ميسي يعترف بأنه تلقى علاجا نفسيا بسبب برشلونة    آلاف المتظاهرين يطوقون البيت الأبيض مطالبين بوقف الحرب على غزة    تعليق مثير للأسطورة زيدان على انتقال مبابي إلى ريال مدريد    بوسالم.. حريق يأتي على 13 هكتارا من صابة الحبوب    بتهم فساد مالي واداري.. بطاقة إيداع ضد الرئيسة السابقة لبلدية حلق الوادي    الشركة التونسية للبنك STB ...مؤشرات مرضية وآفاق واعدة    جندوبة: السيطرة على حريق أتى على حوالي 13.5 هك قمح صلب    حفوز.. إماطة اللثام عن عملية سرقة    وزير الشؤون الدينية: أكبر حاجة هذا الموسم عمرها 104 سنوات    قيس سعيّد خلال لقائه برئيس هيئة الانتخابات ...يجب احترام كل أحكام العملية الانتخابية    مباحثات حول إعادة فتح المعبر    وفاة عامل بناء إثر سقوطه من أعلى بناية في المنستير..    الفنان وليد الصالحي يعلن عن تنزيل اغنية جديدة    الصحة العالمية تدعو للاستعداد لاحتمال تفشي وباء جديد    على متنها 261 حاجا: الوفد الرسمي للحجيج التونسيين يغادر في اتجاه البقاع المقدسة    القيروان: الاحتفاظ بعنصر إجرامي مفتش عنه    قفصة: مباشرة أبحاث مع أستاذ بشبهة تسريب امتحان باكلوريا إلى مترشحين    غدا ناميبيا تونس: المنتخب الوطني يختتم التحضيرات واللقاء دون حضور الجمهور    أبو عبيدة: العدو أنقذ بعض أسراه وقتل آخرين والعملية ستشكل خطرا كبيرا على الأسرى وظروف حياتهم    وزارة الداخلية توفّر الحماية لمربي الماشية    ارتفاع إنتاج دجاج اللحم بنسبة 3,7 % خلال شهر ماي الفارط    عاجل/ نشوب حريقين بنفزة وباجة الشمالية وحالة تأهب بداية من اليوم..    يوم 10 جوان.. انطلاق موسم الحصاد بمعتمديتي بلطة بوعوان و فرنانة    نقطة بيع الأضاحي بالميزان في وادي الليل و هذه التفاصيل    عاجل/ هذا ما تقرر في قضية الحطاب بن عثمان..    وزيرة الإقتصاد تتباحث مع وفد من الشركة السعودية الصينية SABATCO فرص الإستثمار والشراكة.    تطاوين الديوانة تحبط محاولة تهريب كمية هامة من السجائر بقيمة تفوق ال1.2 مليون دينار.    أبرز اهتمامات الصحف التونسية ليوم السبت 8 جوان 2024    في هذه الجامعة : تؤدي مناسك الحج وتكلف زميلتها باجراء الامتحان بدلاً منها    عمليات التوجيه الجامعي : وزير التعليم العالي يقدم هذه التوصيات    كأس تونس للكرة الطائرة: الترجي الرياضي من أجل الفوز بالثائي .. والنجم الساحلي لإنقاذ موسمه    رئيس الجمهورية يثير مجددا ملف الشيك دون رصيد    طقس: بعض الامطار المتفرقة بعد الظهر على المناطق الغربية بالشمال والوسط    وفاة رائد الفضاء وليام أندرس في حادث تحطم طائرة    موعد جديد لنزال تايسون و'اليوتوبر' جيك بول    عاجل/انتشال 11 جثة مهاجر غير شرعي من البحر قبالة سواحل ليبيا    الفلبين: تحظر واردات الدواجن من أستراليا لهذه الأسباب    جندوبة تحتفل باليوم العالمي لسلامة الأغذية تحت شعار "تأهّب لغير المتوقع "    وزارة التربية توضّح مسألة تمتيع المتعاقدين بالتغطية الصحية    محمد كوكة أفضل ممثل في مسرحية كاليغولا بالمسرح البلدي بالعاصمة    الفنان والحرفي الطيب زيود ل«الشروق» منجزاتي الفنية... إحياء للهوية بروح التجديد    علي مرابط يشيد بدور الخبرات والكفاءات التونسية في مجال أمراض القلب والشرايين    مريم بن مامي: ''المهزلة الّي صارت في دبي اتكشفت''    يوم تحسيسي حول المستجدات الدولية والوطنية في مجال مكافحة المنشطات    مسؤول بال"شيمينو": هذا موعد عودة نقل المسافرين بالقطار بين تونس والجزائر    قبلي: انطلاق فعاليات المنتدى الاقليمي حول فقر الدم الوراثي بمناطق الجنوب التونسي    تشيلسي يتعاقد مع مدافع فولهام أدارابيويو    الإعلان عن موعد عيد الاضحى.. هذه الدول التي خالفت السعودية    مناسك الحج بالترتيب...من الإحرام حتى طواف الوداع    موعد صيام يوم عرفة...وفضله    تطاوين : بدء الاستعدادات لتنظيم الدورة السابعة للمهرجان الدولي للمونودراما وإسبانيا ضيف شرف    المنتخب الوطني التونسي يصل إلى جنوب إفريقيا    اكتشاف السبب الرئيسي لمرض مزمن يصيب الملايين حول العالم    هند صبري تلفت الأنظار في النسخة العربية لمسلسل عالمي    الإعلان عن الفائزين في المسابقة الوطنية لفن السيرك    مُفتي الجمهورية : عيد الإضحى يوم الأحد 16 جوان    عاجل/ قرار قضائي بمنع حفل "تذكّر ذكرى" المبرمج الليلة    اليوم رصد هلال شهر ذي الحجة 1445    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العولمة،العمل اللائق وآفاق العمل النقابي
بقلم عبد المجيد الجمل
نشر في الشعب يوم 25 - 08 - 2007

منذ أواخر الثمانينات من القرن العشرين إلى اليوم ،أصبحت العولمة بأبعادها المختلفة ( الاقتصادية ، الاجتماعية والثقافية) ...واقعا تعيشه كل شعوب العالم ..وعلى عكس ما نظر إليه العديد من الفاعلين في العولمة مثل البنك الدولي والمنظمة العالمية للتجارة ومنظري الليبرالية الجديدة خريجي مدرسة شيغاغو بقيادة ميلتن فيردمان ( أحد ألد أعداء جون ماي نار كاينزJohn Maynard Keynes ،الذي كان منذ فترة الثلاثينات من القرن العشرين من أبرز المنظرين الليبراليين المدافعين عن دولة الرعاية الاجتماعية ) ،بأن كل الدول و الفئات الاجتماعية ستستفيد من العولمة ..فان الواقع الذي نعيشه يبين عكس ذلك .فبالإضافة إلى استئثار ا لعالم المتقدم بأغلب المكاسب وخصوصا الشركات المتعددة الجنسيات، فان هجوم العولمة على عامل العمل كان كاسحا ،حيث ساهمت في انتشارا لعمل غير اللائق بصفة غير مسبوقة ،وساهمت أيضا في ضرب العمل النقابي1..،
لأنها تعتبره بشكله القديم ، من مخلفات الحرب الباردة. وهذا ما جعل ،العديد من المنظمات العالمية المدنية مثل الاتحاد الدولي للنقابات الحرة ومنظمة العمل الدولية ،تنظم بعد تردد إلى المناهضين للعولمة بشكلها الحالي ،وتطالب بإصلاحات جوهرية من أجل عولمة عادلة. وفي هذا السياق سنتناول الإشكاليات التالية
- معاداة العولمة للعمل اللائق وللنقابات
-الاستراتجيات النقابية،للنضال من اجل العمل اللائق
- معاداة العولمة للعمل وللنقابات
1) مفهوم العمل اللائق
يقصد بالعمل اللائق، العمل المنتج الذي تكون فيه الحقوق محمية والذي يوفر دخل كافيا وحماية اجتماعية مقبولة، وهو يعني أيضا العمل الكافي، بمعنى أن تتوفر للجميع الإمكانية التامة للوصول إلى فرص لكسب الدخل.2.. وانطلاقا من هذا التعريف فان العولمة بشكلها الحالي ، ساهمت في ضرب العمل اللائق والعمل النقابي .
2) العولمة تساهم في ضرب العمل اللائق
أ- العولمة تساهم في تكريس الفقر
قد يتبادر إلى الأذهان أن هذه المسالة ليست لها علاقة بموضوع الدراسة، لكن القراءة المتأنية لمفهوم العمل اللائق تبين أن العلاقة جدلية، فمن شروط العمل اللائق الدخل الكافي...لكن الواقع الذي نعيشه في القرن الواحد والعشرين يبين أن العولمة التي ساهمت في ضرب العمل اللائق ،كانت من الأسباب الرئيسية لانتشار الفقر على نطاق واسع وازدياد التفاوت الاجتماعي ، كما تؤكد المعطيات التالية على ذلك .
- في بداية القرن العشرين يعيش أكثر من مليار نسمة في العالم بأقل من دولار في اليوم .
- في نفس الفترة يعيش أيضا 2.7 مليار ساكن أي حولي %48 من مجموع سكان العالم بأقل من دولارين .وذلك حسب تقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة للتنمية في 7 جانفي 2007 .( 3/2 هذا الرقم من النساء ).
- تشير الأرقام الرسمية لسنة 2007 إلى بلوغ عدد العاطلين عن العمل بالعالم حوالي 200 مليون .
-يعاني أكثر من 840 مليون شخص من الجوع المزمن .
إن هذه الأرقام المفزعة تشير إلى بعض افرزات العولمة التي كان من بعض ضحاياها العمال ...فانتشار ظاهرة العمل الوقتي والمناولة ،كانت أحد الأسباب التي ساهمت في تراجع نصيب العمال من الدخل القومي الخام وبالتالي الفقر.
ب) الشركات المتعددة الجنسيات وحلفاؤها يعادون العمل اللائق
إن من مظاهر العولمة ،انسياب التجارة والاستثمارات العالمية بشكل غير مسبوق ،مما أثر سلبا على ظروف العمل 3 حيث أصبحت الشركات المتعددة الجنسيات تطالب ،إما بقبول ظروف عمل غير لائق ( أجور ضعيفة ، مناولة وعقود مؤقتة )أو الهجرة إلى الخارج ، وفي هذا السياق سأشير إلى ما أثبتته إحدى الدراسات حول التحرير الشامل لتجارة النسيج ، الذي تم الشروع فيه في 1 جانفي 2007( مع انتهاء العمل باتفاق النسيج- الملابس لسنة 1994 ) . إن تطبيقه ساهم في تضرر العديد من الدول مثل سريلانكا ، بنغلاداش والمكسيك ( بالرغم من كون العديد من رجال الأعمال أعلنوا أنها ستكون من أكبر المستنفدين من العولمة) ،وبالفعل فان هذه الدول ،بعد ثلاث سنوات خسرت حوالي 200 ألف موطن شغل ( الإلكترونيك والتجميع ).وحسب توقعات الخبراء ،فان البنغلاداش وحدها ستخسر ما لا يقل عن مليون موطن شغل في ميدان النسيج وحده ، وأغلب هذه الشركات هاجرت إلى الصين 4 .إنّ تأثيرات العولمة لم تقتصر على جنوب شرق آسيا ،بل تشمل حاليا العديد من دول إفريقيا ، فتونس مثلا التي يشغل فيها قطاع النسيج حوالي 250 ألف عامل ( 46 % اليد العاملة الصناعية )،يشهد بعض المشاكل منها غلق عدة مؤسسات ،طرد مئات العمال .وهكذا فان العولمة ،جعلت رأس المال يهاجر نحو المناطق ذات الأجور الضعيفة ، والتي يكون فيها العمل النقابي ضعيفا مثل الصين ،لان الشركات الرأسمالية تعتبر اليوم أن وجود نقابات قوية نسبيا تعرقل تطور الإنتاج والانتاجية .
3) العولمة تناهض العمل النقابي
يعتبر حق تكوين النقابات و نشاطها الحرّ و المستقل من الشروط الأساسيّة للعمل اللائق، لكن منذ حوالي عشرين سنة تكاثفت الممارسات المعادية للعمل النقابي من خلال ما يلي:
* حسب تقارير الاتحاد الدولي للنقابات الحرّة قتل بالعالم سنة 2003 حوالي 129 نقابيا بسبب أنشطتهم النقابيّة.
*تعدّد ت أيضا عالميا ظاهرة طرد النقابيين...و اختلفت هذه الأوضاع المتردّية حسب المناطق لكن أكثر المناطق تضرّرا دول إفريقيا واسيا ، لكن ذلك لا ينفي التجاوزات ببقية المناطق .
أوروبا شهد العمل النقابي ولا يزال أزمة غير مسبوقة خصوص بدول أوروبا الغربية برزت من خلال ما يلي
* حاليا تتراوح نسبة المنخرطين بالنقابات العمالية ببريطانيا ،البرتغال وألمانيا بين %29 و %20 حسب إحصائيات 2004 وهي نسبة ضعيفة جدا بالمقارنة مع الدول الاسكندينافية ، فمثلا السويد سنة 2004 تقدر فيه نسبة المنخرطين بالنقابات العمالية ب% 85 ، وبالإضافة إلى ذلك فان الدول السابقة الذكر شهدت تراجعا على مستوى نسبة المنخرطين بين 10 و %5 في الفترة الأخيرة .أما بفرنسا فان الأوضاع أكثر ترديا ،حيث لاتتجاوز نسبة المنخرطين%22 ، فحتى بالدول السكندنافية التي تعتبر نموذجا على مستوى التنظيم النقابي ،حيث قدر عدد المنخرطين بالنقابات ب %70 سنة 2004 من مجموع النشطين بدول مثل السويد وفنلندا ،فان عدد المنخرطين فيها بالنقابات العمالية شهد تراجعا بين 10 و %15 سنة 2004 ،مما مثل ضربا لإحدى قواعد العمل اللائق .
* إن ضرب الحريات النقابية ، أثناء هذه المرحلة الحالية لم يقتصر على العالم النامي ، بل شمل أيضا الدول التي تعتبر نفسها رائدة في مجال الحريات النقابية ، فمثلا فرنسا في ربيع 2006 تم إيقاف 4500 شخص أثناء المسيرات التي نظمتها النقابات لمناهضة قرار الحكومة إدخال مرونة جديدة على مستوى التشغيل تسمح للمؤجر أثناء العقد الأول بإمكانية طرد العامل اثر نهاية العقد ،مع العلم أيضا أنها تمت محاكمة حوالي 14 % من الموقوفين 8. ان ضرب حرية العمل النقابي بفرنسا لم يقتصر على هذا الجانب ،بل شمل أيضا وضع العراقيل من قبل بعض الشركات مثل ماكدونالد وكار وفر أمام تكوين النقابات .
القارة الأمريكية .مثال , الولايات المتحدة الأمريكية شهد الوضع النقابي منذ 1990 إلى اليوم ترديا غير مسبوق ، وخصوصا في عهد الجمهوريين بقيادة بوش الابن حيث لم يتجاوز عدد المنخرطين بالنقابات %22 ، وشهدت أيضا هذه الفترة العديد من مظاهر تردي العمل اللائق حيث فاق مثلا عدد المسرحين 170 ألفا .
- إفريقيا: تعدّدت الإيقافات في صفوف النقابيين و الذين قدّر عددهم بحوالي 6366 عامل بسبب نشاطهم النقابي ففي الزمبابوي وحدها تم فصل 2800 عاملا بسبب نشاطهم النقابي و ذلك على اثر قيامهم بإضرابات في قطاع البريد.
- الجزائر: تمّ سنة 2004 اعتقال حوالي 13 نقابيا ينتمون للنقابة الوطنيّة المستقلّة لموظفي الإدارة العموميّة، مما يشير إلى تنامي ظاهرة عدم احترام الحريات النقابية بالقطاع العام والخاص ،مع العلم أيضا أن الممارسات المناهضة للناشطين بالنقابة السابقة الذكر تعددت سنة 2005 وخصوصا بمدينة وهران .
- بتونس : شهدت الأوضاع النقابية عدة تطورات ، برزت من خلال تعدد الإضرابات بالقطاع العام خصوصا بين 2004 و 2007 ( عدة إضرابات بالتعليم الابتدائي والثانوي وكذلك الصحة العمومية ) مما يعكس تضرر أوضاع هذه الفئات من العولمة والانخراط السريع لتونس في الاقتصاد الليبرالي، ولكن بالرغم من ذلك فان أوضاع النشاط النقابي بالقطاع العام أفضل بكثير من القطاع الخاص الذي لا تتجاوز فيه نسبة المنخرطين %20 ، ففي هذا القطاع فإنّ معاداة العمل النقابي من قبل الأعراف تزداد من يوم إلى آخر حيث يقع معاقبة النقابيين أو طردهم بطرق مختلفة بمجرّد شعور صاحب رأس المال تفكيرهم تكوين نقابة و هذا ما جعل إمكانية توسيع العمل النقابي في القطاع الخاص تصطدم بعراقيل كبيرة خاصة مع انتشار ظاهرة البطالة
بمصر تعددت في السنوات الأخيرة الأعمال المعادية لحرية العمل النقابي من خلال إجبارها جميع النقابات
على الانخراط في الاتحاد النقابي المصري - ETUF- المعروف بعدم استقلاليته ، وبرزت أيضا معاداة العمل النقابي من خلال تدخل الجيش والشرطة بعنف تجاه العديد من الإضرابات الشرعية والاجتماعات ،مع العلم أنه بصفة عملية لا يحق للنقابات القيام بأي إضراب نظرا لوجود قانون يضيق على هذا الحق ولا يسمح به إلا في حالات استثنائية وبعد مفاوضات مطولة مع الحكومة .
آسيا إن الأوضاع ا كثر فضاعة حيث بلغ عدد المطرودين حوالي 353.128 ألف اغلبهم بالهند حوالي 340 ألف و في كوريا ما يقارب 800 عامل
-. أمّا بالصين فإنّ أقلّ محاولة للقيام بعمل نقابي مستقل وقع قمعها بشدّة و بتهديد من يقوم بها بالسجن
و هكذا فان اكبر الخاسرين من العولمة عامل العمل و خصوصا العمل اللائق بدول العالم النامي، حيث أصبحت لدى القادمين الجدد لسوق الشغل قناعة أنّ الانخراط بالنقابات و الدفاع عن عمل لائق قد تؤدّي للطرد، ففي ظل هذه الظروف يمكننا الاستنتاج أن النقابات كانت اكبر الخاسرين من الترابط الوثيق المتزايد للاقتصاد العالمي و أصبح المسئولون النقابيون دوليا و إقليميا و وطنيا يشعرون أن الحركة النقابية أصبحت مستهدفة و لعلّ تراجع نسبة المنخرطين عالميا من حوالي% 36 إلى% 37 خلال العشرين سنة الأخيرة اكبر دليلا على ذلك .
و هكذا فإنّ العولمة الحاليّة ساهمت في ضرب العمل اللائق و خصوصا بالعالم النامي و أمام توحّد رأس المال، فإنّ النقابات بمختلف أنحاء العالم أصبحت تعتبر النضال من اجل عولمة عادلة و ذات بعد إنساني حتما عبر النضالات المشتركة و إعطاء أولويات للنشاط و من بينها الدفاع عن العمل اللائق عالميا و إقليميا.
II. الاستراتيجيات النقابية من اجل الدفاع عن العمل اللائق
1- عالميا:
إنّ الدور الموكول للنقابات للحدّ من مخاطر العولمة يجب أن يكتسب بعدا عالميا و نضالا مشتركا في عدّة ميادين:
* التشاور بين النقابات عالميا من أجل القيام بنضال مشترك ضد الشركات المتعددة الجنسيات التي لا تحترم شروط العمل اللائق عن طريق القيام بحملات إعلامية تشهر بهذه التجاوزات ،القيام بإضرابات مشتركة ضدها ،أو حملات مقاطعة لبضائعها، إذا لم تستجيب للمطالب العمالية . من بين الشركات المتعددة الجنسيات التي لا تحترم العديد من شروط العمل والموجودة بتونس نذكر كار وفر ، محطات بيع النفط مثلSHELE ,ESSO TOTALE , والعديد من الأمثلة الأخرى.
القيام بحملات مشتركة ضد الدول المناهضة لحق التنظيم النقابي مثل دول الخليج العربي، أو الدول المناهضة لحد أدنى من الحريات النقابية مثل الصين..،لان ذلك يتنافى تماما مع شروط العمل اللائق ، فمثلا حاليا بالصين وجود أجور ضعيفة جدا في ميدان النسيج من العوامل المشجعة للشركات الأجنبية على الهجرة إلى الصين ومن بين البلدان المتضررة من هذا الوضع تونس ، حيث تم إغلاق عدة مؤسسات في هذا المجال
إن الدور الموكول للاتحاد العام التونسي للشغل عالميا ، هو تنسيق نضاله عالميا مع بقية النقابات ومنظمات المجتمع المدني من أجل الضغط على منظمة التجارة العالمية ، حتى ترسي تقاليد استشارة فعلية مع النقابات ومنظمة العمل الدولية .... حتى تعرض وجهات نظرها أمام اللجان وفرق العمل ،وأثناء المفاوضات و المؤتمرات ،باعتبارها الطرف الموكول إليه الدفاع عن المكاسب الاجتماعية والتي لم تعرها منظمة التجارة العالمية وكذلك البنك الدولي أثناء مفاوضتهما مع الدول اهتماما يذكر ،مما ساهم في ضرب المكتسبات الاجتماعية ويهدد مستقبلا العديد من المكتسبات الأخرى في عدة قطاعات ومن بينها .
- ميدان الخدمات: هناك إجماع من قبل اغلب النقابات الأوروبية و كذلك العديد من الدول النامية: أنّ القسم المتعلّق بالمفاوضات في إطار الاتفاقيّة العامة للخدمات ، يهدّد فعلا الخدمات العموميّة و بالتالي العمل اللائق (الصحّة التعليم...) و على هذا الأساس يجب أن تدفع النقابات حكوماتها إلى تعديل المادة 3 للاتفاقيّة العامة للخدمات بكيفيّة تجعل كل حكومة بإمكانها المحافظة على الخدمات العموميّة المناسبة لظروفها دون أي تهديد باتخاذ إجراءات قضائية من شأنها أن تجبر هذه الدول على فتح القطاعات في وجه المنافسة ، مع العلم إن العولمة كما ينظر إليها البنك الدولي والمنظمة العالمية للتجارة ،نجاحها مرتبط بفتح كل القطاعات أمام الخوصصة والمنافسة وبالتالي سلعنتها ، بما في ذلك المستشفيات العمومية ، التعليم والصناديق الاجتماعية
- الفلاحة و الأمن الغذائي : بعد 12 سنة من تحرير تجارة المواد الفلاحيّة عالميا تضرّرت الدول النامية و خصوصا العمّال حيث ازدادت البطالة بالأرياف و العمل الوقتي مما مثّل تدعيما للعمل غير اللائق نتيجة لوجود مواد مدعومة ، فعلى النقابات أن تتكاثف جهودها من اجل تعديل هذه الاتفاقية أو على الأقل أن تطالب البلدان المتقدمة المصدّرة وضع حد حدّ للمساعدات العموميّة التي تقدمها لمصدريها .
أ- قطريا (وطنيا)
إنّ النهوض بالعمل اللائق من أوكد الاستراتيجيات الموكولة للاتحاد العام التونسي للشغل بالحوار مع الحكومة و الاتحاد التونسي للصناعة و التجارة و على هذا الأساس يجب القيام بحملة على المستويات التالية :
يقع تكليف النقابات الأساسيّة بمتابعة ظروف العمّال(الصحيّة ، السلامة المهنيّة، ساعات العمل، العمل الوقتي) و تقع متابعتها في البداية جهويّا وإرسال تقارير للهياكل الوطنية وللمكتب التنفيذي كل ثلاثة أشهر
ان لم يقع حلّ التجاوزات محليا بالتشاور مع أطراف الإنتاج الأخرى ، تقع متابعتها من قبل الهياكل العليا بالاتحاد(كما هو معمول به ببعض الدول الأوروبية و خصوصا السكاندينافية)
مطالبة الاتحاد العام التونسي للشغل الحكومة بسنّ قانون يلزم الأعراف بتطبيق معايير العمل اللائق، وكل من لا يقوم بتطبيق ذلك يتعرّض إلى عقوبات و بالخصوص في بعض الميادين ( مثل تشغيل الأطفال، التمييز بين الجنسين، عدم توفر ظروف صحيّة ملائمة للعمل)
إنّ التصدّي أيضا لتزايد العمل غير اللائق يكون عن طريق مساهمة النقابات العمّاليّة في المفاوضات حول الأجور و الحماية بل و أيضا القدرة التنافسية و الإنتاجية
- إنّ تجربة الخوصصة سواء بتونس أو بالعديد من البلدان النامية و كذلك المتقدّمة أثبتت أن هذه العمليّة تزامنت مع تدهور العمل اللائق و هذا باعتراف البنك الدولي نفسه في تقرير صادر سنة 2003 ، و على هذا الأساس، من الضروري تكفّل الهياكل المختصّة بالقيام بدراسات في هذا المجال و دعوة الحكومة إلى إيقاف خوصصة المؤسسات العموميّة خاصة بعدما أصبحت تشمل قطاعات إستراتيجية و ذات قدرة تنافسيّة عالية، لكن مع إعادة تأهيل القطاعات التي تعاني من مشاكل
المجال التوعوي و الإعلامي. إن الدفاع عن العمل اللائق موكول أيضا إلى العمال والموظفين الذين يجب أن يعوا ، بان المحافظة على الممتلكات العمومية يجب أن يكون عن طريق التخلي عن عقلية « ملك الباي ليك «التي استشرت لدى بعض الفئات في السنوات الأخيرة، لان ذلك يعتبر إحدى العوامل التي توفر الظروف الملائمة للخوصصة وبالتالي تدعم العمل غير اللائق .
الاتحاد العام التونسي للشغل وتجربة الدول السكندنافية .إن هذه التجربة بكل من النرويج،السويد ، الدانمرك جديرة بالدراسة ، فبهذه الدول كما بينا سابقا تسجل أعلى نسب الانخراط بالنقابات ،وأعلى المعدلات على مستوى التنمية البشرية ، وبالتالي فان شروط العمل اللائق أفضل من بقية دول العلم المتقدم ( وذلك على عكس الوضع بفرنسا) .
ب- إقليميا :
إنّ تطوير العمل اللائق و التصدّي للآثار السلبية الناجمة عن العولمة مهمّة صعبة و على هذا الأساس يجب مواجهتها في إطار إقليمي ،فبإمكان للاتحاد العام التونسي للشغل التنسيق مع الدول المنافسة لتونس على مستوى جلب الاستثمارات فيما يخص التعامل مع الشركات الأجنبية و القيام بنضالات مشتركة ضدّ الشركات التي لا تطبق معايير العمل اللائق
إن النضال المشترك يمكن أن يكون بالتنسيق مع النقابات بالمغرب ، الجزائر و موريتانيا ، عن طريق المناشدات مقاطعة البضائع ،الإضرابات الموجهة ضد الشركات المتعددة الجنسيات المناهضة للعمل اللائق بالأقطار الثلاثة .
- إنّ تطوير العمل اللائق في ظل منافسة عالميّة حادة و قدرة كبيرة للمستثمرين الأجانب على المناورة فالعديد منها بإمكانه التحوّل إلى أي منطقة ملائمة يجب أن يجعل من الاتحاد العام التونسي للشغل و اتحاد الصناعة و التجارة و كل مكونات المجتمع المدني بتونس تدرك أنّ مسالة تكوين وحدة مغربية على الأقل مسالة مصيرية، فوجود سوق شاسعة يجعل المفاوضات مع المستثمرين الأجانب لإيلاء مسالة العمل اللائق تصبح مطلبا مقبولا و قابلا للتفاوض
و هكذا يمكن القول أنّ اكبر الخاسرين من العولمة الحالية هو عالم العمل (تدهور العمل اللائق...عقود مؤقتة ، مناولة ، ظروف غير صحيّة ،سلعنة الصحة ،التعليم والصناديق الاجتماعية ..) و على هذا الأساس فإنّ النقابات قطريا و عالميا أصبحت واعية أكثر من أي وقت مضى بضرورة النضال بصفة مشتركة من أجل، جعل العولمة عادلة أو أنسنتها أو فرض البعد الاجتماعي للعولمة لأنّ رأس المال تمكّن من فرض شروطه لأنّه موحد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.