ليس غرضُنا البحث في المنزلة المتميّزة التي يحظى بها رقم 4 في تاريخ الشعوب و الحضارات ، لسنا قاصدين الحديث عن العناصر الأربعة و لا عن الفصول الأربعة أو الرياح الأربع ( الصبا ، الدّبور ، الشمال و الجنوب ) و لا حتّى عن المذاهب الأربعة أو الحقائق الأربع ، أو العزلة بين حيطان أربعة ، أو عن نائب إستفزّ ناخبيه بأصابعه الأربعة ، و لا حتّى عن الزواج بأربع أو عن تلك التي خطبوها أربعة فكان حصادها أربعة إلاّ أربعة ، و إنّما غرضُنا رصد مفارقات معيشنا اليومي بإتجاهاته الأربع . 1. الماء ثروة وطنيّة ، بهكذا شعار أقنعتنا شركة توزيع المياه بومضاتها التحسيسيّة ، فتحمّلنا إنقطاعات الماء الروتينيّة ، و تضخّم فاتوراتها الكيْديّة ، في ذات الوقت الذي نُلاحظ فيه إهدارا للماء بالأزقّة و الأحياء الشعبيّة ، و الحال أنّ العطب لا يستدعي حتّى إستغاثةإذاعيّة ، الشركة تُحمّل المقاول المسؤوليّة ، و المقاول يشتكي ضائقة ماليّة ، و الحصيلة : إهدار للثروة الوطنيّة ، يدفع كُلْفتها ” شعب يُريد ” أن يكون ضحيّة . 2. رقم قياسي في المديونيّة ، يُقابله تشكيل حكومة أربعينيّة ، بكُلْفة خياليّة ، حكومة قائمة في معظمها على المحسوبيّة ، دون مراعاة الجدارة و الكفاءة و الأهليّة ” و إذا تعاطى الحاكم التجارة ، فسُد الحكْم و فسدت التجارة ” ( إبن خلدون ) . 3. نُكابد المديونيّة ، و نحن نُتابع بمرارة تعطيل إنتاج الثروات المنجميّة ، لنقف على مفارقة عصيّة : ما يُفْترضُ أن يكون ثروة وطنيّة أصبح عبء على الميزانيّة ، مفارقات طالت المحاصيل الفلاحيّة التي حقّقت أرقاما قياسيّة ، بعضها حُرق لأغراض إنتهازيّة ، و بعضها سُكب على الأرض كحركة إحتجاجيّة ، و البقية تنتظر الجنْي أو التصدير في غياب رؤية إستراتيجيّة . 4. في البطالة حطّمنا أرقاما قياسيّة ، و البعض من شبابنا يُؤثر مغامرة الهجرة غير الشرعيّة ، أو ملازمة المقاهي و مُداعبة النرْجليّة ، مُعْرضا عن الأعمال الفلاحيّة ، و ها نحن نعيش على وقع زحف اليد العاملة الأجنبيّة ، ذات الأصول الإفريقيّة . 5. و ” الشعب يُريد ” و ” يُحقّق النصر تلو النصر ” بإرادته الشعبيّة ، تُنظّم جمعياتُه المدنيّة ، حملات مقاطعة لبضائع إستهلاكيّة ، و النتيجة لهفة على إقتنائها بكلّ إنتهازيّة ، بضائع تكاد تُحوّلنا إلى ولاية تركيّة ، من الحلويات إلى الأحذية و الملابس و حتّى التجهيزات الصحيّة ، لا عزاءبعْدها لمنتوجاتنا الوطنيّة ، لاتنسوا أنّنا في ” حالة وعي ” على الطريقة المخلوفيّة . 6. ندّعي التقدّميّة أو نحمل شعارات ثوريّة أو قناعات دينيّة ، فنلْعن بعض البرامج التلفزيّة ، ننْعتُها بكلّ الصفات الإستهجانيّة ، و لكنّنا نتسمّر أمامها كلّما تعلّق الأمر بمشادات كلاميّة ، أو بفضائح عائليّة ، فما أجمل أن نتستّر على عيوبنا و نراها عند غيرنا دون وعي بحالتنا العُصابيّة . 7. ملتزمة دينيّا لا تُصافح الرجال باليد أو بالبنان ، و لكنّها تجلس حذْو رجل غريب دون مسافة أمان ، و ذلك بتاكسي آخر زمان ، و الله غفور رحمان . غير بعيد عنها شابّة سترت ” عورة ” الشعر بحجاب، و لكنّها حفرت في بنطلونها شبابيك كإذاعة للشباب. 8. و من فضائل التلفزة التي ندفع لها مع فاتورة الكهرباء ،أن أعادت ” مزاودي ” قديم إلى عالم الغناء ، بعد أن أوجع رؤوسنا بتوبة غرّاء … و من فضائلها أن حوّلت ” عمّ المختار ” إلى قرد يُجيد الرقص على كلّ الأوتار ، قرد يلْهو و ينُطّ و مؤخّرته بادية للأنظار ، أذُناه مُنتصبة كالرادار، إن تبسّم أسنانُه منشار ، و إن تحدّث يأخذك الدُّوار ، فمن منكم يتطوّع لإقناعه بأنّ ما يأتيه وصمة عار ؟