حرب الابادة الجماعية في غزة محور لقاء وزير الخارجية بنظيره اليمني    البرمجة الفنية للدورة 58 من مهرجان قرطاج الدولي محور جلسة عمل    بن غفير يطالب باعادة الاستيطان في غزّة وطرد الفلسطينيين    ذبح المواشي خارج المسالخ البلدية ممنوع منعًا باتًا بهذه الولاية    عاجل/ قتلى وجرحى من جنود الاحتلال في عمليتين نوعيتين نفّذتهما القسّام    شوقي الطبيب يعلق اعتصامه    اختفى منذ 1996: العثور على كهل داخل حفرة في منزل جاره!!    وزير الفلاحة يفتتح واجهة ترويجية لزيت الزيتون    عاجل : مطار القاهرة يمنع هذه الفنانة من السفر الى دبي    للسنة الثانية على التوالي..إدراج جامعة قابس ضمن تصنيف "تايمز" للجامعات الشابة في العالم    دراسة : المبالغة بتناول الملح يزيد خطر الإصابة بسرطان المعدة    بنزرت: هدم مشارب وأكشاك فوضوية بهذه الشواطئ    هل الوزن الزائد لدى الأطفال مرتبط بالهاتف و التلفزيون ؟    عاجل/ إصابة تلميذتين في حادث دهس بقفصة    الكاف: إخماد حريق بمعمل الطماطم    عاجل/ فرنسا: قتلى وجرحى في كمين مسلّح لتحرير سجين    كميات الأمطار المسجلة بعدة ولايات خلال ال24 ساعة الماضية    سليانة: القبض على عنصر تكفيري    تونس تصنع أكثر من 3 آلاف دواء جنيس و46 دواء من البدائل الحيوية    العجز التجاري يتقلص بنسبة 23,5 بالمائة    قابس : اختتام الدورة الثانية لمهرجان ريم الحمروني    بن عروس: جلسة عمل بالولاية لمعالجة التداعيات الناتجة عن توقف أشغال إحداث المركب الثقافي برادس    تأجيل النظر في قضية ''انستالينغو''    أعوان أمن ملثمين و سيارة غير أمنية بدار المحامي : الداخلية توضح    ستشمل هذه المنطقة: تركيز نقاط بيع للمواد الاستهلاكية المدعمة    الخميس القادم.. اضراب عام للمحامين ووقفة احتجاجية امام قصر العدالة    سوسة: تفكيك شبكة مختصّة في ترويج المخدّرات والاحتفاظ ب 03 أشخاص    كل التفاصيل عن تذاكر الترجي و الاهلي المصري في مباراة السبت القادم    بعد تغيير موعد دربي العاصمة.. الكشف عن التعيينات الكاملة للجولة الثالثة إياب من مرحلة التتويج    وادا تدعو إلى ''الإفراج الفوري'' عن مدير الوكالة التونسية لمكافحة المنشطات    فتح تحقيق ضد خلية تنشط في تهريب المخدرات على الحدود الغربية مالقصة ؟    مطار قرطاج: الإطاحة بوفاق إجرامي ينشط في تهريب المهاجرين الأفارقة    كأس تونس: تحديد عدد تذاكر مواجهة نادي محيط قرقنة ومستقبل المرسى    الرابطة الأولى: الكشف عن الموعد الجديد لدربي العاصمة    أول امرأة تقاضي ''أسترازينيكا''...لقاحها جعلني معاقة    عقوبة التُهم التي تُواجهها سنية الدهماني    باجة: خلال مشادة كلامية يطعنه بسكين ويرديه قتيلا    تونس: 570 مليون دينار قيمة الطعام الذي يتم اهداره سنويّا    في إطار تظاهرة ثقافية كبيرة ..«عاد الفينيقيون» فعادت الحياة للموقع الأثري بأوتيك    مدنين: انقطاع في توزيع الماء الصالح للشرب بهذه المناطق    منها زيت الزيتون...وزير الفلاحة يؤكد الاهتمام بالغراسات الاستراتيجية لتحقيق الأمن الغذائي ودعم التصدير    بقيمة 25 مليون أورو اسبانيا تجدد خط التمويل لفائدة المؤسسات التونسية    مبابي يحرز جائزة أفضل لاعب في البطولة الفرنسية    بادرة فريدة من نوعها في الإعدادية النموذجية علي طراد ... 15 تلميذا يكتبون رواية جماعية تصدرها دار خريّف    برشلونة يهزم ريال سوسيداد ويصعد للمركز الثاني في البطولة الإسبانية    الاحتفاظ بنفرين من أجل مساعدة في «الحرقة»    هام/هذه نسبة امتلاء السدود والوضعية المائية أفضل من العام الفارط..    عاجل : أكبر مهربي البشر لأوروبا في قبضة الأمن    الهند: مقتل 14 شخصاً بعد سقوط لوحة إعلانية ضخمة جرّاء عاصفة رعدية    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    نابل..تردي الوضعية البيئية بالبرج الأثري بقليبية ودعوات إلى تدخل السلط لتنظيفه وحمايته من الاعتداءات المتكرّرة    جراحة التجميل في تونس تستقطب سنويا أكثر من 30 ألف زائر أجنبي    نور شيبة يهاجم برنامج عبد الرزاق الشابي: ''برنامج فاشل لن أحضر كضيف''    مفتي الجمهورية... «الأضحية هي شعيرة يجب احترامها، لكنّها مرتبطة بشرط الاستطاعة»    أولا وأخيرا: نطق بلسان الحذاء    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاستثمار اللامادي مثال الموارد البشرية لتحسين الإنتاجية
منصور الشارني
نشر في الشعب يوم 05 - 09 - 2009

أصبح عالمنا اليوم لا يعترف إلا بالدولة القوية، لا من حيث القوة العسكرية فحسب، وإنما من حيث قوتها الاقتصادية، وإذا كانت القوة العسكرية ضرورةً لأية دولة لكي تحمي بها سيادتها، فإن القوة الاقتصادية أصبحت ضرورةً أيضاً؛ تحمي بها قرارها، فالدولة التي تعتمد في مأكلها، وصناعتها، وتجارتها... الخ على الغير تفقد الكثير من عناصر التحكم في قراراتها - إن كان بيدها قرارٌ في الأصل و ما الأزمة الغذائية الأخيرة ببعيدة و لا يمكن نسيانها وخاصة دولنا العربية المشرقية والمغربية علي حد سواء وقديماً قالوا: «مَنْ أكل من فأسه، قراره من رأسه»!، وهذا لا يتعارض مع التبادل التجاري، والتقني، والتكنولوجي، والزراعي و الاقتصادي و الثقافي... الخ بين الدول، القائم على أساس الشراكة و المشاركة لا التبعية؛ فالدولة الحرة لا تكون عالةً على غيرها، سواء كانت دولةً أو اقتصاداً.
ولم يعد خافياً على أحد أن مقياس تقدم الدول هو فيما تنتجه وتقدمه لشعبها أولاً، ثم لشعوب الدول الأخرى، فها هو العالم المنعوت بالعالم المتقدم (الدول الثمانية الغنية) يوسم بالتقدم إلا من خلال ما قدمه للعالم أجمع من تكنولوجيا صناعية متقدمة، أنتج بواسطتها منتجات متقدمة ومتنوعة و بسرعة مذهلة في أغلب الأحيان.
واعتمدت الدول المتقدمة في نهضتها العلمية والعملية على ما تمتلكه من ثروة بشرية، فوجهت جل استثماراتها نحو تنمية هذه الثروة البشرية وتمكينها، من أدوات ووسائل العلم النظري، والتطبيق العملي المتقدم..! وهدفت من وراء ذلك إلى رفع الكفاءة الإنتاجية، وتمًيز هذه الثروة البشرية، وقد حققت هدفها، والواقع خير دليل على ذلك.
وإن كان تقدم الولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا - وهم الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية طبيعياً، فإن من غير الطبيعي أن نجد من بين الدول المتقدمة (ألمانيا، واليابان) وهما الدولتان الخاسرتان في الحرب! وهما خير نموذج للاهتمام بالاستثمار في تنمية الموارد البشرية، وخاصةً اليابان، التي لديها ندرة شديدة في الموارد الطبيعية، وبالرغم من ذلك؛ فقد استطاعت بما تمتلكه من ثروة بشرية( ثورة علمية) أن تبني اقتصاداً قوياً، تقف من خلاله في صفوف الدول الثمانية الكبار.
وقبل البدء في الحديث عن أهمية الاستثمار في تنمية الموارد البشرية، ومساهماته في معالجة التنمية الاقتصادية علي أساس أن الإنتاجية ليست المحدد الوحيد بل هناك محددات أخري علي الرغم من أهميتها و لا يجب أن ينتهي بنا الحديث عن الإنتاجية بانتهاء أعمال اللجنة الوطنية لإعداد الحوار حول الإنتاجية التي أذن بها سيادته لما يتميز به من بعد نظر لأن ترسيخ ثقافة الإنتاجية و تغيير العقلية من أصعب الأمور، أود أن أتحدث بإيجاز عن بعض المفاهيم الخاصة بالتنمية بشكل عام، وكذلك الحديث عن الإنتاجية، وأهمية الإنتاجية على مستوى كل من: الفرد، والشركة أو المؤسسة، ومردود ذلك على الاقتصاد الوطني والمجتمع ككل؛ ومن ثَمَّ الحديث عن أهمية واستخدامات تحليل الوظائف والتدريب كوسيلتين هامتين تشترك كلٌّ منهما مع العديد من الوسائل الأخرى في عملية الاستثمار في التنمية البشرية و هنا وجبت الإشارة إلي القطاع الخاص ليس كل القطاع الخاص و إنما تلك التي مازالت تدير الشركة أو المؤسسة بعقلية الملكية الخاصة و إنُما وجب الحديث عن التصرف في الموارد البشرية كثروة و ذلك بتنمية الحوار الاجتماعي أللذي لا مفر لنا منه إن أردنا النجاة.
للتنمية مفاهيم عدة، تختلف هذه المفاهيم باختلاف المجال الذي تنشده التنمية، فهناك مفهوم خاص ب (التنمية الاقتصادية)، يهتم بإحداث تغييرات اقتصادية تساعد على إكساب المجتمع القدرة على إشباع حاجاته الأساسية (الفسيولوجية)؛ من مأكل، ومشرب، ومسكن، تتبعها مراحل أخرى تصل بهذا المجتمع إلى درجات متزايدة من الرفاه، وذلك عن طريق الترشيد اليقظ والمستمر في استغلال هذا المجتمع لثرواته البشرية، وموارده الاقتصادية المتاحة لنقل التنمية المستدامة للأجيال الحاضرة و القادمة علي قدر من المسؤولية و الانتماء الوطني لتونس الخضراء.
وهناك مفاهيم أخري تتعلق ب (التنمية السياسية)، و(التنمية الثقافية)، و(التنمية الاجتماعية).. وغيرها من الأنواع التنموية إن صح التعبير.
وما يهمني هو مفهوم (التنمية البشرية و دورها في تحسين الإنتاجية) حيث اهتم هذا المفهوم بدعم القدرات الخاصة بالفرد الذي يتكون منه المجتمع، وقياس درجة مستوى معيشة هذا الفرد، ومدى تحسن أوضاعه المعيشية في المجتمع الذي ينتمي إليه كالصحة والتعليم و البني الأساسية في كل المجالات.
وبالنظر إلى مفهوم التنمية البشرية نجده أكثر شمولاً عن مفهوم التنمية البشرية الذي سيطر على فكر الدول بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وحتى بداية التسعينيات من القرن الماضي (القرن العشرين)، والمفهوم القديم للتنمية البشرية كان مقتصراً على كمية ما يحصل عليه الفرد من سلع وخدمات مادية و هو ما يعبر عنه بالفسيولوجي أي: كلما استطاع الفرد أن يحصل على المزيد من تلك السلع والخدمات؛ كلما ارتفع مستوى معيشته؛ ومن ثَمَّ زادت رفاهيته، وهنا تتحقق التنمية البشرية.
إلا أنه مع توسيع مفهوم التنمية ليشمل العديد من النواحي النفسية (السيكولوجية) مثل: الغايات والأهداف الخاصة بالفرد، والتي يحقق معها ذاته وطموحاته... الخ، إضافةً إلى الأهداف الاقتصادية، مما أدى إلى تغيير مفهوم التنمية البشرية من مجرد إشباع النواحي الفيزيولوجية للفرد كدليل على وصوله إلى مستوى معيشي كريم إلى مفهوم التنمية البشرية الأوسع، والذي يرتبط بجودة حياة الفرد، بإشباع حاجاته الفيزيولوجية والسيكولوجية معاً؛ وليس حياته الفيزيولوجية فقط.
وقد أخذت الأمم المتحدة على عاتقها إبراز مفهوم التنمية البشرية، وذلك منذ العام 1990م؛ حين نادت ب (برنامج الأمم المتحدة للإنماء)، وخصَّصت له تقريراً سنوياً يعتمد علي عديد المؤشرات التي يمكن قياسها كنسبة الأمية و نسبة الفقر....الخ.
ويرجع الاهتمام العالمي بتنمية الموارد البشرية إلى أن البشر هم الثروة الحقيقية لأيَّة دولة، ولأي أمة، وكلما تمكنت الأمة من الحفاظ على ثروتها البشرية، وعملت على تنمية قدراتها عن طريق التأهيل والتدريب المستمر لا أن نحتسب ذلك مضيعة و هدر للوقت و التواجد في مركز الإنتاج هو الأهم لتغليب الربح العاجل علي ديمومة المؤسسة أو المنشأة سواء في العمومي أو الخاص،و ذلك لإكسابها القدرة على التعامل مع الجديد الذي يظهر على الساحة الدولية بين الحين والآخر بل في كل حين( لا تمر دقيقة في العالم حتى يظهر اكتشاف جديد)؛ كلما تقدمت هذه الأمة اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً بين الأمم الأخرى (راجع ميزانية الثقافة في دولنا العربية فهي أضعف ميزانية).
فالتنمية البشرية تهدف إلى توسيع مدارك الفرد، وإيجاد المزيد من الخيارات المتاحة أمامه، كما تهدف إلى تحسين المستويات الصحية ( المجتمعات المريضة لا يمكنها أن تعمل و تنتج و خذ مثال علي ذلك البلدان التي تنتشر فيها الصيدا)، والثقافية، والاجتماعية، وتطوير معارف ومهارات الفرد، فضلاً على توفير فرص الإبداع، واحترام الذات، وضمان الحقوق الإنسانية، وضمان المشاركة الإيجابية في جميع مناحي الحياة السياسية و الاقتصادية والاجتماعية و الثقافية من الواجب أن يحس بالانتماء إلي وطنه مهما كانت أفكاره بل واجب المجتمع الإحاطة به وتأطيره .
فالاستثمار في تنمية الموارد البشرية أمر هام وضروري، لما للموارد البشرية من أهمية قصوى؛ فهي الثروة الحقيقية والرئيسية للدول و للأمم، والأمم المتقدمة أيقنت تلك الحقيقة؛ فأحسنت التخطيط الاستراتيجي، ونفذت برامج محددة لتنمية هذه الثروة البشرية على مدار عقود من الزمان، ونجحت فيما خططت ونفذت، وها هي اليابان خير شاهد على نجاح الاستثمار، وها هي الصين الأخرى صاحبة المليار ونصف المليار من البشر تخطو بخطى ثابتة ومدروسة نحو قيادة العالم، من خلال هذه الثروة البشرية الهائلة، التي جعلت منها ميزة تميزها عن سائر الأمم، ولم تجعل منها عبئاً ثقيلاً أو شماعة تلقي عليها فشلها كما تفعل كثير من حكومات العالم الثالث أو العالم العربي.
إن الموارد الطبيعية والأموال المتوافرة لدولة ما( الطفرة المالية الأولي و الثانية في دول الخليج كيف تم استثمارها أو الاستفادة منها؟ ) رغم أهميتهما وضرورتهما الكبرى لا يغنيان أبداً عن العنصر البشري الكفء، والماهر، والفعال، والمدرَّب، والمعد إعداداً جيداً مبنياً على أسس علمية دقيقة، وهذه حقيقة راسخة على مر العصور والأزمان، فالأموال والموارد الطبيعية لا ينتجان منتجاً بذاتهما، فالبشر بخصائصهم التي خلقهم الله سبحانه وتعالى عليها هم القادرون على استخدام هذه الموارد بنسب متفاوتة من حيث الكفاءة والفعالية في العمليات الإنتاجية، للحصول علي السلع والخدمات التي تعمل على تحقيق أقصى إشباع ممكن للحاجات الفيزيولوجية للفرد، بهدف الوصول إلى تحقيق الرفاهية والحياة الكريمة للفرد والمجتمع؛ ومن ثَمَّ التقدم الاقتصادي للمجتمع و للدولة، وللاقتصاد ككل.
فالعنصر البشري بما لديه من قدرة على التجديد، والإبداع، والاختراع، والابتكار، والتطوير، يمكنه أن يتغلب على ندرة الموارد الطبيعية، وألا يجعلها عائقاً نحو النمو والتقدم، عن طريق الاستغلال الأفضل إن لم نقل الأمثل لطاقات المجتمع العلمية والإنتاجية، فضلاً عن الاستغلال الرشيد للموارد الطبيعية والاستثمارات المتاحة أنظروا إلي الشمال الغربي خزان مياه تونس و ما قامت به الدولة من تشجيع في كافة المجالات إلا أن القطاع الخاص لم يقم بالدور أللذي يجب أن يقوم به الكل يريد الانتصاب علي السواحل لا كل السواحل مما ولًد ضغطا رهيبا علي الأراضي و أصبح إحطياتنا من الأراضي العقارية في تناقص مستمر بالقرب من التجمعات العمرانية الكبري و قد تمنيت لو يقع تشييد عاصمة جديدة.
ومما تم ذكره يتبين لنا أهمية العنصر البشري؛ والذي يمثل الركيزة الأساسية لتحقيق التنمية الشاملة في كافة المجالات الاقتصادية، والثقافية، والاجتماعية... الخ.
ومما لا شك فيه أن الدولة التي لا تستطيع ( أو تعجز عن ) تنمية مواردها البشرية لا يمكنها أن تحقق غاياتها وأهدافها المخططة ، مهما ابتكرت من وسائل، وإنما يمكنها أن تحقق غاياتها وأهدافها عن طريق تضافر جميع عناصر الإنتاج: ( الأرض، والعمل، ورأس المال، والإدارة).
العنصر البشري بما حباه الله سبحانه من عقل وطاقات وجهد بشري يمثل عنصرين من عناصر الإنتاج، وهذا التضافر يؤدي بلا ريب إلى التطور والتقدم المنشود، واستغلال الموارد الطبيعية المتاحة الاستغلال الأمثل، وفتح الأسواق، والقيام بعمليات التبادل التجاري... الخ، فهناك دول تمتلك موارد بسيطة، ومع ذلك فهي دول متطورة، مثل اليابان كما ذكرنا سابقاً.
وقبل أن نوضح دور تحليل الوظائف والتدريب في رفع الكفاءة الإنتاجية للأفراد ، أود أن أتطرق للحديث بإيجاز - عن: ماهية الإنتاجية، أهمية الإنتاجية على مستوى الفرد (العامل)، والشركة أو المؤسسة، والاقتصاد الوطني، والمجتمع.
الإنتاجية: هي كمية الإنتاج من السلع أو الخدمات، التي تتحقق خلال مدة زمنية محددة، عن طريق وحدة معينة من وحدات العمل الساعة أو اليوم.
أهمية الإنتاجية على مستوى الفرد (العامل)، والشركة أو المؤسسة، والاقتصاد الوطني، والمجتمع:
إنتاجية الفرد العامل ( بالفكر و الساعد) ما هي إلا انعكاس حقيقي لمدى مساهمته في العمل ككل بالجزء المكلَّف به، والذي يستخدم جهده، وعلمه، ومهارته في أدائه، وتحسب مساهمة الفرد العامل بمقدار القيمة المضافة إلى المنتج النهائي.
ومن الطبيعي أنه كلما زادت إنتاجية الفرد؛ زادت مساهمته في القيمة المضافة إلى المنتج النهائي، فضلاً عن زيادة أهمية دوره الوظيفي، مما ينعكس على شعوره بمدى أهميته في مكان عمله، وما يحصل عليه من مزايا معنوية، متمثلة في شهادة تقدير، أو ثناء رؤسائه على عمله وتقديرهم له ( لا الازدراء منه و أن السوق مملوءة بالعاطلين عن العمل! )، مما يزيد من روحه المعنوية، التي تدفعه إلى بذل المزيد من الجهد، ومن ثَمَّ الحصول على المزيد من التقدم على المستوى الفردي، وعلى مستوى العمل، ومن ثَمَّ شعوره بمدى أهميته داخل مجتمعه، فضلاً عن المزايا المادية، المتمثلة في زيادة الدخل، والمزايا العينية الأخرى و هنا يستفيد الكل صاحب العمل و العامل و المستهلك و الاقتصاد.
وعلى النقيض من ذلك: كلما انخفضت إنتاجية الفرد؛ انخفضت وقد تتلاشى - مساهمته في القيمة المضافة إلى المنتج النهائي، فضلاً عن انخفاض أهمية دوره الوظيفي، مما ينعكس على شعوره بمدى عدم أهميته في مكان عمله والذي قد يتعرض لفقده وما يترتب على ذلك من آثار نفسية سلبية ومؤلمة، تؤدي بلا شك إلى المزيد من انخفاض الروح المعنوية، فضلاً عن العقوبات المادية التي قد يتعرض لها، من خصومات تؤدي في النهاية إلى انخفاض دخله، ومن ثَمَّ شعوره بمدى عدم أهميته داخل مجتمعه بل قل إنه سيصبح عالة و علي المجتمع أن يتحمل تبعات ذلك.
استمرار الإنتاجية يعبر عن وجود إدارة تؤدي دورها، وزيادة الإنتاجية وجودتها وكفاءة عملياتها يعبر عن كفاءة الإدارة في استغلال الموارد الطبيعية والإمكانيات المادية والبشرية المتاحة لها على الوجه الأمثل، وهذا يؤدي إلى تحقيق النتائج المرجوَّة وليست المطلوبة فقط - من العملية الإنتاجية و هنا أذكر بأن اللجنة الوطنية لم تتعاطي مع دور الإدارة في تحسين الإنتاجية و قد وعد السيد الصادق بن جمعة بأن تلتئم جلسة أوجلسات لما للإدارة من دور هام و هام جدا.
ومن المسلَّم به: أن زيادة الإنتاجية لا تأتي فقط نتيجة كفاءة الإدارة في استخدام الأساليب الإدارية الحديثة في إدارتها للعملية الإنتاجية؛ بل يتحتم مع ذلك استخدام التكنولوجيا المتطورة والحديثة في تطوير المنتوج بشكل مستمر، فضلاً عن الاستثمار في تنمية الموارد البشرية، وتطويرها المستمر، عن طريق وضع البرامج التدريبية المدروسة على أسس علمية؛ للنهوض الدائم والمستمر للموارد البشرية المتاحة للشركة أو المؤسسة، وحرص الإدارة الدؤوب على جودة المنتوج وتميُّزه، وهذا يتطلَّب التخطيط السليم، والمتابعة المستمرة للعملية الإنتاجية؛ منذ البداية، وحتى الوصول إلى المنتوج النهائي في الصورة المرجوَّة، ويتطلب ذلك من الإدارة أن تكون حريصة على كفاءة الخامات المكوِّنة للمنتوج، والآلات والمعدات التي يمر بها المنتوج، فضلاً عن كفاءة العمال الماهرة التي تقوم بالعملية الإنتاجية.
إن استمرار الإنتاجية يعبر عن وجود إدارة تؤدي دورها، وزيادة الإنتاجية وجودتها وكفاءة عملياتها يعبر عن كفاءة الإدارة في استغلال الموارد الطبيعية والإمكانيات المادية والبشرية المتاحة لها على الوجه الأمثل، وهذا يؤدي إلى تحقيق النتائج المرجوَّة وليست المطلوبة فقط من العملية الإنتاجية هذا على مستوى الشركة أو المؤسسة وكذلك ينطبق الحال على أهمية الإنتاجية على مستوى الاقتصاد الوطني مع الاحتفاظ بالفوارق بين اقتصاد الشركة أو المؤسسة والاقتصاد الوطني ككل فإن الإنتاجية تعبر عن كفاءة الدولة ككل في إنتاج سلعها وخدماتها، فالعملية الإنتاجية على مستوى الدولة تعكس مستوى أداء كافة أجهزة ومؤسسات الدولة، ومدى نجاح هذه الأجهزة وتلك المؤسسات في تحقيق غايات وأهداف خطة الدولة في مجال إنتاج السلع والخدمات بالجودة والكفاءة المرجوَّة.
إذا لم تُزد العملية الإنتاجية في القيمة المضافة للمجتمع، ولم يكن تأثيرها إيجابياً ومباشراً وملموساً على رفاهيته؛ فإن العملية الإنتاجية في هذه الحالة تكون قد انحرفت عن المسار الطبيعي لها و يصبح المجتمع يشتكي غلاء المعيشة بالإضافة إلي.
فالمسار الطبيعي للعملية الإنتاجية هو: توفير السلع والخدمات بالجودة والكفاءة العالية لجميع أفراد المجتمع، وأن تعمل هذه السلع المنتَجَة والخدمات المقدَّمة على إشباع أذواق ورغبات المستهلكين لها، فضلاً عن وفرة الكميات المناسبة من هذه السلع وتلك الخدمات لمواجهة حاجيات المستهلكين.
من بين الأساليب والوسائل الإدارية الهامة التي تأخذ بها الإدارات العليا الناجحة في أيَّة مؤسسة أو شركة أسلوب (تحليل الوظائف)، فهذا التحليل الدقيق للوظائف يوفر للإدارة بيانات ومعلومات هامة عن واجبات ومسؤوليات الوظائف، ومدى الحاجة إلى إنشاء وظائف جديدة، أو إلغاء وظائف قائمة مثال ذلك الحكومات الإلكترونية و التي تسمح للمواطن بقضاء حاجاته دون عناء التنقل و التي تتطلب خبرات تختلف عما هو مألوف، وهذا من شأنه مساعدة الإدارة في إدارة مواردها البشرية بشكل ناجح وفعَّال.
- 1 - التنظيم الإداري للشركة: عن طريق تقسيم العمل، وتحديد المسؤوليات والسلطات الممنوحة للمسؤولين، والعمل على إيجاد التوازن بين السلطة والمسؤولية و علي المستوي الأفقي لا الهرمي و ذلك لتقريب المسئول من المواطن و العكس كذلك صحيح.
- 2 - التدريب: حيث يقوم تحليل الوظائف(analyse de postes) بتحديد الفجوة بين المهارات الحالية للموظفين والمهارات المأمولة والمطلوبة توفرها، ومن خلال هذا التحديد تتمكن الإدارة من وضع الخطة التدريبية الصحيحة لسد هذه الفجوة أو الفجوات في الوقت الناسب و سرعة تنفيذه.
- 3 - التخطيط السليم للعاملين من أطر و فنيين و عاملين مهرة.
- 4 - التعويضات والمكافآت والحوافز للعاملين.
- 5 - إعادة تصميم وتصنيف الوظائف بإستمراركلما دعت الحاجة دون تلكأ.
- 6 - تحسين الأداء الوظيفي باستمرار.
- 7 - اكتشاف الخلل في بيئة العمل الداخلية، ومحاولة القضاء عليه، والعمل على تحسين ظروف العمل الداخلية والخارجية، في حدود الإمكانات المتاحة دون اللجوء إلي الهدر.
تتجه غالبية دول العالم الآن نحو الأخذ بوسائل التدريب المتقدِّمة؛ لرفع وزيادة الكفاءة الإنتاجية؛ والتي تمثل إحدى الأهداف الرئيسية للتنمية البشرية، وإن اختلفت درجات هذا التوجُّه بين العالم المتقدم، والعالم الذي يقف على أبواب التقدم(les pays immergents) ، والعالم النامي.
فمعظم الدول أصبحت تعي أهمية التدريب و الرسكلة و التكوين المستمر؛ لما لها من دور فعَّال في المحافظة على مكتسباتها الحالية، والمساعدة في تحقيق استراتيجياتها المستقبلية.
- 1 - وجود كفاءات منتقاة من المديرين، يتم أو تم صقلها بأساليب تدريبية عالية، أكسبتهم مهارات خاصة، وخبرات كبيرة.
هؤلاء المديرين تعقد عليهم شركاتهم و مؤسساتهم آمالاً عريضة في الانتقال بهم نحو مصاف الشركات الناجحة؛ بل والمتميزة، فالمدير الناجح يعمل دائماً على رفع مستوى أدائه، ورفع مستوى أداء وتنمية مهارات العاملين معه تحت إدارته.
استمرار جودة المنتوج وتطوره، مع خفض التكاليف، وخلق أسواق جديدة للمنتوج، مع المحافظة على حصة شركاتهم، والعمل على زيادتها في الأسواق الموجودة المحلية منها و الخارجية، مما يساهم في تحقيق التنمية الاقتصادية ، ويكون له مردوده الإيجابي والمباشر على التنمية البشرية للعاملين في هذه الشركات، وعلى التنمية الاقتصادية للصناعة التي تنتمي إليها، فضلاً عن التنمية الاقتصادية للمجتمع والدولة ككل.
- 2 - العمل على توفير وامتلاك المهارات المكتسبة، عن طريق التدريب، وتنمية هذه المهارات واستغلالها الاستغلال الأمثل، فالمهارات يمكن إكسابها للأفراد عن طريق الخطط التدريبية ذات الكفاءة العالية، والمخطط لها بشكل علمي سليم، مع الحفاظ - في ذات الوقت - على المهارات الموهوبة للأفراد بعد اكتشافها، بالعمل على تنميتها وصقلها ببرامج تدريبية خاصة، وتوفير البيئة الصحيحة المساعدة على تأصيل هذه الموهبة مع التأكيد علي ضرورة أن تتمتع منظومة التكوين المهني بشرعيتها بعيدا عن منظومة التربية و التعليم و لكن بتناغم و تكامل دون استغناء الواحدة عن الأخرى.
- 3 - وجود خطط تدريبية عامة وخاصة؛ فتدريب العاملين أمر هام وضروري، خاصةً العاملين أصحاب المهن الفنية المعقَّدة، بإتباع طرق التدريب الأساسي، والتدريب التخصصي( الحرف و كادت عديد الحرف أن تزول لولا التدخل الرئاسي لإعادة الاعتبار للصناعات التقليدية و تطويرها بالأساليب العلمية.
فالصناعات الدقيقة والمعقدة تتطلب دائما عمالة فنية ذات مهارات عالية، وهذه العمالة تحتاج أيضاً وبشكل مستمر برامج تدريبية متخصصة؛ لكي تؤهلهم وتمكنهم من التعامل مع الصناعات القائمة، وما يستجد عليها من تطور وتقنيات حديثة هناك مؤسسات تخصص يوم أو نصف يوم في الأسبوع لدراسة المستجدات والاستفادة من الأخطاء.
ولا يخفى على أحد أن العمالة الماهرة المدربة، تتهافت عليها كبريات الشركات العالمية، ولها إطار مميز من حيث الرواتب والمكافآت والحوافر لا يتوافر لغيرها، فالتدريب المتخصص يساعد على تنمية الموارد البشرية.
- 4 - انفتاح العمالة (المدرِّب والمتدرِّب) على العلم في مجال التخصص و هنا الدور الذي يجب أن يتمتع به الباحثين الجامعيين من أساتذة و طلبة و أن يفسح لهم المجال للبحث والتجديد و الابتكار( ففي عديد المؤسسات المهندس هو حارس يراقب المال في دخولهم و خروجهم أما مؤهلاته العلمية فهي في الرف الإداري عوض الاستفادة منهم في التأطير )، والثقافة بشكل عام، والعمل على اكتساب لغات الدول المتقدمة صناعياً وتكنولوجياً؛ حتى تتمكن هذه العمالة من مسايرة كل جديد في مجال تخصصها، فضلاً عن فتح فرص عمل ذات مميزات خاصة لها، عن طريق الالتحاق بالوظائف المميزة في الشركات متعددة الجنسيات، التي أصبحت منتشرة حول العالم كمظهر من مظاهر العولمة، أو ترغيب هذه الشركات في الاستثمار في بلدان هذه العمالة الماهرة حيث لم يعد لليد العاملة الرخيصة مكان، مما ينعكس بدوره على إنعاش اقتصاديات أوطان هذه العمالة، وخلق فرص عمل جديدة، وبالتالي تنمية الموارد البشرية والاستثمار فيها، وهذا كله يصب في تقدم بلدانهم صناعياً، واجتماعياً، وثقافياً.
إن الاهتمام بالفكر والتخطيط الاستراتيجي يساعد كلاًّ من الشركة أو المؤسسة أو الدولة على الوصول إلى ما تصبو إليه من تقدم، ونموٍّ مطَّرد؛ ومن ثَمَّ الازدهار والرفاهية، وصولاً إلى الحياة الكريمة.
ويعد الاهتمام بالتنمية البشرية حجر الزاوية، وأساساً جوهرياً لتأكيد التنمية بمفهومها الشامل لكل المجالات، سواء كانت اقتصادية، اجتماعية، سياسية، أو ثقافية... الخ.
والأخذ بالتطوير الشامل المدعوم بالتدريب العام والمتخصص يمكِّن الدولة، والشركة، والمؤسسة، والفرد، من مواكبة التغيُّرات السريعة التي يشهدها عالم اليوم.
والتدريب هو استثمار حقيقي ومباشر يؤدي إلى تنمية الموارد البشرية؛ فكلما زاد استثمار الدولة - أو الشركة أو... - في تنمية مهارات الأفراد، ورفع مستوى كفاءتهم العلمية والعملية، ومن ثَمَّ الإنتاجية، مما يصب في النهاية في مجرى رفع مستوى معيشتهم؛ كلما ملكت عليهم أفئدتهم وعقولهم، وولائهم وانتمائهم، فضلاً عن امتلاكها لمهاراتهم التي أكسبتهم إياها ببرامج التدريب المدروسة والمفيدة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.