؟ هناك ثلاث نظم للرعاية الصحية المرتبطة بالصندوق الوطني للتأمين على المرض: وهي المنظومة العمومية ومنظومة استرجاع المصاريف ومنظومة ما يعرف بطبيب العائلة. وفي مختلف هذه النظم الثلاث فإن التعاونية الوطنية للتعليم تقوم بتسديد القيمة المالية التي يدفعها المنخرط أثناء العلاج وبالتالي نضمن له تغطية صحية تكاد تكون مجانية. كما تغطّي تكاليف الأدوية التي لا تغطيها الكنام وهي أدوية غير مدرجة في قائمة الصندوق مثل الأدوية المتعلّقة ببعض الأمراض الجلدية التي تعدّ أشياء من قبيل التجميل. وهنا وجب أن نؤكد على أن نسبة استرجاع المصاريف بالنسبة لمنظورينا تصل إلى 95 بالمائة علمًا وأننا نغطي جميع الأمراض دون استثناء. في ظل تدنّي المقدرة الشرائية للطبقة المتوسطة، هل أن التعاونية وحدها قادرة على سدّ احتياجات منظوريها؟ ما تشهده الساحة العالمية والساحة الوطنية من تدهور اقتصادي ومن تراجع لدور الدولة في تسديد الخدمات الاجتماعية لمواطنيها، كانت ولا تزال التعاونية سباقة في هذا المجال. وتشهد التعاونيات في العالم ازدهارا كبيرا ا وتمثل رقما لا بأس به من اقتصاد الدول المتقدمة. أما في تونس فلم نواكب هذا الازدهار وهذا التقدم ولا يمثل الاقتصاد التشاركي التعاوني إلا نسبة متدنية جدّا لا تفوق 1 بالمائة من الدورة الاقتصادية. مقابل 6 بالمائة في المغرب بينما تصل إلى 24 بالمائة في بعض دول أمريكا اللاتينية. وهذا دليل على أهمية الدور الخدماتي للتعاونيات في الارتقاء بالاقتصاد الوطني. وهنا أدعو كافة الأسرة التربوية والتعليمية من موظفين وعمال وأساتذة وقيمين وإداريين إلى الانخراط في التعاونية الوطنية للتعليم لتعزيز دور التعاونية في سدّ احتياجات منظوريها والتخفيف من أعباء حياتهم اليومية. سعى الحزب الحاكم سابقا على تسييس التعاونية وإدخلها في دوامة التجاذبات وهناك أطراف اليوم أيضا تريد استخدام نفس اللعبة مع التعاونية، ما مدى نجاح هذه الأطراف في تسييس التعاونية؟ وكيف سستتصدّون إليها للحفاظ على استقلالية المنظمة؟ نحن حريصون كلّ الحرص على أن تمتثل التعاونية للقانون وأن تطبّق قانونها الأساسي بحذافيره. ومن أحد بنود القانون الأساسي أن التعاونية تنأى بنفسها عن التجاذبات السياسية ولا تخوض فيما هو سياسي لأنها جمعية تعاونية للخدمات من أجل النهوض بالمستوى المعيشي لرجل التعليم. نحن نستقطب منخرطين يحملون توجهات فكرية مختلفة. لكن العمل التعاوني هو فوق التجاذبات السياسية لأنه عمل إنساني واجتماعي. ولا يمكن السماح بعودة سيناريو التجمّع لا من قريب ولا من بعيد، لأن منظوري التعاونية عانوا الإقصاء والتمييز في تلك الحقبة. ماهيّ برامج عملكم المستقبلية؟ للإجابة عن هذا السؤال لا بدّمن العودة إلى الحديث عن المجلس الاداري الحالي الذي وقع انتخابه في 17 جويلية 2012 وبالتالي هو مكتب حديث العهد يأتي بعد إيقاف المجلس القديم عن العمل من طرف السلطات بسبب تجاوزات وعيّنت على رأس التعاونية هيئة تصرف وقتية أشرفت على انتخابات العام الماضي وأفرزت هذا المكتب الإداري الحالي. وانشغلنا بحلّ جملة التراكمات الإدارية السابقة وإعادة ترتيب البيت من الداخل. وأول ما قام به المجلس الحالي هو إبرام اتفاقية إطاريّة مع أعوان التعاونية للخروج من الوضعيّة التي كانوا عليها. وبما أن الهاجس الأساسي للتعاونية هو الترفيع في عدد المنخرطين، فإن من المشاريع المستقبليّة هو تنويع المنتوج الخدماتي. وماهذه الجلسة المنعقدة لتعديل بعض الفصول القانونية إلا لإضفاء مشروعيّة على جملة من القرارات ومن ضمنها إسداء بعض القروض الاجتماعيّة بنسبة فائض ضئيلة. واقتناء قطعة أرض صالحة للبناء لتقسيمها وبيعها لمنخرطيها بأسعارمعقولة. هناك أيضًا فكرة لإنشاء فضاءات ترفيهية خاصة برجال التعليم وأبنائهم على غرار بقية التعاونيات الأخرى. وكذلك تنظيم رحلات إلى الخارج وهو مطلب ملح لدى العديد من المنخرطين. هذا بالإضافة إلى تنظيم عروض ثقافية وحفلات موسيقية ترتقي إلى المستوى الثقافي والعلمي لرجال التعليم. إعداد الأسعد المحمودي - متربص من معهد الصحافة