رفضنا المبدئي لإقدام المملكة السعوديّة على إعدام 47 شخصا سعوديين وأجانب بمن فيهم أحد مواطنيها من الطائفة الشيعيّة في مشهد دموي مقرف يذكرنا بحفلات الإعدام الجماعي التي ترتكبها جماعات الدواعش الإرهابية بقطع الرؤوس لا يبرّر بالمرّة لإيران أن تتحوّل إلى "فاتيكان شيعي" وناطقا رسميا باسم كل الشيعة في العالم بمن فيهم إخوتنا الشيعة في الوطن العربي لأن هذا التدخل الذي بان مكشوفا وعاريا في حادثة الإعدام الأخيرة (للتوضيح رفض إيران للإعدام ليس على أساس مبدئي باعتبارها تمارس نفس الإعدامات بالرافعات وفي الأماكن العامة لمعارضيها على أساس قومي عرب الأحواز أو الطائفي مواطنيها السنّة) ينمّ عن عقليّة وصاية توسعيّة نرفضها بشدّة بذات القدر الذي نرفض به العقليّة التركيّة الأوردوغانية التوسعيّة من خلال التحشيد الطائفي والانتصار للأخونة باعتبارها تمذهبا سياسيا تكفيريا اقصائيا.. نحن اليوم في أمسّ الحاجة إلى سماع صوت المراجع الشيعيّة العربيّة الخافت والمغيب لأنّها وحدها القادرة على وضع حدّ لأطماع التدخل الإيرانية كما أننا في حاجة إلى الاستماع إلى صوت أيمة الاعتدال السنّة المتواري خلف الحكام لوضع حد للنزق التركي والطموح الأوردوغاني العثماني. كما أنّنا نلحّ في التنبيه إلى أنّ ما يخطط للأمّة في أروقة المخابرات الاستعمارية وعلى طاولات المصالح الإقليمية والدوليّة وينفذ بأيادي أبنائها حكاما ومحكومين لاقتسام المتبقي من مقومات وجودها على مذبح التمذهب الطائفي والسياسي أخطر من أن يتم تناوله بمنطق "الفيراج الكروي" والانتصار لفريق ضد الفريق الثاني فلا منتصر في هذه الحرب العبثيّة غير غربان الموت والخراب.. المعركة صارت اليوم مفتوحة في المنطقة بشكل ظاهر ومباشرة على أساس طائفي بين الرؤوس الكبيرة (تركيا السعوديّة وإيران) ولم تعد مجرد أوهام أو تهيؤات كما يتصور الطيبين منّا وإنكارها لن يفيد، ولم تعد في تمظهراتها وأدواتها مقتصرة على تحريك أدواتها وبيادقها في المنطقة فيما يشبه الحرب الباردة.. كلا المعسكرين انخرطا رسميا في أقصى درجات التجييش والتعبئة للمريدين من باكستان إلى نيجيريا (لا تهتموا للمواقف الرسمية الدبلوماسية التي تبدو متعقلة وحكيمة التي تصدرها الدول بل تابعوا مواقف وتحركات واحتجاجات الأنصار والدراويش المتشنجة والمسعورة من الجانبين وستشعرون بالقرف).. الكلّ بات يقرع طبول مظلوميته الطائفية للانخراط في هذه المحرقة التي سيكون من أكبر ضحاياها الأغلبية الساحقة من الجماهير العربية غير المعنية بهذا الصراع العبثي المفتعل الذي يحرف بوصلة نضالها عن قضاياها الحقيقية في الحرية والديمقراطيّة والمساواة والتقدم والعدالة الاجتماعية.. فعلا لقد حان الوقت لقلب الطاولة على سلطتي مكاتب الإرشاد والحوزات واستعادة روح الإسلام الجامعة وتحريره من فتاوى أيمة وفقهاء التكفير والتفقير والتدمير، لقد سقط الإسلام السياسي نهائيا وافتضح أمره باعتباره تمذهبا سياسيا قبل حتّى أن تسقط وتتعرى مخرجاته الجهادية التكفيرية وصار عبئا على هذه الأمة، وما على الأحرار سوى شق طريق خلاصهم الوطني والقومي خارج مساراته وفتنه وبعيدا عن خرابه والعمل على دفن جيفته التي باتت رائحتها تبعث على القرف، وهي بنظري المعركة الشريفة الوحيدة بل أمّ المعارك الحضاريّة التي تحمل شرف عناء خوضها، أمّا خلا ذلك فالتزام جوهر الحديث المتواتر المأثور عن الرسول والذي ينكره تجار الدين والذي فسره أحد أيمة الاعتدال " إذا وقعت الفتنة، فالزم جوف بيتك، وفر من جوار الفتنة، وإياك والعصبية، وكلما كان من قتال بين المسلمين على الدنيا، فهو فتنة فاتق الله وحده لا شريك له، ولا تخرج فيها ولا تقاتل فيها، ولا تهوى ولا تشايع ولا تمايل ولا تحب شيئا من أمورهم، فإنه يقال: من أحب فعال قوم خيرا كان أو شرا كان كمن عمله.."