تشهد تونس اليوم 5 ديسمبر 2012 الذكرى السّتين لاغتيال الزعيم النقابي و المناضل السّياسي فرحات حشاد ، الذي أسّس الإتحاد العام التونسي للشّغل و قاد الديوان السياسي السّري للحزب الحر الدستوري الجديد بتونس . "إنّي لا أُمثّلُ أي حزب بل أُمثّل العمّال المنتمين و غير المنتمين لكل الأحزاب" كانت هذه عبارة الزّعيم السّياسي و النّقابي التّونسي فرحات حشّاد ، في المؤتمر العالمي ضدّ الإمبريالية بفرنسا في جوان1948، عبارة أكّد من خلالها على تمسّكه بحقوق العملة بعيدا عن كل الإنتماءات السياسية و المُحاصصات الحزبية و لكن لم تُبعده يوما عن السّعي لتحرير الوطن و استقلاله. حشاد زعيم نقابي انطلقت الزّعامة النّقابية التي قادها فرحات حشاد سنة 1944 ، بشُغُوله مَنصِبَ الكاتب العام في الهيئة الوقتيّة للتّنظيم النّقابي التي سُمّيت آنذاك باتحاد النقابات الُمستقلّة للجنوب ، و ذاع سيط و سلطة هذه الهيئة بقيادة حشاد ، إلى أن أدّت إلى نشأة الإتحاد العام التونسي للشّغل في مؤتمر 20 جانفي 1946 بعد اندماج النّقابات العُمّاليّة المُستقلة في تونس مع الجامعة العامة للموظفين التونسيين. بتأسيسه للإتحاد العام التونسي للشغل ، حَمَل حشاد على عاتقه تحسين حاضر و مستقبل العامل التّونسي ، فظهرت بذلك المطالب النقابية البحتة و المتعلقة بالعقود المشتركة و الزيادة في الأجور و أنظمة التقاعد و العطل خالصة الأجر... و غيرها من المطالب التي لا يُمكن أن يُصنّفها عُمّال اليوم إلّا في خانة المكتسبات الحاصلة و البديهيّة . و استعمل حشاد في نضاله النقابي حِنكةً استقاها من اطّلاعِه على التّجربة النقابية الفرنسية ، إلى أن مَكّنته هذه الحنكة من تجاوز حتّى تجربة الُمستعمر من خلال انفصال الإتحاد عن الجامعة النقابية العالمية وانضمامه إلى الكنفدرالية العالمية للنّقابات الحُرّة سنة 1951 . فتأكّدت بذلك إرادة فرحات حشاد في تحقيق استقلال الوطن مُرورا بتحرّر عُمّاله ، فكانت " الحركة النّقابية حركة ثورية ترمي إلى قلب النّظام الإجتماعي و الإقتصادي لتحقيق ازدهار الشعب و البلاد " لأنّ " الإستقلال السياسي بغير الرقي الإجتماعي و بغير سيادة العدالة الإجتماعية و تغيير القواعد الإقتصادية و الإجتماعية للنّظام القائم ، ليس إلّا إغراء خادع و خطير". حشاد مُناضل سياسي ارتفع شعار الإستقلال في الإضرابات التي نظمها الإتحاد العام التونسي للشغل و خصوصا في مؤتمره المنتظم في 23 أوت 1947 ، و بدأ الإستعمار الفرنسي يُحمّل الإتحاد مسؤولية الحراك الإجتماعي و السياسي في البلاد . و لكنّ حشاد لم ينأى بمُنظّمتِه العُمّاليّة بعيدا عن النّضال الوطني ضدّ الإستعمار بل دعم علاقة الإتحاد بالأحزاب الوطنيّة ، لتتجاوز زعامتُه الحدودَ النّقابيّة إلى طور الزّعامة الوطنيّة التي جعلت منه مُرشدا يقُود الشّعب كما ، وصفه أحد المسؤولين الفرنسيين يوم تشييع جثمان المنصف باي بقوله " le peuple guidé par Farhat Hached " . و من خلال قيادته للدّيوان السياسي السري للحزب الحر الدستوري الجديد ، حاول حشاد الإستفادة من الخارطة السياسية العالمية آنذاك عبر زيارته للولايات المتحدةالأمريكية سنة 1951 فتيقّن المستعمر من قدرته على التأثير على المستقبل السياسي في البلاد و تهديد واقع الإحتلال فيه فقرّر اغتياله و كلّف العصابة الفرنسية المقيمة في تونس و المسماة باليد الحمراء باغتياله في 5 ديسمبر 1952. اغتيال المستعمر للمناضل فرحات حشاد "قضى فرحات الليلة عند أحد رفقائنا في رادس و في صبيحة اليوم الموالي خرج من البلدة متوجها إلى تونس و في مكان يدعى شوشة رادس تعرضت سيارته إلى طلقات رشاشة من سيارة أخرى كانت تلاحقه و نزل منها مترنحا و نقلته سيارة أخرى ثم اكتشف الجثمان في طريق زغوان قرب نعسان من قبل راعي أغنام و هو الذي أعلم مركز شرطة المكان و انتقل الكوميسار" باسان "إلى المكان مصحوبا بحاكم التحقيق و بطبيب و لكنه لم يجد شيئا لا السيارة و لا الجثمان و لم نعلم إلا مؤخرا أثناء الليل ان الجثمان نقل إلى المستشفى العسكري ثم نقل في باخرة من البحرية إلى جزر قرقنة و تم الدفن غدا صباحا بحضور أفراد العائلة وحدهم" كانت هذه رواية لأحداث مأساة اغتيال الزعيم فرحات حشاد ، كما جاءت في الرسالة المحررة في 8 ديسمبر 1952 من قبل المحامي و عضو الديوان السياسي السري للحزب الحر الدستوري الجديد في تلك الحقبة أحمد المستيري التي وجهها إلى وزير العدل في حكومة محمد شنيق ، صالح بن يوسف . و تجدر الإشارة إلى أنه و بعد 60 عاما من واقعة الإغتيال ، طلب أمس 4 ديسمبر 2012 الكاتب العام للحزب الإشتراكي الفرنسي بورية أمير شاهي رسميا فتح الأرشيف الفرنسي المتعلق باغتيال حشاد في سنة 1952 ، الطّلب الذي كان بعيدا كل البعد عن مطالب و هتافات التونسيين أمس في مسيرة الإحتفال بذكرى استشهاد الزعيم التونسي فرحات حشاد ، فغابت بذلك أولوية الإعتراف بنضالات هذا القائد و غاب وضع إكليل الزهور على ضريح هذا الشهيد الذي قدم الكثير لجميع التونسيين عمّالا كانوا أو سياسيين جراء الُمهاترات السّياسية التي فرّقت صفوف المشهد الوطني التونسي الذي سعى حشاد و من كانوا معه إلى توحيدها و تقديم دعائم الإستقلال و الحرية و الكرامة لأجيالها.