انتصبت شركات مراكز النداء بالبلاد التونسية منذ سنة 2000 و هي مؤسسات تسدي مجموعة من الخدمات عبر الهاتف عن بعد تقوم ببيع منتوجات شركات أخرى أو تقديم الإرشاد للحرفاء في ميادين مختلفة كالصيانة و الإعلامية، أو الربط بالإنترنت أو خدمة الإحصائيات. و تتوجه هذه المراكز بالخدمات إلي الحرفاء بالخارج خاصة، واللغات الفرنسية والإنجليزية والألمانية والإسبانية و الايطالية هي اللغات المطلوب إتقانها للعمل بهذه الشركات. و تتوفر في تونس إلى حد الآن قرابة 300 مركز نداء يشغل أكثر من 20 .000 شاب و بالتالي فان هذه المراكز ساهمت في استيعاب عدد كبير من اليد العاملة مما أصبح يشكل احد حلول لازمة البطالة بالبلاد نظرا لأنها تشغل نسبة كبيرة من الشباب. لكن في الفترة الأخيرة كثرت التشكيات من طرف العاملين في هذا القطاع حيث يقع استغلالهم من طرف المستثمر الأجنبي سواء فيما يخص ساعات العمل التي تتجاوز أحيانا المسموح به و الذي يضبطه القانون حيث يشتغل العامل قرابة ألاثني عشر ساعة عمل يوميا. كما يتعرض العامل بمراكز النداء إلي أضرار صحية كبيرة و التي تتمثل عادة في أمراض عصبية و أمراض قلب نظرا لاستعماله السماعة لمدة طويلة و تلقيه عدد كبير من المكالمات و تعرضه لمشاكل مختلفة مع الحرفاء و المشغل . الدكتورة زهرة عيسى طبيبة أعصاب اكدت لنا أن هناك نسبة كبيرة من العاملين بمراكز النداء يتلقون علاجا نفسيا و قد سجلت عديد حالات الانهيار العصبي و حالات الانتحار . ففي ففرنسا مثلا سجلت اعداد كبيرة من حالات الانتحار في صفوف الذين يعملون بمراكز النداء و ذلك نظرا للضغط النفسي الذين يعيشونه جراء هذه المهنة. و في شركة تيلبرفورمونس في تونس توفي الشاب رياض الفرجاني أصيل منطقة بن عروس سنة 2007 بسكتة قلبية أثناء العمل نظرا للضغط النفسي و الجسدي و ظروف العمل ، بعد أن كان استأذن للخروج لراحة لكن جوبه طلبه بالرفض. من جهة اخري فقد اضرب عمال ذات الشركة عن العمل منتصف شهر فيفري للمطالبة بالزيادة في الأجور و تحسين الظروف المهنية و الاهتمام بالحالة الصحية للعامل في ظل الضغط النفسي و الجسدي الذي يعملون فيه. بعض العاملين في تيلبرفورمونس أكدوا لراديو كلمة انه عندما يطالب العامل بكشف صحي في الشركة يطالبونه بعدم ترك العمل و تأجيل الكشف إلي حين اخذ الراحة المسموح بها بعد كل ساعة عمل او ساعة و نصف حسب كل شركة او تأجيل الكشف الصحي حتى انتهاء العمل. في مراكز النداء العامل مسلوب الإرادة ، مسلوب الحقوق ، هو عبد جديد من عبيد المناولة ..هذا ما أكده لنا احد العملة ..وطبيعي أن ينتفض العمال من اجل الدفاع عن حقوقهم و كرامتهم و إنسانيته تماهيا مع مطالب ثورة 14 جانفي التي جاءت لتحرر الإنسان من الاضطهاد و الظلم. العامل المضطهد في مراكز النداء عندما ينتفض للمطالبة بحقوقه ترتعد فرائص السياسيين ورجال المال خوفا على سمعة تونس التي قد يتهددها مغادرة هذه الشركات الأجنبية إلى دول منافسة و قد يخسر الاقتصاد سمعته الاستثمارية لذلك ليس لهم إلا الركوع للمشغل الأجنبي الذي يبدع في النيل من حقوقهم و كرامتهم و الخضوع لمتطلبات الساسة و رجال المال الخائفين من هروب الاستثمارات الأجنبية .و هكذا يكون العامل في مراكز النداء محكوم من جهتين كل واحدة منها لا تجبره الا على الانصياع.