تسليم رئيس الوزراء الليبي السابق البغدادي المحمودي أثار جدلا على الساحة السياسيّة التونسية فالآراء و المواقف تتراوح بين مؤيّد و رافض لهذا الإجراء. في هذا الإطار قمنا برصد بعض المواقف لعدد من الأحزاب و لنبدأ بأحزاب الترويكا بما أنها المعنيّة بالأمر و نستهلّها بموقف حزب المؤتمر من أجل الجمهوريّة الذي أدان اتخاذ هذا القرار و تنفيذه دون استشارة رئيس الجمهورية محمد المنصف المرزوقي معتبرا "قرار التسليم قرارا غير شرعيّ و تمّ بشكل أحادي و دون تشاور بين الرئاسات الثلاثة و موافقة و إمضاء رئيس الجمهوريّة" هذا ما جاء بالضبط في تصريح مكتوب للناطق الرسمي باسم رئاسة الجمهورية الصادر مساء الأحد بتاريخ 24 جوان 2012 مضيفا في ذات التصريح "أنّ تسليم البغدادي يهمّ السياسة الخارجية لتونس أكثر ممّا يهم ميدان القضاء و أنّ السياسة الخارجية هي من صلاحيّات رئاسة الجمهورية و في حالة الخلاف تجري استشارة المجلس الوطني التأسيسي". نأتي الآن إلى موقف حزب التكتّل الديمقراطي من أجل العمل و الحريات الذي أفاد في بيانه الصادر يوم 25 جوان 2012 أنّ تسليم البغدادي المحمودي إلى السلطات الليبية " قررته الحكومة التونسية الشرعية ، وهو قرار جاء ليؤكد قرار الحكومة السابقة ، و تطبيقا لحكم قضائي صادر عن القضاء بعد استيفاء كل المراحل و الطعون " . أمّا حركة النهضة فقد أوضحت في بيانها يوم 26 من جوان أن الخلاف بين الرئاسة و الحكومة ليس حول مبدأ تسليم البغدادي المحمودي إلى السلطات الليبية لأنه محل اتفاق ، و إنّما اختلاف حول ظروف التنفيذ مؤكّدة في نفس البيان حرصها على حفظ و رعاية مقام رئيس الدولة و دوره المحوري في نجاح الائتلاف الحاكم الذي وصفته بالركن الأساسي في تميّز و نجاح تجربة الانتقال الدّيمقراطي. و من جهته نفى السيّد نور الدين العرباوي عضو بالمكتب التنفيذي لحركة النهضة خلال تصريحه الخاص لراديو كلمة، تأثير تسليم البغدادي المحمودي على تماسك الترويكا أو إمكانيّة أن يؤدّي إلى انقسامها، قائلا أنّ هذا التسليم هو قرارا قضائيا قانونيا. و في ردّه على ما تمّ اعتباره من بعض الأطراف السياسية حول موضوع تسليم البغدادي المحمودي بأنه صفقة بين الحكومة التونسية و الحكومة الليبية قال العرباوي إن هذا الخبر لا يمتّ بصلة إلى الواقع معتبرا ذلك سيناريوهات محبوكة ضد الحكومة لغاية المعارضة لا غير حسب ما جاء على لسانه. و في المقابل صرّح الناطق الرسمي باسم المسار الديمقراطي الاجتماعي سمير بالطيّب لراديو كلمة، أنّ تسليم البغدادي المحمودي رئيس الوزراء الليبي السابق هو "صفقة بين الحكومة التونسية و الحكومة الليبية"، معتبرا أنّ هذه الصفقة تأتي إلى جانب صفقات أخرى أبرمت مع السعودية و قطر تقضي بعدم المطالبة بتسليم الرئيس السابق و عائلته على حدّ تعبيره. و في هذا الإطار قال بالطيّب إنّ المسار الديمقراطي الاجتماعي يندّد بهذا التسليم واصفا إياه بالصفقة المشبوهة محمّلا بذلك الحكومة كامل المسؤوليّة القانونية و السياسية حسب قوله. و في السياق ذاته لا يختلف رأي حزب العمال الشيوعي عن المسار الديمقراطي الاجتماعي إذْ أنّه ندّد في بيانه الصادر بتاريخ 26 جوان 2012 بقرار وبطريقة تسليم رئيس الوزراء الليبي السابق البغدادي المحمود إلى بلاده، مؤكدا أن إصرار الحكومة على هذا القرار دليل على صحة ما شاع حول حصول صفقة سياسية مع السلطات الليبية الحالية ومع القوى الأجنبية التي ترعاها. من الأحزاب إلى المنظمات حيث أنّ الائتلاف التونسي لإلغاء عقوبة الإعدام عبّر عن استغرابه في بيان صادر عنه يوم 26 جوان 2012 لما قال إنه " تسرّع السلطات التونسية في تسليم البغدادي المحمودي في الوقت الذي لم تُقْدِم فيه أيّ دولة من الدول الإفريقية أو دول الجوار المغربي على هذا الصنيع، و الذي وصفته ب" وصمة عار على جبين تونس و ثورتها". و لإضفاء البعد القانوني على الموضوع الذي أثار عديد التجاذبات السياسية في الوسط الحزبي و المنظماتي و الشارع التونسي فإنّ الأستاذ قيس سعيّد خبير القانون الدستوري و المحلّل السياسي قال في تصريح لراديو كلمة إنّه من النّاحية القانونيّة المحضة أمر تسليم البغدادي إلى ليبيا يتعلّق برئيس الحكومة بناء على التنظيم المؤقّت للسلط العموميّة لأنّ الفصل 324 من مجلّة الإجراءات الجزائيّة ينصّ على أمر من رئيس الجمهوريّة و لكن رئيس الجمهوريّة الحالي لا يصدر أوامر و إنّما يتّخذ قرارت. من ناحية أخرى أكّد السعيّد أنّه كان على الحكومة الالتفات بجديّة إلى دعوات المنظمات الدّوليّة و الوطنيّة حول ضرورة عدم التّسليم هذا فضلا عن تشديده على ضرورة التوافق بين الرئاسات الثلاثة مشيرا في ذات الصّدد إلى أنّه كان من المفترض أن تطرح المسألة على المجلس الوطني التأسيسي قبل التسليم و ليس بعده على حدّ تعبيره. هكذا كانت مواقف بعض مثلي الساحة السياسية و بعض آراء المجتمع المدني في ظلّ الاستشارة القانونيّة حول هذا الموضوع لكن يا تُرى كيف سيتعامل القضاء اللّيبي مع هذا الملف و كيف ستجري ظروف التحقيق و إصدار الحكم ؟؟ أسئلة تطرح نفسها لكن لا بدّ من إجابة و للحديث بقيّة.