هام/ هذا فحوى الاتصال الهاتفي بين سعيد ورئيس حكومة الوحدة الوطنية الوطنية..    قيس سعيد : يجب احترام كل أحكام العملية الانتخابية    رئيس الجمهورية يثير مجددا ملف الشيك دون رصيد    في إطار برنامجها للمسؤولية الاجتماعية تونس تعيش Ooredoo تونس تفي بالتزاماتها تجاه جمعية ديار الأمل    الجلسة العامة السنوية للشركة التونسية للبنك: مؤشرات مرضية وافاق واعدة    وفاة رائد الفضاء وليام أندرس في حادث تحطم طائرة    موعد جديد لنزال تايسون و'اليوتوبر' جيك بول    بخلفية ثأرية: المنتخب الوطني في مواجهة قوية امام نظيره الناميبي    ألمانيا تقتنص الفوز من اليونان في آخر مباراة ودية قبل بطولة أوروبا    طقس: بعض الامطار المتفرقة بعد الظهر على المناطق الغربية بالشمال والوسط    نحو 11 ألف تونسي يستعدون للحج .. الثلاثاء آخر الرحلات باتجاه البقاع المقدسة    عاجل/انتشال 11 جثة مهاجر غير شرعي من البحر قبالة سواحل ليبيا    الفلبين: تحظر واردات الدواجن من أستراليا لهذه الأسباب    جندوبة تحتفل باليوم العالمي لسلامة الأغذية تحت شعار "تأهّب لغير المتوقع "    خلال لقائه بالحشاني..سعيّد يطلع على نتائج مشاركة تونس في القمة الكورية الإفريقية (فيديو)    وزارة التربية توضّح مسألة تمتيع المتعاقدين بالتغطية الصحية    تداول صور فضائية لآثار قصف "انصار الله" لحاملة طائرات أمريكية    جيش الإحتلال يبحث عن متطوعين للقتال معه في غزة    بداية من الإثنين.. المبلغون عن الفساد في اعتصام مفتوح    من أعلام تونس .. الشيخ إبراهيم بن الحاج معمر السلطاني ..أوّل إمام لأوّل جامع في غار الدماء سنة 1931    محمد كوكة أفضل ممثل في مسرحية كاليغولا بالمسرح البلدي بالعاصمة    الفنان والحرفي الطيب زيود ل«الشروق» منجزاتي الفنية... إحياء للهوية بروح التجديد    في صالون الرواق جوهرة سوسة .. معرض «مشاعر بالألوان» للفنان التشكيلي محمود عمامو    مدرب البرتغال يكشف للملأ انطباعه عن رونالدو    بعد 17 عاما في السجن.. رجل متهم بالاغتصاب يحصل على البراءة    علي مرابط يشيد بدور الخبرات والكفاءات التونسية في مجال أمراض القلب والشرايين    أول تعليق للرئاسة الفلسطينية على ادراج الكيان الصهيوني ضمن قائمة الدول التي تنتهك حقوق الطفل..#خبر_عاجل    خطير/ حجز كمية من التبغ غير صالح للإستهلاك    مريم بن مامي: ''المهزلة الّي صارت في دبي اتكشفت''    بقيادة مدرّب تونسي: منتخب فلسطين يتأهل الى مونديال 2026    يوم تحسيسي حول المستجدات الدولية والوطنية في مجال مكافحة المنشطات    الحرارة تكون عند مستوى 31 درجة هذه الليلة بالجنوب    بنزرت: الاحتفاظ بإمرأة محكومة ب 48 سنة سجنا    البكالوريا: 22 حالة غش في هذه الولاية    مسؤول بال"شيمينو": هذا موعد عودة نقل المسافرين بالقطار بين تونس والجزائر    مفتي السعودية: "هؤلاء الحجّاج آثمون"..    قبلي: انطلاق فعاليات المنتدى الاقليمي حول فقر الدم الوراثي بمناطق الجنوب التونسي    لرفع معدل الولادات في اليابان...طوكيو تطبق فكرة ''غريبة''    الرابحي: قانون 2019 للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية فرض عدة إجراءات والتزامات على مُسدي الخدمات    تشيلسي يتعاقد مع مدافع فولهام أدارابيويو    الحماية المدنية 12حالة وفاة و355 مصابا في يوم واحد.    فظيع/ سيارة تنهي حياة فتاة العشرين سنة..    نابل: اقتراح غلق 3 محلات بيع لحوم حمراء لهذا السبب    مناسك الحج بالترتيب...من الإحرام حتى طواف الوداع    مديرة الخزينة بالبريد التونسي: عدم توفير خدمة القرض البريدي سيدفع حرفائنا بالتوجّه إلى مؤسسات مالية أخرى    اليوم: نشر أعداد ورموز المراقبة المستمرة لمترشحي البكالوريا    الإعلان عن موعد عيد الاضحى.. هذه الدول التي خالفت السعودية    نظّمه المستشفى المحلي بالكريب: يوم تكويني لفائدة أعوان وإطارات الدائرة الصحية بالمكان    موعد صيام يوم عرفة...وفضله    تطاوين : بدء الاستعدادات لتنظيم الدورة السابعة للمهرجان الدولي للمونودراما وإسبانيا ضيف شرف    المنتخب الوطني التونسي يصل إلى جنوب إفريقيا    مدنين: رصد حالة غش في اليوم الثاني من اختبارات البكالوريا    اكتشاف السبب الرئيسي لمرض مزمن يصيب الملايين حول العالم    هند صبري تلفت الأنظار في النسخة العربية لمسلسل عالمي    الإعلان عن الفائزين في المسابقة الوطنية لفن السيرك    مُفتي الجمهورية : عيد الإضحى يوم الأحد 16 جوان    عاجل/ قرار قضائي بمنع حفل "تذكّر ذكرى" المبرمج الليلة    اليوم رصد هلال شهر ذي الحجة 1445    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ما معنى أن يشنّ أساتذة الثانوي إضرابهم الآن؟
نشر في حقائق أون لاين يوم 23 - 01 - 2015

من السهل - لكن من المؤسف والمؤلم أيضا- أن يموت مخرج سينمائي (الأمريكي دايفد كراولاي، 29 سنة) بمعية زوجته وابنتهما الصغيرة وأن تكون الميتة مشبوهة بسبب تنديد شريطه بالنظام العالمي الجديد (الشريط بعنوان "جراي ستايت"- "الدولة الرمادية" ، وقد تمّ اكتشاف العائلة الميّتة بتاريخ 18-1-2015 بمنطقة آبل فالي بولاية مينيسوتا)، لكن من المستحيل أن يُغتال 80.000 أستاذ تعليم ثانوي تونسي (ومعهم 20.000 أستاذ تربية بدنية) بسبب تنديدهم - مهما كان ضمنيا- بنفس النظام العالمي الجديد (إضراب يومي 21 و 22 من الشهر الجاري) مطالبين بتحسين وضعهم المادي المهين حقا.
قد تكون إذن أهمّ وأعمّ الدلالات لإضراب الأساتذة هي أنّه يمثل حملة استباقية ورسالة إلى كل جهة محلية تسوّل لها نفسها بأن تقصي القوّة القاعدية و النقابية الأستاذية من حسابات السياسة الاجتماعية والاقتصادية لتونس مستقبلا، لا سيما أنّ كلّ المؤشرات تدلّ على أنّ الحكومة الرسمية الأولى- التي هي قيد التشكّل لتكون قائمةُ أعضائِها جاهزة في الأسبوع المقبل- ستكون ليبراليةَ التوجّه من الناحية الاقتصادية أي تابعةً للمركز الرأسمالي العالمي المهيمن.
بالتالي فإنّ مطالبة أساتذة الثانوي بالزيادات في أجورهم يُعَدّ أضعف الإيمان في بلاد فيها قلة قليلة تعتاش على حساب قوت الأغلبية وهي أقلية طامعة لا محالة في أن تكون الحكومة القادمة خير ممثل لها وأفضل مدافع عن مصالحها الحيوية. واستطرادا، لعل هذه الشريحة الاجتماعية التي تتمثل في أساتذة الثانوي أن تكون، بفضل حركتها النقابية، بصدد بناء اللبنات الأولى لمشروعٍ تحرري يهدف في الآن ذاته إلى مناهضة نظامٍ عالمي حالي يتسم بفلسفة التوحش الاقتصادي وإلى التصدي لمحاولة النظام العالمي الجديد اقتفاءَ أثر النظام الحالي أو ربما الإتيان بسياسات تتصف بأكثر تفقيرا للشعوب وبأكثر حيفا لفائدة رأس المال وأصحابه وعلى حساب العقل والأخلاق والقيم النبيلة.
من جهة أخرى، لئن كانت المجتمعات المتقدمة مستفيدة من النظام الرأسمالي ومعدّلةً لتوحّشه الاقتصادي بفضل سياسات اجتماعية ناجعة في كافة القطاعات من بينها قطاع التعليم، فإنّ المجتمعات التابعة على غرار تونس باتت متضررة منه بشكل رهيب. لنقم بمقارنة عسى أن نلمس مدى الضرر الحاصل للأستاذ التونسي. عالميا، يتقاضى أستاذ الثانوية شهريا مبلغ 7,000 د.ت (4,000 دولارا تقريبا) حسب دراسة تمّت مؤخرا في 36 بلد. وثبت أنّ الراتب المتوسط (بعد 15 سنة عمل) لأستاذ الثانوية في فرنسا قيمته 4,500 د.ت، و في ألمانيا قيمته 9,000 د.ت، وفي سويسرا قيمته 11,500 د.ت، و في الليكسمبورغ قيمته 18,000 د.ت. وحتى لا يقال إنه لا يجوز مقارنة تونس النامية ببلدان متقدمة، نكتفي بالتصريح بأجر الأستاذ في المغرب الشقيق، ألا وهو المقدّر بقيمة 2,100 د.ت، بينما في تونس فيُقدّر الراتب المتوسط للأستاذ بزُهاء 900 د.ت والأستاذ الأول المميز (أعلى رتبة في السلّم) لا يتلقى شهريا أكثر من 1,300 د.ت (تشتمل القسط الأكبر من منحة الإنتاج).)
يعني هذا مما يعنيه أنّ في بلد مثل تونس أين مستوى العيش بلغ غلاءً أشدّ مما بلغه مستوى العيش في ألمانيا أو في فرنسا - في مجالات كثيرة- الأستاذ التونسي يتقاضى عُشر الدخل الذي يتقاضاه نظيره الألماني، وخُمُس ما يتقاضاه نظيره الفرنسي، ناهيك أن نشبهه بنظيره السويسري أو الليكسمبورغي. كما أنّ ذلك يعني أنّ تونس، أين الدخل الفردي الخام أعلى مما هو عليه في المغرب الأقصى، هي بلد ينتفع فيه الأستاذ بأقل من نصف الراتب الذي ينتفع به نظيره المغربي.
في ضوء هذا نفهم أنّ وضع الأستاذ - في أيّ بلد في العالم- ليس مرتبطا بالمطلبية المالية دون سواها وإنما هو رهنٌ بوجود خيارات اجتماعية شاملة ومتكاملة، وبوجود إرادة سياسية لتنفيذها، من عدمه. ويتضح أنّ مثل هذه الآليات غير متوفرة في تونس. وهذا ما يتجلّى من خلال الإيديولوجيا التي يعتنقها عامة الناس حول مطالب القطاع. فالناس مسكونون بمجموعة من الأفكار المسبقة تتلخص في عبارات مثل "ماذا يريدون؟!" و "ألم يَشبعواعطلا وراحة و أموالا تدرّها عليهم الدروس الخصوصية؟!" كما ليس الإعلام براءً بشأن تكريس هذه الإيديولوجيا المتعاكسة مع المصلحة العليا للبلاد.
هكذا يكون الشارع والعائلة والطبقة السياسية والإعلام في تونس مخطئين في حق المدرّس عموما وأستاذ الثانوي بصفة خاصة. و مَن يتحدث عن الدروس الخصوصية ما عليه إلا أن يسائل نفسه من المسؤول عن استشرائها، وسوف يدرك أنّ المجتمع هو الذي يمارس ما يكفي من الضغط لإرغام الأستاذ - والمعلم في الابتدائية- على التنازل على كل القيم التي من المفترض أن يؤمن بها ويمررها للمتعلم أولا وبالذات من أجل إشباع رغبة أولياء التلاميذ في رؤية أبنائهم وبناتهم يجتازون الامتحانات بامتياز ثم يتسلقون السلّم الاجتماعي بجشع كبير، وثانيا إشباع رغباته المالية تباعا. هكذا يكون الطرفان الاثنان للصفقة نموذجا لا ينبغي أن يُحتذى به للانخراط في المشروع الكومبرادوري العالمي المسقط.
كما أنّ كل مَن يجرؤ على محاسبة الأستاذ – المادي- مطالب بإلقاء نظرة على ما يسمى بالضوارب المعتمدة في احتساب الأعداد للتأكد من تغوّل مادتَي الرياضيات والفيزياء/الكيمياء في مناهج التعليم وذلك على حساب المواد الأساسية مثل اللغات والاجتماعيات والإنسانيات والأخلاق والروحانيات. إنّ مجتمعنا أضحى للأسف مجتمعا يعبد المادة عبادة ينطبق عليه المثل الشعبي القائل "يأكل الدنيا ويتسحر الآخرة"، وإلا فما معنى أن يتقاضى مدير عام للبنك في تونس مبلغ 80 أو 100 ألف دينار شهريا؟
بالنهاية، لعلّ إضراب أساتذة الثانوي في تونس مناسبة لتذكير الشعب ما قاله كبار القادة والتربويين في العالم على غرار الرسول الأعظم، محمد صلى الله عليه وسلم، ومارتن لوثر كنغ، ونلسن مانديلا، ولويس فاراخان، وكان روبنسون، ونعوم تشومسكي، ما قالوه حول مكانة المعلم، عساه أن يتبيّن أنّ رفاهية المجتمع رهنٌ برفاهية هذا الذي كاد أن يكون رسولا، وبالتالي أنّ كل إصلاح للمنظومة التعليمية رهنٌ بردّ الاعتبار للمدرّس وذلك طبعا من خلال متطلبات إصلاح المشروع المجتمعي العام، لا بمعزل عنه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.