بإشراف الاخ الحسين العباسي الامين العام المساعد المكلف بالدراسات والتوثيق والتشريع والنزاعات انتظمت نهاية الاسبوع الماضي ندوة وطنية حول موضوع الانتاجية: تم خلالها إلقاء ثلاث محاضرات وقد حضر اعمال هذه الندوة عدد مهم من الاطارات النقابية من مختلف القطاعات والجهات. خلال كلمته الافتتاحية اكد الاخ الحسين العباسي ان بداية طرح اشكالية الانتاجية تعود الى ثمانينيات القرن الماضي عندما حاولت الحكومة ربط زيادة الاجور بمستوى الاشكالية وكان الاتحاد العام التونسي للشغل قد اتخذ موقفا رافضا من هذا الربط لأن من الضروري ان تتوافر جملة من العناصر الاساسية قبل ولوج مجال مناقشة مسألة الانتاجية، وها هي اليوم مسألة الانتاجية تعود للنقاش في وقت كنا نتوقع فيه ان تتم مناقشة مسألة التنافسية مثلا في ظل اقتصاد معولم. بعد كلمته المركزة فسح الاخ الحسين العباسي المجال امام الاستاذ الصادق جمعة رئيس اللجنة الوطنية الاستشارية حول الانتاجية الذي تحدث بإسهاب عن تونس وعن اقتصادها وانتاجيتها وضرورة التحكم في الموارد البشرية والمادية المتوفرة لديها مستعرضا مراحل عمل هذه اللجنة طيلة المدة الفارطة... ثم منح المصدح للأخ النقابي منصور الشارني من قطاع الكهرباء والغاز الذي كان عضوا مداوما على حضور اجتماعات هذه اللجنة ليدلي بملاحظاته حول مسألة الانتاجية بعد مارطون النقاشات التي خاضتها اللجنة اذ خَلُصَ الى ضرورة الانتباه الى ست نقاط هي مسألة الموارد البشرية والفلاحة والتكوين، والصيانة، واللوجستيك وهي نقاط تؤثر بشكل مباشر في عملية الانتاجية فمثلا لا يمكن ان يستقيم مسار الانتاجية في ظل غياب سياسة تشغيلية تحرص على جلب الكفاءات والحفاظ عليها في مواقع عملها من جهة والحديث عن مسألة مرونة التشغيل من جهة ثانية، كما لا يمكن ان نبلغ الانتاجية والقطاع الفلاحي يشهد كمًّا كبيرا من التبذير والهدر وكذلك قطاع الطاقة والسياحة وفي ظل عدم مراجعة البنى التحتية وتجديدها... اما المداخلة الاخيرة في هذه الندوة فقد قدمها الاستاذ عبد الجليل البدوي مشيرا الى اننا اليوم نشهد انقلابا لافتا في المعايير اذ بات مثلا أرباب العمل هم فقط من يطالبون ويحتجون في ظل انحسار المدّ النقابي العمالي اذ نرى الاعراف مثلا يطالبون الحكومة بالاعفاءات الجبائية وبالدعم المالي ويطالبون العمال بالمرونة في الصيغ التشغيلية مع تدني الاجر، ويطالبون البنوك بتقليص نسبة الفائدة، وفي ظل عدم استشارة مختلف الاطراف الاجتماعية باتت الدولة تعمد لإقرار ما بدا لها في ما له علاقة بالسياسات الاقتصادية، ومسألة الانتاجية مثلا لا يمكن ان تتحقق مع المطالبة بقانون مرونة التشغيل، كما ان هذه الانتاجية لو تحسنت فهي لن تعني بالضرورة تحسنا في التنافسية لأن مسألة النهوض بالانتاجية هي مسألة ثقافة وسلوك، ثقافة تقدس العمل وتحترم التعويل على الذات لا التواكل، ولكن الملاحظ اليوم في بلادنا ان موارد الدولة مافتئت تتقلص يوما بعد يوم والعمال مافتئت قدراتهم الحياتية تتدحرج وهي اوضاع لن تحتملها بلادنا في نمط التنمية القائم بمستوياتها الكبرى والصغرى... اذ لا يمكن ان نعزل مسألة حجم تكوّن العمال ودربتهم وطبيعة آلات العمل وجودة المواد الأولوية وغيرها وهي امور تحتّم امورا اخرى مرتبطة بها كالإلتزام لدى جميع الاطراف المتدخلة في عملية تحسين الانتاجية واعتمادها مبدأ الشفافية وهذا ليس فقط داخل المؤسسة المنتجة بل وفي محيطها ايضا كعامل استقلالية القضاء الضامن للحقوق وعامل حرية التعاقد وحرية الاعلام وحرية النفاذ الى المعلومات. كما على الراغبين في تحسين الانتاجية لضمان الصمود امام التنافسية والحرص على عدم تعكير مناخات العمل والحوار الاجتماعي بزرع أجسام غريبة عن واقع العمل كالشعب المهنية مثلا التي لا يمكن ان تساهم الا في تعكير صفو العملية الانتاجية. وقد اثارت مداخلة الاستاذ البدوي المسهبة شهية النقاش لدى الحاضرين الذين تطرق بعضهم لجدوى الاستماع للنقابيين بعد إتمام اللجنة اشغالها واكد البعض الاخر موضوع الصحة والسلامة المهنية باعتباره عاملا محددا في تحسين الانتاجية واكد اخرون ضرورة إقرار الاتحاد العام التونسي للشغل لصيغ تواصلية تُبلغ الجميع وفي كل مكان في وقت سريع مثل بعث اذاعة.