بديهي أن تحدث لأحدنا مشكلة أو عدة مشكلات في وقت واحد، وفي أي لحظة من لحظات حياتنا وتحت أي ظرف من الظروف وهذا ليس موضع شك على الإطلاق، ما دمنا ندرك تماما أن ذلك من طبيعة الحياة التي لا تتغير أو تتبدل. ولكن كون الإنسان هو الذي يسعى بملء إرادته لاحداث مشكلة ما لنفسه أو في محيطه الاجتماعي.. فهذا ما لا يقره العقل السليم والمتزن والذي يستطيع أن يتبين خط الحكمة وبعد النظر والتجاوز ... مثلما أشار الى ذلك الحكماء القدامى حيث قال «ليس للآدمي أعز من نفسه وقد عجبت ممن يخاطر بها للهلاك ...» معتبرا أن قلّة العقل وسوء النظر وتلوث العقلية السبب الحقيقي وراء كل مخاطرة وهلاك... وحتى تتجلى هذه الصورة من خلال هذه النظرة الفكرية الواعية والناقدة والمدركة لهذه الآفة التي تنخر الأفراد والمجتمع والمتمثلة كما أسلفنا في هذه العقلية الملوثة ... فلا بأس ان نعرّج على بعض من مشكلاتنا الكثيرة والمختلفة وخاصة في زمننا هذا من جراء سوء تصرفنا وسوء تقديرنا لمواقفنا تجاه هذا الطوفان من العقليات الملوثة لصفاء معدن الإنسان ونقائه وذلك بهدف التذكير والاجتهاد. أولا هذه النظرات القاتلة لبعضنا البعض من غير موجب فقد اصبح الكلّ مستهدف بسهام نظرات الكراهية والحقد والازدراء والشهوة فلا يسلم منها شيخ ولا إمرأة ... ومن هنا تبدأ طاحونة المشاكل فتكبر الأنفس وتسمع معسول الكلام البذيء والدنيء فيحمى الوطيس فتركل الأجساد الأجسام وتركل الساق الساق وتهوي اليد على الأشداق ... فيحدث التدمير والتخريب ويهرع المارة وتحدث الفوضى في الأسواق والمقاهي والساحات وأمام المدارس والمعاهد وبالخصوص في ملاعبنا الرياضية وينتج عنها في بعض الاحيان إزهاق النفس البشرية ... إنه فعل البهائم التي تتحرك دونما عقل وتفكير وتمارس سلوكيات بهيمية يستحي من إتيانها الإنسان العاقل ، ولكن للأسف الشديد هذا ما أصبحنا نشاهده في حياتنا ... إنه غول تلوث العقلية. ومن مشكلاتنا أيضا والتي أصبحت ظاهرة عامة وسلوك مرضيا ينم على تصرفات تدميرية لذواتنا المتمثلة في كثرة الجشع والنهم واللهفة بموجب أو بدون موجب وخاصة في المناسبات والأعياد مثلما يحدث في شهر الرحمة والبركة فأصبح الكل يلهث وراء إشياع غرائزه البهيمية بالاسراف في التبضع لتلبية الشهوات حتى يغرق في المديونية أضف الى ذلك الاسراف في تناول الأطعمة من غير ضوابط صحية فينتج عنه عديد التشنجات والأمرض مثل عسر الهضم وارتفاع الضغط والسمنة فتكتظ أقسام الإستعجالي، إنها عقلية اللهفة والتخمة ... فشاهد كيف أصبحت بطون الرجال وعدد كثير من الشباب كبطون النساء الحوامل ... على صعيد آخر فإنه بقدر ما يقع للعديد منا من مآس من جراء هذه التصرفات الخاطئة لعقليات ملوثة كما أسلفنا يمكن كذلك أن تتأثر عقليتنا المهزوزة الى حدوث حزمة من المشاكل في محيطنا الإجتماعي الاقتصادي كنتيجة لسوء تصرفنا مع الآخرين نتيجة عن مرض حبّ الذات أو التكبر أو الهيمنة كمسؤول في مؤسسة أو إدارة جمعية رياضية أو نادي ثقافي فيكون سببا في إحداث خلل واضح أو صارخ فينتج عنه فساد في الخلق للجميع وردود أفعال تأثر على السير الطبيعي للمؤسسة والعمل والانتاج والإنتاجية والتضامن الاجتماعي وخاصة الرقي الاقتصادي والاجتماعي ... وتنسحب آثار تلوث العقلية كذلك على أولائك الذين يقودون سياراتهم بسرعة فائقة وجنونية مستهترين بكل القوانين وهو سلوك أصبح يميز عقلية التونسي وخاصة فئة الشباب من هم فهناك فرق بين الشجاعة والتهور الذي نتج عنه إرتفاع فاق كل التوقعات في نسبة حوادث الطرقات ... بالإضافة الى الخسائر الكارثية في الأرواح والأملاك فيعود ضرر كبير على الاقتصاد الوطني ... إلى تلوث العقلية . والأمثلة تطول على مظاهر تلوث العقلية واهتزازها وغالبا ما تحيل الى عواقب وخيمة فما أحوجنا اليوم ونحن نعايش تحولات عميقة في كل جوانب الحياة حتما ستلقي بوقعها على مثل تلك العقلية الملوثة فتزيدها إهتزازا ... ما أحوجنا الى كل ما ينير بصيرتنا ودربنا الى ما هو إعتدال ووسطية متزنة تغلّب العقل على الأنانية والعبثية بمعنى نشر ثقافة التحابب والتسامح والتجاوز على ثقافة الكراهية والتهور للمحافظة على البناء الاجتماعي الإنساني السليم.