بعض نخبنا المترفة أو المنهكة يحلو لها أن تخرج علينا من حين لآخر بشعار أو عريضة تبث عبرها أحلاما، ما كان لها أن تخرج خروجا طبيعيا لتمشي في الشوارع بين الناس، وإنما تتسرب عبر "مصائد" العنكبوت التي اختارها كثير من الناس وطنا بديلا، فبنوا فيها وأثثوا بيوتا ومقرات وبرلمانات! "وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون"! هل تدبّروا الحكمة والمآل من شعارهم الجديد " لا للتمديد .... لا للتوريث"؟ الذي أصبحوا يزينون به واجهات بيوتهم الافتراضية؟ ... إنه العبث! ... أوْ لكَ أن تقول: إنه الملح الذي يعطي نكهة للتمديد أو التوريث! ويجعل له طعما مستساغا وينبئ عن مهارة الطباخين الذين يعملون بالليل والنهار من أجل "طبيخ" يُرضي "وليّ النعمة"! بما أننا شعب تربى على "الله ينصر من صبح" و "الكف لا يعاند المخرز" فأولى أن نوفّر شعاراتنا حتى لا تكون مثارا للسخرية، لأن الشعار الجميل لا يسلم من السخرية حتى يُسخّر له أناس يريقون على جوانبه العرق والسّهر والدّم! وصدق المتنبي: لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى *** حتى يراق على جوانبه الدم* إن كانت مصلحة البلاد هي التي حملتكم على رفع شعار " لا للتمديد .... لا للتوريث" ، فاعلموا أن المصلحة في التمديد أو التوريث وليس في خلافهما! ... وإن صح زعمكم أن "زعيمنا" لا يَصلح ولا يُصلح، فإن أي زعيم بعده سيكون من طرازه وأشد، لأن المستبدّ لا يكون مستبدا إلا على شعب فيه قابلية الاستبداد! وكما قال الشاعر:وَالظّلمُ من شِيَمِ النّفوسِ فإن تجدْ *** ذا عِفّةٍ فَلِعِلّةٍ لا يَظْلِمُ* كل مستبد ينال إرث سابقه وخبراته ويزيد عليها ليتميّز ويأتي بما لم تأت به الأوائل، وإذا كنتم قد أُنهكتم وأخذ منكم الإجهاد كلّ مأخذ فلماذا تستعجلون المزيد؟ أولى أن تحافظوا على حاكمكم وحاشيته الذان كانا فقراء فأغناهما الله منكم وبكم، وكانا جوعى فملأ الله بطونهما من أرزاقكم، بدل أن يأتيكم حاكم جديد وحاشية أخرى تنفتح شهيتهما بمجرد قدومهما لملء الجيوب والبطون! والحال أننا نفتقر لمؤسسات تراقب وتتابع وتحاسب! وتحصي أملاك الزعيم وحاشيته قبل الزعامة وبعدها! ... إن كان لها ما بعدها طبعا!! يا قوم! لا يجرمنكم شنآن حاكمكم "المحبوب" على الخطأ وسوء التقدير واعلموا أن من عرفتم خير ممن جهلتم، وأن أرضكم لم تمهّد بعد لتنتج الحاكم العادل والبطانة الصالحة والمؤسسات القوية التي تأخذ الحقّ من القويّ لتردّه على الضعيف. فكيف ما تكونوا يكن حاكمكم لأنه منكم وإليكم!! سادتي المناشدين والمتملقين والعاضين بالنواجذ على "الزعيم المفدى" لواصل مسيرة البناء والتعمير! ... عرفتم طريق السلامة من السياط! وبقايا الفتات حول الموائد الدسمة فهنيئا لكم، وقد عرفتم فالزموا واعلموا أنه: وَمن البَليّةِ عَذْلُ مَن لا يَرْعَوي *** عَن جَهِلِهِ وَخِطابُ مَن لا يَفهَم*ُ وإن شاء الله يأتي اليوم الذي فيه تفقهون وتفهمون! *المتنبي صابر التونسي