للاستجابة للمعايير الدولية...الصناعة التونسية في مواجهة تحدي «الكربون»    القانون الجديد... بين إلغاء العقوبة السجنية أو الابقاء عليها ...الشيك بلا رصيد... نهاية الجدل؟    نمت بأكثر من 3 %... الفلاحة تتحدى الصعاب    مجلس وزاري يتابع إجراءات مختلف الوزارات استعدادا لعودة التونسيين بالخارج إلى أرض الوطن..    عاجل/ هذا ما قررته محكمة التعقيب بحق المتهمين في قضية "انستالينغو"..    280 مؤسسة توفر 100 ألف موطن شغل تونس الثانية إفريقيا في تصدير مكونات السيارات    بورصة تونس ..مؤشر «توننداكس» يبدأ الأسبوع على ارتفاع    تحطم طائرة عسكرية من نوع "إف 35" في ولاية نيومكسيكو الأمريكية (فيديو)    الاحتلال يترقب قرارا من غوتيريش يصنفها "قاتلة أطفال"    رونالدو يشد عشاقه بموقفه الرائع من عمال الملعب عقب نهاية مباراة النصر والاتحاد (فيديو)    اليوم في رولان غاروس .. أنس جابر من أجل الدور الثالث    الرابطة في مأزق...الترجي يطالب باحترام الرزنامة    جينيف: وزير الصحة يؤكد الحرص على التوصّل لإنشاء معاهدة دولية للتأهب للجوائح الصحية    قريبا يشرع البرلمان في مناقشته هذه ملامح القانون الجديد للشيك دون رصيد    موجة اعترافات أوروبية جديدة بدولة فلسطين ...تسونامي يعصف بالاحتلال    رئيس الجمهورية يغادر تونس في اتجاه جمهورية الصين الشعبية    نقص فرص العمل عن بعد وضعف خدمات رعاية الأطفال يمثلان عائقا رئيسيا لوصول النساء إلى سوق العمل (دراسة)    بنزرت: الاذن بالاحتفاظ بشخص وفتح بحث تحقيقي من اجل اضرام النار عمدا بمنقولات في حادث نشوب حريق بمستدودع الحجز البلدي    تشييع الجندي المصري ضحية الاشتباك مع الإسرائيليين على معبر رفح    نائب فرنسي يرفع علم فلسطين خلال جلسة الجمعية الوطنية الفرنسية    مجلس ادارة الشركة التونسية للبنك يعين نبيل الفريني مديرا عاما بالنيابة للبنك    الشركة التونسية للكهرباء والغاز تطلق خدمة إلكترونية جديدة    بن عروس: متابعة ميدانية لوضعية المحصول بالمساحات المخصّصة للزراعات الكبرى    تصفيات كاس العالم 2026:غدا الاعلان عن قائمة لاعبي المنتخب التونسي    ملعب غولف قرطاج بسكرة يحتضن نهاية هذا الاسبوع كاس تونس للغولف    البطولة السعودية: نزول فريقي سعد بقير وأيمن دحمان الى الدرجة الثانية    قفصة: الدفعة الثالثة والأخيرة من حجيج الجهة تغادر اليوم في إتجاه البقاع المقدّسة عبر مطار قفصة-القصر الدولي    تعظيم سلام يا ابن أرض الرباط ... وائل الدحدوح ضيفا على البلاد    قبل جولته الأدبية في تونس العاصمة وعدة جهات، الكاتب جلال برجس يصرح ل"وات" : "الفعل الثقافي ليس فقط في المركز"    افتتاح الدورة السادسة للمهرجان الدولي للموسيقيين والمبدعين من ذوي وذوات الإعاقة بعد أكثر من 4 سنوات من الغياب    الصّفقات العمومية والانتدابات تشكّلان أهمّ مجالات سوء الحوكمة ما يتطلب تسريع وتيرة الرّقمنة - عبد المنعم بلعاتي    وزير الصحة يشارك في مراسم الاعلان عن مجموعة أصدقاء اكاديمية منظمة الصحة العالمية    وزارة الصحة تنظم يوما مفتوحا بعدد من الولايات للتحسيس بمضار التدخين في اليوم العالمي للامتناع عن التدخين    الليلة أمطار متفرقة والحرارة تتراوح بين 18 و28 درجة    قابس: الاحتفاظ بشخص مفتش عنه وحجز كمية من الهواتف الجوالة المسروقة    جنيف: وزير الصحة يستعرض الاستراتيجيات والخطط الصحية الوطنية في مجال علاج أمراض القلب    المنستير: أجنبي يتعرّض ل'براكاج' والأمن يتدخل    عملية بيع تذاكر'' الدربي'' : الأسعار... متى و أين ؟    لدعم خزينته: الأولمبي الباجي يطرح تذاكرا افتراضية.. وهذا سعرها    فتح باب الترشح للدورة 36 لمهرجان المحرس الدولي للفنون التشكيلية    بداية من اليوم.. مدينة الثقافة تحتضن الدورة السادسة للمهرجان الدولي للموسيقيين والمبدعيين من ذوي الإعاقة    عاجل : الديوانة بميناء حلق الوادي تحبط محاولة تهريب'' زطلة و مخدرات ''    تذمّر المواطنين بسبب غلاء أسعار الأضاحي..التفاصيل    لأول مرة.. إعتماد هذا الإجراء مع الحجيج التونسيين    حادث مرور مروّع في القصرين    هيونداي تونس تتوج بعلامة "أفضل علاقات عامة" في المؤتمر الإقليمي لشركة هيونداي موتور في جاكرتا    عاجل :عطلة بيومين في انتظار التونسيين    قفصة: القبض على 5 أشخاص من أجل ترويج المخدّرات    هذا فحوى لقاء رئيس الدولة بالصحفي الفلسطيني وائل الدحدوح..    في الملتقى الوطني للتوعية والتحسين البيئي... ياسين الرقيق يحرز الجائزة الأولى وطنيا    في إطار تظاهرة الايام الوطنية للمطالعة بعين دراهم ...«الروبوتيك» بين حسن التوظيف والمخاطر !    فضيحة الساعات الفاخرة 'روليكس' تلاحق رئيسة بيرو    4 ألوان تجذب البعوض ينبغي تجنبها في الصيف    بن عروس : اختتام الدورة الثالثة والثلاثين لمهرجان علي بن عياد للمسرح    أولا وأخيرا «عظمة بلا فص»    أليست الاختراعات التكنولوجية كشفٌ من الله لآياته في أنفس العلماء؟    معهد الفلك المصري يكشف عن موعد أول أيام عيد الأضحى    مواقف مضيئة للصحابة ..في حبّ رسول الله صلى الله عليه وسلم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النظام القانوني لحوادث الشغل في القطاعين العام والخاص
بقلم الأستاذ : عبد الجليل الظاهري متصرف مستشار بالوظيفة العمومية ومساعد عرضي بجامعة جندوبة
نشر في الشعب يوم 19 - 12 - 2009

لقد تنامى الإهتمام بمسألة فواجع الشغل منذ التسعينات كنتيجة حتمية لإعادة التركيز من جديد على الأخلاقيات الشمولية لحقوق الانسان وذلك بفضل مجهودات المنظمات الدولية عموما والتي وجدت أمام تحدي إعادة الإعتبار للكرامة الإنسانية التي أصبحت تحجب شيئا فشيئا لحساب التطورات على جميع الأصعدة، خاصة تلك التي وقعت في مجال الشغل والتي جعلت من هذا القطاع رهين دافع رئيسي وهو تحقيق الربح والجدوى الاقتصادية بقطع النظر عن رفاهية اليد العاملة الشيء الذي جعل رجال الإقتصاد بعتبرون الفترة الممتدة من بداية الستينات الى أواخر الثمانينات بأنها تمثل العهد الذهبي لبناء الاقتصاديات الوطنية والحرة بالرغم من بعض الهزات الاستثنائية والتي كانت بمثابة الإنذار المسبق بضرورة مراجعة مناهج العمل وإعادة الإعتبار للعنصر البشري خاصة على مستوى الوقاية والتدخل اللاحق في مجال حوادث الشغل أو كما يسميها البعض »فواجع الشغل« وقد سبق هذه الفترة وجود تشريعات نظمت هذا المجال ولكن ليس بالقدر الكافي ومن أبرزها التشريع الفرنسي المؤرخ في 9 أفريل 1898 المحدث لتنظيم جبر الأضرار الناجمة عن حوادث الشغل والذي كان مصدر استلهام للمشرع التونسي في اصدار الأمر المؤرخ في 15 مارس 1921.
وبالإضافة الى هذه التشريعات الوطنية المنظمة (ولو بصفة محتشمة) لفواجع الشغل تتوجب الإشارة الى مساهمة النصوص الدولية في انطلاق التبني التشريعي لهذا الموضوع ويمكن ذكر البعض منها كالاتفاقيات العالمية للشغل رقم 12 الموقعة »بجنيف« سنة 1921 والاتفاقية رقم 17 الموقعة »بجنيف« سنة 1925 . أما التوصية رقم 74 الصادرة بمؤتمر باريس 1945 والمتعلقة بالسياسة الاجتماعية والتي تعني اعتمادها من طرف الدول الأعضاء بالأراضي التابعة لها فقد دعت في فصلها الثامن الى ضمان جبر حوادث الشغل بواسطة نظام تأمين إجباري لا يكتسي صبغة ربحية.
أما في تونس وبعد صدور التشريع المؤرخ في 15 مارس 1921 بالاضافة الى الرقم الفكري الذي توفق مع فترة الاستقلال والتي كانت نتاجا لنضال فكري بالدرجة الأولى قادته مجموعة من المثقفين الوطنيين كانت لها قناعة قوية بضرورة النهوض بالأوضاع الاجتماعية المأساوية لشعبها ومنها بالخصوص تلك المتعلقة بوضع الطبقة الشغيلة والتي تحدث عنها الطاهر الحداد في كتابة »العمال التونسيون وظهور الحركة النقابية« واصفا أوضاعهم المزرية بما يلي : »عاش هؤلاء العملة بين أزواجهم وبينهم وسائر أهلهم عيشة الفاقة وهم مجدون عاملون فإذا ما مرضوا أو هلكوامن الشغل أو من غيره انقطعت جرايتهم، أضف اليهم من ترفضهم المعامل للاستغناء عنهم فيصبح الجميع عاطلين عن العمل فاقدين معاشهم يأكلهم الجوع وتنتاب الأمراض أجسادهم المنهوكة بلا علاج هم ونساؤهم وبنوهم ومن في كفالتهم « أدى هذا المخاض الفكري لقادة التحرير الوطني وعلى إثر الاستقلال الى اصدار القانون عدد 73 لسنة 1957 المؤرخ في 11 ديسمبر 1957 الذي أقحم لأول مرة الى جانب واجب تغطية حوادث الشغل ضرورة تغطية حوادث الطريق والأمراض المهنية . وقد كان نظام التغطية موكولا من ناحية التصرف فيه لمؤسسات التأمين الخاصة التي يقع التعاقد معها حسب اختيار صاحب العمل. وقد جاء هذا التشريع متطابقا مع روح فلسفة التشريع الفرنسي الشيء الذي تسبب في بعض الاشكاليات الإجرائية الناتجة عن عدم الأخذ بالخصوصية الوطنية كما أن قانون 1957 التقى بتنظيم فواجع الشغل الحاصلة بالقطاع الخاص ولم يشمل القطاع العمومي والذي كانت فيه هذه الأخطار المهنية مضمنة بنصوص متفرقة وبتشريعات مختلفة فالتعويض عن العجز المؤقت بالنسبة لأعوان الدولة وقع التنصيص عليه بالفصل 46 من القانون الاساسي لأعوان الوظيفة العمومية المحدث بمقتضى قانون عدد 112 لسنة 1983 والمتعلق بضبط النظام الاساسي لأعوان الدولة والجماعات العمومية المحلية والمؤسسات العمومية ذات الصبغة الإدارية أما التعويض عن العجز المستمر أو العجز ذي المصدر المهني فهو يخضع لأحكام الفصل 26 من القانون عدد 18 لسنة 1959 المؤرخ في 5 فيفري 1959 المتعلق بضبط نظام جرايات التقاعد المدني والعسكري .
ونتيجة لهذا الوضع القانوني المتشرذم ترسخت قناعة قوية بضرورة مراجعة الإطار القانوني لفواجع الشغل في القطاعين العام والخاص وقد كان ذلك موضوع توصية ضمنت بالمخطط الخامس للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وفي سنة 1991 وبمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للشغل أعلن رئيس الدولة عن : »مراجعة النظام الخاص بفواجع الشغل وإعداد مشروع قانون في الغرض يتماشى والتطور الاقتصادي والاجتماعي الذي تشهده البلاد« وعلى إثر ذلك وبفارق زمني ضئيل تم استصدار القانون عدد 28 لسنة 1994 المؤرخ في 21 فيفري 1994 والمتعلق بفواجع الشغل بالقطاع الخاص كما تم في المقابل تنظيم هذا الموضوع بالقطاع العمومي بمقتضى القانون عدد 56 بسنة 1956 ويتبين من خلال التفحص في القانونين وجود نقاط مشتركة ووجود نقاط خاصة بكل قطاع على حده (1).
1 النقاط المشتركة ما بين التنظيم القانوني لفواجع الشغل في كل من القطاع الخاص والعام
تتمثل النقاط المشتركة في التنظيم القانوني لفواجع الشغل ما بين القطاع الخاص والقطاع العام في الأخطار المغطاة (1) وفي المنافع المستحقة (2) .
1 التشابه على مستوى الأخطار المغطاة :
لقد تضمن كل من تشريع 1994 و1995 تجديدا مهما يتمثل في التحديد التشريعي للأخطار المهنية المغطاة وتجدر الإشارة الى أن كل من تشريع 1994 و1995 تميزا عن تشريع 1957 من ناحية الضبط الدقيق للمفاهيم بالرغم من أن هذا التشريع الأخير نص على البعض من المخاطر المغطاة وتجاهل البعض ونفس الوضعية تخص التشريع الذي نظم القطاع العمومي الى حدود سنة 1995 وتتمثل الأخطار المهنية المغطاة في حادث الشغل (أ 1) وحادث الطريق (ب 1 ) والأمراض المهنية (ج 1) .
أ 1 حادث الشغل
لقد تم تعريف حادث الشغل طبقا للفصل الثالث من قانون 1994بأنه الحادث الحاصل بسبب أو بمناسبته لكل عامل عندما يكون في خدمة صاحب عمل أو أكثر وذلك مهما كان سببه ومكان وقوعه . ومن بين الملاحظات المتعلقة بهذا المفهوم يتبين أن القانون الجديد أخذ نفس الأسس التي ارتكز عليها قانون 1957 في تحديد مفهوم حادث الشغل وهي العلاقة السبب ما بين الضرر والشغل وكذلك فيما يتعلق بالظرف المكاني الذي يتوجب أن يكون تحت السلطة »اللوجستيكية« للمشتغل كما تجدر الإشارة أنه في إطار تحقيق شمولية المفاهيم وبالتالي ضمان التغطية الأوسع للعامل تم تعويض عبارة »المتضرر« التي وردت بالتشريع السابق بعبارة »العامل« وفي نفس هذا التمشي تم التنصيص على الأخذ بعين الإعتبار لإمكانية تغطية المخاطر الواقعة للعملة المستخدمين من قبل عدة أشخاص وهي خصوصية ثابتة في ممارسة النشاط المهني بالقطاع الخاص على عكس القطاع العام الذي يلتزم فيه العامل بممارسة العمل.
في القطاع العام وتحت سلطة مشغل واحد دون سواه وهو ما يبرر ان القانون عدد 56 لسنة 1995 المؤرخ في 28 جوان 1995 والمتعلق بالنظام الخاص للتعويض عن الاضرار الحاصلة بسبب حوادث الشغل والأمراض المهنية في القطاع العمومي تبنى نفس مفهوم حادث الشغل الوارد بقانون 1994 (المتعلق بالقطاع الخاص) ما عدا استثناء امكانية تعدد أصحاب العمل أي تعدد العلاقات الشغلية بالرغم من أن هذا الاستثناء لا يمكن أن يقصي فرضية وجود حالات استثنائية لإمانية ممارسة العون العمومي لأنشطة مهنية استثنائية الى جانب نشاطه الأصلي خاصة فيما يتعلق باستثناء ممارسة الأنشطة الخاصة بمقابل والتي نظمها الأمر عدد 83 لسنة 1995 وسمح بممارستها بمقتضى ترخيص من المشغل الأصلي ومن بين هذه المهن ذات الطابع الاستثنائي نذكر التدريس وإعطاء الاستشارة الخ وهنا يفتح باب التساؤل حول الطبيعة القانونية للحوادث المهنية التي قد تحدث أثناء ممارسة هذه الأنشطة المهنية الإستثنائية الشيء الذي يطرح ضرورة السعي الى ايجاد تأطير تشريعي لفرضيات حدوث حوادث ذات طابع مهني بفضاءات الممارسة المهنية الاستثنائية تناسبًا مع الفلسفة الحمائية للقوانين المنظمة لفواجع الشغل عموما.
ب 1 حادث الطريق
يمثل حادث الطريق الصنف الثاني من فواجع الشغل وقد تبنى كل من تشريع 1994 و1995 نفس التعريف والذي بمقتضاه تم تعريف حادث الطريق على النحو التالي : »يعتبر حادث شغل الحادث الحاصل للعامل أثناء تنقله بين مكان شغله ومحل إقامته بشرط أن لا ينقطع مسيره أو يتغير اتجاهه لسبب أملته مصلحته الشخصية أو لسبب لا صلة له بنشاطه المهني « وقد تم بناء مجموعة من الاستنتاجات من خلال هذا التعريف كحادث الطريق ، أهمها: ان العامل الذي يكون في عطلة ويتوجه الى مكان عمله ويكون ضحية لحادث لا يمكن ان يتمتع بجملة المنافع المقررة في صورة وقوع حوادث، كما ان القضاء التونسي رفض اعتبار الحادث الحاصل للعامل وهو متجه للطبيب بعد انتهاء توقيت العمل كحادث طريق . كما تجدر الاشارة الى ان المشرع أكد على أنه في صورة تغيير المسير لمصلحة شخصية أي بصفة آلية يؤدي الى الحرمان بصفة آلية من التعويض الحاصل بسبب حوادث الشغل الشيء الذي يستنتج في المقابل أنه عند تغيير المسير بصفة اضطرارية نتيجة لأمر طارئ أو لقوة قاهرة كحصول فيضانات أو أشغال على مستوى الطريق المعتاد الشيء الذي يجبر المتضرر على تغيير مسيره فإن الحادث الواقع في مثل هذه الفرضية يمكن أن يكون ذا صبغة مهنية ويتوجب الاشارة الى أن المشرع الفرنسي حرص على تعميق الطابع الحمائي لقانون فواجع الشغل والذي يتأسس على فكرة التضامن مع المتضرر لتحمل أعباء الضرر وذلك من خلال أخذه بعين الاعتبار لإمكانية تغيير المسير لتلبية الحاجيات الاساسية للحياة اليومية للمتضرر كشراء الأدوية أو نقل الأبناء للمدارس، ففي هذه الظروف مكن فقه القضاء الفرنسي المتضرر من التمتع بالتعويض الحاصل بسبب حوادث الشغل في صورة تغيير المسير العادي لتلبية الحاجيات الاساسية على عكس فقه القضاء التونسي الذي ظل محافظا على المفهوم الكلاسيكي للمسير المهني.
ج الأمراض المهنية
تم تعريف المرض المهني حسب كل من تشريع 1994 وتشريع 1995 بأنه كل »ظاهرة اعتلال وكل تعفن جرثومي أو إصابة يكون مصدرها بالقرينة ناشئا عن النشاط المهني للمتضرر « وهو ما يعني توفر شرطين أساسين لاعتبار الضرر مرضا مهنيا كأن يكون المرض الحاصل مصنفا كمرض مهني بقائمة الأمراض المهنية الموضوعة بمقتضى قرار وزير الشؤون الاجتماعية المؤرخ في 10 جانفي 1994 مع الاشارة الى أن هذه القائمة التي تضم 84 مرضا ذا صبغة مهنية يقع تحيينها بصفة دورية مرة كل ثلاث سنوات بمقتضى قرار مشترك من لدن وزير الصحة العمومية ووزير الشؤون الاجتماعية والتضامن والتونسيين بالخارج . كما أن كل من قانون 94 وقانون 95 وضعا آلية تحمل على عاتق أي طبيب عاين أثناء ممارسته لمهنته مرضا ذا صبغة مهنية فهو مطالب بواجب إعلام تفقدية طب الشغل بهذا المرض ان كان المتضرر ينتمي للقطاع الخاص وإن كان ينتمي الى القطاع العام فواجب الإعلام المحمول على الطبيب يغير اتجاهه نحو اللجنة الطبية المركزية الموجودة بالوزارة الأولى وهي هياكل متدخلة في تحديد الصبغة المهنية لفواجع الشغل ومنها الأمراض المهنية .
2 التشابه على مستوى إجراءات الإعلام التصريح بحوادث الشغل والأمراض المهنية
لقد أقر كل من قانون 94 و95 إجراءات متعلقة بالاعلام والتصريح بحوادث الشغل والأمراض المهنية ولكن هذا الالتقاء على مستوى التطبيق فيتعلق بإجراء الإعلام وبإجراء التصريح (ب).
2 أ ) واجب الإعلام
ينص الفصل 62 من القانون عدد 28 مؤرخ في 21 فيفري 1994 المتعلق بالتعويض عن الأضرار الحاصلة بسبب حوادث الشغل والأمراض المهنية بأنه يجب على المتضرر من جادث شغل مهما كانت خطورته أن يعلم بنفسه أو بواسطة غيره صاحب العمل أو أحد مأموريه وذلك في نفس يوم وقوع الحادث أو في أجل أقصاه ثمان وأربعين ساعة من أيام العمل الموالية لحصول الحادث ما لم تحل دون ذلك قوة قاهرة أو عذر شرعي كما يفرض واجب الاعلام على رفاق المتضرر في الشغل وعلى أقاربه وعلى رؤسائه المباشرين إذا شهدوا الحادث أو علموا به وفي حالة المرض المهني يجب على العامل أن يعلم آخر صاحب عمل قام لديه بأعمال يمكن أن تكون سببا في المرض أو عند التعذر الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وذلك في أجل خمسة أيام من تاريخ أول معاينة طبيبه للمرض.
أما القانون عدد 56 لسنة 1995 المؤرخ في 28 جوان 1995 والمتعلق بالنظام الخاص بالتعويض عن الاضرار الحاصلة بسبب حوادث الشغل والأمراض المهنية في القطاع العمومي فقد نص بفصله الثالث والثلاثين بأنه يتوجب على المتضرر من حادث الشغل مهما كانت خطورته أن يعلم بنفسه أو بواسطة غيره المؤجر أو احد مأموريه وذلك في نفس يوم وقوع الحادث في أجل اقصاه 48 ساعة من أيام العمل الموالية لحصول الحادث ما لم تحل دون ذلك قوة قاهرة أواستحالة مطلقة أو عذر شرعي كما نص الفصل 35 من نفس القانون على انه في حالة المرض المهني يجب على المتضرر أن يعلم مؤجره بنفسه أو بواسطة غيره وذلك في أجل خمسة أيام العمل من تاريخ أول معاينة طبية للمرض.
ويستنتج من خلال مقارنة إجراءات الإعلام بحوادث الشغل والأمراض المهنية حسب ما وقع تنظيمه في كل من قانون 94 وقانون 95 ما يلي :
أن الفصل 33 من قانون 95 أعفى زملاء المتضرر وأقاربه ورؤسائه المباشرين الذين شهدوا الحادث أو علموا به من واجب الإعلام على عكس قانون 94 الذي حملهم واجب الإعلام .
وفي حالة المرض المهني تعرض الفصل 35 الى واجب إعلام المؤجر دون أن يذكر بالتحديد أي المؤجر المقصود : هل هو المؤجر في تاريخ معاينة المرض أو المؤجر الذي تعاطى المتضرر لديه نشاط تسبب له في المرض.
2 ) واجب التصريح
ينص قانون 94 على أن واجب التصريح يحمل على المتضرر الذي يتولى التصريح بالحادث إبان علمه به وذلك في أجل لا يتجاوز ثلاثة أيام وينبغي أن يحرر هذا التصريح في ثلاثة نظائر ويوجه الى كل من :
الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي باعتباره المؤسسة المكلفة بإدارة النظام حتى يتسنى لها القيام بالإجراءات المتعلقة بالتعويض.
ثم مركز الشرطة أو الحرس الراجع اليه ترابيا مركز العمل أو مكان وقوع الحادث وذلك للقيام بالاجراءات اللازمة المتعلقة بالأبحاث وتحديد ملابسات الحادث.
أما تفقدية الشغل فيقع إعلامها لتمكينها من إجراء المراقبة اللاحقة لوقوع الحادث ومعرفة الملابسات وكذلك التوصية بجملة من الإجراءات التي من شأنها أن تمنع مستقبلا مثل هذا الحادث كما أن التصريح الحيني يمكنها من تحيين الإحصائيات المتعلقة بحوادث الشغل عموما.
مع العلم انه إذا كان الحادث قاتلا يجب على صاحب العمل أن يرفق الإعلام بشهادة طبية مثبتة للوفاة أما إذا كانت الوفاة متأخرة عن الحادث فيجب الإدلاء بالشهادة الطبية في بحر ال 48 ساعة الموالية للوفاة.
أما قانون 95 فقد نص على أن واجب التصريح يحمل على كاهل المؤجر أو أحد مأموريه فور علمه بالحادث أو المرض إذ يجب على المؤجر أو احد مأموريه آن يقوم بالتصريح في أجل لا يتعدى 03 أيام بالنسبة لحادث الشغل وخمسة أيام بالنسبة للمرض المهني من تاريخ أول معاينة.
وينبغي أن يتم التصريح لدى اللجنة الطبية المركزية المحدثة لدى الوزارة الأولى ولدى الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية وفي صورة إذا ما كان الحادث قاتلا يجب أن يرفق التصريح بشهادة طبية تثبت الوفاة وتوجه الى الهياكل المعنية في أجل أقصاه 48 ساعة من تاريخ الوفاة.
3 التشابه على مستوى بعض التعويضات المستوجبة نتيجة لحوادث الشغل والأمراض المهنية
إن الأضرار الحاصلة بسبب حوادث الشغل والأمراض المهنية تترتب عنها جملة من التعويضات يمكن تصنيفها في شكل صيغتين : الصيغة الأولى تخص جملة المنافع ذات الأثر الفوري (أ) أما الصيغة الثانية فتخص التعويضات طويلة المدى(ب).
3 أ ) المنافع الفورية
لا بد من الاشارة اولا بان التعويض عن الأضرار الحاصلة نتيجة حوادث الشغل والأمراض المهنية ينتفي إن كان المتضرر تسبب في الحادث أما في الحالات الأخرى فإن المتضرر يتحصل على جملة من المنافع الفورية الغاية منها مجابهة حالة الضرر التي وقع فيها المتضرر ولو حينيا الى أن يقع التحديد النهائي لنسبة الضرر الحاصل وتتمثل هذه المنافع في منافع العلاج (أ) مصاريف النقل (أ) وكذلك المحافظة على المستحقات المالية (1 - 3 ).
أ منافع العلاج
لقد نص الفصل 31 من قانون 94 والفصل 17 من قانون 95 على أن المتضرر يتمتع في حالة التعرض لحادث شغل أو مرض مهني بحرية اختيار الطبيب والصيدلي وعند الاقتضاء المعاونين الطبيين الذين يشير الطبيب بوجوب تدخلهم في هذه الحالة يتم استرجاع المصاريف المبذولة في حدود التعريفة الرسمية التي يقع تحيينها بصفة دورية من وزارة الشؤون الاجتماعية ووزارة الشؤون الاقتصادية ولا بد من الإشارة أن هذا التلاقي ما بين تشريع القطاع الخاص والعام لا يحجب مجموعة من الفوارق المهمة والتي يتميز من خلالها التشريع الخاص على التشريع العام نظرا لما يوفره من امتيازات وتتمثل هذه الفوارق في ما يلي :
إن تشريع 94 المتعلق بالقطاع الخاص نصّ على إمكانية ثانية لم ينص عليها قانون القطاع العام تتمثل في إمكانية إعتماد صيغة اخرى الى جانب استرجاع مصاريف العلاج وتتمثل هذه الصيغة في التكفل بالعلاج بإحدى المؤسسات الصحيّة الخاصة أو العامة المتعاقدة مع الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.
أما الإمتياز الثاني في القطاع الخاص يتمثل في التنصيص على إمكانية أن يقوم المؤجر بمنح الأجير تسبقة مالية من شأنها أن تساعده على تأمين مصاريف الإسعافات الأولية ذات الطابع الاستعجالي مع الاشارة أنه فيما بعد يمكن للمؤجر استرداد هذه التسبقة المالية من الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي .
ب مصاريف التنقل
لقد نص كل من تشريع 94 و95 على أن المؤجر يتحمل نقل المتضرر »من حادث شغل أو مرض مهني « ذهابا وإيابا من مكان الحادث الى أقرب مكان يمكن معالجته. فيه حسبما تتطلبه حالته الصحية ويتحمل أيضا المؤجر عند الاقتضاء مصاريف نقل المتضرر ذهابا وإيابا وذلك بالوسيلة المتوفرة والأنسب لحالته الصحية والأقل كلفة من المكان الذي تتم فيه معالجته كما أن المؤجر يتحمل مصاريف النقل ذهابا وإيابا لمرافق المتضرر الذي لا بد من الاستعانة به الى جانب التكفل بمصاريف إقامته (أي المرافق ) إن لزم الأمر.
ج المحافظة على المستحقات المالية
لقد تم التنصيص من خلال الفصل 20 من قانون 95 على ان المتضرر يبقى محافظا على أجره وما يطرأ عليه من ترفيع بمقتضى إسناد المنح أو الترقية طيلة فترة العلاج الى حد استئنافه العمل والشفاء التام مع الإشارة الى أنه في صورة رفضه لتلقي أو مواصلة العلاج ينقطع صرف الأجر الى حين استئنافه للعلاج. أما الفصل 35 من قانون 94 فقد نص على أنه في صورة العجز المؤقت عن العمل للمتضرر الحق في غرامة يومية تساوي ثلثي أجره اليومي مع العلم انه وكما في القطاع العام يقع ايقاف صرف الغرامة اليومية في صورة رفض المتضرر البدء أو مواصلة العلاج ولا يقع استئناف خلاص الغرامة اليومية إلا بعد استئناف العلاج.
وتجدر الملاحظة انه بالرغم من إلتقاء الغاية من المحافظة ولو الجزئية على المستحقات المالية إن كان في القطاع العام أو الخاص كان من الأجدى تحقيق التجانس التام ما بين القطاع العام والخاص فيما يتعلق بالمستحقات المالية من خلال الإبقاء كذلك في القطاع الخاص على كامل الأجر لا على جزء يعتبر ضئيل منه خاصة أن الإبقاء على المستحقات المالية يراد منه تثبيت فلسفة التضامن مع المتضرر من فواجع الشغل .
3 ب ) التعويضات الخاصة لحالات العجز المستمر والوفاة
3 ب) التعويضات الحاصلة لحالات العجز المستمر :
لقد تبنى القانون عدد 56 المؤرخ في 28 جوان 1995 نفس تعريف العجز المستمر المنصوص عليه بقانون 1994 فطبقا للفصل 21 فإن العجز المستمر هو (الذي يبقى بعد التئام الجرح أو البرء الظاهر للمرض) كما أن نسبة العجز تحدد على أساس نفس المقاييس وبالرجوع الى نفس الجدول القياسي المنصوص عليه بالقانون عدد 28 لسنة 1994 المؤرخ في 21 فيفري 1994 وتجدر الاشارة الى أن من تضرر بعجز مستمر يتمتع بمنافع حينية متمثلة بالتنقل باقتناء آلات طبية لتعويض أو تقويم الأعضاء الجسدية وان كان هناك اختلاف في هذا المضمار يتمثل في أن قانون 94 منح إمكانية تجديد هذه الآلات وصيانتها على عكس تشريع القطاع العام الذي لم ينص على ذلك ومن بين المنافع العينية التي تسند لمن تعرض لعجز مستمر نجد امكانية إسناد بطاقة أولية من لدن مصالح وزارة الشؤون الاجتماعية تخول له الأولوية بوسائل النقل العمومية.
أما فيما يتعلق بالمنافع النقدية المترتبة عن العجز المستمر فتتمثل في إسناد جراية عمرية تُنْقلُ الى الخلف العام وفي القطاع الخاص الى الأصول الذين هم في الكفالة ويعمل بهذه الفرضية في صورة الانقطاع النهائي عن العمل بحكم العجز المستمر أما إن كانت حالة العجز لا تحول دون مواصلة العمل فيسند تعويض مالي دفعة واحدة في شكل رأس مال وان كان في القطاع العام يقع استخلاص رأس مال التعويض بعد التقاعد على عكس القطاع الخاص حيث يسند التعويض بمجرد استئناف العمل.
3 ب ) التعويض على اثر الوفاة
ان الإلتقاء الهام ما بين تشريع 94 و95 فيما يتعلق بالتعويض عن الوفاة الناتجة عن حادث شغل أو مرض مهني يتمثل في اقرار جراية تسند للخلف العام للمتضرر الذين هم في كفالته قبل وقوع الوفاة وفي غياب الخلف العام تسند هذه الجراية للأصول والفروع الذين هم في الكفالة حسب معايير موضوعية ونسب محددة قانونيا ومشتركة ما بين تشريع 94 و95 مع الاشارة الى انه في إطار التشريع القديم أي تشريع ( 57) كانت الجراية المترتبة عن العجز المستمر لا تحال على اثر وفاة المتضرر للخلف العام بل تتوقف بمجرد الوفاة.
كما تجدر الاشارة الى ان التشابه ما بين تشريع 94 و95 على مستوى التعويضات الحاصلة عند الوفاة لا يمكن ان يحجب وجود اختلاف هام بينهما يتمثل في ان تشريع 94 الخاص بفواجع الشغل في القطاع الخاص اقر في صورة وفاة المتضرر واجبا محمولا على المؤجر يتمثل في اسناد منحة بعنوان مصاريف الدفن لغاية تمكين العائلة من تحمل تكاليف الدفن وحددت هذه المنحة بما قدره مرتب شهر وقد تم بذلك الترفيع في مقدار المنحة بالمقارنة مع تشريع 1957 حيث كانت تقدير بما أقصاه 50 دينارا بينما لم يقع إقرار هذه المنحة في القطاع العام ولا يجد هذا التميز أي تفسير له ويتوجب تطبيق هذه المنحة كذلك في القطاع العام.
إن منحة الدفن تؤكد أن التشابه ما بين التشريع 94 و95 لم يرق الى الشمولية نظرا لوجود عدّة نقاط اختلاف
اا ) خصوصيات كل من تشريع 94 و95 في مجال تنظيم فواجع الشغل
إن كانت الخصوصية المبدئية لكل من تشريع 94 و95 تتمثل في ميدان التطبيق إذ أن تشريع 94 يخص العاملين بالقطاع الخاص وكذلك العاملين في اطار المؤسسات العمومية ذات الصبغة الصناعية والتجارية والتي ينطبق على أعوانها قانون الشغل فإن قانون 95 يتعلق بالعاملين لدى الدولة والجماعات العمومية والمؤسسات العمومية ذات الصبغة الادارية والمؤسسات العمومية ذات الصبغة الصناعية والتجارية والتي ينطبق على أعوانها النظام الاساسي العام للوظيفة العمومية والتي يقع التصريح بها بصفة دورية بمقتضى أمر ويمكن حصر أبرز الخصوصيات المتعلقة بكل تشريع على حدة فيما يتعلق بهياكل التصرف والمراقبة والتقييم (1) وعلى خصوصية آليات التسوية (2) وكذلك على مستوى سياسات الوقاية المعتمدة (3) .
1 خصوصية كل تشيع على مستوى هياكل التصرف
إن الحديث حول الهياكل يجرنا الى التفرقة ما بين صنفين من الهياكل. الصنف الأول يعنى بهياكل التصرف (1 أ) والصنف الثاني يعنى بالهياكل الطبية(أ ب )
1 أ ) خصوصية هياكل التصرف
تختلف هياكل التصرف في نظام التعويض الناتج عن حوادث الشغل والأمراض المهنية ما بين القطاع الخاص والعام ففي القطاع الأول (أي الخاص) يكلف الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بإدارة نظام التعويض عن الأضرار الناتجة عن فواجع الشغل مع الاشارة الى أن تمويل هذه المنظومة التعويضية يقوم على مبدأ المساهمات الشيء الذي يعني ان المؤجر يمول نسبة معينة تختلف حسب تنوع القطاعات أما بقية المساهمات فهي محمولة على عاتق الصندوق والذي يعتمد آلية التخفيض والترفيع BONUS - MALUS والتي تمنح للصندوق إمكانية ممارسة السلطة التقديرية في مجال الترفيع أو التخفيض في نسب المساهمات الخاصة بنظام التعويض عن فواجع الشغل فإذا أثبت المؤجر جدية ملموسة في مجال الوقاية من حوادث الشغل يقع التخفيض في نسبة المساهمات كتشجيع له ويقع تحيين مدى أحقية هذا التخفيض بصفة دورية كل سنة وفي المقابل وفي صورة الإخلال بواجب السلامة من طرف المؤجر فإن الصندوق يقوم بالترفيع في المساهمات كما أنه عند تواصل هذه الإخلالات يمكن أن ترفع المساهمات الى حد 100 ليصبح بالتالي المؤجر هو الممول الوحيد للمنظومة الإجبارية المتعلقة بتغطية حوادث الشغل والأمراض المهنية ،يقع تحيين هذا الترفيع بصفة دورية كل سنة الى حين قيام المؤجر بآتخاذ إجراءات من شأنها أن تدعم الوقاية والسلامة المهنية. فيقع حينها التخفيض في نسبة المساهمة الى حد المستوى العادي.
كما أن الصندوق يتدخل في مجال الضمانات التكميلية المتمثلة في ما يلي :
التعويض عن حوادث الشغل الناجمة عن أحداث حربية:
بما أنه قد تحدث أحيانا حوادث شغل لها علاقة بمخلفات الحرب (كالمتفجرات) وبما أنه في هذه الحالة لا يمكن أن يقع تحميل المؤجر المسؤولية فيتدخل الصندوق لصرف التعويض على شرط ارتباط الحادث بالإطار المكاني والزماني للشغل.
تعديل الجرايات : يتدخل الصندوق في مجال تعديل الجرايات على ضوء تطور الأجور مع الإشارة الى أن طرق احتساب التعديل تتخذ بمقتضى أمر.
حالة إخلال صاحب العمل : في بعض الحالات يخل صاحب العمل بواجب تسجيل كافة المشغلين لديه في منظومة جبر فواجع الشغل فيتدخل الصندوق في صورة حصول حادث لأحد العاملين غير المصرح بهم قصد تعويضه أو تعويض الخلف العام ويمارس الصندوق حق الرجوع فيما بعد الى المشغل قصد استرداد ما وقع صرفه.
الحلول محل المدين في صرف الجرايات مقابل دفع رأس مال : في مثل هذه الحالات قد يعرب بعض المشغلين عن رغبتهم في عدم مواصلة دفع الجرايات المستحقة للمتضرر بأنفسهم ويطلبون من الصندوق أن تقع إحالة هذه الجرايات في شكل رأس مال اليه ليأخذ بزمام تصريفها لمستحقيها وقد يعمل بهذه الطريقة في حالة تصفية المؤسسة التي تقوم قبل التصفية النهائية بإحالة الديون على أصحابها ومن بين هذه الديون يمكن أن نجد الجرايات المترتبة عن حوادث الشغل.
أما فيم يتعلق بالقطاع العام فإن كان المؤجر يتحمل بنفسه ادارة المحافظة على الأجر خلال الحادث أو المرض المهني الى جانب إسناد منافع العلاج الطارئة أما الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية يعنى بالتصرف في الجرايات المترتبة عن العجز المستمر أوالوفاة . وتجدر الاشارة الى أن المساهمات المخصصة لتغطية التعويضات الناتجة عن فواجع الشغل والأمراض المهنية في القطاع العمومي ممولة على عكس القطاع الخاص من المشغل بمفرده.
كما أن المشرع حمل المؤجر العمومي والخاص واجب تسجيل جميع العاملين لديه بمنظومة التعويض في حوادث الشغل والأمراض المهنية إن كانوا قارين ، وقتيين، أو متعاقدين ويتوجب الإشارة الى وجود وضعية من الالتباس وجدت على اثر بعث الصندوق الوطني للتأمين على المرض والذي أخذ بصفة شبه كاملة القسط الكبير من مشمولات الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية ويتجلى هذا اللبس على مستوى التصريح بحادث الشغل في القطاع العمومي فإن كان هذا التصريح وسبب ما يقتضيه القانون والعادة الإدارية يقوم به المؤجر لدى اللجنة الطبية المركزية بالوزارة الأولى ولدى الصندوق القومي للتقاعد والحيطة الاجتماعية الذي أصبح »على ما يبدو« بصفة آلية يحيل بدوره الملف الى الصندوق الوطني للتأمين على المرض لكن هذا الأخير يقوم بدوره بإرجاع الملف الى المؤجر بتعلة أن دفع التعويضات هو من اختصاص المؤجر بمفرده الشيء الذي يطرح جملة من الأسئلة أمام »إحالة« اختصاص الصندوق القومي للتقاعد والحيطة الاجتماعية الى الهيكل الجديد حول الهيكل الذي سيصبح مؤهل للتصرف في المنظومة التعويضية.
ب خصوصية الهياكل الطبية
يتدخل الهيكل الطبي على مستوى فواجع الشغل في مراحل متعددة منها مرحلة تحديد الصبغة المهنية للحادث والمرض وتحديد نسبة العجز وكذلك جمع الاحصائيات المتعلقة بتواتر الحوادث الطبية وكذلك المساهمة في تحيين قوائم الأمراض المهنية وكذلك قوائم المواد الخطرة المتسببة في هذه الامراض ويتمثل الاختلاف ما بين القطاع العام والخاص فيما يتعلق باللجان الطبية التابعة للصندوق القومي للضمان الاجتماعي والتي تتوزع حسب توزيع الأقاليم (شمال، جنوب، وسط) ولكن تجدر الإشارة الى أنه في القطاع الخاص الى جانب اللجان الطبية الراجعة بالنظر للصندوق القومي للضمان الاجتماعي هناك كذلك جهاز تفقدية طب الشغل والذي يتدخل في مجال الوقاية بصفة حصرية.
2 خصوصية كل تشريع على مستوى ارجراءات الوقاية من المخاطر المهنية
إن إمكانية دراسة خصوصية كل قطاع فيما يتعلق بالوقاية ترتكز على تبيان النقاط المشتركة (أ) ثم الانتقال الى النقاط التي يتميز بها كل قطاع (ب).
2 أ) النقاط المشتركة فيما يتعلق بنظام الوقاية من فواجع الشغل
تتمثل النقاط المشتركة في ما نص عليه الفصل 85 من قانون 94 والفصل 50 من قانون 95 والمتمثلة في واجب التصريح المحمول على المؤجر الذي يستعمل مواد وأساليب عمل قد تتسب في حصول الأمراض المهنية وذلك في أجل أقصاه شهر من تاريخ استعمالها ويجب أن يقع إيداع هذا التصريح لدى مصالح وزارة الشؤون الاجتماعية التي تعلم بدورها مصالح تفقدية طب الشغل واللجنة الطبية بالوزارة الأولى.
2 ب) النقاط الخاصة بكل قطاع في مجال الوقاية
خصوصيات القطاع الخاص:
تتمثل خصوصية القطاع الخاص في مجال الوقاية في النقاط التالية:
واجب كل صاحب عمل أن يبين بدفتر يوضع خصيصا ويكون مرقما من قبل تفقدية طب الشغل المختصة ترابيا البيانات الخاصة بالنقاط التالية:
نوع الشغل والمركز الملحق بهما العامل.
تاريخ انتقاله على التوالي من مركز عمل الى آخر.
تاريخ مغادرته للمؤسسة .
وعند الاقتضاء ذكرأصحاب العمل السابقين .
ويبدو أن اشتراط تضمين هذه المعلومات بالدفتر الغاية منه التشخيص الجدي لأسباب افتراضية لظهور أي مرض مهني وبالتالي البحث عن العلاقة السببية مع نوع العمل المسند للعامل.
الخصوصية الثانية لمنظومة الوقاية بالقطاع الخاص تتمثل في ما يقوم به الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي من تجميع الاحصائيات حول فواجع الشغل تتم إحالتها الى الهياكل المختصة بوزارة الشؤؤن الاجتماعية الى جانب هذا الدور يقوم الصندوق في نطاق التشجيع نحو الاعتماد الجاد لمنظومة الوقاية بإسناد منح أو قروض مالية للمؤجر من أجل تدعيم آليات الوقاية كما أنه يقوم بلفت نظر المؤجر الذي يتبين أنه أهمل قواعد الوقاية والسلامة المهنية وذلك من أجل دفعه لاتخاذ ما يلزم في الغرض وإن لم يفعل ذلك فإن الصندوق يقوم بالإعلام به لدى المصالح المختصة قصد إتخاذ ما تراه صائبا من الإجراءات .
خصوصيات القطاع العام :
إن النقاط التي يختلف فيها القطاع العام عن القطاع الخاص هي على النحو التالي:
يحمل على المؤجر في القطاع العام نفس الواجب المعمول به على مثيله في القطاع الخاص والمتعلق بتعهد دفتر تضمن فيه مجموعة البيانات المتعلقة بنوع العمل والمركز الملحق بهما العون وتاريخ انتقاله على التوالي من مركز عمل الى مركز آخر إذا كان هناك انتقال، تاريخ مغادرته لمركز عمله وهي نفس البيانات المستوجب تضمينها بالنسبة للقطاع الخاص ولنفس الغاية ولكن هناك اختلاف يتبين من خلال عدم اشتراط أن يكون الدفتر الخاص بالمؤجر في القطاع العام مرقما ومختوما من قبل تفقدية الشغل الطبية كما هو معمول به في القطاع الخاص وهذا الاستثناء لا يجد ما يبرره خاصة أن المشرع لم يذكر الهيكل المكلف بمراقبة مدى إحترام المؤجر لواجب التعهد بالدفتر وبالتالي سيؤدي ذلك الى ممارسة سلطة تقديرية من لدن المؤجر في اعتماد الدفتر من لدنه ويمكن أن يؤثر ذلك سلبا على امكانية التعرف على الأمراض المهنية.
الخصوصية الثانية للقطاع العام في مجال الوقاية تتمثل فيما تضطلع به اللجنة الطبية المركزية بالوزارة الأولى من واجب تجميع إحصائيات متعلقة بحوادث الشغل والأمراض المهنية وإحالتها كل ثلاث أشهر لوزارة الشؤون الاجتماعية كما أن كل طبيب عاين أثناء المباشرة العادية لعمله مرضا مهنيا فهو مطالب بإعلام اللجنة الطبية بفحواه مع بيان نوع المرض والمصدر الافتراضي الذي قد يكون تسبب في حالة الضرر مع العلم أنه في القطاع الخاص نفس الواجب محمول على الطبيب لكن يكون الإعلام موجه الى تفقدية طب الشغل الموجودة بكل جهة الشيء الذي يؤكد بأنه هناك اختلاف آخر على مستوى التوزيع الجغرافي في ما بين اللجان الطبية لتفقدية الشغل واللجان الطبية الإقليمية التابعة للصندوق الوطني للضمان والتي تعتمد اللامركزية واللجنة الطبية التابعة للوزارة الأولى والتي تتصف بالمركزية ولربما أصبح من الملح اعتماد اللامركزية في اطار صياغة هيكلة جديدة من شأنها أن تقرب الخدمات للمؤجر وللمتضرر في نفس الوقت .
الخصوصية الثالثة متمثلة في الواجب السلبي للصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية والذي لا يضطلع بأي دور على مستوى الوقاية من الأخطار المهنية على عكس ما يقوم به الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي في القطاع الخاص.
3 أ ) خصوصية كل تشريع على مستوى طرق التسوية
إن كانت هناك نقاط مشتركة فيما يتعلق بطرق التسوية ما بين المتضرر والمؤجر فيما يتعلق بالاضرار المترتبية عن حوادث الشغل والأمراض المهنية (أ) فهناك تميز للقطاع الخاص يتمثل في اقرار التسوية الرضائية (ب) .
3 أ ) طرق التسوية المشتركة
يشترك كل من القطاع الخاص والعام في اقرار طريقتين للتسوية تتمثل الأولى في التسوية الآلية والمتمثلة في حصول المتضرر بصفة تلقائية على التعويضات المستوجبة بدون اللجوء الى أي إجراء تكميلي .
أما الطريقة الثانية فتتمثل في التسوية القضائية والتي بمقتضاها يمكن لأحد الأطراف (أي الأجير أو المؤجر ) الالتجاء الى القضاء للمنازعة في نقطة قانونية من النقاط المتعلقة بالتعويض على الاضرار المهنية مع الاشارة الى أن المشرع جعل من قاضي الناحية مختص بصفة نهائية في المنافع قصيرة الأمد وابتدائيا في المنافع طويلة الأمد وهناك من الفقهاء من يطرح إمكانية أن يكون الإختصاص القضائي في مجال فواجع الشغل من أنظار قاضي الضمان الاجتماعي ولربما يجد هذا الاقتراح تبريرا يتمثل في ارتباط موضوع التعويض عن فواجع الشغل بفلسفة الضمان الاجتماعي.
3 ب انفراد تشريع القطاع الخاص بإقرار التسوية الرضائية
إذا كانت نسبة العجز النهائي تساوي أو تقل عن 35 يمكن الإلتجاء الى التسوية الرضائية بإبرام اتفاق يستند على تحكيم تفقدية الشغل يتم بمقتضاه دفع رأس مال للمستحق حسب جدول معاوضة مع الاشارة الى أنه إذا كان المتضرر قاصرا لا يمكن الاتفاق على التسوية بدون مصادقة حاكم الناحية الذي له سلطة تقديرية في الموافقة من عدمها مع الاشارة الى أنه في صورة رفض حاكم الناحية المصادقة يجب أن يكون معللا وهو قابل للإستئناف أمام المحكمة الابتدائية المختصة ترابيا .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.