في 8 ديسمبر من سنة 1961 انفجرت ينابيع أمواج إذاعة صفاقس عبر الأثير لتنشر الخصب والخضرة عبر أرجاء مدينة صفاقس وكل الأمصار التي كان يصلها بث وصوت تلك الإذاعة الجهوية الأولي على مستوى الجمهورية التونسية الدولة الفتية المتحصلة حديثا على استقلالها.. والثانية من حيث أنها جهوية على المستوى العربي كما أسر لي أحد الأصدقاء العاملين بها… لقد عملت إذاعة صفاقس منذ ذلك التاريخ على أن تكون صوت المواطنين بالجهة ومنارة للفن والفنانين والثقافة والمثقفين وحاضنة للإبداع والمبدعين فأنشأت فرقة موسيقية أثرت الساحة الفنية الوطنية بالعديد من الأصوات الجميلة والمتميزة وبالكثير من الألحان الأصيلة والممتعة .. كما تم بعث فرقة للفنون الشعبية قامت بعمل جبار من أجل حفظ الذاكرة الموسيقة للمدينة والجهة… وفرقة مسرحية كان لها دور كبير في تثقيف المواطنين … كما لا ننس الدور الكبير الذي لعبته الإذاعة في نشر الوعي من خلال البرامج المختلفة ..الاخبارية والاجتماعية والثقافية والعلمية …. إنني لا زلت اذكر كيف كان والدي "رحمه الله" يجمعنا حول المذياع في سهرة يوم الثلاثاء إن لم تخني الذاكرة للاستماع إلى برنامج " أبو سهيل" … وكيف كنا نتحلق حول المذياع لمتابعة المسلسلات والمسرحيات الإذاعية … وكيف كانت أمواج إذاعة صفاقس تؤانس ليالينا في رمضان عندما كان يفتح دكانه للعمل بعد الإفطار.. وأنا لا زلت إلى اليوم أحافظ على هذه السنة الجميلة ولا يحلو لي إفطار إلا وأنا أتابع إذاعتي المحببة إذاعة صفاقس وهي تقدم لي ولأفراد عائلتي طبقا متنوعا من الطرف والضحكات والأغاني والأناشيد الدينية والمدائح والأذكار والتفاعلات مع المستمعين والمسابقات…. ورغم أن هذه الإذاعة الجميلة والراقية تعرضت للعسف والضيم من طرف النظام السابق… وتم التقليص في مدى بثها الذي كان فيما مضى يبلغ العديد من الأقطار المجاورة ( حتى أنني لا زلت أذكر كم المستمعين الأوفياء لإذاعة صفاقس من الشقيقة ليبيا ومن أبناء جاليتنا بإيطالياوالذين كانوا دائمي التواصل معها) … وحتى أنا عندما عينت مدرسا ذات سنة 1998 في أحد القرى النائية من الشمال الغربي التابعة لمعتمدية غار الدماء.. كنت أشعر بدفء التواصل مع مدينتي وأهلي كلما فتحت المذياع للاستماع إلى إذاعتي المحببة والأصيلة إذاعة صفاقس…. وها نحن وبعد ثورة ديسمبر 2010 _ جانفي 2011 ونحن نرى هذه الطفرة الكبيرة في المشهد الإعلامي وهذا الكم الكبير من الإذاعات التي أصبحت تملأ الساحة الوطنية.. فإن إذاعة صفاقس لازالت تحافظ على ألقها وعلى سمعتها كمؤسسة إعلامية تتمتع بالمصداقية والموضوعية والرقي والذوق الرفيع … لا زالت إذاعة صفاقس صرحا للفن الأصيل والكلمة الهادفة والمعلومة الصحيحة والمواقف المتزنة … إنها بالفعل مثل الواحة في مشهد إعلامي متخم بأسماء وعناوين كثيرة.. لكنها في كثير من الأحيان أبواق لجهات معينة وأدوات لخدمة مشروع تغريبي ممنهج… إذاعة صفاقس .. تلك التي تشعرك أنها دائما بالقرب منك.. إذا استعصى عليك أمر ما .. فإذاعة صفاقس تحتضنك وتصغي إليك وتنقل مشاغلك إلى المسؤولين.. إذاعة صفاقس تربط الصلة بينك وبين مدينتك العتيقة و "بلادك العربي" وتنشر عبق التاريخ عبر أمواجها… إذاعة صفاقس تبعث الأمل والتفاؤل فيك عبر برامجها الترفيهية والمنوعات… تقدم لك النصائح الطبية… وتعلمك كيف تعتني بحديقتك… وكيف تعد أنواعا من الأطباق والحلويات.. إنها تثقفك دينيا وعلميا واقتصاديا وسياسيا… وتخبرك بكل الأنشطة الثقافية والعلمية بمدينتك… إنها همزة وصل .. إنها جزء لا يتجزء من هذه المدينة ومعلم من أبرز معالمها… إن كنت سعيدا فإذاعة صفاقس تشاركك سعادتك… وإن كنت قلقا أو مهموما فإذاعة صفاقس تواسيك وتأخذ بيدك… وإن كنت مغتربا فإذاعة صفاقس تؤنس وحشتك.. وإن كنت بعيدا فإذاعة صفاقس تطوي لك المسافات وتأتي بك إلى حيث أهلك ومسقط رأسك.. ولهجتك المحبوبة.. وسور صفاقس الشامج.. والبلاد العربي… والمرقة بخبز الشعير… والله الله يا بابا… وريحة لبلاد يابا تنبعث عبقا عبر أمواج إذاعة سرى حبها في شرارين وأعماق إبناء هذه المدينة… كل عام وإذاعة صفاقس بألف خير… كل عام ومدينة صفاقس بألف خير…