لو استوقفنا عشرة ملايين مواطن تونسي ومواطنة تونسية وسألناهم عن حال السينما التونسية لتحصلنا على عشرة مليون سؤال ونقطة استفهام مختلفة بشأن واقع هذا القطاع الثقافي الذي يمثّل العمود الفقري للمشهد الثقافي عموما فمنهم من سيسأل عن قلة الانتاج السينمائي ومنهم من سيطرح سؤاله عن انحسار السينما التونسية في خانات معلومة سلفا لم تخرج عن الجنس منذ اول الاعمال، ومنهم من سيضع نقطة استفهام كبيرة امام قلة قاعات العرض وصغر حجمها، ومنهم من سيسأل عن تهميش نوادي السينما وجامعتها وعن النقد السينمائي وقلته ان لم نقل ندرته... ومنهم من سيلاحظ ارتهان قطاع السينما لدعم وزارة الثقافة الذي تُثار بشأن توزيعه وقيمته الاف الاسئلة، وسنسأل عن ذهنية المعلقات الاشهارية وعن التقنيات المتوفرة لدى سينمائيينا وعن هروب اغلب مخرجينا الى العمل المشترك او استجداء الاعانات المادية من فرنسا وبلجيكا وغيرها من الدول التي تشترط علينا ما يُرضي نزعتها الاستعلائية... سنسأل عن نفور المتفرج التونسي من الافلام الوطنية، وسنسأل عن غلاء اسعار تذاكر الدخول لقاعات السينما، وعن كيفية ادراج الافلام وتوزيعها داخل القاعات (فهل يُعقل مثلا ان يدرج فيلم بين الوديان لخالد البرصاوي بجانب عمارة يعقوبيان؟! ألم نقتل فيلمنا التونسي بذاك التوزيع؟)... سنسأل عن حقوق السينمائيين امام تكالب اصحاب محلات نحت الاقراص... سنسأل عن صمت وزارة الاشراف امام تحول قاعة سينما الى محل لبيع الملابس المستعملة والكائنة بساحة العملة... سنسأل عن الدعم الاعلامي والاشهاري الغائب تماما في مؤسساتنا الاعلامية بخصوص الانتاج السينمائي فهذا الاشهار، وعلى أهميته القصوى في جلب المتفرج، لا تزال تلفزاتنا واذاعاتنا وصحفنا تتعامل معه كعارض او كخبر عادي في حين تخصص في مصر مثلا شركات وأموال وطاقات فقط لتأمين اشهار الافلام على القنوات التلفزية وفي الصحف والاذاعات. سنسأل وسنسأل مليون سؤال بل قل عشرة ملايين سؤال وسؤال بشأن راهن السينما التونسية ومستقبلها... مستقبل السينما التونسية، والذي سيظل ضبابيا، هلاميا، غير واضح المعالم، مادمنا نفتقد لاستراتيجية بعيدة المدى تقف على هنات وسلبيات السينما، المادية والمعنوية... سيظل مستقبلها عائما مادمنا نخطط لمهرجان قرطاج السينمائي في مدة شهر واحد او اثنين قبل انطلاق الدورة... بل قل اننا لم نخطط لمثل هذا المهرجان اذ يكفي فقط ان نذكر ان هناك من القاعات المبرمجة لاحتضان افلام الدورة لم تصلح مقاعدها لاستقبال الجمهور!!! ان فوز السينما التونسية بالتانيت الذهبي لهذه الدورة من خلال فيلم النوري بوزيد «اخر فيلم» لا يجب ان يحجب عن أعيننا مثل هذه الاسئلة الحارقة، فالمقعد المعطب وغياب الاشهار وقلة الدعم وشروط الانتاج المشترك وقلة القاعات وضيقها... و... و... كل هذه الامور علينا ان نقف امامها ونعاينها بجدية لنتدبر أشكال تفاديها والخروج من جاذبيتها التي تشد السينما التونسية الى الوراء مقارنة بمثيلاتها من السينما السورية واللبنانية والمغربية والمصرية والافريقية... وأعتقد ان الذهنية الثقافية / الثقافية لا الادارية هي وحدها القادرة على طرح بديل او لنقل حلولا جذرية لراهن السينما التونسية فلربما اتضحت بعض معالم مستقبلها وعلى الاقل في السنوات القليلة القادمة، ولنتفق جميعا على ان السينما ليست ترفا ثقافيا بقدر ما تمثل بصمة حضارية تساهم في تشكيل ملامح الهوية الوطنية والقومية ايضا مثلما نجحت في ذلك الى حد بعيد السينما الايرانية وسينما امريكا اللاتينية... وغيرها من الدول التي تؤمن بالسينما كرافد من روافد بناء مجدها...