تحتل تونس مكانة متميزة تمثل وجهة بارزة في افريقيا والعالم في مجال العلاج الطبيعي بصفة خاصة وفي مجال السياحة الإستشفائية بصفة عامة نظرا لجودة الخدمات التي تقدمها وتطور هذا الميدان بنسق سريع من ناحية إنخفاض الأسعار مقارنة بدول أوروبية من ناحية ثانية، وأصبحت هذه الخدمات الإستشفائية بمختلف أنماطها تدخل ضمن التقاليد العلاجية المحبذة التي تمكنت من سنة الى أخرى من إستقطاب تونسيين وأجانب على حدّ السواء وفي مقدمتها دول أوروبية ودول مغاربية أهمها ليبيا والجزائر وبعض دول الخليج. ونظرا لإرتباط أغلب المحطات بوزارة الصحة فقد أصبحت متعاقدة مع الصندوق الوطني للتأمين على المرض وهو ما يمثل عنصرا مشجعا للكثير للتوجه الى هذه المراكز والتمتع بفوائد المياه المعدنية التي يعود تاريخها بتونس الى حوالي ألفي عام مما جعلها تكتسب تجربة في طرق استعمالها في مختلف الإحتياجات خاصة منها الصحية، وتنقسم هذه المراكز الى حمامات ومحطات إستشفائية. إقبال متزايد تتمركز الحمامات بمختلف ولايات الجمهورية التونسية وعددها حوالي 46 على عكس المحطات التي لا يزال عددها محدودا فقد تمّ إستغلال حوالي خمسين منبع مياه ساخنة من جملة خمسة وستين منبعا في مشاريع محطات إستشفائية وحمامات معدنية وأهمها محطة جبل الوسط وقربص وجربة وحمام بورقيبة، هذا وتشهد هذه المحطات والحمامات إقبالا متزايدا ففي سنة 2006 بلغت نسبة الإقبال على المحطات الإستشفائية بالجمهورية التونسية 16832 زائرا ووصلت في سنة 2007 الى 18225 وافدا. وتستقطب هذه المحطات خاصة في المناطق السياحية، كما يشير السيد فرج الدواس مدير ديوان المياه المعدنية، نسبة هامة من السواح الأوروبيين بمعدل ٪50 من نسبة الوافدين الى جانب الحمامات التي تستقطب هي أيضا نسبة هامة من الأجانب والتونسيين الذين يمثلون حوالي ٪30 من الوافدين اذ أن فكرة التداوي بالمياه المعدنية في الحمامات هي فكرة تقليدية توارثها التونسيون وأصبحت ضمن عاداتهم المحبذة. قطاع يخضع للمراقبة يخضع هذا القطاع لإطار قانوني ولكراس شروط تنظمه حيث تخضع مراقبة المياه المعدنية الحارة والباردة لكراس شروط ولمختلف المواصفات التونسية. وبمقتضى كراس الشروط الصادر عن وزير السياحة والصناعات التقليدية تضبط الشروط العامة لتنظيم وإستغلال شروط المواصفة لمؤسسة استشفائية بالمياه المعدنية، وهناك مشروع لكراس شروط يضبط الشروط العامة للموافقة على تنظيم واستغلال حمام معدني. كما يشترط أن يشرف على المحطة أو المركز اطار طبي مختص في مجال المعالجة بالمياه الطبيعية وأن يتمتع الإطار شبه الطبي العامل في القطاع بالكفاءة اللازمة التي اكتسبها من المدارس المختصة في التكوين والتأهيل ويقول السيد فرج الدواس أن هناك برنامج التأهيل تمّ وضعه ضمن استراتيجية لتكوين الإطار العامل في هذا الإختصاص. هذا وتعتمد هذه الوحدات على مخابر للتحاليل طبقا للمواصفات العالمية ISO ويعمل ديوان المياه المعدنية على أن تكون جميع الوحدات الناشطة في القطاع متحصلة على شهادة الإشهاد بالمطابقة في موفى سنة 2009 ويخضع الى المراقبة المستمرّة من قبل ديوان المياه المعدنية. وفيما يخص مراكز التدليك مع العلم أنها ليست تحت إشراف ديوان لكن هناك كراس شروط في طور الإنجاز لتنظيم وهيكلة القطاع ولوضعه تحت المراقبة مثل مراكز العلاج الطبيعي خاصة بعد الممارسات التي صدرت عن بعض هذه المراكز والتي أساءت لسمعة القطاع. العلاجات المرتبطة بالمراكز تتمتع المياه الموجودة بالمحطات الإستشفائية بخصائص طبيعية غنية بالمكونات المعدنية حيث تحتوي المياه في جلّ المحطات على الكالسيوم والمانيزيوم والصوديوم والفليور والفسفاط والحديد.. وهي خصائص كيميائية تساعد على العلاج من الروماتيزم وتصلب الشرايين وأمراض الفم والأنف والحنجرة وأمراض الرحم وضيق التنفس وأمراض الكلى وينصح بها عند التشنج وحالات التوتر للإسترخاء. ويمكن القول ان كل مركز أو محطة إستشفائية مختصة في علاج نوع من الأمراض عن الأخرى وذلك حسب نوعية المياه الموجودة فيها فمثلا محطة حمام بورقيبة تختص أكثر من غيرها في علاج مشكلة التنفس. أما أسعار المداواة في هذه المراكز فهي تتفاوت حسب إختلاف الخدمات المقدمة والإقامة في هذه المحطات ويتكفل الصندوق الوطني للتأمين على المرض بنسبة من المصاريف بالنسبة للمنخرطين وذلك حسب توجيه المنخرطين من قبل الأطباء للمراكز. مشاريع جديدة ودراسات لتطوير القطاع تحتل تونس المرتبة الثانية في مجال «الطلاسو» بعد فرنسا ونظرا لأهمية هذا القطاع اليوم وضعت عدة استراتيجيات للنهوض به وتطويره وبعث مشاريع جديدة. يقول السيد فرج الدّواس أن الإستثمارات الموجودة اليوم كلها إستثمارات تونسية لكن هناك قائمة مشاريع ستدرج للإستثمار الأجنبي كما سيتمّ وضع دراسات إستشرافية حول القطاع. وبحلول سنة 2016 سترتفع قيمة الإستثمارات من 93 مليون دينار الى 225 مليون دينار وسيقع إحداث مراكز جديدة إضافة الى عدة مشاريع في طور الإنجاز فالعناية بهذا المجال مبررة نظرا للإقبال المتزايد الذي يشهده بإعتبار نوعية الخدمات المقدمة وهي صورة أخرى ترتقي بالسياحة الإستشفائية الى مراتب متقدمة وهو ما يتطلب أيضا مزيدا من العمل على إيصال صورة جيدة لإستقطاب المستثمرين بإعتبار أنه يوجد العديد من منابع المياه التي لم يتمّ إستغلالها الى حدّ الآن والتي تتطلب إحداث محطة لتجميع المياه المعدنية. وقد حظي مركز السياحة الإستشفائية والصحية بتوزر بإهتمام المؤسسات الإستثمارية الأجنبية التي شرعت في دراسة المشروع قصد تمويله ثم في ولاية جندوبة تمّ إختيار مشروع مركز السياحة الإستشفائية والبيئية من طرف اللجنة الأوروبية كمشروع نموذجي يمثل البلاد التونسية في مجال السياحة البيئية، أما على مستوى الإستثمار الخاص فقد تمّ بعث محطة إستشفائية بمنطقة حمام ملاق بولاية الكاف ومحطة أخرى بمنطقة سيدي عبد الحميد وعموما حوالي 10 محطات و7 حمامات جهوية الى جانب الدراسات الهيدرولوجية والجيوفيزيائية الموزعة على كامل تراب الجمهورية ومناطق أخرى هي موضوع دراسات مثل منطقة قربص الكبرى وحمام بنت الجديدي، الحامة، بياضة، حمام ملاق.. وتهدف هذه الدراسات والإستراتيجيات التي تمّ وضعها الى تنمية القطاع والحثّ على المبادرة بتمويل القطاع ووضع حافز للإستثمار إضافة الى التشجيع على التأهيل ووضع صندوق له وحسن التصرف في موارد المياه وبالتالي سنّ ضوابط وتنظيم النشاط على المستوى الإقتصادي والبشري والعلمي والطبي. أما النتائج المنتظرة من بعث هذه الأقطاب السياحية الجديدة فهي توفير خدمات متنوعة تستجيب للمواصفات المطلوبة وتطوّر نسق إستقطاب حرفاء الإستشفاء الذي من المتوقع أن يصل الى 80 ألف حريف في أفق 2016 والذي يقدر الآن بحوالي15 ألف حريف وإستقطاب حوالي 125 ألف من حرفاء السياحة الصحية على المستوى الوطني والعالمي.