بمعدل نموّ ديمغرافي تراجع اليوم الى 1 بعد ان كان لسنوات قريبة في بداية الثمانينيات يقرب من 3، تشهد تونس كثافة سكانية في مستوى شريحة الشباب التي بلغت نسبة مهمة منهم من في مرحلة ولوج عالم الشغل. لذلك يعيش الكثير من الشباب وخاصة من حاملي شهادات التعليم العالي أزمة ادماج في سوق العمل خصوصا اذا علمنا ان هناك ما يقارب 88 الف وافد جديد على سوق الشغل سنويا منهم 55 من خريجي الجامعات الامر الذي يجعل هياكل التشغيل امام تحديات كبيرة خصوصا مع ظهور فكرة تركيز مكاتب التشغيل الخاصة التي تعتبر شكلا جليا للسمسرة باليد العاملة. وحتى نتعرف على استراتيجية وزارة التشغيل في رفع تحديات التشغيل توجهنا الى السيد عماد التركي مدير عام الاستشراف والتخطيط والشباب بوزارة التشغيل بعدد من الاسئلة أجاب عليها بكل رحابة صدر. يعيش العالم اليوم على وقع الازمة العالمية التي اثرت سلبا على سوق الشغل وتسبب في تسريح الكثير من العمال فضلا عن ان بلادنا تعيش اساسا ازمة تشغيل سابقة عن الازمة العالمية، ما هي خطط الوزارة لمعالجة هذه المستجدات؟ وزارة التشغيل كانت دائما حريصة على وضع برامج وخطط تساعد على الحدّ من البطالة بل على تقليص عدد طالبي الشغل من مختلف المستويات وايجاد فرص العمل للجميع، لكن سوق الشغل الوطنية ضيقة وقدرة استيعابها بالكاد بلغ نصف ما هو وافد الى العمل سنويا اذ تبلغ حوالي 30 الف موطن شغل في السنة، ولكن هذا الامر لا يحبطنا بقدر ما يحرك لدى مختلف الاطراف الحافز لتجاوز هذا الامر من خلال إقرار برامج وآليات تساعد على ادماج طالبي الشغل، وفي اطار مراجعة الوزارة لبرامجها وفق ما يستجيب لمتطلبات المرحلة فمثلا أقررنا بالنسبة للمسرّحين ومن فقدوا عملهم نتيجة الازمة العالمية ممن لهم على الاقل ثلاث سنوات عمل، عقود ادماج في الحياة النشطة يشجع المؤسسات على اعادة انتداب المسرحين مع التمتع بكلفة تكوين العامل المنتدب لمدة 200 ساعة ومنحة شهرية للعامل ب 200 د. وهذه هي النقطة الرابعة من النقاط التي اعيدت مراجعتها بعد الدراسة والتمحيص. وما هي هذه النقاط التي تمت مراجعتها ضمن برامج المساعدة على التشغيل؟ كانت الوزارة تشرف على حوالي 54 برنامجا من البرامج المساعدة على انتداب طالبي الشغل منها 41 برنامجا في اطار الصندوق الوطني للتشغيل. هذه البرامج حاولت ان تستوعب او ان تستجيب لمختلف طالبي الشغل ولكننا رأينا ان نختزلها في ستة برامج. ما هو سبب هذا الاختزال، وهل تبين للوزارة عدم جدوى هذه البرامج؟ لقد لاحظنا بعد التقييمات التي قمنا بها والدراسات التي أعدّها المرصد الوطني للتشغيل بالتعاون مع مكاتب دراسات محايدة وبالتنسيق مع جهات دولية ذات مصداقية ان هذه البرامج التي اعتمدتها الوزارة لسنوات كتربصات الاعداد للحياة المهنية والالية 36 وغيرها لا تفضي في الغالب لإدماج المنتفعين بها في سوق الشغل وخاصة اصحاب الشهائد العليا الذين يُعتبرون تحدي المرحلة كما لاحظنا تداخلا في البرامج اذ تتعدد الآليات المتوجهة لنفس الفئات ولنفس الغايات، كما لاحظنا بعد التقييم ان هذه البرامج الكثيرة لم تكن مشغلة بالشكل الامثل في الجهات التي لا تتوفر على نسيج مؤسساتي مكثف يكون قادرا على استيعاب طالبي الشغل بها لذلك رأينا بعد هذه الدراسات وتفاعلا مع التحدي الكمّي لتزايد عدد طالبي الشغل والتحدي النوعي ايضا باعتبار ان اكثر من نصفهم خريجو جامعات وحاملون لشهادات عليا، رأينا في الوزارة اعادة هيكلة برامج التشغيل من اجل نجاعة اكثر ومن اجل استجابة امثل للطلبات الشغلية التي تشهد اليوم مرحلة الذروة باعتبار تقلص نسبة النمو الديمغرافي، فنحن في تونس لم نشهد سابقا مثل هذه الارقام من الخريجين ولن نشهد مستقبلا مثله. مراعاة خصوصية الجهات ما الجديد إذن وهل تمت دراسته بشكل يستجيب حقيقة لتطلعات طالبي الشغل؟ مراجعة الوزارة لبرامجها التشغيلية كما قلت سابقا تمت بعد دراسات عميقة، وجديدنا هو السعي لتحقيق ثلاث غايات مهمة بواسطة هذه البرامج الجديدة أولها هو: ادماج طالب الشغل في عمل قار بعد الانتفاع ببرامج التشغيل. مساعدة مختلف فئات طالبي الشغل على الانتفاع بهذه البرامج وفي كل الجهات. تبسيط هذه البرامج وصيغ الانتفاع بها سواء بالنسبة لطالبي الشغل او للمؤسسة. بأية طريقة أو كيف ستحققون هذه الغايات؟ لقد قمنا بإختصار برامج الوزارة وعوضا عن 54 برنامجا اختزلناها في ستة برامج استوعبت كل البرامج القديمة، فقد وحّدنا المنح المسداة لمختلف طالبي الشغل اذ كان مثلا في الماضي خريج الطبّ يتمتع بمنحة تقدر ب 250 د والمهندس بمنحة قدرها 123 د وحامل الاستاذية منحة ب 107 د شهريا اما اليوم فقد وحدنا هذه المنحة في 150 د شهريا لمختلف الفئات، كما تم الاتفاق على ان تلتزم المؤسسات المنتفعة بهذه البرامج بنسب دنيا للادماج لا تقل عن 50 وقد تصل هذه النسبة الى 100 في بعض الحالات، كما منحنا الجهات صلوحيات اكبر في وضع تصوراتها لبرامج التشغيل وتنفيذها حسب خصوصياتها وذلك بأن وضعنا لها اعتمادات تتصرف فيها وفق مميزاتها التشغيلية اذ يختلف الامر بين جهة ذات طبيعة فلاحية واخرى ذات طبيعة صناعية او سياحية وقد باتت الوزارة تمضي مع رؤساء المجالس الجهوية (الولاة) ما اصطلحنا على تسميته بعقد اهداف بعدها تتكفل الجهات بإبرام عقود تشغيل وتضامن مع المنتفعين وهذه هي النقطة السادسة من جملة البرامج الستة التي ابقت عليها الوزارة بعد تكثيفها. من طالت بطالتهم وما هي البرامج الخمسة الباقية؟ قررت الوزارة الابقاء على عقود التربص للحياة المهنية «SIVP 1» نظرا للإنتشار الواسع الذي عرفته لدى طالبي الشغل مع اضافة جديدة هي إلزام المؤسسات بانتداب على الاقل 50 من المنتفعين بعقود التربص، واذا لم تستجب تُحرم من الانتفاع بهذا الاجراء لمدة عامين. ثانيا، عقود ادماج حاملي شهادات التعليم العالي موجهة لمن طالت بطالتهم (المتخرجون قبل سنة 2006) ولم يمارسوا اي عمل طيلة السنوات الثلاث الماضية وقد أحصينا عددهم ب 20 ألف اذ نُرغّب المؤسسات في انتدابهم من خلال التكفل ب 400 ساعة تكوين في الاختصاص الذي تحدده المؤسسة مع منحة شهرية لصاحب الشهادة قيمتها 150 د والتزام المؤسسة بدفع 150 د اخرى مع الالتزام بالانتداب وتعفى عندها المؤسسة من سداد المبالغ المتوجبة عليها لفائدة صندوق الضمان الاجتماعي واذا ثبت بقاء هذا الخريج صاحب الشهادة في العمل لمدة سنة اخرى تمنح المؤسسة منحة مقدارها 1000 د عن كل منتدب لديها من فئة من طالت بطالتهم. ثالثا، عقد تأهيل وادماج مهني لفائدة طالبي الشغل من غير حاملي الشهادات العليا وذلك من خلال تمتعهم ب 400 ساعة تكوين ومنحة ب 80 د شهريا. رابعا، وهو ما تحدثنا عنه سابقا ويشمل المسرحين من اعمالهم ويسمى عقد اعادة الادماج في الحياة النشطة ويتوجه لمن فقدوا اعمالهم حتى وان لم يكونوا مثبتين في مؤسساتهم ولكنهم قضوا بها على الاقل ثلاث سنوات عمل اذ تتمتع المؤسسات التي ستشغلهم بكلفة 200 ساعة تكوين يتمتع كل منتدب بمنحة قدرها 200 دينار شهريا. اما البرنامج الاخير فهو مرافقة باعثي المؤسسات الصغرى من التكوين الى الانتصاب من خلال العديد من التشجيعات. ولكن هل تتصورون ان هذه الاجراءات ستكفي لاستيعاب كل طالبي الشغل وماذا لو تحولت هذه البرامج الى وسيلة لخفض كلفة التشغيل لدى المؤسسات والمشغلين دون تحقيق نتائج حقيقية في استقرار طالبي الشغل في اعمالهم؟ لقد لاحظنا مثل هذه الامور في البرامج السابقة لذلك سعينا لإقرار آليات مراقبة ومتابعة للمؤسسات واقرار آليات الحرمان من هذه الخدمات بالنسبة للمؤسسات التي يثبت تجاوزها.