ما فتئ الممثل المحترف في تونس يعاني التهميش والاقصاء ويفقد حقه في الوجود في فضائه الطبيعي (خشبة المسرح او الشاشات الكبيرة والصغيرة) ليترك مكانه لفئة من الوصوليين رأوا في الفن وفي التمثيل مهنة من لا مهنة له والطريق الاسرع الذي لم يكن ليخطط له احدهم لولا المصادفة وهشاشة هذا القطاع وهامشيته وعدم تنظمه ولولا سعي البعض من رموزنا الفنية والمسرحية إلى إفساح المجال امامهم على حساب الممثل المحترف وذلك لغايات قد يفضح سردنا لوقائع كواليس الاعداد لفلم ثلاثون للمخرج والمنتج الفاضل الجزيري البعض منها ويضعنا امام تساؤلات اصبح من الملح طرحها ان لم نقل ايجاد حلول عاجلة لها. امتدّت فترة التحضير للفلم طيلة 3 اشهر يوميا دون مقابل مادي في مقابل حصول كل ممثل على دور اكد المخرج الفاضل الجزيري اهميته بأنه «باش يزيد في رقبتو شبر» على حد تعبيره وانه لا يقل عن 17 يوم تصوير كحد ادنى وكان يعيد هذه الوعود في كل مرة تخر فيها عزيمة المجموعة في ظل الظروف الاقل من ملائمة (مع العلم ان فترة التمارين امتدت لفترة 3 اشهر اخرى على شكل مجموعات او حصة للمثل الواحد) الفاضل الجزيري كان على علم مسبق بتوزيع الادوار وكان يستغل المجموعة للحصول على الافكار او للتجريب والتمرين على مشاهده التي غالبا ما كانت تتطلب عددا كبيرا من الممثلين مثل مشهد «مسيرة الجلاز» او اجتماعات الحزب كاجتماع «فندق الحرارية» او «لمة المولد» او مشاهد افراح «كطهور خو العصفور»... وقد كنا طيلة هذه الفترة في خدمة شخصيتين اهمها الدور الذي سيجسده الجزيري الابن «الطاهر الحداد» هذا الممثل الذي لا علاقة له بميدان التمثيل لا من قريب ولا من بعيد وانما هو هدية الجزيري الاب للمشهد الثقافي كما صرح للصحافة. وواصل الفاضل الجزيري يراوغ في توزيع الادوار وحتى في اعطاء فكرة او نسخة عن السيناريو بحجة الخوف من اطلاع اطراف خارجية تضمر نية الوقوف ضد كل مشروع فني وطني هي في اعتقادي وبعد ان خبرت هذا المخرج طيلة 6 اشهر لا تعدو ان تكون سوى المتضررين من ممارساته الاستغلالية في اعماله السابقة. وكان مساعدوه الذين تم تسخيرهم بأجور زهيدة في الاثناء يوثقون اStory Boardب ... ويأخذون صورا فوتوغرافية وتسجيلات فيديو لخلاصة العمل على المشهد وتواصلت مسيرة المراوغات في مسألة العقود وآجال التصوير الى ان أتم حاجته من المجموعة عندها بان الوجه الحقيقي الذي كنا نتوقع ظهوره ولكن راعنا قبحه اذ لم نتوقع ان يتخلى عن فكرة الادوار المهمة وعن «الشبر اللي يزاد في رقبتنا» وعن مدة 17 يوم تصوير كحد ادنى لمجموعة ساهمت معه مجانا طيلة هذه الفترة الطويلة من التحضير ولكن ما راعنا هو تخليه عن هذا الاتفاق بكل هذه السهولة فعند استدعائنا لمناقشة العقود اكتشفنا ان ايام التصوير تتراوح بين اليوم الواحد والعشرة ايام ومجملها كان لا يتجاوز اربعة ايام اما عن الاجر الذي يتقاضاه كل ممثل في هذا الفلم الذي تصل ميزانيته الى اكثر من مليارين والذي لم يكلف الفاضل الجزيري كاتب السيناريو ومخرج ومنتج ووالد بطل هذا الفيلم الكثير في فترة تحضير طويلة كانت ستكلفه الكثير لولا تطوع الممثلين مجانا واستغلال طلبة وخريجي الفنون الجميلة بمبالغ رمزية مع العلم ان الفضاء الذي سيقع فيه تصوير القسط الاكبر من الفلم هو «ستاغ حلق الوادي» وهب للفاضل الجزيري. رغم الميزانية الضخمة للفلم وكل التسهيلات التي تمتع بها اقترح على الممثلين أجرا لا يتجاوز المائة دينار في اليوم. الممثل المحترف الذي يعاني الخصاصة طيلة السنة في تونس ينتظر «ميسرة رمضان» او فلم يصور وغالبا لا يقع الالتجاء اليه وانما الى وجوه يقع اكتشافها في المقاهي او العلاقات العائلية والخاصة فالفاضل الجزيري يقر بأنه لا يحتاج الى ممثل و «الليقة تجيب» على حد تعبيره. قد يصنع الفاضل الجزيري فلما ناجحا على حساب التقنيين ومصممي الديكور والممثلين... وهم في اغلبيتهم يحترفون العمل في هذا القطاع وهو مورد رزقهم الوحيد هم وعائلاتهم حتى ان البعض سوّغ منزلا حتى يتمكن من الوجود اثناء فترة التصوير التي أجلت المرة تلو الاخرى حتى ناهزت الثلاثة اشهر ليفاجؤوا بأن قيمة العقد المقترح لا تغطي كلفة الكراء دون اعتبار المصاريف الاخرى طيلة فترة التمارين وفترة المماطلة ومن الطريف ان هذا الممثل وافق على هذا العقد المقترح بعد التردد كما وافق اخرون دون ان يتحمل المنتج الفاضل الجزيري عناء اقناعهم ولعل نظرية المخرج «الليقة تجيب» والتي تنفي وجود الممثل المحترف سواء المتكون أكاديميا وميدانيا او المتكون ميدانيا هو الذي جعله يلتجئ لفئة من المؤدين هما التكسيست والطبال والزكار والرياضي اضافة الى أولاده، أحبابو وأولاد أحبابو والحال ان هذه النزعة هي في الحقيقة لغاية في نفس المنتج. أليس من المفروض ان يكون الدعم المخصص لهذا الفلم ولكل فلم او عمل مسرحي محترف والمقدم من قبل وزارة الثقافة والمحافظة على التراث هو مال المجموعة الوطنية ولا يمكن التلاعب به خاصة ان هذا الدعم يعد استثناء في الوطن العربي او ليس من المفروض ان يستفيد منها اهل المهنة والحال ان قانون هذا الدعم ينص على وجود ثلثي الممثلين من المحترفين. فإلى متى سيظل من نصبوا انفسهم اوصياء ورموز على الثقافة والفن يبتزون باسم تاريخهم وتضحياتهم المزعومة المهنة واهل المهنة ليستحوذوا بارونات الفن على الريع كاملا على حساب حياة وجوع وخصاصة... موت اهل الاختصاص. وفي هذا المقام وجب تنبيه المخرج الفاضل الجزيري اذا ما اراد تطبيق تصوراته ونزواته وأطروحاته في علاقة بمهنة التمثيل فليفعل ذلك من ماله الخاص لا على حساب اموال المجموعة الوطنية. وان لم تكن هذه الحادثة الاولى فلن تكون الاخيرة ما دام القطاع يعاني التهميش وحالة الفوضى مما يخلق مجالا للاستغلال والمس بأبسط مبادئ المهنة ويؤثّر سلبا على قدرة المبدع على الخلق اذ يتحول هاجسه اليومي اللهاث وراء الحد الادنى من اجل البقاء. فإلى متى سيبقى الممثل عرضة للاستغلال والابتزاز؟؟؟ والى متى يبقى اهل المهنة في تشتتهم وسلبيتهم؟؟؟ والى متى سيبقى حلم تأسيس نقابة المهن الدرامية حلما صعب المنال؟؟؟ صالح حمودة ممثل محترف