%70 معاملات في السوق الموازية.. قانون جديد لتنظيم التجارة الالكترونية    اليوم..انطلاق عملية تحيين السجل الانتخابي بالنسبة للتونسيين المقيمين بالخارج    تونس تتوج ب 26 ميداليّة في المسابقة العالميّة لجودة زيت الزيتون في نيويورك    هذه أول دولة تعلن الحداد لمدة 3 أيام على وفاة الرئيس الايراني..#خبر_عاجل    أريانة : انطلاق بناء قاعتي تدريس ومدرج بمدرسة النصر1 بتمويل من "فاعل خير"    اليوم انطلاق عملية تحيين السجل الانتخابي    المرصد الوطني للفلاحة: انخفاض اسعار الدجاج والبيض    سمير ماجول: القطاع الفلاحي هو مستقبل البلاد ويجب الاهتمام به لتحقيق السيادة والأمن الغذائيين    اندونيسيا تعرب عن الاستعداد لتطوير التعاون مع تونس في مجال الاستمطار والتحول التكنولوجي للطقس    البرلمان : يوم دراسي حول انضمام تونس إلى بروتوكول اتفاقية المنظمة العالميّة للتجارة بشأن حقوق الملكيّة الفكرية المتصلة بالتجارة    قادة العالم يعربون عن تعازيهم بمصرع الرئيس الإيراني ومرافقيه    المرشح الأول لخلافة الرئيس الإيراني..من هو ؟    في رحلة "الموت" .. السيراليوني "حاجي" مهاجر كألف وألف في البحر (بورتريه)    مجلس صيانة الدستور في إيران يعلن عن إجراءات جديدة عقب مصرع رئيسي    نهائي "الكاف": حمزة المثلوثي رجل مباراة الزمالك ونهضة بركان    كاس تونس لكرة القدم : برنامج مباريات الدور ربع النهائي    كاس تونس لكرة اليد - الترجي الرياضي والنادي الافريقي في النهائي    التوقعات الجوية لهذا اليوم الاثنين 20 ماي..    هبوب رياح قوية غدا الاثنين وانخفاض مدى الرؤية الافقية الى اقل من 1000 م بالجنوب    الفيلم التونسي المغربي "كواليس" يحصد جائزتين في المهرجان الدولي للسينما الإفريقية بخريبكة    المندوبية الجهوية للشؤون الثقافية بسيدي بوزيد تستعد للموسم الثقافي والصيفي 2024    المحلل السياسي حسان القبي يتحدث عن لغز طائرة الرئيس الإيراني    "دبور الجحيم"..ما مواصفات المروحية التي كانت تقل رئيس إيران؟    الحرس الثوري الإيراني: تلقينا إشارة من طائرة الرئيس المفقودة    أولا وأخيرا .. «صف الياجور»    الزمالك المصري يتوج بكأس "الكاف"    الزارات -قابس: وفاة طفل غرقا بشاطئ المعمورة    جندوبة: تحت شعار "طفل ومتحف" أطفالنا بين روائع مدينة شمتو    البنين تعتزم إجلاء 165 من مواطنيها بصفة طوعية من تونس    تراجع توقعات الإنتاج العالمي من الحبوب مقابل ارتفاع في الاستهلاك العالمي    أنصار قيس سعيد اليوم : ''تونس حرة حرة والعميل على برة''    القيروان: الملتقي الجهوي السادس للابداع الطفولي في الكورال والموسيقى ببوحجلة (فيديو)    بعد "دخلة" جماهير الترجي…الهيئة العامة لاستاد القاهرة تفرض قرارات صارمة على مشجعي الأهلي و الزمالك في إياب نهائي رابطة الأبطال الإفريقية و كأس الكاف    الأهلي المصري يعامل الترجي بالمثل    القنصل العام للجزائر في زيارة الجناح الجزائري بالصالون المتوسطي للفلاحة والصناعات الغذائية    كميات الأمطار المسجلة خلال ال24 ساعة الماضية    محلل مالي : البنوك اصبحت تفرض شروطا صعبة في اسناد مختلف أنواع القروض    السيارات الإدارية : ارتفاع في المخالفات و هذه التفاصيل    نابل: اختتام شهر التراث بقرية القرشين تحت شعار "القرشين تاريخ وهوية" (صور+فيديو)    روعة التليلي تحصد الذهب في اليابان    نابل: تضرّر ما يقارب 1500 هكتار : «الترستيزا» مرض خفي يهدّد قطاع القوارص    طقس اليوم ...امطار مع تساقط البرد    في عيده ال84.. صور عادل إمام تتصدر مواقع التواصل    اليوم العالمي لأطباء الطب العام والطب العائلي : طبيب الخط الأول يُعالج 80 بالمائة من مشاكل الصحة    بوسالم.. وفاة شاب غرقا في خزان مائي    المجلس المحلي بسكرة يحتجّ    القصرين: القبض على شخص صادرة في حقه 10 مناشير تفتيش    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    5 أعشاب تعمل على تنشيط الدورة الدموية وتجنّب تجلّط الدم    وزير الصحة يؤكد على ضرورة تشجيع اللجوء الى الادوية الجنيسة لتمكين المرضى من النفاذ الى الادوية المبتكرة    السبت..ارتفاع ملحوظ في درجات الحرارة    دار الثقافة بمعتمدية الرقاب تحتفي بشهرث الثراث    نحو 20 % من المصابين بارتفاع ضغط الدم يمكن علاجهم دون أدوية    المنستير: القبض على 5 أشخاص اقتحموا متحف الحبيب بورقيبة بسقانص    ملف الأسبوع...المثقفون في الإسلام.. عفوا يا حضرة المثقف... !    منبر الجمعة .. المفسدون في الانترنات؟    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رواية «ادريس» للجزائري علي الحمامي نموذجا
من مظاهر الصراع على «اتحاد المغرب العربي»: بقلم: محمد الناصر النفزاوي
نشر في الشعب يوم 27 - 10 - 2007

لو أردنا أن نحصر مشاغل المفكرين السياسيين عندنا لوجدنا انها تنحصر في مشاغل ستة يمكن للمرء ان يتصورها في شكل درجات سلم تصاعدية او في شكل ما يحدثه حجر يلقى به في الماء من دوائر تتسع وتتباعد باطراد.
هذه المشاغل الفكرية السياسية الستة هي:
1) الفكرة القبلية او الجهوية التي نعرفها جميعا في نموذجها الجزيري العربي القديم الذي عبر عنه الشاعر بقوله:
وما قحطان لي بأب وأم
ولا تصطادني شبه الضلال
وليس اليهم نسبي ولكن
معديا وجدت أبي وخالي
وفي نموذجها الشمال الافريقي من خلال تصادم أمواج القبائل البربرية التي لا تعثر اليوم على من يتغنى بها بشكل صريح مثلما كان الشأن قديما وان كانت كثير من الاحداث هنا وهناك تثبت ان بعض مقوماتها ما زالت ثابتة عند الكثيرين.
2) الفكرة الوطنية وهي على عكس ما سبق سيدة الافكار إن لم تكن فعلا فقولا ولقد عرفها احد مؤسسي الحزب الدستوري الجديد في تونس وهو محمود الماطري (1897 1972) على النحو التالي:
«رأيت بدوية جسيمة بيدها حجر تهم بغرزه في الارض لنصب خيمة المخيم الصغير. لقد رمزت بالنسبة إليّ الى تونس الخالدة، تونس حنبعل والكاهنة والاغالبة والزيريين والحفصيين، الى تونس التي ليست رومانية ولا بيزنطية ولا عربية ولا أسبانية ولا تركية ولا فرنسية وإنما تونس التونسية» (محمود الماطري، مسار مناضل بالفرنسية ص 179) مثلما عبّر عنها الدستوري الجديد الشاذلي العياري سنة 1974 عندما أجهش على ما يقال بالبكاء وهو يسمع بخبر الوحدة القذّافية البورقيبة القصيرة العمر التي ستذهب، في نظره، بعلم تونس.
3) الفكرة الثالثة هي الفكرة الاقليمية التي دعا اليها في نفس الوقت تقريبا الشامي الارثوذكسي أنطوان سعادة من ناحية والشمال الافريقي مصالي الحاج وجمعية الطلبة المسلمين الشمال أفريقيين في فرنسا منذ عشرينيات القرن العشرين من ناحية اخرى. ولقد كان سعادة يقسّم المجال الناطق بالعربية الى مناطق أربع تضم كتلا بشرية أربعا تتميز بأختلاف متفاوت في الذهنية أما الوهراني الجزائري مصالي الحاج الذي كان ينشط في الوسط العمالي المهجري الفرنسي ضمن أغلبية أمازيغية متحفظة ازاء الفكرة العربية الناشئة فقد أسس سنة 1926 «نجم شمال افريقيا» الذي ان لم يستند الى نواة فكرية سياسية ترسّخها مؤلفات وكتابات وارفة فلقد زرع منذ هذه الفترة المبكرة بذور الفكرة المغربية التي تأسس اتحاد المغرب العربي سنة 1989 لتجسيدها بعد تعثر دام طويلا.
4) الفكرة الرابعة هي الفكرة العربية سواء في شكلها التقليدي عند ساطع الحصري اي في شكلها المزامن لنشأة الفكرتين الشامية والمغربية في عشرينيات القرن العشرين وثلاثينياته او في شكلها البعثي او الناصري او القذافي ولن نطيل الحديث فيها وعنها لأننا عاصرنا مدّ هذه الفكرة وجزرها مثلما عاصرنا صراعها ضد الفكرة الاسلامية الوهابية السعودية ويمكن للمرء ان يعود الى مواقف أمثال جمال عبد الناصر واحمد بن بلة ومحمد حسنين هيكل من تونس البورقيبية او ليبيا الادريسية او المغرب الحسني الثاني حتى يكون فكرة واضحة عن مدى تناكر الفكرتين العربية والمغربية. لقد كان بورقيبة مثلا يرى على حدّ ما كتب بول بالطا Paul Balta في «المغرب الكبير» (بالفرنسية 1990) نقلا حرفيا عنه «ان الرباط والجزائر وتونس وطرابلس اقرب الى لشبونة ومدريد وباريس وروما من دمشق وبغداد والرياض» وكان خصومه من القوميين والاسلاميين يرون في مثل هذه النظرة شذوذا فكريا سياسيا لا يمكن ان يغفروه لمفكر سياسي خاصة اذا تسلم السلطة وعمل على تطبيق تفكيره في المجتمع مثلما كان شأن بورقيبة الذي يعدّ في هذا السياق نسيجا وحده مما يفسر حديث احمد بن بلة عنه في برنامج «شاهد على العصر» في قناة الجزيرة الاسلامية النزعة (حصة يوم السبت 9 نوفمبر 2002) في لهجة حاقدة لم يخفف منها الزمن ولا تقدم عمر الرئيس الجزائري السابق ولا وعيه المتأخر بتهافت تجربة حكمه الشعبوية اذ صرح متحدثا عن بورقيبة «لا أنا منه ولا هو مني» ليضيف في موضع اخر «أنا عربي وهو غربي».
5) الفكرة الخامسة هي الفكرة الاسلامية التي تتخذ من العرب لا من الانسانية ومن القرن السابع الميلادي لا من تاريخ البشرية الضارب في القدم مرجعا واحدا أحدا لها وتقول تبعا لذلك بالاجتهاد لا بالتغيير وهي فكرة تحتاج لتبرير ظهورها الى رفض ما سبق من أفكار والى تشطين دعاة هذه الافكار وتطمح على اساس ارادوي الى منافسة الفكرة العالمية بالتلويح بعدد المسلمين الهائل.
6) الفكرة العالمية او الاممية التي تتخذ من العولمة فلسفة لها وهي وجهان وجه اشتراكي ووجه رأسمالي ولقد نشأت بذورها منذ القرن الثالث عشر الميلادي وهي بوجهيها ضاربة في مفهوم الحداثة اذ قامت على أنقاض النظرة التقليدية الى الاشياء وهي خير محض او شرّ محض حسب المستفيدين او المتضررين منها شرقا وغربا فيجب عند دراستها الاقلاع عن عزل الثقافي عن الاقتصادي عزلا يذكر بعزل الله عن الطبيعة أو الروح عن الجسد او الدولة عن المجتمع.
وبما ان لكل وحدة من هذه الدوائر الست دعاتها المتحمسين لها الذين يستغلون كل مناسبة للدعوة الى نظرتهم الى الاشياء (ومنها مناسبة طرح قضية الحجاب) فقد رأينا انه قد يكون من المفيد استغلال رواية الجزائري علي الحمامي (1902 1949) Idriss, un roman nord-africainالتي كتبها في بغداد، بالفرنسية، سنة 1941 لبيان أبعاد هذه الخصومة التي هي في نظرنا، تعبير مغلف عن موقف معين من علاقة بلاد المغرب ببلاد المشرق قديما وعصرا وسيطا وحديثا. ولذلك فلن يحصل حولها إجماع لأن الخلاف هو في حقيقة الامر بين دعاة النظرة الميتا تاريخية الى الاشياء من الاسلاميين وغيرهم من دعاة النظرة التاريخية العقلانية مثل علي الحمامي او النظرة التاريخية المادية اليها.
لا تتمكن النظرة التاريخية العقلانية مثلما تظهر عند علي الحمامي من تصور اسلام يتعالى مثل الله عن التاريخ والعرق والبيئة لذلك يرى انه لا توجد أمة اسلامية واحدة لا شيء يميز الاقوام المندرجة ضمنها عن بعضها البعض ولكن توجد أمم اسلامية منها الامة المغربية التي تملك تاريخا خاصا بها على المدارس المغربية ان تمكن له في أذهان التلاميذ المغاربة دفعا لكل عملية إلحاق سياسي فقد كتب في ص 239:
«ان دراسة الماضي بصفتها مرآة تنعكس عليها جملة أمجاد الامة وآلامها انما تتنزل في علاقاتها بهذه الامة منزلة الروح من الجسد. وابن المغرب بقدر ما يستكشف ماضي أجداده يزداد احتراما له وهو يتأمل في هذه العصور التي لعب فيها أجداده دورا يجعل الانسانية مدينة لهم بعض الدين بما هو اكثر تميزا في مكتسباتها بحيث يرتقي الى مستوى ارفع ويدرك بعد ان يكون قد نأى عن الاستخفاف بالوسط الذي يعيش فيه والذي شوهه أنحطاط طال أمده، ان وطنه منجم قيم يكفي بعض النشاط الذكي والشجاعة لتخصيب البذار فيه».
والسؤال الذي لابد من طرحه هنا هو لم (لماذا؟) ظهرت هذه الدعوة الحمّامية الى القومية المغربية بعد الحرب العالمية الاولى؟
لقد كان من نتائج الحرب العالمية الاولى 1914 1918 (الحرب الكبرى) سقوط الخلافة العثمانية. ان الامة الاسلامية تتكون من أقوام أربعة: العرب والترك والفرس والمغاربة. ومرجع كل هذه الاقوام هو الاسلام الذي يتظلل به الجميع على اختلاف اعراقهم (أجناسهم) ومواطنهم لان من شروط الاسلام الذي يقوم، شأنه في ذلك شأن كل الديانات سواء أكانت «منزلة» ام غير منزلة، على نظرة ميتاتاريخية الى الاشياء، نبذ الميز العرقي والوطني. وها ان الحرب الكبرى تلد في المجال الاسلامي الجامع، مفهوما جديدا على هذا المجال، هو مفهوم الوطنية ضمن بلد بلدٍ وهو القومية ضمن مجموعة بلدان متقاربة فظهرت في ايران القومية الايرانية على يدي رضا شاه بلهوي (1878 1944) الذي استولى على الحكم سنة 1925 وأسس حكم العائلة البهلوية (1926) التي ستبقى في الحكم الى ان تطيح بها الثورة الاسلامية سنة 1979 بزعامة روح الله الخميني (1902 1989). وظهرت في تركيا القومية التركية برعامة مصطفى كمال «أبي الاتراك» (أتاترك) (1881 1938) الذي أسس سنة 1923 الحزب الجمهوري واصبح اول رئيس في تركيا التي حرصت حتى على تغيير عاصمتها فأصبحت أنقرة عوضا عن اسطنبول وألغت الخلافة الاسلامية سنة .1924
عن هذا الوضع السياسي الجديد الذي يعبر على مستوى المفاهيم عن نبذ للميتاتاريخية وتبنّ للمذهب التاريخي العقلاني تحدث ساطع الحصري (1880 1969) الذي كان عثمانيا ثم اصبح «أبا القومية العربية» في مذكراته صص 489 490:
«ان الدولة التي كانت حكمت (...) في الماضي لم تكن دولة تركية بل كانت دولة عثمانية اسلامية. ولكن الدولة التي قامت مقامها الان هي دولة تركية بكل معنى الكلمة: انها تركية باسمها وتكوينها و «سياستها» فقيام الدولتين القوميتين (Etat - nations) الايرانية والتركية هو اذن السبب في دعوة الحصري الى قيام دولة قومية عربية تكون عاصمتها مصر ويكون جناحاها الشرق الادنى في المشرق وبلاد المغرب في افريقيا الشمالية مما دفع علي الحمامي تماما مثل أنطوان سعادة (1904 1949) في الشام الى رفض هذه الدعوة التي كان يرى فيها دعوة سياسية الى الحاق بلاد المغرب ببلاد المشرق على ما بينهما من اختلافات دفعت ببلاد المغرب منذ القرن التاسع الميلادي الى الاستقلال بنفسها داعيا الى ان يبحث المغرب عن وحدة خاصة به اي الى وحدة مغربية اذ كتب في «ادريس، رواية شمال افريقية صص 137 138 : «ان التاريخ (يقصد عند المدرسة الميتاتاريخية) لم يكن الا مجموعة نوادر متناثرة مستخرجة (من وريقات كتب) تهتم بمجمل المجموعات الاسلامية اكثر مما تهتم بحياة شعب واحد من هذه الشعوب. ونحن اليوم لسنا نعيش في زمن الخلافة. ومن ناحية اخرى فان المغرب لم يبد البتة استعدادا كبيرا للقبول بالتخلي تخليا صريحا عن استقلاله لا بعد الاسلام ولا قبله». وأضاف في موضع اخر ص 147: «عرف ادريس هذه المرة نهائيا أمرا هو ان روح الشرق قد تغير وانه من الان فصاعدا على كل بلد وهو يعود الى القوانين الخالدة التي أملتها على الدوام الارض والدم والى دروس تاريخه، ان يحرص على خلاصه الخاص. فلقد كانت الفكرة القومية تشق خطاها تحت الفكرة الدينية». ولقد عمد علي الحمامي، مقاومة منه لما كان يرى فيه سياسة إلحاق مشرقية ذات لونين مختلفين (الاسلامي والقومي المشرقيين) الى اعادة كتابة التاريخ المغربي من وجهة نظر قومية مغربية تربط ربطا وثيقا بين التاريخ القديم والوسيط والمعاصر. كيف قرأ الحمامي التاريخ المغربي أولا وما هي مقومات القومية المغربية ثانيا؟ هذان هما السؤالان اللذان نحاول فيما يلي الاجابة عنهما.
حارب علي الحمامي الافكار التي تقول ان للبربر أصولا غربية أو أصولا شرقية على اعتبار ان البحث في اصول الامم البعيدة لا يستند في حقيقة الامر الى غير افتراضات تخدم نوايا سياسية اقتصادية إلحاقية. اما الحقيقة عنده فهي انه اذا كانت الاساطير العربية تتحدث عن انحدار العرب من قحطان وعدنان باعتبارهما بذرتين أوليين للجنس العربي فا ن للبربر أصولا اخرى اذ كتب في ص 22:
«ان عائلة ادريس تنحدر منذ الاف السنين من هذه الجماعات البربرية الاولى التي لا يعرف احد الان لا من اين أتت ولا كيف جاءت لتستقر في هذه الزاوية من المغرب. فمنذ عصور سحيقة سابقة على الفتح الاسلامي ظل الجبل باستثناء بعض الاماكن الساحلية مغلقا اغلاقا تاما في وجه كل دخيل أجنبي «ولذلك استأهل الجبل عند الحمامي صفة» مقياس الصفاء الجنسي المغربي «الذي تقاس اليه نسبة صفاء بقية البلاد المغربية سواء أكانت برية مثل القيروان وفاس أم بحرية مثل طنجة او الجزائر او قرطاج. فالجبل يمثل الحس البربري الاصيل والبساطة والنفور من السفسطة والوطنية الحقيقية والتعلق بالحرية. اما المدينة فهي تمثل عكس ذلك تماما. واذا كانت قوانين التطور تفرض «المدنية» فانه لا مدنية حقيقية الا على اساس من هذه القيم التي نبتت في الجبل. فالاصل المغربي الصافي المقياس هو، اذن، أولا بربري، وثانيا جبلي. وصفات هذا البربري الجبلي كانت دائما صفات االمتحفظ ازاء المدينة حتى لو كانت مغربية مثل فاس والجزائر وتونس. نعم، ان المغاربة هم أخوة في البربرية ولكن أنقاهم هو البربري الجبلي الذي من صفاته النفسية انه: «فردي رغم خضوعه لقوانين العشيرة وفوضوي مزاجا وسجية كذلك ومتعلق بالحرية حتى انه ليفضل بسببها مخاطر الحياة البدائية على الوفرة وعلى أمن المجتمعات المنظمة» (ص 23).
وهذه السمات النفسية تكاد تكون، طبيعة جغرافية، من صفات انهار ووديان بلاد المغرب «هذه الخيوط المائية المتقبلة مثل الرياح التي تهب على المرتفعات انما هي شقيقات كل وديان وأنهر افريقيا الشمالية. انها وان بحجم اصغر، السبو والشلف ومجردة. وهي تماما مثل روح المزارع المحارب الذي تسقي أراضيه، تنتقل فجأة من حالة الساقية البسيطة التي تنقل مياهها الوحلة بين الحصى الملساء في مجرى بلا ماء الى حالة سيل تضطرب فيه الامواج المزبدة التي كونتها أمطار الربيع وذوبان الثلوج» (ص 20) هذا التلاؤم بين الطبيعة الجغرافية والانسان البربري الجبلي اي بين «الارض والدم» بتعبير علي الحمامي، تولدت عنه عند الانسان المغربي سمتان أولاهما نفسية وطنية وثانيتهما نفسية عقلية.
يفصل الحمامي الحديث عن السمة الاولى اي النفسية الوطنية فاذا هي تتمثل في رفض البربري كل دخيل عليه لا يتبربر (الرومان قبل الاسلام) او يتمغرب (الفرنسيون بعد الاسلام) لسبب او لآخر فيذوب في هذه الاغلبية البربرية المغربية الحاسمة بعد ان يكون قد حقق بهذا الاندماج دفعا للحضارة المغربية. فصفاء الدم هنا انما يعني قدرة الجسد البربري، لسلامته الاصلية، على «تمثل» ما دخل فيه من دماء الاقليات واتسام هذه الاقليات بسمات تسهل عملية «التمثل» هذه. هكذا كان شأن الفينيقيين «ابناء عمومتنا» (ص 23) وعرب الاسلام الاول.
جزء كبير من الفصل الاول في رواية «ادريس» المعنون ب «تولد Germinaison» خصصه الحمامي للبحث عن سبب قبول البربر الفينيقيين والعرب الاوائل على العكس مما كان عليه موقف البربر من اللاتينيين والوندال والاغريق حيث كان «الرومان والجرمان والاغريق في عيون البربر سواء» (ص 31).
يفسر الحمامي قبول البربر الفينيقيين باستعداد هؤلاء للتبربر تماما مثلما سيكون شأن العرب المسلمين الاوائل الذين كان يمكن لهم، لو أخذوا بطريقة عقبة بن نافع في الفتح، ان يلقوا ما لقي اللاتين من صمير. وفعلا فان عقبة بن نافع لم يفهم، في نظر الحمامي، احدى سمات الشخصية البربرية وهي الحرية ومن ثم الوطنية فكان اندفاعه سبب قتله.
لم يقتصد بعض مؤلفي الكتب المدرسية وحتى غير المدرسية من المنتمين الى التيارين الديني السلفي والعروبي في لعن القائد البربري كسيلة والقائدة البربرية الكاهنة بسبب مقاومتهما الغزوات العربية والحال ان هذين القائدين لم يكونا في نظر الحمامي، الا تعبيرا عن بعض السمات المميزة للجنس البربري وهي الوطنية ومن ثم التعلق بالحرية. لم اسلم البربر اذن؟ لان الفاتحين اندمجوا في البربر ضمن مصير واحد اصبح الجميع بمقتضاه مغاربة. فمثلما تخلى الفاتحون عن جزء من خصوصيات الجنس العربي، تخلى البربر كذلك عن جزء من خصوصياتهم العرقية. فأصبح بالامكان قبر العبارة بلاد البربر (La Berbérie) لتحل محلها عبارة بلاد «المغرب» وهذا هو بالذات ما يفسر تشبث الاستعمار اللاتيني الحديث بالصيغة القديمة او بصيغة ملطفة عنها وهي «بلاد شمال افريقيا».
ان عبارة الاسلام المغربي» من العبارات التي يكثر الباحثون الغربيون من استعمالها سعيا منهم في كثير من الاحيان الى فصل المغرب عن المشرق فيقاومهم خصومهم من الاسلاميين خاصة برفض هذا المفهوم لانه «تقسيمي» واستعماري. اما الحمامي فهو يحارب مضموني العبارة عند الباحثين الغربيين والاسلاميين جميعا اذ «الاسلام المغربي» عنده هو هذا الاسلام الذي ولد نتيجة الاندماج في ميدان القتال ضد أوروبا، بين القلة من العرب والكثرة من البربر الفاتحين اي هذا الاسلام الذي ولد في الفترة التي ولد فيها «الشعب المغربي الجديد». ف «الشعب المغربي الجديد» ليس هو تماما الشعب العربي وليس هو تماما الشعب البربري ولذلك فان الرابطة السياسية بين الدول المغربية (الاغالبة في تونس ودولة بني رستم في الجزائر ودولة الادارسة في المغرب الاقصى) ومختلف الخلافات في المشرق ستتراخى شيئا فشيئا (ان لم نقل ستنقطع) منذ القرن التاسع الميلادي اي منذ ولادة «الشعب المغربي الجديد» كما ان حضارة جديدة اسلامية مغربية هذه المرة، ستنشأ في صلب هذا الشعب الجديد هي الحضارة الموحدية.
«سلكت السلالات والقادة العرب المسلك نفسه فهم تأفرقوا تماما مثل الفينيقيين. ومن دون ان يفقدوا المزايا الاصلية المميزة لجنسهم اصبحوا مغاربة راسخين خالصين. لقد اندمج أمراء قرطبة (في الاندلس) والاغالبة (في المغرب الادنى) والادارسة (في المغرب الاقصى) والرستميون (الخوارج الاباضية في المغرب الاوسط) والسعديون (حكموا المغرب الاقصى من 1554 الى 1659 قبل ان تحكمه السلالة العلوية الحاكمة من 1659 الى الان) في تاريخ المغرب اندماج المرابطين والموحدين (...) ان سيادة بغداد (في عهد هارون الرشيد والامين والمأمون في القرن التاسع الميلادي) على تونس زمن زيادة الله بن الاغلب لم تكن الا وهما محضا. وحتى الفاطميون لم يجرؤوا البتة رغم اصول مذهبهم الشيعي المشرقية على الوقوف ضد هذا التيار الامتصاصي الذي هو الدليل الجلي على قدرة البلد (المغربي) الادماجية».
هذا فيما يتعلق بالجزء الاول من المسألة اي الجزء الذي تناول بعض اسباب قبول البربر ببعض الوافدين مثل الفينيقيين والعرب وأغفل بعض الاسباب الاخرى ومنها اشراك العرب البربر في مغانم الفتوحات اي السبب الاقتصادي وهو قبول تولد عنه نشأة «الشعب المغربي» وعلينا تتمة لهذا الكلام، ان نبين بعض اسباب رفض البربر قبول بعض الوافدين الاخر مثل اللاتين والجرمان.
سبب فشل «الزواج» البربري اللاتيني الجرماني ليس عقديا فحسب ولكنه عند الحمامي اقتصادي كذلك فالوافدون وهم قلة، رفضوا الاندماج والذوبان في الكثرة البربرية، مدفوعين الى هذا الرفض بوهم التفوق الحضاري فاختاروا عوضا عن الاندماج ادماج الكثرة في القلة. ونحن نلخص كل ما يتعلق بهذه المسألة في شاهد واحد ورد في صفحة 27 من «ادريس»:
«حكمت روما وبيزنطة افريقيا الشمالية بطريقة احتفالية: شيوخ يجلسون على كراس من عاج وقياصرة يكلل الغار جباههم وأباطرة متدثرون بألبستهم القرمزية الالهية يحملون بأيديهم صولجان العالم. لقد لمع سيبيون وماريوس وسيلا وقيصر وأوغسطس في ذلك لمعانا ساطعا سريعا ونالت روما في افريقيا كل ما شاءت: المدن ومقار السلطة وأقواس النصر والمسارح وحلبات المصارعة والمعابد والحمامات المعدنية والقنوات المائية والثكنات والاثار التذكارية والتماثيل، اي نالت كل ما يمكن للحجر في نهاية الامر ان يهب. ولكنها لم تنل شيئا اخر. فسياستها لم تكن من هذه السياسات التي يمكنها ان تجلب اليها قلب البربري. لقد صيغت القوانين الرومانية صياغة تمكن المستوطنين من اقتطاع العزب بالاستحواذ على اراضي المواطن الاصيل بغية ضمان ما يحتاج اليه الشعب الملك من خبز ومن ألعاب سيرك حتى لا يبدي انيابه لطبقة الاشراف التي ولدت على أنقاض وعلى شقاء الاجناس المستعبدة. ان هذا تقريبا هو ما أمكن لأجداد ادريس ان يحصلوا عليه من السلم الرومانية».
ان تاريخ روما القديمة في بلاد البربر يشبه الى حد كبير تاريخ الحكم الاستغلالي الاقتصادي العربي الاول الذي قاومه البربر قبل ولادة الشعب المغربي وسعيه الى الاستقلال عن الدولة الاموية منذ القرن الثامن الميلادي ف «ثورة الخوارج الكبيرة كانت موجهة ضد بعض مظاهر تعسف خلافة دمشق وانتهت الى الانتصار» (صص 137 138)، هذا السعي الى الاستقلال الذي تكلل بالنجاح في القرن التاسع الميلادي عندما استقلت دويلات المغرب سياسيا عن الدولة العباسية. فاذا كانت المسيحية وأدواتها الرومان قد زالت فلأن الرومان أصروا على سياسة الالحاق والادماج واذا كان الاسلام وأدواته العرب الاوائل قد بقيا فلأن هؤلاء قبلوا التمغرب اي الاندماج ورفضوا، نتيجة لذلك، كل سياسة تهدف الى الحاق المغرب بالمشرق وهي سياسة تفترض اذابة الخصائص المغربية المتنوعة في دولتي الشرق الادنى الاموية والعباسية.
وليس بإمكان المرء ان يفهم ابعاد هذه المسألة ان لم يعتبر ان من مرادفات «ثورة الخوارج الكبيرة» «وطنية» الخوارج اذ لا يتحرج الحمامي من استعمال مفهوم الوطنية الرأسمالي الحديث حتى عندما يتعلق الامر بالحضارة التقليدية ما قبل الرأسمالية ولسوف تتولد عن اخذ الحمامي بفكرة الخصوصية المغربية نتيجة خطيرة على المستوى السياسي هي اعتباره ان كل القائلين بالدمج الحضاري قديما وحديثا وسواء أكانوا رجال دين مثل القديس اوقستين (354 430) أم رجال ساسة مثل جوبا الثاني (52 24 ق. م) قديما لا وطنيين في نهاية المطاف لتغليب الحمامي فكرة الوطنية على الفكرة الدينية وان كل القائلين بالفصل الحضاري قديما وحديثا وسواء أكانوا رجال سياسة مثل يوغرطة (160 105 ق. م) ام رجال دين مثل دونات (ت 355) وطنيين لابد من الانتصار لهم.
وما كان الحمامي ليذهب هذا المذهب في دعوته الى القومية المغربية لولا ايمانه بأن الوطني يعلو على الديني ذلك ان الوطني خاص يختص بأمة معينة والديني لا يمكنه ذلك بسبب تعدد الامم في دين من الاديان ومن ثم تعدد المصالح وتضاربها. وفعلا فقد قسّم الحمامي البربر القدماء الى قسمين:
قسم ادماجي مارق لا وطني ضم رجال سياسة ودين على حد سواء ومن اشهر نماذج هذا القسم السياسي البربري يوبا الثاني ورجل الدين أوغسطين وقسم وطني محارب للادماج ضم كذلك رجال سياسة ودين على حد سواء ومن اشهر نماذج هذا القسم السياسي يوغرطة ورجل الدين دونات.
كتب علي الحمامي عن القسم المارق وطنيا صص 27 29:
«هناك صنف لا يتسع له صدر اجداد ادريس بوجه خاص. انه صنف المرتدين وادوات التصفية القومية الذين تخلوا، بعد ان وقع ادماجهم ولتيتنهم (latinisation) ثم تنصيرهم، عن بلد ابائهم وقطعوا رابطة الدم. والقديس أوغسطين، ويوبا هما نموذجا هذه الفصيلة فلقد دار اسقف عنابة في مدار يختلف عن مداره الاصلي. وقد هيأته أورتودوكسيته وإخلاصه لمبادئ دين أفقده مريدو الهيلينية (hellénisme) والعقيدة اللاتينية طابعه الشرقي الى حد اصبح البربري غير قادر على استيعابه، هيأته أوثودوكسيته قلنا، الى مثل هذه الردة على انه ليس تنصر ابن القديسة مونيك (Monique) هو ما أفقد القديس اوقسطين شعبيته في أعين مواطنيه ولكن روميته (romanité) المبالغ فيها وحماس حداثة تنصره واندفاعه اندفاع المبشر. فهذه العوامل هي التي قادته الى تفضيل مغتصبي بلده على أخوته في الدم وعرضته للشبهة في عيون أهله. ان هذا الذي كتب مدينة الله (La Cité de Dieu) قد ابتدأ بنسيان مدينته.
(أما يوبا الثاني الذي نصبته روما أميرا على موريتانيا القيصرية اي تونس الحالية تقريبا فكان) يفكر انه بإمكانه ان يبهر اسياده باستعراض ثقافة مفرطة في التهذيب لم تحقق له قطعا مزيدا من التقدير. لقد كان متزوجا من اميرة (...) ولدت من علاقة حب درامية بين مارك أنطوان وكليوباترا. وقد تبناه أوغست (Auguste) ورباه فكان تقليدا أخرق أبهة أوغست القيصرية فتكدست على رأسه اللعنات والشتائم فرمى به البربر ببساطة لا مزيد عليها في الحراق orties».
ومن يقرأ بترو «رواية علي الحمامي» «ادريس» فسوف يلتقط في مواضع عديدة اشارات الى ساسة مغاربة سلكوا في القرن العشرين ازاء فرنسا واسبانيا سلوكا يذكر بما وصف به الحمامي الملك البربري يوبا الثاني في القرن الثاني قبل الميلاد.
اما القسم الوطني من البربر فقد عدد الحمامي خصاله فكتب عن السياسي يوغرطة: «لكن سقوط قرطاج لن يفت في عضد البربر فقد تسلم بطل قومي العلم الذي انفلت من الايدي القرطاجنية وبرز يوغرطة في الميدان مستعملا وسائل نضال جديدة (...) انه ما من شك في ان اجداد ادريس الذين تملكتهم الدهشة والمفاجأة في آن واحد قد سمعوا كلمات الاحتقار التي وجهها القائد النوميدي الكبير صوب روما من اعلى ربوة الجانيكول بعد ان جلب الى صفه مجلس الشيوخ بالثمن المتفق عليه وبعد ان فضح مكائد مبعوث الوالي: «أيتها المدينة القذرة كل شيء فيك يباع».
وكتب عن رجل الدين البربري دونات، ص 31: «ينتمي دونات أسقف قرطاج، على الرغم من انشقاقه، الى كنيسة افريقيا. كان مثل القديس أوغستين بربريا ولكنه على عكس أبي الكنيسة الشهير لم يرتد عن اصوله ولم تمنعه صفة وظيفته الكهنوتية من تمييز الفروق التي تربط الدين بالسياسة. كان يعيش بين المؤمنين التابعين له يقاسمهم الالام والامال لانه كان اقرب الى روح الاناجيل من مواطنه الشهير. وعندما اقتنع دونات بتقصير الكنيسة المتعمد وبأن المظالم الاجتماعية تلقى تسامحا من البابوية ومن الاسقفيات رفض الخضوع للتوجيهات البابوية. لقد تعرض لحرم الكنيسة وامتحان الكنيسة والملكية ولكنه تعزى عن ذلك بأن نفث في انتفاضة مواطنيه قوة روحية اضطرت الكنيسة الى ان تقف وجها لوجه امام مسؤولياتها. وكان ذلك هو اصل نضال ال «سيركونسيليون ضد التعسف الروماني».
ومن يقرا بترو رواية علي الحمامي «ادريس» فسيلتقط في مواضع كثيرة اشارات الى رجال دين ورجال سياسة مغاربة ما كان لهم ان يحظوا بما نالوه من حظوة لولا حسهم الوطني الحاد (ابن تومرت في القرن الثاني عشر الميلادي وعبد القادر الجزائري الذي تصدى لغزو لويس دي بورمون الجزائر سنة 1830 ومحمد بن عبد الكريم الخطابي في القرن العشرين مثلا).
هذا التعلق بخصوصيات المغرب حتى على مستوى الدين وهذا النفور من التيارين القومي والاسلامي هما اللذان دفعا الحمامي، بعد ان فرغ من الحديث عن سمة التميز البربري على المستوى السياسي اي الوطنية ورفض اي سياسة الحاقية سواء أكانت شرقية أم غربية، الى محاولة البحث في ما تتصف به «الذهنية» المغربية من صفات تميزها عن غيرها من الذهنيات اي البحث في السمة النفسية وهذه السمة الثانية اكثر تعقيدا من السمة الاولى لانها تفترض ان يقنعنا الحمامي بأن السمة النفسية العقلية البربرية قديما والمغربية في العصرين الوسيط والحديث هي سمة يتميز بها المغربي عن غيره من المنتمين الى الامم الاسلامية الثلاث: العرب والفرس والترك.
لا يتعرض علي الحمامي في «ادريس» لما يتصل بهذه المسألة عند الترك والفرس اذ يحصر المقارنة في المجالين البشريين، المجال المشرقي والمجال المغربي فيقابل بين الثلاثي المشرقي ابن حنبل (780 855) ضمنا اي من خلال محمد بن عبد الوهاب (1703 1792) والغزالي (1058 1111) من ناحية والثلاثي المغربي ابن تومرت (ت 1130) والوليد بن رشد (1126 1198) وعبد الرحمان ابن خلدون (1232 1406).
عندما نلقي بأبصارنا بعيدا في التاريخ، اي الى القرن التاسع الميلادي، نلاحظ ان مرجع دعاة النظرة الميتاتاريخية احمد بن حنبل الذي يكثر انصاره من الاستشهاد به دينيا قد حدد في بعض الجمل القاطعة تصوره لما يجب ان تكون عليه العلاقة بين مختلف الامم الاسلامية انطلاقا من مرتبية سياسية تتنزل العائلة الهاشمية فيها منزلة المركز وتتنزل فيها بقية الاجناس الاسلامية منزلة الاطراف اي انه اسس لاسلامية مركزية، دفعته نظرته الميتاتاريخية الى ان يرى فيها ما يشبه «نهاية التاريخ» اذ كان يرى ان : «الخلافة في قريش ما بقي في الناس اثنان، ليس لأحد من الناس ان ينازعهم فيها، ولا نقر لغيرهم الى قيام الساعة» مما يفسر ان بعض من يعارضون هذا المذهب (المتوكلي مثلا) قد اشتد في الرد على مثل هذه المركزية العربية الاسلامية: فنظم ما يذكر اليوم بالصراع الايراني العربي:
فقل لبني هاشم أجمعين هلموا الى الخلع قبل الندم
ملكناكم عنوة بالرماح طعنا وضربا بسيف خدم
وأولاكم الملك اباؤنا فما ان وفيتم بشكر النعم
فعودوا الى أرضكم بالحجاز لأكل الضباب ورعي الغنم
وهذا الموقف الذي عبر عنه المتوكلي تحاربه المصنفات الاسلامية والعروبية باعتباره موقفا «شعوبيا» متناسية انه كان ردة فعل صادر عن معبرين عن امم غير عربية مثل الترك والفرس والمغاربة كانوا يفصلون بين اعتناق الاسلام الاول وضرورة الخضوع للعرب المسلمين مثلهم الذين تحكمهم، شأنهم في ذلك شأن كل البشر، مصالح ودوافع ليست دائما مصالح ودوافع «نبيلة» ومن بين هؤلاء الرافضين للنظرة السياسية الحنبلية في القرن العشرين الجزائري علي الحمامي الذي حرص على التأكيد انه، منذ القرن التاسع الميلادي، اي بالذات منذ زمن ابن حنبل اختار المغرب نهجه الخاص به في فهم الاسلام، اي هذا النهج الذي يخدم مصالحه القومية ذلك ان «المغرب لم يبد البتة استعدادا كبيرا للقبول بالتخلي تخليا صريحا عن استقلاله لا بعد الاسلام ولا قبله» (صص 137 138).
ولم يقتصر الحمامي على رفض الحنبلية التي تميزت بمعاداة التعقيد الفلسفي المميز لخصومه من المعتزلة بل يتعرض للغزالية التي ان حافظت على نواة التفكير السياسي الحنبلي فقد أوغلت في هذا التعقيد. ولذلك نراه يكاد لا يتوقف عند الغزالي عندما تحدث عن التحاق الداعية الديني السياسي المغربي ابن تومرت بالمشرق طلبا للعلم.
وعلى العكس من هذه الاشارات الخفيفة الى الغزالي يحرص الحمامي على رسم صورة غير مشرقة للداعية النجدي محمد بن عبد الوهاب، الامتداد الاشهر لابن حنبل فيكتب في ص 92:
«استحوذ في نهاية المطاف ابن عبد الوهاب في بداية القرن (الثامن عشر) على سلفية ابن حنبل وأعطاها في صحراء نجد بدعم آل سعود هيأتها وطابعها الحالي. ولكن الوهابية والحق يقال ليست الا مجرد حالة نفسية عكسها تعصب ولد في بيئة قبلية وعبر عن اكثر ما فيها من غريزية وبدائية و «ابتذال».
ولو أردنا ان نلخص ما سبق ان ذكرنا فيما يتصل بالحاح الحمامي على وجود ذهنية مغربية خاصة وربطنا ذلك بما سبق الفترة الاسلامية من تاريخ المغرب لأمكننا القول ان الذهنية المغربية تتميز إجمالا بالسمات التالية:
1) تميل هذه الذهنية الى ما هو طبيعي وتنفر مما هو اصطناعي فهي عقلية تقول ب «البراءة» ولذلك نبذت رجل الدين البربري القديس أوغسطين لانه كان تعبيرا عن «دين أفقده مريدو الهيلينية (hellénisme) والعقيدة اللاتينية طابعه الشرقي الى حد اصبح البربري غير قادر على استيعابه» وتبنت الاسلام الاول لأنه كان في البداية شبيها بالمسيحية الاولى التي تتميز ب «البراءة» اي انها كانت «مجموعة معتقدات أنبجست من قلب راع من الجليل البعيد وجد في الفوضى الاجتماعية التي مثلت اساس البناء الروماني ميدانا مذهلا للعمل (...).
انها فكرة تتضمن في جوهرها شذرة من هذه العدالة الثابتة التي يعثر عليها المرء في كل مكان وعلى الدوام عندما يظهر ان القوة انتصرت على الحق صص 29 .30 فاذا كانت الذهنية المغربية، اذن، ترفض الحنبلية على بساطتها فمرد ذلك الى نظرة ابن حنبل السياسية الالحاقية واذا كانت ترفض الغزالية فمرد ذلك الى هذا التعقيد الذي يميز تفكيره الديني الفلسفي الذي يذكر بالقديس أوغستين اذ يلتقي المفكران في نقطة سياسية واحدة هي خدمة دولة غير مغربية بغض النظر عن صبغة هذه الدولة الدينية.
2) هذه الذهنية المغربية تميل الى اعتبار فكرة العدالة فكرة مركزية والى اعتبار ما عداها من قبيل الحواشي ومثل هذه الفكرة كثيرا ما تبلغ مداها الاقصى عندما يكون الدين في «رحم» قوم من الاقوام ذلك ان هذا الدين او ذاك يتبع في نموه وشبابه وكهولته مسارا يناقض باطراد «براءته» الاولى اي يصبح بلغة «النفط» دينا مكررا.
فمسيحية القديس أوغستين في القرن الخامس ولافيجري Lavigerie في القرن التاسع عشر واسلام ابن حنبل والغزالي ومحمد بن عبد الوهاب هما دينان مكرران ولم يحدث ان رأى البشر قوامين على «شركات نفط» يجتهدون لوجه الله. ذلك هو شأن رجال الدين قديما وهو شأن المنظرين السياسيين اليوم في نظر الحمامي فاذا رأيت منظرا دينيا او سياسيا فبادر بالسؤال : من المحرك القابع وراء الستار؟
3) هذه الذهنية المغربية مضمخة برائحة الجنس البربري المغربي وبرائحة التربة المغربية ولهذا فمن حق المغاربة ان يصوغوا الاسلام صياغة مغربية وليس من حق العرب او الفرس او الترك او ينصبوا انفسهم قوامين على هذا الاسلام المغربي ذلك انه لا وجود لسلفية اسلامية واحدة فقد «كان الخوارج سلفيي الاسلام الاول. اما الحنبلية وروافدها فهي سلفيات اخرى. وهناك مدرسة ثالثة خاصة بافريقيا الشمالية ولدت تحت رعاية الفلسفة الاسلامية الكلاسيكية: انها مدرسة ابن تومرت وهي متشبعة بذهنية مغربية خاصة تحدد ملاحها» (صص 93 94).
ان اسلام ابن تومرت الذي نزله الحمامي هذه المنزلة الرفيعة والاسلام المغربي بصفة عامة هما اللذان كتب فيهما محمد عبده (1849 1905) الانجليزي الهوى في لهجة لا تخلو من الازدراء حتى لا نقول من العنصرية (محمد عبده، الاسلام والنصرانية بين العلم والمدنية، الجزائر. 1987 ص 159):
ان المسلمين لما كانوا علماء في دينهم كانوا علماء الكون وائمة العالم اصيبوا بمرض الجهل بدينهم فانهزموا من الوجود (...) فقد حملت كتب الامام الغزالي الى غرناطة وبعدما انتفع بها المسلمون أزمانا هاج الجهل بأهل تلك المدينة وانطلقت السنة المتعالمين من البربر بتفسيقه وتضليله فجمعت تلك الكتب خصوصا نسخ «احياء علوم الدين» ووضعت في الشارع العام في المدينة واحرقت».
هذا الاسلامي الالحاقي لم يفهم، بسبب قيام تفكيره على نظرة ميتاتاريخية الى الاشياء ان لحادثة إحراق «احياء علوم الدين» أسبابا سياسية علاقتها بالاسلام واهية ولذلك كان يطالب بأن يكون الاسلام المغربي مجرد نسخة من اسلام مشرقي مكرر اي مقيسا لا على اسلام اول (اسلام النزول) ولكن على قياس ومثل هذا التفكير لَوْ تبنته الموريطانيات مثلا اي بنات شنقيط الصنهاجيات العريقات في الاسلام اي حفيدات المرابطين والمرابطات، ومنهن زينب النفزاوية (ت 1071) التي دفعت زوجها المرابطي يوسف بن تاشفينت (ت : 1106) الى بناء مراكش، لبادرن الى تبني الحجاب المشرقي ولقد كن منذ القديم والى اليوم عاريات الوجه مستورات الجسد في حين كان أزواجهن يلبسون الحجاب (اللثام) ولا يستنكفون، من نسبة ابنائهم الى النساء (ابن تاشفينت، والتاء علامة على التأنيث في البربرية).
ان ما سبق هو ما دعا الحمامي الى القول بالذهنية المغربية التي عبرت عنها حضارة مغربية خاصة هي الحضارة الموحدية التي قامت على سلفية خاصة بالمغرب «وهذه السلفية الموحدية العقلانية على النقيض من السلفية الحنبلية الوهابية التسووية ولكن المعادية للتطور وللمجتمع أمكنها ان تلد حضارة رائعة وخصبة» (ص 94).
هذه الحضارة «الرائعة والخصبة» ليس بامكان الباحث ان يكنه حقيقتها الا باكتشاف الخيط الرفيع الذي يربط بين ابن تومرت وابن رشد وابن خلدون وخاصة بين ابن تومرت وابن رشد اللذين يبدوان للعين السطحية متناقضين ذلك ان علي الحمامي يرى على نقيض الكثيرين ممن يركزون على امتحان الدولة الموحدية ابن رشد ان العين النقدية النافذة يمكنها ان تعثر علي خيط دقيق ورفيع يصل هذين العلمين ببعضهما البعض:
«مثلما تولد الاعتزال المتفتح العلمي عن المذهب الخارجي الذي هو تقريبا الوجه الفكري المعبر عنه فان الرشدية الاندلسية تولدت من السلفية الموحدية.
ان مجموعة الظواهر الغائية وعلاقة خاصة بين العلة والمعلول تهيمنان على هذين التيارين الفكريين وتربطان بينهما وتضعانهما معا على عتبة اصل واحد يهدف عن طريق تعديلات متكررة الى تحرير الفكر الاسلامي عضويا واجتماعيا. فبقراءة ممعنة «للمرشد» و «التوحيد» اللذين ألفهما الداعية الشمال افريقي الشهير يمكن للعين المتمرسة ان تتبين بوادر علامات مؤكدة ونوعا من التجسيد المسبق الدقيق يعثر عليهما المرء فيما بعد في كتابات ابن طفيل وابن رشد» (ص 95).
واذا كان ابن خلدون يقع خارج اطار الدولة الموحدية الزماني فان هذا لم يمنع الحمامي من ادراجه ضمن هذا الثالوث القدوة بل قد يكون هذا التأخر الزماني هو الذي دفع الحمامي الى ان يرى في ابن خلدون تجسيدا «لجدل بين مبدأين متناقضين يصعب ان يلتقيا» (ص 137).
لقد انتهى الامر بعلي الحمامي وهو يقاوم نزعة الحاق بلاد المغرب ببلاد المشرق سياسيا (شرفاء مكة، حكم دمشق والعراق) الى دعوة المغاربة الى تنشئة ابنائهم تنشئة وطنية مغربية تقيهم من خطر الدعوات الدينية والقومية المشرقية الالحاقية التي نراها اليوم تستعمل كل الوسائل لبلوغ اهدافها (اثارة قضايا لا تعبر عن مشاغل الشباب الحقيقي مثل قضية الحجاب احداث الفضائية الاسلامية «الجزيرة» في المغرب الاقصى الخ...):
«هكذا تمكنت افكار ابن تومرت التوحيدية من المغرب. لقد اكمل ابن تومرت، مع ابن رشد وابن خلدون، الثالوث الاروع الذي سيرى فيه ادريس مركز تاريخ وحضارة بلده ورمزها. فقد اعتمد ادريس هذا الثالوث مثلا يحتذى (...) كان ادريس يأسف ان يكون امثال هؤلاء الصقور قد حلقوا فوق الاطلس من دون ان يسقطوا اي بذرة. اما في عبد المؤمن وفي الخلافة الموحدية فسيتبين ادريس المستوى الباهر لخصال جنسه الخلاقة. ان عصر المغرب الذهبي عندما كانت قرطبة في بالغ القها سيكون له الاثر الاكثر نفعا في ادريس. ولسوف يقارن، عندما يحين الوقت، بين هذا القرن المبارك وقرون بيرريكليس Periclès والمأمون ولويس الرابع عشر (...) ان ادريس سيتبين في الامبراطورية الموحدية التي تشير الى أوج المغرب حصيلة القوى الحرية بأن تكون قاعدة ومثالا للقومية المغربية: الوحدية العقدية (وهذا أمر لم يعد ضروريا بعد انتصار الاسلام) والوحدة القومية، وعلى هامش هذا التأثير المتبادل، الازدهار الفكري الذي يرسخ بناء الامة ويمكنه من اسس صلبة (صص 38 39).
يلخص الشاهد المتقدم كل مقومات القومية المغربية عند الحمامي:
الوحدة العقدية والوحدة القومية والازدهار الفكري فلابد عندئذ من التوقف بإيجاز عند هذه المقومات الثلاثة حتى تتحقق المنفعة من هذا البحث.
ان الوحدة العقدية قد تحققت منذ ان ولد الشعب المغربي في القرن التاسع الميلادي على اساس من المذهب السني المالكي ممثلا خاصة في سحنون القيرواني (ت 854) المعادل المغربي للبغدادي ابن حنبل (ت 855) الذي توفي بعد سحنون صاحب المدونة بسنة ولقد كان سحنون في المغرب خادما سياسيا للاغالبة الرافضين للحكم الهاشمي العباسي في حين كان ابن حنبل خادما للهاشمين من بني العباس فلا حاجة حينئذ للمغاربة ان يعيدوا النظر في هذا الامر الذي حسم فيه منذ القرن التاسع الميلادي ولذلك كتب الهمامي: «وهذا امر لم يعد ضروريا بعد انتصار الاسلام» (ص 39).
اما الوحدة القومية المغربية فلقد تحدثنا عنها مطولا في غصون هذا البحث ورأينا كيف اجتهد الحمامي في بيان عناصر الوحدة بين البربر قبل الاسلام والمغاربة بعد تكوين «الشعب المغربي» مثلما اجتهد في بيان عناصر الاختلاف بين الامة المغربية وغيرها من الامم وخاصة الامة العربية.
يبقي المقوم الثالث من مقومات الوحدة المغربية اي الازدهار الفكري في حاجة الى التحديد فما الذي يقصد الحمامي بهذه العبارة؟
يجيب الحمامي في ص 280 عن هذا السؤال على النحو التالي:
«ان الشعب (المغربي) وقد تعرض للفتح ووقع تحت تأثير الاستعمار مهدد بالموت ان أعوزته الثقافة الاجتماعية وقد يطول استعباده ان بقي على هذا الجهل، لذا عليه ان يرد الفعل (...) ولكن بأية وسائل بالكفاح المسلح ام بتربية الشعب، بالمنصور ام بابن خلدون؟» من المنطقي ان علي الحمامي الذي كتب روايته في بغدد سنة 1941 اي قبل تجذر الحركات الاستقلالية في بلاد المغرب سيختار تربية الشعب وأول شرط من شروط نجاح المدرسة هو غرس الايمان بالقومية المغربية وبمرجعها الدولة الموحدية وثالوثها الرمز ابن تومرت وابن رشد وابن خلدون. وما ابعد ان خلدون الذي يقوم تفكيره على مزج عجيب (وقبل ظهور هذه المصطلحات) بين النظرتين التاريخية العقلانية والتاريخية المادية الى الاشياء عن ابن حنبل والغزالي ومحمد بن عبد الوهاب الذين يقوم تفكيرهم على نظرة تقليدية اليها.
أستاذ الحضارة العربية الحديثة والمعاصرة
بكلية العلوم الانسانية والاجتماعية بتونس


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.