عُثِرَ عليه بالصدفة.. تطورات جديدة في قضية الرجل المفقود منذ حوالي 30 سنة بالجزائر    السلطات الاسبانية ترفض رسوّ سفينة تحمل أسلحة إلى الكيان الصهيوني    عاجل: لأول مرة: تونس تصل المرتبة الثانية ضمن التصنيف الدولي للبيزبول    الديبلوماسي عبد الله العبيدي يعلق على تحفظ تونس خلال القمة العربية    في ملتقى روسي بصالون الفلاحة بصفاقس ...عرض للقدرات الروسية في مجال الصناعات والمعدات الفلاحية    يوميات المقاومة .. هجمات مكثفة كبّدت الاحتلال خسائر فادحة ...عمليات بطولية للمقاومة    فتحت ضدّه 3 أبحاث تحقيقية .. إيداع المحامي المهدي زقروبة... السجن    المنستير .. المؤبّد لقاتلة صديقها السابق خنقا    ارتفاع عجز الميزان الطاقي    رفض وجود جمعيات مرتهنة لقوى خارجية ...قيس سعيّد : سيادة تونس خط أحمر    دخول مجاني للمتاحف والمواقع الأثرية    دغفوس: متحوّر "فليرت" لا يمثل خطورة    وزارة الفلاحة توجه نداء هام الفلاحين..    العدل الدولية تنظر في إجراءات إضافية ضد إسرائيل بطلب من جنوب أفريقيا    تعزيز نسيج الشركات الصغرى والمتوسطة في مجال الطاقات المتجددة يساهم في تسريع تحقيق أهداف الاستراتيجية الوطنية للانتقال الطاقي قبل موفى 2030    كاس تونس - تعيينات حكام مباريات الدور ثمن النهائي    الترفيع في عدد الجماهير المسموح لها بحضور مباراة الترجي والاهلي الى 34 الف مشجعا    جلسة بين وزير الرياضة ورئيس الهيئة التسييرية للنادي الإفريقي    فيفا يدرس السماح بإقامة مباريات البطولات المحلية في الخارج    إمضاء اتّفاقية تعبئة قرض مجمع بالعملة لدى 16 مؤسسة بنكية محلية    وكالة (وات) في عرض "المتوسط" مع الحرس .. الموج هادر .. المهاجرون بالمئات .. و"الوضع تحت السيطرة" (ريبورتاج)    طقس الليلة    سوسة: الحكم بسجن 50 مهاجرا غير نظامي من افريقيا جنوب الصحراء مدة 8 اشهر نافذة    القيروان: إنقاذ طفل إثر سقوطه في بئر عمقها حوالي 18 مترا    تأمين الامتحانات الوطنية محور جلسة عمل بين وزارتي الداخليّة والتربية    كلمة وزير الخارجية التونسي نبيل عمار أمام القمة العربية    باجة: باحثون في التراث يؤكدون ان التشريعات وحدها لا تكفي للمحافظة علي الموروث الاثري للجهة    توزر: تظاهرة احتفالية تستعرض إبداعات أطفال الكتاتيب في مختتم السنة التربوية للكتاتيب بالجهة    وزارة الثقافة تنعى المطربة سلمى سعادة    صفاقس تستعدّ للدورة 44 لمهرجانها الصيفي    صفاقس: هدوء يسود معتمدية العامرة البارحة بعد إشتباكات بين مهاجرين غير نظاميين من دول جنوب الصحراء    جندوبة: وزير الفلاحة يُدشن مشروع تعلية سد بوهرتمة    "فيفا" يقترح فرض عقوبات إلزامية ضد العنصرية تشمل خسارة مباريات    هل سيقاطعون التونسيون أضحية العيد هذه السنة ؟    عاجل: "قمة البحرين" تُطالب بنشر قوات حفظ السلام في فلسطين..    106 أيام توريد..مخزون تونس من العملة الصعبة    اليوم : انطلاق الاختبارات التطبيقية للدورة الرئيسية لتلاميذ الباكالوريا    ناجي الجويني يكشف عن التركيبة الجديدة للإدارة الوطنية للتحكيم    سوسة: الإطاحة بوفاق إجرامي تعمّد التهجّم على مقهى بغاية السلب باستعمال أسلحة بيضاء    قيس سعيد يُؤكّد القبض على محام بتهمة المشاركة في وفاق إرهابي وتبييض أموال    المعهد الوطني للإحصاء: انخفاض نسبة البطالة إلى حدود 16,2 بالمائة    سيدي بوزيد: انطلاق الدورة 19 من مهرجان السياحة الثقافية والفنون التراثية ببئر الحفي    رئيس الجمهورية يبحث مع رئيس الحكومة سير العمل الحكومي    عاجل: متحوّر كورونا جديد يهدّد العالم وهؤلاء المستهدفون    ظهورالمتحور الجديد لكورونا ''فيلرت '' ما القصة ؟    محمد بوحوش يكتب...أدب الاعتراف؟    الأيام الرومانية بالجم . .ورشات وفنون تشكيلة وندوات فكرية    الخُطوط التُونسية في ليبيا تتكبد خسائر وتوقف رحلاتها.    زلزال بقوة 5.2 درجات يضرب هذه المنطقة..    بطولة اسبانيا : أتليتيكو يهزم خيتافي ويحسم التأهل لرابطة الأبطال الاوروبية    إصدارات.. الإلحاد في الفكر العربي الإسلامي: نبش في تاريخية التكفير    استشهاد 3 فلسطينيين بنيران جيش الاحتلال في الضفة الغربية    أمراض القلب والجلطات الدماغية من ابرز أسباب الوفاة في تونس سنة 2021    أكثر من 3 آلاف رخصة لترويج الأدوية الجنيسة في تونس    مفتي الجمهورية... «الأضحية هي شعيرة يجب احترامها، لكنّها مرتبطة بشرط الاستطاعة»    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وجهة نظر إشتراكيّة حول الأزمة الرأسماليّة (3/6)
على هامش الأزمة الماليّة العالميّة:
نشر في الشعب يوم 24 - 01 - 2009

في أواخر الثّمانينات ، وبالتحديد سنة 1989 التي سقط فيها جدار برلين وهي السّنة التي تؤرّخ لبداية سقوط رأسماليّة الدولة الممثّلة بكتلة البلدان الشرقيّة (ولا يمثّل ذلك بأيّ حال من الأحوال سقوط الإشتراكيّة كما تروّج لذلك الإمبريالية والصهيونيّة والرجعيّة الدينيّة) طبّلت البرجوازيّة وزمّرت ورقصت على نخب ذلك السّقوط وأقامت التظاهرات والندوات لترويج ما تفتّقت عليه قريحة أحد منظّري النيوليبراليّة الشّرسة والمتوحّشة «يوشيهيرو فرانسيس فوكوياما»(*) وحبّره في كتابه الشّهير (شهير ليس بالمضمون «الموضوعي» الذي إحتواه وإنّما بالمضمون الكاذب الذي إنتهى إليه) «نهاية التّاريخ والإنسان الأخير» والذي يصوّر فيه نهاية للتّاريخ بإنتصار اللّيبراليّة على الشّيوعيّة (حسب زعمه طبعا) وكأنّ الشّيوعيّة سادت في يوم ما حتّى يقيّمها ويحكم عليها. فقد كتب يقول : « إن نهاية تاريخ الاضطهاد والنظم الشمولية قد ولى وانتهى إلى دون رجعة مع انتهاء الحرب الباردة وهدم سور برلين ، لتحل محله الليبرالية وقيم الديمقراطية الغربية ، إن الأفكار الليبرالية انتصرت بصورة لاتقبل الشك هي وحدها الرأسمالية من امتلكت وتملك الحلول الاقتصادية للعالم ، من خلال اقتصاد السوق الحر «.
فجهل «فوكوياما» أو لنقل إعاقته الذهنيّة وقصوره الفكري أدّيا به إلى قراءة خاطئة لتطوّر التّاريخ بل هو زوّر ما نظّر له العبقري العظيم كارل ماركس (وربّما أراد أن يعظّم نفسه مثل ماركس وفعلا عظّم نفسه بأن أصبح أكبر كذّاب في التّاريخ السّياسي وأقترح أن نسمّيه من هنا فصاعدا مسيلمة الرأسمالي الكذّاب) فماركس أكّد بأنّ المجتمع البشري ينتقل من تشكيلة إجتماعية إقتصادية إلى أخرى ، فقد مرّ من المشاعية البدائيّة إلى نظام الرق إلى الإقطاع إلى الرأسمالية وصولا إلى الإشتراكية فالشيوعيّة. لكنّ الكذّاب «فوكوياما» قال بأنّه لا بديل تطوّريّ كنظام يمكن أن يحلّ محلّ الرأسماليّة وهو ما يعني نهاية التّاريخ على وقع الرأسماليّة أي حسب رأيه الإنتصار النهائي للفكر الليبرالي بقيادة الولايات المتحدة.
أي أنّه لن تحصل مستقبلا أي أزمة للنّظام الراسمالي من ناحية وبالتّالي لن تكون هناك أيّ مقاومة له من ناحية أخرى.
لكن الحقيقة والوقائع كذّبت «فوكوياما» ، فالذي حصل خلال هذين العقدين يفوق كلّ تصوّر سواء على مستوى أزمات النّظام الرأسمالي وآخرها الأزمة الحاليّة أو على مستوى المقاومة التي أبدتها الشعوب والأمم المظطهدة بصفة عامّة والطبقة العاملة بصفة خاصّة.
بل لم يمض وقت طويل حتّى ظهرت تناقضات القطب «الفائز» في الحرب الباردة ، ومرّة أخرى تصحّ القراءة الماركسيّة لتطوّر التّاريخ التي بيّنت أنّ الصّراع بين الإمبرياليّات يمثّل إحدى التناقضات التي تشقّ الرأسماليّة في مرحلة الإحتكارات ، إذ نمت أقطاب عالميّة أخرى (روسيا ، الصّين ، الهند ...) ووقف بعضها في وجه أمريكا وإشتدّت مزاحمتها لها من أجل إنهاء دورها كقوّة عالميّة وحيدة وإعادة تقسيم العالم بأشكال مختلفة (حرب القوقاز التي قام فيها الدب الروسي بكسر شوكة جورجيا رأس حربة أمريكا في المنطقة خير دليل على ذلك).
2. ما هي السّياسات التّي نظّر لها «فوكوياما» ؟
كان «فوكوياما» من أكبر المتحمّسين والمدافعين على سياسة التوسّع (Politique délargissement) أي توسيع نفوذ إقتصاد السوق التي وضع أسسها «أنطوني لايك» مستشاراللأمن القومي للرّئيس بيل كلينتون (الذي صعد إلى دفّة الحكم سنة 1993) والتي إعتمدتها الإدارة الأمريكيّة كبديل لسياسة الإعتراض (Politique dendiguement) التي وقع إعتمادها خلال الحرب الباردة والتي أدّت مهمّتها بسقوط رأس ماليّة الدولة في أوروبا الشرقيّة كما سبق وبيّنا ذلك وتتمثّل هذه السّياسة الجديدة في :
- على المستوى السياسي
ضرورة سيطرة الولايات المتحدة على العالم سياسيا وإقتصاديا وثقافيا وذلك لفتح أقصى ما يمكن من الأسواق للشركات والإحتكارات الأمريكية لبيع منتوجاتها وتحقيق أقصى ما يمكن من الأرباح.
ضرورة إعتماد الولايات المتحدة على المؤسسات المالية العالمية وتوجيهها لخدمة مصالحها الإمبريالية : البنك العالمي وصندوق النقد الدولي (الذان كلفا بفرض ما يسمى ببرامج الإصلاح الهيكلي للإقتصاد) إضافة إلى المنظمة العالمية للتجارة التي وقع بعثها سنة 1995 لمزيد ربط التّجارة العالميّة بالمصالح الإمبرياليّة.
ضرورة إستعمال الولايات المتحدة للحل العسكري كلما لزم الأمر ولو دون موافقة مجلس الأمن وهو ما حصل فعلا عند إحتلال العراق سنة 2003.
ضرورة التشهير والتصدي لدول الشرّ (Les Etats voyous) التي ترفض هذا النظام العالمي الجديد (كوبا ، كوريا الشّماليّة ، النيبال ، بورما ...)
ضرورة بذل أقصى الجهود لتشويه الفكر الماركسي وجعل الماركسيّة مرادفة للشموليّة والدكتاتوريّة (وقع إستغلال «البرابول» وتمويل عشرات القنوات عبر العالم للعب هذا الدور وخاصّة قنوات المجمّعات الرأسماليّة الكبرى والقنوات النفطيّة والدينية الظّلاميّة) وبالمقابل العمل على تأجيج الصّراعات الطائفيّة والقومية والمذهبية والإثنيّة لتكريس سياسة «فرّق تسد» (Diviser pour reigner).
- على المستوى الإقتصادي والإجتماعي
ضرورة إعطاء الحرية المطلقة للسوق وتحجيم دور الدولة حيث ظهر مصطلح دولة الحدّ الأدنى (Le minimum dEtat) التي لم تعد تسيطر إلاّ على الجيش والبوليس
دعم أكبر عمليّة خوصصة عرفها تاريخ البشريّة عبر بيع القطاع العام للخواص إعتمادا على وصفة صندوق النقد الدولي والبنك العالمي
إصدار تشريعات وقرارات تحرّر تماما أعمال المال والنقد مع تقليص الضّريبة التي تهمّ رأس المال إلى أقصى حدّ ممكن
سلعنة الخدمات (التعليم ، الصحة ، النقل ...) وإلغاء مسؤوليّة المجتمع تجاه الفرد عبر تفكيك أنظمة الضّمان الإجتماعي والتغطية الإجتماعيّة
تفكيك العلاقات الشغليّة وضرب مكتسبات العمّال عبر فرض مرونة التشغيل (السمسرة باليد العاملة ، العقود محدودة المدّة ، أشكال العمل الهشّة ...)
الترويج للديمقراطيّة الليبراليّة وفرضها بالقوّة (على ظهور الدبابات مثلما حصل في يوغسلافيا وأفغانستان والعراق) كلّما لزم الأمر
لكن لنرى ماذا أفرزت كلّ هذه السّياسات التي نظّر لها «صاحبنا» الكذّاب ؟
3. ماذا أفرزت هذه السّياسات ؟
- في الجانب السلبيّ :
أزمات ماليّة متتالية : 1994-1995 بأمريكا اللاتينية ، 1997 بآسيا ، 1998-1999 بروسيا ، 2002 بوول ستريت في امريكا وأيضا بالأرجنتين ، أدّت إلى إندثار مئات الآلاف من المؤسّسات الإقتصاديّة الصغرى والمتوسّطة PME (10 آلاف مؤسّسة في اليابان وحدها سنة 2006 علما وأنّ اليابان تعتبر إحدى أقوى الإقتصاديّات في العالم فما بالك بالبلدان الأخرى) والماليّة (بنوك صغرى ومتوسّطة)
حروب مدمّرة وعسكراتيّة منفلتة من تحت عقّالها أدّت إلى قتل ملايين الأبرياء في يوغسلافيا وافغانستان والعراق وفلسطين والصومال والسودان والقائمة تطول
بروز ظاهرة الإرهاب الأعمى وإنتشاره في كلّ ارجاء العالم وكان المتسبّب الأوّل والرّئيسي فيه هي الولايات المتحّدة الأمريكيّة سواء عبر صنعها له (أسامة بن لادن) وحضانتها للحركات الإسلاميّة في السبعينات (حركة الإخوان المسلمين أساسا) للتصدّي للخطر الشيوعي حسب زعمها سواء في الأقطار العربية (السودان ، مصر ، الجزائر ، المغرب ، تونس ، سوريا ، لبنان ...) أو في جنوب شرق آسيا (اندونيسيا ، الفلبين ...) وفي الثمانينات لمحاربة الإتحاد السوفياتي في أفغانستان أو عبر إستعمارها للعراق والإعتداء على بعض الأقطار العربية وإستعمال سياسة المكيالين في خصوص القضايا العربيّة وخاصّة القضيّة الفلسطينيّة وهو ما عزّز الشّعور المعادي لأمريكا ووفّر الأرضيّة الخصبة للحركات الظّلاميّة الإرهابيّة لإستقطاب شباب يعيش البطالة والقمع في بلدانه الأصلية فأصبح مستعدّا للموت في ايّة لحظة وبأيّة طريقة نتيجة عمليّة غسل دماغ تجعله يحلم «بجنّة موعودة».
دون الحديث عن الفقر والبطالة والتهميش والجوع والأمراض العابرة للحدود التي تحدثنا عنها في الحلقات السابقة.
- في الجانب الإيجابيّ :
طبعا نحن لا نقصد أن هذه الإيجابيات هي من إنجاز «فوكوياما الكذّاب» وإنّما هي إيجابيّات من منظورنا نحن أفرزتها السياسات اللاّوطنيّة واللاّشعبيّة المطبّقة في المستعمرات وأشباه المستعمرات أو أيضا حكومات البلدان الإمبرياليّة التي طبّقت السّياسات التي ذكرناها. وتتمثّل هذه الإيجابيّات في :
إشتداد حركات المقاومة المسلّحة وتجذّرها في كلّ المستعمرات وتحقيقها لنتائج على الأرض أذهلت القادة العسكريين للجيوش الإمبرياليّة وما الهزيمة التي تتكبّدها تلك الجيوش في العراق ، والتي ستنتهي بهزيمتهم الشنيعة (إن عاجلا أو آجلا) ، إلاّ دليل على ذلك.
عودة الرّوح إلى حركات التحرّر الوطني في العديد من أشباه المستعمرات في آسيا وأمريكا اللاّتينيّة خاصّة حيث عاد الكفاح المسلّح على رأس جدول أعمال تلك الحركات (النيبال ، بورما ، الفلبين ، الهند ، المكسيك ، كولمبيا ، كردستان تركيا ، الهندوراس ، البيرو ...)
إعادة إنبعاث وظهور عديد الأحزاب الشيوعيّة الماركسيّة اللينينيّة في أوروبّا (فرنسا ، بلجيكيا ، أسبانيا ، إنقلترا ، ألمانيا ، روسيا ، كلّ بلدان أوروبا الشرقيّة) وكذلك في أمريكا الشّماليّة (كندا وأمريكا أيضا) التي إندثرت في أواخر الثمانينات وبدأت تمثّل مجال إستقطاب واسع للشباب الذي إكتشف الأوهام الكاذبة التي روّجت لها الإمبرياليّة طويلا
بروز وتشكّل عديد الحركات المناهضة للعولمة التي أوجدت بسرعة كبيرة إطارا يحضنها وينظّم عملها ألا وهو المنتدى الإجتماعي العالمي (رغم إحترازاتنا عليه) الذي أسّس لمنتديات إقليمية وقطرية وحتّى محلّية.
هذا غيض من فيض وهذه النّتائج التي أوردناها للذكر لا الحصر هي التي تشهد على الكذبة الكبيرة التي فضحت «فوكوياما». فهذه المنظومة الليبراليّة التي قامت على أساس ما بعد الحداثة أثبتت فشلها أمام إرادة الشّعوب وسواعد الطبقة العاملة الجبّارة. وبذلك اصطدم هذا الكذّاب بصخرة الحقيقة التي لن تؤدّي إلاّ إلى إصابته بشلل دماغي يضع حدّا لأفكاره المفلسة هو وبقيّة المنظّرين البرجوازيين الذين تحتضنهم مدرسة شيكاغو الإقتصاديّة أو غيرها من المدارس التي تقف في خدمة العولمة الليبراليّة الشّرسة.
لكنّ الغريب في الأمر هو أنّ كلّ ما حصل ربّما لم يره فوكوياما (ربّما أصبح أعمى أيضا) الذي يصرّ على آرائه فقد كتب في مقال نشرته كلّ وسائل الإعلام العالميّة وأوّلها جريدة «واشنطن بوست» الأمريكّة يقول :»إنّ الريغانيّة والتاتشريّة وإقتصاد السّوق المطلق الحريّة وتقليل دور الحكومات في الإقتصاد كانت صحيحة وأنّها السّبيل الوحيد للرفاه والحياة الحرّة». هكذا !!!
4. الأزمات هي ظاهرة ملازمة للرأسماليّة
أكّد ماركس كما لينين على أنّ الأزمات الدوريّة هي سمة ملازمة للرأسماليّة. وقد أثبت التّاريخ أنّ القراءة الماركسيّة للنّظام الرأسمالي وتطوّره التّاريخي هي القراءة الصحيحة وهي بالتالي الوحيدة التي تفتح الآفاق الرحبة أمام الطّبقة العاملة من أجل التحرّر الوطني والإنعتاق الإجتماعي.
وقد سجّل التّاريخ عديد الأزمات بل مئات الأزمات (أزمات محلّية ، أزمات إقليميّة ، أزمات دوليّة) التي ضربت أركان النّظام الراسمالي منذ نشأته.
فقد إنفجرت الأزمة الصناعيّة الأولى في بريطانيا سنة 1825 نتيجة فيض الإنتاج كما نشبت بين سنتي 1847 و1848 أوّل أزمة إقتصاديّة عالميّة ضربت الولايات المتحدة الأمريكيّة وعددا من بلدان أوروبا الغربيّة. أمّا أعمق أزمة في القرن التاسع عشر فقد حصلت سنة 1873. لكن رغم حدّة تلك الأزمات فقد عرفت بداية القرن العشرين أكبر أهمّ أزمتين في التّاريخ وذلك سنتي 1907 و 1929. فأزمة 1907 كانت أكبر أزمة عاشتها الرأسماليّة بعد المرور من مرحلة المزاحمة الحرّة إلى مرحلة الإحتكارات أي بلوغ المرحلة الإمبريالية. وإن كانت الأسباب الحقيقيّة لهذه الأزمة غير مدروسة بما فيه الكفاية نظرا للتعتيم الذي مارسه المنظّرون الليبراليّون فإنّها ، وحسب القراءة الماركسيّة لتطوّر التّاريخ ، لا يمكن أن تكون إلاّ نتيجة للتّنافس بين البلدان الرأسماليّة أي ما سمّاه لينين الصّراع بين الإمبرياليّات من أجل السيطرة على نهب خيرات هذه المستعمرة أو تلك. وقد بدأ يتبلور هذا الصّراع بالحلفين الذين تأسّسا بين روسيا القيصريّة وفرنسا وأنقلترا من جهة وألمانيا وإيطاليا والنمسا-المجر من جهة أخرى. وقد كان من الطبيعي أن تؤدّي تلك الصّراعات إلى بلوغ مرحلتها العليا أي الحرب وفعلا إندلعت الحرب العالميّة الأولى في شهر أوت 1914 لتتواصل 5 سنوات كاملة أي حتّى شهر نوفمبر 1918. حيث عرفت هذه الحرب بحرب الحدود إذ عملت فرنسا على إسترداد مقاطعتي «لالزاس ولوران» اللّتان خسرتهما في حربها مع ألمانيا سنة 1871 أمّا روسيا القيصريّة من جهة والإمبراطوريّة النمساويّة-المجريّة من جهة أخرى فقد عملتا على السيطرة على الشّعوب السّلافيّة الموجودة في أوروبا الشرقيّة.
وقد وقع تجنيد 65 مليون عسكري من 32 دولة أغلبها أوروبّية ، مات منهم 8 ملايين ونصف إضافة إلى أكثر من مليوني مدني (أي 10.5 ملايين) نظرا لإستعمال أسلحة حديثة لأوّل مرّة أنتجتها المصانع الإمبرياليّة ومنها خاصّة الدبابات والغواصات والغازات السّامة.
لكن خلافا للآثار المدمّرة لتلك الحرب (حيث كان العمّال والفلاّحون هم وقود تلك الحرب) يجب ذكر الإفرازات والتغييرات السياسيّة الكبيرة بعد إنتصار الطّبقة العاملة ومسكها بزمام السلطة في روسيا بإنجازها ثورة أكتوبر الإشتراكيّة العظمى التي مثّلت نصيرا وداعما ومساندا لحركات التحرّر في العالم وللشعوب والأمم المضطهدة ولجمت إلى حدّ كبير الإمبرياليّة الباحثة عن الانقضاض على أيّ فريسة تعترضها خاصّة بعد تأسيس جمهوريّات الإتحاد السوفياتي الإشتراكيّة سنة 1922.
أمّا الأزمة الكبيرة الثّانية التي شهدها النّظام الرأسمالي فهي تلك التي إندلعت سنة 1929 والتي نتجت عن سيطرة الراس مال المالي (الذي نبّه إلى آثاره المدمّرة لينين معلّم البروليتاريا في مؤلّفه «الإمبرياليّة أعلى مراحل الرأسماليّة») على الإقتصاد الامريكي ومن خلاله على الإقتصاد العالمي عبر بورصة وول ستريت.
وكان لا بدّ لحالة الإنهيار الإقتصادي المريع التي ضربت كلّ بلدان العالم (ما عدى الدولة السوفياتيّة الفتيّة) وبالتّالي التنافس بين أقطاب الدول الإمبرياليّة من ناحية وإنتصار الإشتراكيّة نقيض الرأسماليّة من ناحية أخرى (الشيئ الذي زاد من حدّة الإستقطاب الطبقي) أن تفرز من جديد حربا إمبرياليّة مدمّرة خاصّة بعد صعود الفاشيّة (موسلّيني في إيطاليا سنة 1922 وفرانكو في أسبانيا سنة 1939) والنّازيّة (هتلر في ألمانيا سنة 1933) في أوروبّا حيث إندلعت الحرب في شهر سبتمبر 1939 لتنتهي بعد 7 سنوات في شهر ماي 1945. وبذلك تجسّدت من جديد قراءة لينين عند تحليله لصراع الإمبرياليّات إذ إنقسم من جديد المعسكر الإمبريالي إلى شطرين من جهة إيطاليا وألمانيا واليابان ومن جهة أخرى إنقلترا وفرنسا وأمريكا والإتحاد السّوفياتي الذي كان له الدور الرّيادي في تحطيم أحلام النّازيّة وتحرير أوروبا من براثنها وذلك بدخول الجيش السوفياتي يوم 2 ماي 1945 لمدينة برلين ورفع الراية الحمراء فوق مبنى البرلمان الألماني وهو ما أدّى إلى إستسلام الحكومة الألمانيّة نهائيّا يوم 8 ماي 1945. لكنّ الخسائر البشريّة في هذه الحرب كانت مفزعة ومرعبة وبيّنت مدى إستهتار الإمبرياليّة بحياة الطّبقات الكادحة (العمال والفلاحون الذين كانوا يمثّلون الأغلبيّة السّاحقة من الجنود) من أجل الدّفاع عن المصالح الأنانيّة الضيّقة لرأس المال من ناحية وحقدهم الأعمى على الإشتراكيّة التي تجسّدت في دولة الإتحاد السوفياتي من ناحية اخرى. فعدد القتلى فاق 60 مليون شخص قدّم منهم الجيش الأحمر السوفياتي وشعوب البلدان السوفياتيّة أكثر من النّصف (حوالي 30 مليون قتيل مات منهم 8 ملايين خارج حدود الإتحاد السوفياتي وهو دليل واضح على تضحية الشيوعيين من أجل الآخرين خلافا للرأسماليين حيث يؤكّد ماركس على أنّ «الرّأس المال جبان») لأنّ إحدى أهداف النازية والفاشيّة بل الإمبريالية بصفة عامّة هو تدمير دولة العمال والفلاحين بإعتبار وأنّ الإتحاد السوفياتي لم يحصل على أيّ إعانة من أيّ دولة أخرى طيلة الحرب بينما هرعت أمريكا إلى نجدة أوروبا والقيام بإنزال على شواطئ فرنسا في الأيّام الأخيرة للحرب. لكن مرّة أخرى تبرز النتائج الإيجابيّة لهذه الحرب والمتمثّلة في ظهور كتلة بلدان أوروبا الشرقيّة (المعسكر الإشتراكي) وخاصّة ما عرفته حركات التحرّر الوطني في بلدان إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاّتينيّة والوطن العربي حيث نالت أغلب المستعمرات إستقلالها بدعم مباشر أو غير مباشر من دولة الإتحاد السوفياتي. إنّ ما إستعرضناه يشهد بأنّ تاريخ الرأسماليّة هو تاريخ دموي لم تعرف البشريّة له مثيلا حيث تعدّ ضحاياها بعشرات الملايين الذين سقطوا إمّا بالسّلاح الإمبريالي (خلال الحروب) أو بالسيّاسات الإمبرياليّة اللاّوطنيّة واللاّشعبيّة التي لم تخلق إلاّ الفقر والأمراض والدّمار وبالتّالي الموت.
..................................................................
(*) يوشيهيرو فرانسيس فوكوياما : كاتب ومفكر أمريكي الجنسية من أصول يابانية ولد في مدينة شيكاغو الأمريكية سنة 1952 من كتبه : نهاية التاريخ والإنسان الأخير. أستاذ للاقتصاد السياسي الدولي كما عمل مستشارا في وزارة الخارجية الأمريكية. واحد من منظري المحافظين الجدد ، حيث أسس هو ومجموعة من هؤلاء في عام 1993 مركزا للبحوث عرف آنذاك بمشروع القرن الأميركي . عبر فوكوياما في مقالاته ومؤلفاته في السنوات الأخيرة عن قناعته بأن على الولايات المتحدة أن تستخدم القوة في ترويجها للديمقراطية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.