لم تمض أيام قليلة على فاجعتي اغتيال محمد البراهمي واستشهاد ثمانية من عناصر الجيش التونسي اثر كمين نصبته لهم عناصر ارهابية بالشعانبي، حتى تواترت خلال الأسبوع الأخير في تونس الأخبار حول العبوات الناسفة تقليدية الصنع، بعضها انفجر في أنحاء متفرقة من ضواحي العاصمة، وبعضها أودى بحياة من يقومون بتصنيعها وجرح آخرين نتيجة تفاعل المواد المتفجرة، كما تواترت أخبار حول مداهمات وتبادل لاطلاق النار مع مجموعات وعناصر مسلحة في عدد من المناطق المتفرقة بالتراب الوطني. لتتواصل موجة الفجائع نتاج الأعمال الارهابية، بأن تفجرت مدرعة عسكرية مساء الأحد بالشعانبي نتيجة انفجار لغم استهدف العربة، مما أدى الى استشهاد اثنين من عناصر القوات المسلحة التونسية اضافة الى وقوع عدد من الجرحى نتيجة نفس الحادث. هذه الأحداث الخطيرة تؤكد أن موجة الارهاب تمر الى السرعة القصوى لتستهدف تونس بشكل خطير، عن طريق عناصر تتموقع بجبل الشعانبي وجبال الكاف، وأيضا انتقال العمليات الارهابية داخل المدن بعد وقوع أحداث بعدد من المناطق المتاخمة للعاصمة والمدن الساحلية والداخلية ويؤكد أن الخلايا النائمة الارهابية أعلنت الحرب وانطلقت الى انجاز مخططاتها الارهابية. وفي المقابل فان قوات الدفاع والأمن الوطنيين مرت الى السرعة القصوى في التصدي لهذه الأخطار المحدقة التي تستهدف البلاد، و تجندت جميعها للدفاع عن الوطن وحماية له من الأيادي العابثة. الدفاع والأمن الى السرعة القصوى وكردة فعل حازمة على الفاجعة التي استهدفت العسكريين ونجم عنها مصرع ثمانية من جنودنا، أخذت المواجهة مع العناصر الارهابية المتمترسة بجبال الشعانبي منعرجا جديدا، حيث أستعمل القصف بالطائرات العسكرية لأول مرة في التصدي لهذه المجموعات والقضاء عليها، كما التجأت عناصر القوات المسلحة الى القصف المدفعي لأهداف بجبل الشعانبي، وتكاثفت مجهودات الاستطلاع والتمشيط لكشف مواقع الارهابيين والقضاء عليهم. من جانب اخر تكاثفت عمليات التنسيق والتعاون مع قوات الأمن الداخلي لتبادل المعلومات ولتكاثف الجهود وضمانا لنجاعة المجهودات في التصدي للارهابيين، كما تواترت بنسق تصاعدي أيضا مجهودات التنسيق بين الجانبين التونسي والجزائري لمواجهة الخطر الارهابي الذي يستهدف الجانبين والمتمركز بالمناطق الحدودية الفاصلة بين البلدين عن طريق تبادل المعلومات الاستخباراتية والتنسيق في العمليات الميدانية. أما الأمن الوطني، فقد مرت أجهزته الى السرعة القصوى في مواجهة الخلايا النائمة، وتكاثفت عمليات المداهمة والكمائن وقد تمكنت وحدات الأمن من القبض على عدد من المشتبه بهم أو المورطين في عمليات ارهابية في ظرف وجيز بعدد من المناطق والمدن. وقامت قوات الأمن بعديد عمليات المداهمات واعتقلت عددا من المشتبه بهم و المتهمين في التورط في أعمال ارهابية أو يستعدون للقيام بعمليات خطيرة تستهدف التونسيين والتراب الوطني. وقد لقيت مجهودات قوات الدفاع والأمن الوطنيين تعاطفا كبيرا وتعاونا من قبل المواطنين ومختلف الفاعلين السياسيين والمنظمات الوطنية في البلاد. فقاقيع وخلايا نائمة الأخبار المتواترة على مدار أسبوع منقضي تصدرتها في أكثر من مرة، مداهمة قوات الأمن لمجموعات وعناصر ثبت تسلحها وأخرى متهمة أو مشتبه في تورطها في عمليات ارهابية، أو تنوي القيام بعمليات خطيرة تستهدف الأمن الوطني وتوزعت على أكثر من منطقة ومدينة تونسية تؤكد أن هناك خلايا نائمة وفقاقيع خطيرة وارهابية تترصد البلاد. وقد أكدت الأخبار الثابتة تمكن قوات الأمن من قتل عنصر واعتقال ستة عناصر مسلحة بمنطقة الوردية من ولاية تونس في عملية مداهمة للمجموعة بمقر سكناها، ومن جانب اخر أكدت مصادر أمنية رسمية تمكن قوات الأمن من اعتقال عنصر متشدد انفجرت عليه عبوة ناسفة كان بصدد تصنيعها بمنزله بمنزل بورقيبة من ولاية بنزرت وتسببت له في أضرار بدنية فادحة. من جانب اخر تراكمت الأخبار التي دعمتها أو لم تنفها وزارة الداخلية حول عمليات القبض على مسلحين أو عناصر كانت بصدد تجميع السلاح وبمناطق مدنية وبعدد من المدن، ولليوم لم تتوضح ملابسات عملية اجهاض محاولة استهداف شخصية سياسية بسوسة نهاية الأسبوع المنقضي واعتقال عناصر يشتبه بضلوعها في اغتيال الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي. العبوات الناسفة والألغام؟؟ وتواجه قوات الأمن وقوات الجيش الوطنيين تقنيات جديدة لم يعتد عليها التونسيون ولم تكن مستخدمة في التهديدات الارهابية التي شهدتها البلاد من قبل، فقد استعملت المجموعة المتمترسة بالشعانبي سلاح الألغام في عملياتها المعادية للبلاد، وهي ألغام تقليدية يدوية الصنع ولكن ذات فعالية كبيرة وحجم انفجار وقوة خطيرة ويصعب الكشف عن جميعها. وان تمكنت قوات الدفاع الوطني من قبل الكشف عن عديد الألغام المزروعة في الشعانبي وتفجيرها، غير أن العناصر المختبئة بالمنطقة قامت بعمليات زرع كثيفة للألغام مما نتج عنه وقوع خسائر في صفوف قوات الجيش والأمن، اضافة الى اعتمادها أسلوب الكمين الذي أودى في أول عملية أنجزها الارهابيون الى استشهاد ثمانية عناصر من قوات الجيش. من جانب اخر كانت عبوة ناسفة تقليدية الصنع قد انفجرت صباح الأربعاء 31 جويلية الماضي في منطقة المحمدية من الضاحية الجنوبية للعاصمة استهدفت دورية أمنية، كما تم استهداف سيارة أمنية قبل أيام من تلك الواقعة بعبوة ناسفة تقليدية بمنطقة حلق الوادي في الضاحية الشمالية للعاصمة. ورغم أن اعتماد الجماعات والعناصر الارهابية على سلاح العبوات الناسفة يبدو متعثراً ومتسماً بالبدائية، غير أنه يعتبر مؤشراً خطيراً يؤكد أن هذه العناصر أدخلت حربا على التونسيين مستوردة تجارب خطيرة ومأساوية عاشتها دول شقيقة مجاورة وعربية. وتعد العبوات الناسفة سلاحا لا يمكن توقع استعماله ويصعب اكتشافه حسب خبراء عسكريين ، حيث يمكن تصنيعها تقليديا في المنازل، ثم تفجيرها عن بُعد دون الاحتياج الى إمكانيات تقنية أو مادية كبيرة. تداعيات خطيرة وألقت الأحداث الأخيرة بظلالها على الشارع التونسي وزادت من حدة الضغوط النفسية والاجتماعية التي يعيش تحت طائلتها المواطن التونسي. وجاءت هذه الأحداث لتعمق المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي يتخبط فيها التونسي خاصة مع نذر كارثة اقتصادية في الأفق وفق ما عبر عنه البنك المركزي التونسي في بيان صدر عنه أخيرا محذرا من امكانية أن لا تتمكن الدولة في الأشهر القادمة من سداد مرتبات الموظفين. كما تصاعدت تحذيرات الجامعة العامة للسياحة بتونس من خطر فادح قد يصيب القطاع السياحي في الأشهر القليلة القادمة، خاصة أن كثيرا من أصحاب الفنادق والنزل ينوون اغلاقها نظرا للتدهور الملحوظ لعدد السياح المقبلين على تونس نتيجة الأحداث الارهابية التي تستهدفها مؤخرا. من جانب اخر تصر المعارضة التونسية الى اليوم على اسقاط الحكومة الحالية ويساندها في ذلك شق واسع من الشارع التونسي والمنظمات الوطنية التي تعتبر حكومة العريض فاشلة ولم تحقق المطلوب منها، بل تفاقمت الأوضاع الأمنية في عهدها نظرا لتهاونها أمام التهديدات الخطيرة. ورغم هذا فان الحكومة، توجه خطابا سياسيا يبغي الربح السياسي في تعاطيها مع التهديدات الارهابية التي تطال البلاد و تربك المواطنين وقوات الأمن، فكيف لرئيس حكومة مسؤول عن أمن التونسيين وعن السلم الاجتماعي بالبلاد أن يصف الارهابيين « بمجموعات متشددة « دون أن يكشف عنها، أو يتهم ما يصفهم ب»قوى الثورة المضادة» بالوقوف وراء العمليات الارهابية دون تحديد دقيق لهذه القوى «المضادة»؟ أليس في ذلك ارباك للتونسيين وتخويف لهم وتأجيج للفرقة بينهم وان عن حسن نية؟ .