كلوب يعلق على المشادة الكلامية مع محمد صلاح    جماهير الترجي : فرحتنا لن تكتمل إلاّ بهزم الأهلي ورفع اللقب    رئيس البرلمان يحذّر من مخاطر الاستعمال المفرط وغير السليم للذكاء الاصطناعي    سجنان: للمطالبة بتسوية وضعية النواب خارج الاتفاقية ... نقابة الأساسي تحتجّ وتهدّد بمقاطعة الامتحانات والعمل    بن عروس: حجز 214 كلغ من اللحوم الحمراء غير مطابقة لشروط النقل والحفظ والسلامة الصحية للمنتجات الغذائية    زيادة ب 4.5 ٪ في إيرادات الخطوط التونسية    وزارة السياحة أعطت إشارة انطلاق اعداد دراسة استراتيجية لتأهيل المحطة السياحية المندمجة بمرسى القنطاوي -بلحسين-    وزير الخارجية يواصل سلسلة لقاءاته مع مسؤولين بالكامرون    عمار يدعو في ختام اشغال اللجنة المشتركة التونسية الكاميرونية الى اهمية متابعة مخرجات هذه الدورة وتفعيل القرارات المنبثقة عنها    الرابطة 2: نتائج الدفعة الأولى من مباريات الجولة 20    الترجي الرياضي يفوز على الزمالك المصري. 30-25 ويتوج باللقب القاري للمرة الرابعة    بطولة مدريد للماسترز: أنس جابر تتأهل الى الدور ثمن النهائي    إمضاء اتفاقية توأمة في مجال التراث بين تونس وإيطاليا    وزير الثقافة الإيطالي: "نريد بناء علاقات مثمرة مع تونس في مجال الثقافة والتراث    توزر: الندوة الفكرية آليات حماية التراث من خلال النصوص والمواثيق الدولية تخلص الى وجود فراغ تشريعي وضرورة مراجعة مجلة حماية التراث    هيئة الأرصاد: هذه المنطقة مهدّدة ب ''صيف حارق''    تعاون مشترك مع بريطانيا    دعوة الى تظاهرات تساند الشعب الفلسطيني    سوسة: القبض على 5 أشخاص يشتبه في ارتكابهم جريمة قتل    تامر حسني يعتذر من فنانة    ملكة جمال ألمانيا تتعرض للتنمر لهذا السبب    جيش الاحتلال يرتكب 4 مجازر جديدة في غزة    بن عروس: حجز 214 كلغ من اللحوم الحمراء غير مطابقة لشروط النقل والحفظ والسلامة الصحية    الرابطة الثانية : نتائج الدفعة الأولى لمباريات الجولة السابعة إياب    في اليوم العالمي للفلسفة..مدينة الثقافة تحتضن ندوة بعنوان "نحو تفكرٍ فلسفي عربي جديد"    برنامج الدورة 28 لأيام الابداع الادبي بزغوان    اعتماد خطة عمل مشتركة تونسية بريطانية في مجال التعليم العالي    رئيس الجمهورية يستقبل وزير الثقافة الإيطالي    رئيس الاتحاد المحلي للفلاحة ببوعرقوب يوجه نداء عاجل بسبب الحشرة القرمزية..    الإتحاد العام لطلبة تونس يدعو مناضليه إلى تنظيم تظاهرات تضامنا مع الشعب الفلسطيني    خط تمويل ب10 مليون دينار من البنك التونسي للتضامن لديوان الأعلاف    صادم/ العثور على جثة كهل متحللة باحدى الضيعات الفلاحية..وهذه التفاصيل..    القطب المالي ينظر في اكبر ملف تحيل على البنوك وهذه التفاصيل ..    سيدي حسين : قدم له يد المساعدة فاستل سكينا وسلبه !!    خبير تركي يتوقع زلازل مدمرة في إسطنبول    البطولة الوطنية: النقل التلفزي لمباريات الجولتين الخامسة و السادسة من مرحلة التتويج على قناة الكأس القطرية    مدنين: وزير الصحة يؤكد دعم الوزارة لبرامج التّكوين والعلاج والوقاية من الاعتلالات القلبية    عاجل/ الحوثيون يطلقون صواريخ على سفينتين في البحر الأحمر..    هوغربيتس يحذر من زلزال قوي خلال 48 ساعة.. ويكشف عن مكانه    طقس السبت: ضباب محلي ودواوير رملية بهذه المناطق    كيف نتعامل مع الضغوطات النفسية التي تظهر في فترة الامتحانات؟    ابتكرتها د. إيمان التركي المهري .. تقنية تونسية جديدة لعلاج الذقن المزدوجة    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    وزير الخارجية يعلن عن فتح خط جوي مباشر بين تونس و دوالا الكاميرونية    طقس اللّيلة: الحرارة تصل 20 درجة مع ظهور ضباب محلي بهذه المناطق    وزير الفلاحة: "القطيع متاعنا تعب" [فيديو]    بنسبة خيالية.. السودان تتصدر الدول العربية من حيث ارتفاع نسبة التصخم !    تألق تونسي جديد في مجال البحث العلمي في اختصاص أمراض وجراحة الأذن والحنجرة والرّقبة    منوبة: تفكيك شبكة دعارة والإحتفاظ ب5 فتيات    قفصة: ضبط الاستعدادات لحماية المحاصيل الزراعية من الحرائق خلال الصّيف    تونس : أنس جابر تتعرّف على منافستها في الدّور السادس عشر لبطولة مدريد للتنس    مقتل 13 شخصا وإصابة 354 آخرين في حوادث مختلفة خلال ال 24 ساعة الأخيرة    عميرة يؤكّد تواصل نقص الأدوية في الصيدليات    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    انطلاق أشغال بعثة اقتصادية تقودها كونكت في معرض "اكسبو نواكشوط للبناء والأشغال العامة"    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ملاحظات حول الجدل بخصوص كتاب الرصافي «الشخصية المحمدية»
بقلم: فريد العليبي
نشر في الشعب يوم 30 - 06 - 2007

يدورا لنقاش في عدد من الصحف و المواقع الالكترونية حول كتاب الرصافي الشخصية المحمدية الصادر عن دار الجمل في طبعته الأولي بكولن / ألمانيا سنة 2002 و قد أدلي كثيرون بدلوهم في هذا النقاش و من بينهم تهامي الهاني الذي تضمنت جريدة الشعب في عددها رقم 919 بتاريخ 2007526 مساهمة له في الغرض . و قد أكد صاحبها انه قرأ الكتاب فاستنتج انه مزور حتى انه وضع لمقاله العنوان التالي :
من يكون وراء هذا الكتاب المزور ؟ غير أن ما نلاحظه منذ الوهلة الأولي ذلك الخطأ الذي وقع فيه الهاني عندما حدد صفحات الكتاب بأنها 770 صفحة و الحال أنها 767 صفحة )تكرر الخطأ أكثر من مرة( مما يلقي ظلالا من الشك حول عودته فعلا للكتاب و قراءته له إذ لا يعقل أن يتصدي احدهم لتفنيد ما جاء في هذا الكتاب أو ذاك و هو بين يديه فلا يعرف حتي كيف يحصي عدد صفحاته ،هذا فضلا عن الفقر الفاضح الذي يعاني منه المقال من حيث الرجوع إلي المصادر و المراجع الكفيلة بالبت في نسبة الكتاب إلي الرصافي أو عدمها . و قد طغت علي المساهمة النزعة التكفيرية فعبارات الإدانة للكتاب تصل إلي حدود تكفير صاحبه و إلصاق شتي النعوت به فالكتاب تضمن بحسب الهاني محاور تستفزك بسرعة و فيه ما يثير الانفعال بل السخط و الغضب الشديد و هو تحريف للقران واضح إذ يحتوي آراء تخرب الدين الإسلامي و بكلمة موجزة فان الكتاب تضمن كفرا صريحا بحسب صاحب المقال فمضمونه الشك في كل محطات السيرة النبوية و في صفات الرسول و إنكار الدين الإسلامي و خلط سور القران و دمج المفردات القرآنية لتغيير الآيات وهذه تهم من العيار الثقيل لا يمكن بأي حال أن تصدر عن باحث عن الحقيقة فمصدرها نزعة إيديولوجية تكفيرية صريحة .
و رغم أن الهاني قد حاول البرهنة علي أن صاحب الكتاب ليس الرصافي و إنما احد المسيحيين المتآمرين فان الرصافي نفسه لم يسلم من شتائمه فهو بحسب رأيه قد عرف بب المجون و الاستهتار و اللهو . و في الحقيقة فان الرصافي قد اختط لنفسه طريقا وعرة فلحقته الشتائم حيا و ميتا و كان علي وعي تام بذلك لأجل هذا كتب يقول و إني لأعلم أنهم سيغضبون و يصخبون و يسبّون و يشتمون فان كنت في قيد الحياة فسيؤذيني ذلك منهم و لكني سأحتمل الاذي في سبيل الحقيقة و إلا فليس لي أن اهتف باسمها و لا أن ادعي حبها كما يدعي الأحرار و إن كنت ميّتا فلا ينالني من سبابهم ضير كما لا ينالهم منه خير فان سّب الميت يؤذي الحي و لا يضر الميت كما قال محمد بن عبد الله عظيم عظماء البشر )1( كما نجد في شعره ردا مناسبا علي أولئك الذين شتموه فهو القائل :
و اذ يخاطبك اللئيم فصم سمعك عن خطابه
و إذا انبري لك شاتم فاربأ بنفسك عن جوابه
فالروض ليس يضيره ما قد يطنطن من ذبابه
و لا نريد الاسترسال في تعداد التوصيفات التي حفل بها المقال كالادعاء ان الكتاب مجرد ترهات و إنما نود لفت عناية القارئ إلي أن الموضوعية في الكتابة تقتضي الترفع عن الشتيمة و نبذ النزعة الإيديولوجية التكفيرية و ما شابهها من ضروب التمذهب و التعصب و الطائفية ووزن الأفكار بميزان العقل و الروية و تقديم الحجج و التحلي بالروح العلمية و كما يقول ابن رشد فان من يطلب الحقيقة عليه أن لا يبحث عن الحجج التي تفيده هو فقط و إنما تفيد خصمه أيضا فالمعرفة و الفضيلة مقترنتان فمن ا العدل كما يقول الحكيم أن يأتي الرجل من الحجج لخصومه بمثل ما يأتي لنفسه اعني أن يجهد نفسه في طلب الحجج لخصومه كما يجهد نفسه في طلب الحجج لمذهبه )2( و بالتالي توخي البرهان و ترك الخطابة و ما يقترن بها من ديماغوجيا جوفاء جانبا . و رغم ان الرصافي قد عرف بتمرده علي المقدس الإسلامي و التمذهب الملي فان الهاني ينسبه إلي الطائفة السنية و هذا يشير إلي المنحي الإيديولوجي الذي يسم نظرته للأشخاص و الأفكار فهو يقيسها بميزان الكفر و الإيمان و الدين و المذهب و الملة و لا أخال الرصافي إلا و هو يتذمر من هذا التصنيف الضيق و هو الحالم في شعره بعالم أرحب لا تتسع له الأديان و الطوائف مهما كبرت .
أما الإشارة الواردة في الكتاب و التي مؤداها أن الرصافي قد ألفه في الفلوجة فقد بني عليها صاحب المقال بخفة يحسد عليها استنتاجات غاية في الغرابة اذ عصفت نظرية المؤامرة بتفكيره فاعتبر أن المقصد من ورائها الإساءة لهذه المدينة التي هي رمز الصمود و التحدي في سبيل استقلال العراق و حريته و هذه طعنة موجهة لأهل السنةب و بغض النظر عن الرائحة الطائفية الكريهة التي تفوح من هذا الكلام الذي يقسم الشعب العربي في العراق إلي سنة و شيعة الخ ..فان ما لا يعرفه الهاني أن الرصافي عاش فعلا في هذه المدينة و ألف فيها كتابه فقد قال الرصافي نفسه ما يلي و منذ اختياري للفلوجة عزمت علي تأليف كتابي الشخصية المحمدية ) 3( أما مصطفي علي صديق الرصافي فان في ما كتبه سنة 1948 ما يحسم مسالة نسبة الكتاب و تأليفه في الفلوجة حيث نقرا وعندما هجر بغداد و اتخذ من الفلوجة معتزلا رأي الوضع هناك ملائما و الزمن مواتيا فصمم علي أن يكتب كتابه الذي كان يحدث نفسه بكتابتهب)4( و يقول نجدت فتحي صفوت ما يلي بخصوص الكتاب و لعل أهم مؤلفات الرصافي المخطوطة و أخطرها كتاب الشخصية المحمدية .... و قد راودت الرصافي فكرة تاليفه عام 1929 و شغل عنها زمنا ثم كتبه خلال إقامته في الفلوجة بين سنتي 1933 و 1941 و توجد نسخة مصورة منه عن النسخة التي كتبها الرصافي بخطه محفوظة في مكتبة المجمع العلمي العراقي ببغداد )5( كما ذكر الكتاب ايضا ميخائيل عوا د في كتابه فهرس المخطوطات العراقية و توجد نسخة منه محفوظة في جامعة هرفارد.
و يذكر مصطفي علي ما كان من سعة اطلاع الرصافي علي السيرة النبوية قائلا و المعروف عندنا نحن أصدقاء الرصافي و جلساءه انه كان محيطا بالسيرة النبوية إحاطة تامة قبل أن حدثته نفسه بالكتابة فيها و قد درسها دراسة تمحيص و إتقان و قراها بكل تدبر و إمعان فنفذ إلي أعماقها و أغوارها حتي أننا كنا إذا احتجنا إلي بحث في السيرة النبوية أو اختلفنا في شئ منها رجعنا إليه نسترئيه فأغنانا عن تتبعها في مظانها )6( كما يقول كان الرصافي يكتب كتابه بالفلوجة و كلما أنجز منه شيئا أخذته منه فنسخته و لم يكن الرجل ضنينا بكتابه علي احد بل رأيناه قد مكن من نسخه كثيرا ممن طلبوا منه أن ينسخوه حتي انتشرت نسخه بين القراء و اطلع عليه من رام الاطلاع )7( و يشير إلي اطلاع أمين الريحاني علي الكتاب و تعليقه عليه قائلا و ممن اطلع علي كتاب الشخصية المحمدية صديقه أمين الريحاني و هو أول من أذاع خبره منوها به فقال في كتابه : قلب العراق ) قد كتب الرصافي في سيرة النبي محمد و أطلعني عليها مخطوطة بيده في سبعة دفاتر من الدفاتر المدرسية فما أدهشني فيها من العلم و التحقيق لان مصادر الموضوع متوفرة لمن شاء معالجته و أحسن البحث و الموازنة ، إنما أدهشني القوة الناقدة و المقدرة علي التحليل و الاستخراج و التفلسف في عقائد لا تستقيم بغير الإيمان و الجرأة و الصراحة مع الاتكال علي العقل و العلم فيهما ( )8( و قد أورد مصطفي علي مقاطع كاملة مما ورد في كتاب الرصافي تتوافق مع ما جاء في النسخة المنشورة في ألمانيا بل انه يذكر ما كان يدور من نقاش بينه و بين الرصافي أثناء تأليفه للشخصية المحمدية .
و يتساءل صاحب المقال لماذا لم ينشر الكتاب عندما كان الرصافي علي قيد الحياة و فاته أن صاحبه هو من طالب بذلك متمنيا أن يتم النشر في زمن غير الذي عاشه علّ أجيال جديدة تأتي فتكون قادرة علي هضم محتواه . و يبدو أن رجاءه هذا قد خاب فأمثال الهاني لا يزالون يكفرون الأفكار في دنيا العرب و لا يسمحون حتى للموتى بان ينشروا آراءهم التي مرت عليها عشرات السنين بل إنهم كفروا حتى أولئك الذين تفصل بيننا و بينهم عديد القرون مثل ابن عربي و ابن رشد و الرازي الطبيب و الأصفهاني الخ.. فضلا عن قتل الأحياء أمثال مهدي عامل و حسين مروة و فرج فوده و الطاهر جاووت و غيرهم .
و في معرض الإجابة عن السؤال المتعلق بهوية المؤلف الحقيقي للكتاب تفتقت قريحة الهاني علي اكتشافات لا نعتقد أن أحدا غيره يمكن أن تحدثه نفسه بها إذ يذكر انه لا يمكن أن يكون يهوديا لان في الكتاب تعريضا باليهود لقتلهم المسيح و لا يمكن أن يكون مسلما لأنه يخلو من قول صلي الله عليه و سلم و لأنه يتحدث عن المسلمين مما يعني انه ليس منهم ، و إنما هو من تأليف احد المسيحيين و الحجة علي ذلك تقديسه للمسيح و التقاء مضامينه مع مضامين كتابات فوكوياما و هنتغتون و من اسماهم المسيحيين الجدد ) الأصح المحافظين الجدد( فيا لها من حجج دامغة ؟
غير أن المتصفح للكتاب لا يجد هذا الذي ذكره من تقديس المسيح و قد خلا المقال من أية حجة تفيد ذلك أما إنكار الإسلام كدين مقدس فان العديد من المفكرين العرب قديما و حديثا قد فعلوا ذلك فلماذا لا يكون الرصافي واحدا منهم و هو القائل :
أحب صراحتي قولا و فعلا و اكره أن أميل إلي الرياء
و لست من الذين يرون خيرا بإبقاء الحقيقة في الخفاء
و لا ممن يري الأديان قامت بوحي منزل من الأنبياء
ولكن هن وضع و ابتداع من العقلاء أرباب الدهاء
الم ينكر ابن الراوندي القران قائلا إذا كان يتفق مع عقلي فلي عقلي و إذا ذا كان يختلف معه فلا حاجة لي به فأبطله في الحالتين ، و قد نقل عنه الخياط المعتزلي قوله إن امة محمد ارتدت بعد وفاته و خالفت أمره و بدلت حكمه و أزالت خليفته عن مقامه و أن القران الذي خلفه رسول الله في أمته قد حّرف و بدّل و غيّر و زيد فيه و نقص منه فليس يعرف اليوم محكمه من متشابهه و لا عامّه من خاصّه )9( ؟ الم يؤلف الرازي الطبيب كتابا أنكر فيه النبوات جميعها بما فيها النبوة المحمدية و هو الموسوم بمخاريق الأنبياء و قدم فيه حججا كثيرة تبطل تلك النبوة من ذلك قوله من أين أوجبتم ان الله اختص قوما بالنبوة دون قوم و فضلهم عن الناسب )10( و اللافت ذلك الموقع الذي يشغله العقل في فلسفة الرازي حتى انه قال عنه حقيق علينا أن لا نحطه عن رتبته و لا ننزله عن درجته و لا نجعله و هو الحاكم محكوما و لا و هو الزمام مزموما و لا وهوا لمتبوع تابعا بل نرجع في الأمور إليه و نعتبرها به و نعتمد فيها عليه فنمضيها علي إمضائه و نوقفها علي إيقافه ) .11( و إذا كان الحال هذا فانه لا حاجة في نظر الرازي للنبوة فالعقل كفيل بهدايتنا إلي سواء السبيل ، كما وجه نقدا لاذعا لأولئك الذين لا يفعلون أكثر من تقليد السائد من الأفكار و ينبرون للدفاع عنها دون برهان فقال إن أهل الشرائع اخذوا الدين عن رؤسائهم بالتقليد و دفعوا النظر و البحث عن الأصول و شدّدوا فيه و نهوا عنه و رووا عن رؤسائهم أخبارا توجب عليهم ترك النظر ديانة و توجب الكفر علي من خالف الأخبار التي رووها من ذلك ما رووه عن أسلافهم أن الجدل في الدين و المراء فيه كفر و من عرض دينه للقياس لم يزل الدهر في التباس و لا تتفكروا في الله و تفكّروا في خلقه و القدر سّر الله فلا تخوضوا فيه و إياكم و التعمق فان من كان قبلكم هلك بالتعمق ، إن سئل أهل هذه الدعوي عن الدليل علي صحة دعواهم استطاروا غضبا و هدروا دم من يطالبهم بذلك ، و نهوا عن النظر و حرضوا علي قتل مخالفيهم . فمن اجل ذلك اندفن الحق اشد اندفان و انكتم اشد انكتام و إنما أتوا في هذا الباب من طول الإلف لمذهبهم و مّر الأيام و اغترارهم بلحي التيوس المتصدرين في المجالس يمزقون حلوقهم بالأكاذيب و الخرافات )12(
الم يعارض شعراء و كتاب مثل ابن المقفع و أبي العلاء القران و لحق بهم ما لحق من أهل زمانهم . و غني عن البيان أن العديد من هؤلاء لم يستعملوا عبارة صلي الله عليه و سلم و هو ما درج عليه أيضا باحثون معاصرون لنا مثل هشام جعيط و الطيب تزيني و صادق جلال العظم وأبوعلي ياسين و نصر حامد أبو زيد و هادي علوي الخ.. و ذلك لسبب بسيط و هو تفريقهم بين المعرفة و الإيمان ... فهل ذلك موجب لإثارة نزعات الكراهية و التعصب ضدهم ؟ ألا يندرج كتاب الرصافي ضمن الصراع بين خطين متضادين في الثقافة العربية الخط الإيماني النقلي و الخط العقلاني النقدي ؟
أما بخصوص وشائج الصلة بين الكتاب و مؤلفات فوكاياما و هنتنغتن فان هذه حجة ضعيفة أخري فطالما أن فوكوياما يقول ان الإسلام يشكل نظاما إيديولوجيا و دعوته ذات طابع شمولي لتوجهه إلي الناس كافة كما انه يحمل مضمونا اجتماعيا سياسيا فان كتاب الشخصية المحمدية الذي يقول الشئ ذاته لا يمكن أن يكون صاحبه إلا من المحافظين الجدد غير أن ما قاله هنتغتن ليس اكتشافا لم يسبقه إليه احد فقد أكده مفكرون عديد ون حتى أننا لو أخذنا مثلا نقيض الدعوة التي ينطق بها فوكوياما و نعني الماركسية سنجد أن ماركس و أنجلس قد قالا عن الدين الإسلامي الشئ ذاته فانجلس يري أن خراب تجارة الجنوب العربي قبل محمد هو العامل الذي يعتبر بحق واحدا من العوامل الرئيسية في الثورة المحمدية )13( كما يقول أيضا في معرض تفسيره لنشأة الإسلام يبدو أن العرب حيث كانوا قد استوطنوا في الجنوب الغربي كانوا شعبا لا يقل مدنية عن المصريين و الأشوريين و غيرهم كما يتبين ذلك من المباني التي شيدوها ، هذا أيضا يفسر الشئ الكثير عن الفتح المحمدي . و بقدر ما يتعلق الأمر بهذه الصورة التي هي الدين يبدو استنتاجا من الكتابات القديمة في الجنوب حيث ما زال التراث العربي القومي القديم تراث دين التوحيد هو الغالب و الذي لا يؤلف التراث اليهودي إلا جزءا صغيرا منه ، يبدو أن ثورة محمد الدينية شانها شان كل ثورة دينية كانت من الوجهة الشكلية ردة ، رجوعا معلنا نحو القديم ، نحو البسيط )14( ثم ألا يكون مضمون كتاب الرصافي اقرب إلي الماركسية خاصة و أن الشاعر عرف كما يذكر الهاني نفسه بنزعته الاشتراكية و امتدح لينين قائد الثورة البلشفية في شعره ؟ و من هنا فان ربط محتوي الكتاب باليمين المحافظ في أمريكا علي وجه الحصر فيه الكثير من التسطيح و الإساءة .
إن قول الرصافي الوارد في الكتاب و الذي لم يرق للهاني إن الغاية ليست بدينية محضة إنما الغاية التي يرمي إليها محمد هي إحداث نهضة عربية دينية اجتماعية سياسية تكون عربية المبتدأ عالمية المنتهي لا ينبغي أن يفهم إيمانيا / تكفيريا و إنما فلسفيا / عقلانيا فإذا شئنا التكفير سنقول كما قال الهاني في التعليق علي ذلك : الشك في الديانة واضح )هنا(ب أما إذا كان القصد خلاف ذلك فسوف نقول إن الإسلام قد أدي فعلا هذه الوظيفة في لحظته التاريخية حتى أن باحثا مثل جعيط قد أشار إلي هذا قبل سنوات قليلة ، و لا نعرف لماذا لم يعلق الهاني علي كتابه بمثل ما قاله بخصوص كتاب الشخصية المحمدية ، يقول جعيط أما الإسلام المحمدي و قد جاء في فترة عمت المسيحية فيها علي المشرق برعاية الدولة و كذلك المزدئية في إيران برعاية الدولة أيضا فقد كان مدينا بنجاحه الفوري تقريبا لتهميش الجزيرة العربية و لغياب الدولة القمعية بالضرورة لكن أساسا لتكوين جماعة مسلحة فنواة دولة فالسياسة بكل ما تعنيه من دبلوماسية و سلطة و حرب فمصالحة هي التي أكسبته النجاح و الاعتراف به في الحجاز )15( و يقول هادي العلوي الشئ ذاته تقريبا فبرأيه لم يكن مقدرا لمحمد علي الرغم من طول الأمد الذي قضاه في مكة أن يكون مسيحا ثانيا ، ان الدور الذي رشحته المرحلة لأدائه لا ينهض به واعظ ديني و سيكون من التعقيد بحيث لا يتحدد في إطار الدين المحضب )16(
و ما قلناه آنفا ينسحب علي تلك المماثلة بين قول الرصافي بان الإسلام انتشر بحد السيف و قول هنتنغتن الشئ ذاته فهذه الفكرة نجدها في مصادر عدة و قد قال بها مفكرون من مشارب شتي أيضا و من بينهم سيد محمود القمني في كتابه حروب دولة الرسول)17( لأجل هذا قلنا إن الحجة ضعيفة وكان حريا بالهاني عوض اللجوء إلي هذا الأسلوب الممجوج في مناقشة الأفكار بإسنادها إلي أعداء الأمة ا أن يبين خطأها بالبرهان فقد ولي ذاك الزمان الذي نسم فيه كل فكرة لا تعجبنا بأنها مستوردة من أعدائنا .
يؤاخذ الهاني الرصافي لأنه لم يعد إلا إلي مصدر واحد و هو السيرة الحلبية و يري انه اعتمد علي الروايات الضعيفة الواردة فيه و بالتالي فان ما نتج عن الخطأ فهو خاطئ و هذا مجاف للحقيقة فقد اعتمد الرصافي جملة من المصادر ذكرها في ثنايا كتابه اما المصادر الملحقة بآخر الكتاب فاننا نرجح انها من وضع الناشر و قد نظر الرصافي لكتاب السيرة الحلبية نظرة نقدية فوسمه في بعض المواضع بأنهب كلام فارغ )18( كما يقول أيضا ان في كلام صاحب السيرة الحلبية ما يضحك الثكلي )19( معتبرا أن مصدره الأساسي هو أقدم كتاب عن السيرة المحمدية و هو ما ألفه محمد بن إسحاق مبينا أن كل من جاؤوا بعد ه عيال عليهب )20( و هو الذي نقل عنه ابن هشام )21( كما انه اعتمد القران باعتباره أفضل ما ينبئنا بالشخصية المحمدية قائلا ا القران نستطيع أن نعتمد عليه في معرفة محمد أكثر من غيره من الأخبار التي جاءت في كتب السير )22( و يذكر صديقه مصطفي علي بخصوص المصادر المعتمدة من قبله ما يلي ستعار من طه الراوي معجم البلدان لياقوت الحموي و مفتاح كنوز القران و استعار مني تفسير الزمخشري و السيرة الحلبية و بهامشها السيرة الدحلانية و سيرة ابن هشام و زاد المعاد لابن القيم و الاتقان في علوم القران للسيوطيب ) .23( و هذا الذي ذكرناه لا يعني أن الرصافي قد توفرت له كل المصادر و المراجع التي يحتاجها فقد كتب يقول مبررا عدم القدرة عن الإجابة عن سؤال ما إذا كان محمد قد وصل إلي ما وصل إليه بالتفكير الشخصي أم بالتلقين و أنا اليوم عند كتابة هذا في منزل في الفلوجة منقطع عن وسائل البحث و التنقيب ليس لدي من الكتب ما ارجع إليه فليعذرني القارئ إذا قلت له أنني لا استطيع الآن أن أجيب علي هذا السؤال بشئ
)24 ( و قد يكون هذا من قبيل التواضع أو من قبيل التوجس من ردود الفعل التكفيرية تجاه الإجابة الصريحة علي ذلك السؤال رغم الجرأة التي اتصف بها فقد ذكرنا سابقا شهادة احد أصدقائه علي سعة اطلاعه علي السيرة المحمدية.
و قد تضمن الكتاب نقدا للروايات التاريخية حرص فيه صاحبه علي ضرورة التحقيق و التدقيق في قراءة الخبر علي نحو يذكرنا بما قاله ابن خلدون بنفس الخصوص في المقدمة و هو يندرج ضمن المؤلفات النظرية التي تنضاف الي شعر الرصافي و منها الآلة و الدواة و دفع المراق في أخبار أهل العراق و الرسالة العراقية و نفح الطيب في الخطابة و الخطيب الخ ..
ختاما نقول إن الشخصية المحمدية من تأليف الرصافي و هو يندرج ضمن حقل معرفي يعني بنقد المقدس و محاولة تحرير العقول من سطوته تمهيدا لتحرر فكري أوسع يحتاجه المضطهدون قبل غيرهم . و من الوهم الاعتقاد أن الامبرياليين الأمريكيين و اضرابهم حريصون علي هذا النقد فهم علي عكس ذلك يأملون إن تظل الأمة العربية علي سباتها الديني ففي جهلها طوق نجاتهم و ليس غريبا أن كتاب الرصافي ممنوع في اغلب الأقطار العربية كما نود لفت الانتباه ان للبحث في مثل هذه القضايا أصوله العلمية و إلا اختلطت الحقيقة بالزيف وصار من يتصدي لها كمثل ذاك الذي لا يستطيع التفريق بين كوعه و بوعه فيستحق السخرية و احيانا الشفقة .
الهوامش
1 الرصافي ، الشخصية المحمدية ، منشورات الجمل ، كولن/ ألمانيا 2002 ، ص 16
2 ابن رشد ، تهافت التهافت ، نشرة مركز دراسات الوحدة العربية ، الطبعة الأولي ، بيروت ,1998 ص 280
3 يوسف عزالدين : الرصافي يروي سيرة حياته ، دار المدي ,2004ص 110ا
4 مصطفي علي ، الرصافي ، الجزء الاول ،منشورات مكتبة المثني ، بغداد ، ص249
5 نجدت فتحي صفوت ،الأعمال المجهولة لمعروف الرصافي، رياض الريس للنشر ،ص 106
6 مصطفي علي ، الرصافي ، مصدر سابق، ص 247
7 المصدر نفسه، ص 253
8 المصدر نفسه ، ص ص 254253
9 الخياط ، كتاب الانتصار، مكتبة الكليات الأزهرية / دار الندوة الإسلامية، القاهرة بيروت 19881987 ، ص 72
10 الرازي ، رسائل فلسفية ، دار الآفاق الجديدة ، الطبعة الرابعة ، بيروت 1980ص 295
11 المصدر نفسه ، ص 18
12 انظر كلام الرازي الوارد في كتاب : من تاريخ الإلحاد في الإسلام،تأليف و ترجمة عبد الرحمان بدوي، سينا للنشر، الطبعة الثانية ، القاهرة ,1993 ص ص 246245
13 ماركس / أنجلس حول الدين ، نقل ياسين الحافظ ،دار الطليعة،بيروت لبنان، ص 97
14 المصدر نفسه ، ص 94
15 جعيط ، في السيرة النبوية ، الجزء الاول ، دار الطليعة ، الطبعة الاولي ، بيروت 1999 ، ص 11
16 هادي العلوي ، فصول من تاريخ الإسلام السياسي، مركز الأبحاث والدراسات الاشتراكية في العالم العربي ، نيقوسيا 1995 ، ص 24
17 سيد محمود القمني ، حروب دولة الرسول،مدبولي الصغير ،الطبعة الثانية ، القاهرة 1996
18 الرصافي ، الشخصية المحمدية ، ص 59
19 المصدر نفسه ، ص 105
20 المصدر نفسه ، ص 53
21 ابن هشام السيرة النبوية ، مؤسسة المعارف ، بيروت لبنان 2005
22 الرصافي الشخصية المحمدية ، مصدر سابق ، ص 53
23 مصطفي علي ، الرصافي ، الجزء الاول ، مصدر سابق ، ص 249
24 الرصافي ، الشخصية المحمدية ، مصدر سابق،ص 20


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.