مع حلول فترة أوج الموسم السياحي، اختفت وزيرة السياحة عن الأنظار طوال الأسابيع الأخيرة بشكل محيّر بعد الصولات والجولات التي قامت بها في مواقع التواصل الاجتماعي وعلى أعمدة الصحف والمجلات ومنابر الاعلام التونسية وحتّى العربية والعالمية اعتمادا على صور السيلفي وسياسة اتصالية ذات حديّن تقوم على الفهلوة الفضفاضة والبهرج مستوردة من دول ما وراء البحار. فطوال الاشهر الاولى التي تقلدت فيها وزيرة السياحة "الشابة الحسناء" أو"أيقونة حكومة التكنوقراط" كما تنعتها جلّ وسائل الاعلام والأقلام الصحفية "الموضوعية"،أقامت كربول الدنيا ولم تقعدها بفضل صورها المتداولة والتي أثارت انبهار مريديها وأنصارها وسط قصور وخلل واضح من حيث غياب تقديم وطرح عقلاني وواقعي لرؤية اصلاحية وتسييرية ظرفية لقطاع حسّاس ومحوري يعدّ عصب الاقتصاد التونسي الذي ما انفك يتهاوى يوما بعد يوم وما دليل على ذلك إلاّ نزول الدينار إلى ادنى مستوياته التاريخية والكارثية في بحر الأسبوع الجاري مقارنة بالدولار واليورو. في هذا السياق،ارتأت حقائق أون لاين فتح ملف السياحة ومشاكلها الحقيقية المنسية من أجل البحث عن مظاهر النجاح ومواطن الاخفاق للوزارة المشرفة وللحكومة بصفة عامة لاسيما وأنّنا قد لاحظنا أنّ"الزغاريد أكثر من الكسكسي" كما يقول المثل التونسي الشائع المستلهم من عمق الخابية. أكذوبة ال7ملايين سائح وتجارة الأوهام والمغالطات؟! يعتبر الموسم السياحي 2010،السنة المقياس والمرجع لكلّ الوزراء الذين أشرفوا على وزارة السياحة في الحكومات المتعاقبة غداة الثورة. فقد تمّ الحديث في أكثر من مرّة خلال عهد الترويكا وفي زمن التكنوقراط عن أنّ الطموح والهدف المنشود هو جلب واستقطاب 7 ملايين سائح أجنبي إلى تونس سنويا.فأين نحن من هذا الرقم؟ وما مدى جدية ومصداقية التسويق له؟ يقول الخبير الاقتصادي محسن حسن في حوار خاص مع حقائق أون لاين حول هذا الموضوع إنّ في المسألة مغالطة وبيع للأوهام وترويج لكذب مفضوح موضحا أنّه من العيب إيهام الناس بأنّ 2 مليون ليبي مقيمين أوشبه مقيمين في تونس هم من السياح الأجانب الذين يقع تصنيفهم مع نظرائهم المستقطبين من أوروبا ومن الوجهة الجزائرية. وأضاف أنّه حتّى في حال احتساب الأشقاء الليبيين فمن المستحيل بلوغ هذا الرقم إذا ما شخصنا الوضع العام للقطاع والمؤشرات الحالية والتي نشرت آخرها إذاعة آر تي آل الفرنسية. وتفيد هذه الارقام بأنّ نسبة توافد السياح الفرنسيين (للاشارة فإنّ السوق الفرنسية هي من أهم إن لم نقل من أبرز الأسواق التقليدية التي تعوّل عليها تونس من أجل استرجاع عافية القطاع السياحي) إلى بلادنا قد تراجعت بنسبة كبيرة ناهزت ال7% مقارنة بالسداسي الأوّل من السنة الماضية وبنسبة قاربت ال40% مقارنة بعام 2010. وتأكيدا لهذا التشخيص والتحليل،أعربت الجامعة التونسية للنزل عن عدم رضائها على أداء وزارة السياحة في بيان صدر في أواسط شهر جوان الفارط بسبب تراجع الأرقام والإحصائيات المسجلة في الفترة الأخيرة في القطاع السياحي مقارنة بنفس الفترة من السنة الماضية. وأفادت وقتئذ الجامعة بأنّ هناك عديد الأرقام التي تدل على التراجع، و من بينها انحسار عدد الليالي المقضّاة للسياح الأوروبيين ب2 بالمائة مقارنة ب2013 وب21،3 بالمائة مقارنة بسنة 2010. واعتبرت الجامعة أنّ التوقعات التي أعلنت عنها الحكومة للسياحة بات من المستحيل تحقيقها، مشدّدة على أن عدم تركيز الإدارة وسلطة الإشراف وعدم اهتمامها بالمقترحات التي كانت سباقة لتقديمها جعلها تُفوت على القطاع السياحي فرصة للانطلاق من جديد والنهوض به. وأورد البلاغ أن وزارة السياحة ركزت على الكماليات وتجاهلت الأساسيات، وكأن النجاعة في العمل السياحي والدفع به يقاسان بالظهور الإعلامي وليس بعدد القرارات الحاسمة التي يتم اتخاذها لفائدة القطاع. إذا الأرقام والاحصائيات وتقييمات أهل القطاع والاختصاص تغني عن أي تعليق إضافي فأهل مكة أدرى بشعابها! مكمن الداء ومربط الحمار؟! ويؤكد الخبير الاقتصادي محسن حسن في لقائه الحواري مع حقائق أون لاين على ضرورة التعجيل بتدارك الهنّات والعلاّت التي يشكو منها القطاع السياحي قبيل فوات الأوان وخسارة الاسواق التقليدية داعيا إلى وقفة حازمة من كلّ الاطراف المتدخلة والمعنية بالاصلاح وإعادة الهيكلة. ويرى أنّ تحسّن القطاع السياحي من شأنه أن يخفّف الضغط على ميزان الدفوعات ومن ثمّة عودة الدينار التونسي إلى سعره الحقيقي بحثا عن سبل مجابهة اختلال التوازنات المالية للدولة في ظلّ عجز الميزان التجاري. ويتساءل عن أسباب امعان وزير السياحة آمال كربول في التسويق لنفسها على حساب القطاع الذي تشرف عليه منتقدا تعاطيها الشعبوي والعتيق مع الملفات الحارقة المطروحة على طاولة مكتبها فضلا عن تركها للمشاكل الحقيقية وانتهاج حلول غير مجدية بشكل ينم عن عدم درايتها بكنه المسؤولية المناطة بعهدتها. وشدّد على أهمية الاتعاض من الأخطاء السابقة منذ حكم بن علي وصولا إلى عهد الترويكا ثمّ التكنوقراط عبر التسريع في وضع مقاربة تشاركية تجنبا لتفاقم الأزمة وتفشي الداء في كامل الجسم السياحي. واعتبر حسن أنّه من المهم الاستئناس بنجاحات دول منافسة كتريكا والمغرب مؤكدا أنّ أسباب تواصل الفشل تكمن في المسائل الآتي ذكرها. على مستوى المشاكل الظرفية،يفسّر محدثنا الاشكالات والمطبات الموجودة في القطاع بطبيعة المرحلة التي تمرّ بها البلاد سيما أمنيا وبيئيا علاوة عن الظروف الصعبة التي تمرّ بها الاقتصاديات الأوربية الشريكة في ظّل تراجع مؤشرات النمو وتدهور جودة الخدمات المقدمة في تونس مثل النقل والتنشيط وغيرها. ويقول إنّ هاته المشاكل ليست وحدها سبب البلية موضحا أنّ معوقات أخرى هيكلية إزاء مساعي التطوير والتدارك. فطبيعة المنتوج السياحي التونسي الموسمي لا توفر النوعية والجودة المطلوبة سيما وأنّ السياحة الثقافية وحتّى الصحراوية لم تنل حظّها ولا المكانة المفترضة مشيرا إلى مسالة التسويق البالية التي من الضروري اليوم الاعتماد فيها على الانترنات والفضاءات الالكترونية(الواب) التي هي أكثر نجاعة من الاقتصار على وكالات الاسفار وهو ما يجعل آنذاك الدعاية مرتهنة لدى لوبيات دولية تتعاطى وفق متغيرات ومصالح ضيقة. وبيّن حجم تأثير مشكل النقل الجوي الذي أضحى منفّرا للسياح مبرزا أهمية الامضاء على اتفاقية "السماء المفتوحة" شريطة تأهيل المطارات وشرطة الخطوط التونسية مسبقا حتّى نقلّص من كلفة التنقل عبر الطائرة والتي لاتزال عائقا يحول دون ارتفاع نسبة تدفق الأجانب وحتّى التونسين المقيمين بالمهجرإلى تونس. وزيادة عن ذلك، أكّد على ضرورة تحسين مستوى جودة تكوين المختصين من العالمين في القطاع السياحي احتراما للمعايير الدولية معربا عن موقفه إزاء برنامج التأهيل القطاعي الذي قال عنّه إنّه لم ينجح في تطوير الجانب اللامادي صلب السياحة التونسية وهي تعدّ نقطة ضعف كبيرة وفق تعبيره. كما دعا إلى حلحلة معضلة تداين القطاع والقطاعيين لدى البنوك مضيفا انّ الشركات العاملة في السياحة تعاني من مشاكل خانقة على مستوى التمويل والدين.بالاضافة إلى حاجة لتجاوز مطبّ ضعف التنشيط في المناطق السياحية. هذا وقد حذّر محسن حسن من تداعيات استمرار اجترار الوزاراء المتعاقبين على حقيبة السياحة للخطاب والمشاريع والأدوات المهترئة المتوارثة عن نظام بن علي منوّها بأنّ الحلول موجودة بيد أنّ الارادة السياسية هي الغائبة.