في الآونة الأخيرة كثيرا ما نسمع عن آلية اقتصادية تسمى «بالإفراق» لكنها للأسف مازال يطغى عليها بعض الغموض في أذهان العديد من الأشخاص ولا يعلمون خصوصية هذه الآلية وامتيازاتها ونتائجها ومن المستفيد منها؟ وهناك من لا يعلم حتى مفهومها الحقيقي الصحيح في المنظومة الإقتصادية ولهذه الأسباب حاولنا في البداية التعريف بهذه الآلية حسب ما جاء في الفصل الأول من القانون الخاص بإفراق المؤسسات الإقتصادية والذي سنّته تونس كأول بلد في العالم «الإفراق هو كل تشجيع أو مساندة من مؤسسة اقتصادية لفائدة باعثين من داخلها أو خارجها لحثّهم على بعث مؤسسات مستقلّة أو مواصلة نشاط كانت تقوم به» وقد جاء هذا القانون في إطار تنفيذ الإستراتيجيات الإقتصادية الوطنية الهيكلية لدور هذا التوجه في إحداث مواطن شغل والمساهمة في التنمية الإقتصادية وفي نفس السياق توجهنا الى السيد عبدالعزيز عبيد مدير تطوير ومتابعة برامج المساندة للمؤسسات الصغرى والمتوسطة لتوضيح بعض الغموض الذي يطغى على آلية الإفراق فأفادنا في بداية حديثه أن الإفراق لم يعد بالمفهوم الجديد على بلادنا خاصة بعد صدور قانون بهذا الخصوص في جويلية 2005 كما أن البرنامج الإنتخابي السابق «تونس الغد» نصّ في نقطته الرابعة على الرفع من نسق إحداث المؤسسات وحثّ على إحداث 100 مشروع بصيغة الإفراق في السنة أما الآن وبعدما اكتسبت تونس تجربة ناجحة في هذا المجال توفّر أرضية ملائمة لحفز المؤسسات الوطنية الكبرى للإنخراط في هذا البرنامج إضافة الى إقرار جملة من الحوافز والتسهيلات لأصحاب أفكار المشاريع وقد ضاعف البرنامج الإنتخابي الجديد «معا لرفع التحديات» المشاريع المحدثة بصيغة الإفراق لتبلغ 200 مشروعا سنويا وذلك في إطار الرفع من نسق احداث المؤسسات بالإعتماد على المحتوى التكنولوجي العالي والقدرة على التجديد. نجاعة آلية الإفراق هذا ويشير السيد عبد العزيز بن عبيد أن المعنى العام للإفراق المعمول به في الدول الصناعية المتقدّمة يتمثل في إحاطة مؤسسة إقتصادية بإجرائها لإحداث مشروع ونظرا لنجاعة هذه الآلية في الدول المتقدّمة على مدى سنوات ولكي تستجيب بلادنا لتحديات ومتطلبات وخصوصيات النسيج الإقتصادي والرفع من قدرته التنافسية خاصة وأنه سنويا يتخرّج قرابة 60 ألف طالب ويتحصل على شهائد عليا وقد جاء العمل بصيغة الإفراق لإيجاد مواطن شغل والتخفيض من نسبة البطالة خاصة وأن آلية الإفراق مفتوحة للقطاع العمومي والخاص على حدّ السواء الشيء الذي أسهم في تحقيق نتائج هامة وإقبالا كبيرا من قبل الباعثين وقد تمّ إحداث قرابة 370 مشروعا بصيغة الإفراق كمشاريع فعلية الى حدود نهاية شهر أكتوبر 2009 منها 155 مشروعا دخل مرحلة الإستغلال الفعلي ويضيف مصدرنا أنه منذ 2006 تمّ إمضاء 32 ميثاق إحداث المشاريع بصيغة الإفراق وفي إطار حثّ المؤسسات على الرفع من أفكار إحداث المؤسسات تمّ في شهر نوفمبر الجاري إبرام 14 إتفاقية ميثاق عمومية وخاصة وبذلك يصبح عدد الإتفاقيات 46 إتفاقية. الإمتيازات التي يحظى بها الباعث جاءت آلية «الإفراق» حسب السيد عبد العزيز بن عبيد لإدماج العديد من خريجي المعاهد العليا في سوق الشغل وتبنّيهم من قبل مؤسسات إقتصادية لتأهيلهم وتكوينهم وإعدادهم لبعث مشاريع في اطار منظومة المرافقة التي تعنى بمتابعة الباعث من فكرة إنجاز مشروع الى غاية بعث المشروع وتتولى المؤسسة الممضية لإتفاقية مع الباعث تحمل تكاليف دراسة المشروع وتكوين الباعث وتأطيره وغير ذلك في حدود 30 ألف دينار هذا بالنسبة لباعثي مشاريع من خارج المؤسسة أما بخصوص الأشخاص التابعين لمؤسسة اقتصادية فإن آلية الإفراق توفّر لهم عدة حوافز إضافية الى جانب آليات الإحاطة والتكوين تتعلق أساسا بتوفير الظروف الملائمة لبعث المشروع وتمكينهم من نظام عطلة لمدة سنة قابلة للتجديد اذا كانوا خارج منطقة التنمية الجهوية دون الإضطرار الى تقديم الإستقالة أما بالنسبة للأشخاص داخل مناطق التنمية الجهوية فإنه بإمكانهم الحصول على عطلة لمدة سنة قابلة للتجديد مرتين هذا ويفيدنا مصدرنا أن الأجير ورغم تمتّعه بعطلة فإنه يتحصل شهريا على نصف مرتّبه هذا مع إمكانية العودة الى عمله ان لم يوفّق في مشروعه بنفس الإمتيازات التي كان عليها. الدافع الحقيقي لإبرام هذه الإتفاقيات ماهي المكاسب الحقيقية التي يمكن أن تحققها مؤسسة إقتصادية أبرمت ميثاق إحداث المشاريع بصيغة الإفراق؟ كان هذا سؤالنا الذي وجّهناه للسيد عبد العزيز بن عبيد الذي أفادنا أن كل مؤسسة ترافق الباعث تمارس بطريقة أو بأخرى دورها الإقتصادي وتنفتح على محيطها عبر الباعثين كما أنها تتخلّص من أنشطتها الثانوية وتنكبّ على نشاطها الرئيسي وتحاول تطويره إضافة الى إسهامها في تطوير الحالة الإجتماعية لأجرائها الذين أعطتهم الفرصة لتحمّل المسؤوليات وترأس مؤسسة بعدما كان أجير بمؤسسته هذا الى جانب توفير الباعث لمنتوجات أو خدمات للمؤسسة الأم الشيء الذي من شأنه أن يضغط على تكلفة الإنتاج ويحدّ من التوريد ويحسّن من جودة منتوجاتها وهو ما يفسّر نسبة نجاح المشاريع بصيغة الإفراق في العالم والتي بلغت نسبتها بين 70 و٪80