لأول مرة بعد 14 جانفي 2011، تحيي رئاسة الجمهورية التونسية ذكرى وفاة الزعيم الحبيب بورقيبة باني تونس الحديثة، و يتنقل رئيس الدولة الباجي قائد السبسي إلى المنستير، في بادرة اعتراف بالجميل ربما، من رئيس تونس الجديد الذي طالما افتخر بانتمائه للمدرسة البورقيبية التي لا تزال ترفرف على تونس رغم محاولات طمس ذكراه في مرحلة من الزمن و محاولة تشويهه و محاكمته ميتا و رفض الترحم عليه في مراحل لاحقة الرئيس الباجي قائد السبسي اختزل صورة الزعيم بورقيبة في نظاراته و نبرة خطابه و وقفته و بعض مواقفه، و حصل بفضلها على أصوات أوصلته إلى سدة الحكم، مُنحت له على أمل أن يكمل مشوار الحبيب بورقيبة في القطع مع قوى الظلام والصعود بتونس إلى مراتب متطورة بعد ثلاث سنوات من الجذب إلى الخلف و تراجع في المكاسب والعقليات، و لكن هل بقي وفيا للمدرسة البورقيبية التي يعتبر نفسه الوصي عليها؟؟؟ سيدي الرئيس الباجي قائد السبسي، كما تعلمون إن من ابرز مبادئ المدرسة البورقيبية ما يسمى بسياسة المراحل، والتي استنجدت بها بعد رجوعك إلى العمل السياسي، وفي صراعك مع الإسلاميين، منهج أبيت إلا أن تسير فيه لكن على طريقتك الخاصة... فمضيت في صراع مع الإسلاميين الصاعدين للحكم بعد نوفمبر 2011، مذكرا بالقيم الحداثية لتونس ومتمسكا في خطابك بهيبة الدولة التي ضاعت على أيديهم وجعلت منها عنوانا أبرز لحملتك الانتخابية... إلا أنك انتهيت في الأخير إلى التحالف مع من اعتبروك اشد خطرا من السلفية الجهادية ومن هددوا حياتك وأباحوا دمك ودماء أنصارك.. هل نسيت، سيدي الرئيس، شهيد حزبك لطفي نقض الذي تم سحله على أيدي حلفاءك اليوم؟؟؟ وهل تراك نسيت أيضا أن الزعيم بورقيبة قد انتهى بالحكم على راس الإسلاميين بالإعدام بعد أن مارسوا العنف وأزهقوا الأرواح في تفجيرات 1987...؟؟ نفس المسمى لسياستين، أولهما تقدمت بتونس أشواطا نحو الحداثة، وثانيتهما تحولت إلى مدفع يطلق للخلف قد يدمر حزبا هو لك يحاول أن يختم مليون صوت نسائي باسمه، ناسيا أن كل تلك الأصوات قد ذهبت إلى صورة محرر المرأة التونسية التي تحاول اختزالها في شخصك. سيدي الرئيس، لقد أقمت حملتك الانتخابية أيضا على استرجاع القرار الوطني الذي رزح لمدة ثلاث سنوات تحت السطوة القطرية التركية، ووعدت بإعادة العلاقات مع سوريا وإصلاح ما أفسدته الترويكا في سنوات حكمها الثلاث من علاقات تونس الخارجية، فإذا بنا نجد الدبلوماسية التونسية في عهدك فقدت الكثير من مصداقيتها مستعيرا القول ونقيضه من شركاءك الإسلاميين وأنت الذي لطالما قلت أنك رجل أفعال لا رجل أقوال. لقد وعدت، سيدي الرئيس، برفع الغطاء عن المتورطين في اغتيال الشهيدين شكري بلعيد و محمد البراهمي وفاتحي الطريق أمام مهدري دماء أمنيينا وعسكريينا، وإجبارهم على الخضوع للقضاء، فإذا بك تحاول تسويق فكرة المصالحة الوطنية التي لم تستثن منها حركة النهضة التي لا زالت تؤمن بإقامة الدولة الإسلامية ولم تعلن كتابيا تغيير أدبياتها ولا خطابها لأنصارها. من حق التونسيين أن يفهموا إن كانت بادرة المصالحة الوطنية، التي لم تتحدث عنها في حملتك الانتخابية، تتجه في مسار إنهاء التوتر و الصراع مع حركة النهضة التي لم تثبت إلى الآن حسن نيتها عبر الأفعال ولم تتخل عن الخلط بين الدعوي والسياسي كما اعترف بذلك راشد الغنوشي الذي وصفك ذات يوم بأنك اخطر من السلفيين الذين قال عنهم لاحقا أنهم خدعوه وقد نجده غدا في صفهم من جديد ليقول أنه أساء فهمهم... أم أن بادرة المصالحة ليست إلا مقدمة لمشروع لا نعلمه قد يكون لإعادة الإسلاميين إلى الحكم باتفاق أمريكي قطري تركي تكون فيه أنت الممهّد. سيدي الرئيس إن أقوالك في الحملة الانتخابية كانت مناقضة لأفعالك منذ أن تسلمت السلطة في البلاد، مما جعلك تخرج من جبة بورقيبة والتي تبدو قد تركتها محاولا نسج جبة جديدة لتونس برفقة شريكك الغنوشي، لعلك تجدها أكثر راحة في ممارسة بعض القناعات أو في تنفيذ بعض الأجندات ولكن تذكر أن حزبك، نداء تونس، سيدفع غالياً ثمن ذلك مثلما دفع كل من وضع يده في يد حركة النهضة ذلك الثمن والانتخابات البلدية قادمة على مهل.