لا يزال صدى رسالة القيادي في حركة نداء تونس عمر صحابو التي توجّه بها إلى زعيم الحزب الباجي قائد السبسي تلقي بظلالها على الساحة السياسية الوطنية ولا سيما في صلب العائلة الندائية التي تعيش على وقع مشاكل داخلية قد تفضي إلى التقليص في حظوظها الانتخابية في حال لم يتمّ تطويق الامور وايجاد الترياق الكفيل بمعالجة الداء الذي أصاب الحزب منذ فترة والذي تصاعدت حدّته أساسا نتيجة فقدان رئيس الحركة لبوصلته. عمر صحابو الذي يعدّ من القيادات المقربة من السبسي بحكم علاقة الثقة والودّ التي تجمع الرجلين ، فضلا عن الوشائج الفكرية التي تدور في أفق المشروع الاصلاحي والرؤية البورقيبية،لم يتوان عن الاصداع بالحقائق الاربع التي يرى فيها ذرائع موضوعية وذاتية تحتّم على زعيم النداء كبح جماح نزواته ومآربه السياسية التي قد تؤدي به إلى سدّة الحكم في قرطاج دون توفر شروط هامة مرتبطة خاصة بالوضع الصحيّ والقدرة على مسايرة النسق الماراطوني من العمل والصعوبات والمطبّات الكأداء التي تنتظر الرئيس المقبل لتونس في أولى خطوات تركيز أسس الجمهورية الثانية. لقد بدا من الواضح أنّ الرسالة كانت حبلى بالمعاني والدلالات التي كشفت عورات "بطانة" السبسي التي تريد استدراج الرجل إلى مأزق تاريخي قد يُدخله في نفق مظلم لا يعلم أحد كيف ستكون نهايته. إنّ المتمعّن في ما وراء السطور التي كتبها صحابو يستبطن حالة الارتهان والتململ التي اكتنفت صاحب الكلمة الفصل في حزب يتطلّع إلى مزاحمة قوى كحركة النهضة والجبهة الشعبية التي نجحت في تجاوز عقبة اعداد القائمات الانتخابية بأخفّ الأضرار. لا مراء اليوم في أنّ السبسي بات رهين محيط مغلق تتحكم فيه المصالح العائلية والمالية التي تتجلى في حرب التموقع والنفوذ صلب النداء بين روافد مختلفة وعقائد متضادة ومتنافرة. في الحقيقة،هذا وجه من أوجه الأمراض التي أوهنت حركة نداء تونس على مدار أشهر من المماحكات والغمز واللمز والضرب تحت الحزام داخل العائلة الندائية وبين أبنائها.بيد أنّ الصورة لا يمكن أن تظهر للعيان على الشكل المطلوب من هذه الزاوية فحسب. إنّ أزمة الحزب متعدّدة الزوايا تعدّد الروافد نفسها فكنه الاشكال ليس متّسقا فقط بحاشية السبسي والمجموعة الملتفّة حوله في كلّ حركاته وسكناته بقدر ماهو مرتبط أيضا بالخطّ السياسي للحركة والذي يرى مراقبون أنّه ما انفكّ يزيغ عن مساره المفترض ضاربا بالبرنامج والأهداف التي ولد من رحمها عرض الحائط. وعلى الرغم من أنّ قيادات النداء تحاول مداراة تغوّل الشقّ التجمعي الذي اشتدّ نهمه الشبقي في الوصول من جديد إلى السلطة والثأر ممن أطاح بهذا التيار إلى الدرك الأسفل فإنّ الوقائع تأتي لتؤكد أنّ الحزب غدا خارج نطاق الممارسة الديمقراطية جرّاء طغمة متغطرسة ومريضة بتضخمّ الأنا التي حكمت تونس على امتداد عقود من السنوات الكبيسة والحالكة. ما يخشاه لفيف آخر من الندائيين هو امكانية وجود صفقة بنودها مؤجلة التنفيذ بين رئيس الحزب الباجي قائد السبسي وزعيم النهضة راشد الغنوشي بغية اقتسام السلطة ووضع حدّ لحالة التوجّس والعداء بين الدساترة والاسلاميين والتي آلت بالبلاد إلى حدوث شرخ مجتمعي عميق مازالت آثاره جليّة وجرحه نازفا لم يندمل بعدُ. هنا يكمن الاختلاف في الرؤى الاستراتيجية والمستقبلية للحزب بين رأيين أحدهما لا يرى غضاضة في امكانية التقارب مع "عدو الامس" ومن ثمّة التحالف معه ضمانا لموطئ قدم في الحكم على قاعدة تفاهمات براغماتية وواقعية قد تفرضها النتائج التي ستبوح بها صناديق الاقتراع يوم 26 أكتوبر القادم. في حين أنّ فريقا آخر يرفض رفضا قطعيا أيّ عمل مشترك مع النهضة بداعي التباين الجذري في المشروعين السياسي والمجتمعي. هكذا غدت حركة نداء تونس في مفترق طرق قبيل استحقاق انتخابي ماتزال رغم كلّ الكدمات والهزّات مؤهلة للمنافسة فيه على الظفر بموقع يخوّل لها الحفاظ على التوازن السياسي في المشهد الوطني شريطة تصحيح مسارها وتدارك الأخطاء التي قد تكون ساهمت في تآكل شعبيتها وضمور الرصيد الرمزي والاعتباري الذي اكتسبه رئيسها الباجي قائد السبسي، و وحدها الأيّام القادمة ستكون كفيلة بالاجابات عن عديدة الأسئلة الواخزة ولعلّ أهمها مدى قدرة "البجبوج" كما يحلو لمريده مناداته على التجاسر ومصارحة التونسيين بحقيقة وضعه الصحّي بعد الضجة التي أثارتها رسالة صديقه عمر صحابو.